أحمد الملك - نورا ذات الضفائر..

مات الشيخ النور ود حمدان، طوال سنوات كان يمثل للقرية سلطة دينية علاجية، وكان من النادر ان يحتاج أي من اهل القرية الي خدمات الطبيب حيث المستشفي الذي يقع علي بعد حوالي عشر كيلومترات ويمكن الوصول اليه عن طريق المواصلات القادمة من مدينة ارقو او عن طريق الحمير، كانت وفاة الشيخ متوقعة منذ عدة اشهر وهو يعاني غيبوبة شبه يومية كما ان هلوساته العلاجية باتت جزءا من الاوهام اليومية.
تم الدفن في يوم قائظ في شهر اغسطس، كان الزين ود الحاج هو احد الذين طلب منهم الذهاب الي المقابر قبل وصول الجثمان للإشراف علي حفر القبر، وجد مجموعة من الشباب يقودهم الطاهر ود ابراهيم يقومون بالحفر وفجأة لمح شاهد القبر الذي كان الشباب يحفرون بجواره :
هنا قبر المرحوم عبد الرحيم حامد عبد الرحيم، صديقه الذي انتقل فجأة الي العالم الاخر، تذكر أيام صداقتهما الغابرة ولحظة إبلاغه بخبر وفاة صديقه عبد الرحيم كان مخمورا حتي أنه لم يستطع فهم الخبر وضحك هازئا من الطاهر ود ابراهيم الذي نقل اليه الخبر، في تلك اللحظة حينما رأي شاهد القبر استطلع للمرة الاولي البعد الكوميدي للمأساة فقال :
والله رقد رقدة ! عليك امان الله يكون في الساعة دي مزنوق زنقة كلب في طاحونة، الجماعة حيسألوه ليك العرقي الشربو، ويوم مشي معاي الانداية والبنت المشينا ضاجعناها، يمين يكون هاري هرار! .
وضحك الطاهر ود ابراهيم وقال : يعني انت فاكر اليوم دة ما جاييك ولا شنو، اخير ليك يا الزين بعد دة تستعد العمر فات، فقال الزين : صحتي زي الحصان وانشاء الله انا اللي ح احفر قبرك يا حلاق الحمير!
لاحظ الطاهر : ما تنسي رمضان داخل وهسع حنسمع مرض الكلي قام عليك! وحتقوم تاني تسك الدكاترة!.
ضحك الزين وقال : والله صحي رخصة السنة الفاتت دايرة تجديد! السنة الفاتت كنت بمرق كل يوم تمن واحد فول، الفقرا قالوا لي تمرق تمن وجبة واحدة من غالب اكل ناس البلد، يي الفول، آخر الشهر فارس المجنون قال لي : مسكينك دة ما طلعت عينو كل يوم فول .. فول ، ما تأكلو يوم كبدة ولا كباب!
الا ورونا مين حيخلف الشيخ ؟
والله يقولو عندو ولدا كان طافش في بورسودان ويمكن يجي يستلم مكان ابوه، لكن الناس خايفين ..
- ليه خايفين؟
قالوا ولد خايب بتاع نسوان وكمان ما يقدر ينوم لو ما شرب العرقي ! غايتو يمكن ينفع معاك يا الزين!
ضحك الزين وقال: يا زول دة فقير موديل حديث جدا!
غطي الزين وجهه وابتعد قليلا من التراب المتصاعد من القبر وصوت عراك المعاول مع الارض الصلبة وتساءل: وليه طفش من البلد؟
مسح الطاهر العرق والتراب من جبينه وقال:
قالوا ابوه زمن طويل ما كان راضي عن افعاله، بالليل سكران وبالنهار نايم، حتي ما كان يحب انه يقعد معاه في الاكل ومرة كان في ضيوف مع ابوه، وجاءت صينية الغداء ولم يستطع الاب طرد ابنه من الاكل حتي لا يشعر الضيوف بشئ فأمسك بالليمون وعصر في الاكل كله حتي فوق الكستر وكان الابن يكره الليمون فترك الاكل ثم سافر بعد أيام وانقطعت اخباره فترة طويلة.
قال النور ود بابكر وهو يضع حجارة الطين الضخمة التي تستخدم في تثبيت القبر بجانب القبر: وكت عدم حق العرقي بقي يسرق البخرات من ابوه يبيعها في السوق الاسود للناس البيرفض الشيخ يقابلهم!
وقال الطاهر ود ابراهيم وهو ينفض التراب من عمامته بعد ان فرغ القبر: واها لغاية ولد الشيخ ما يجي حنعمل شنو ورمضان داخل حنعيش في فراغ دستوري زي ما بيقولوا في الراديو! فقال النور ود بابكر : فراغ ليه ما عندك شيخ الصاوي وشيخ بدر!
ضحك الزين وقال شيخ الصاوي ما سمعتو قال شنو لزينب بت حاج عبد الجليل لامن مشت تسأله حل لي جري زوجها حسين بابكر ورا النسوان، عارف قال ليها شنو؟ قال ليها وعرفتي كيف انه قاعد يمشي لنسوان تانيين قالت ليه حمامو كتر كلما يرجع البيت يدخل ياخد حمام.
سألها وهو قعد يجيك بالليل عادي نقص عليك حاجة؟ قالت ليه قاعد يجيني عادي وما منقص أي حاجة ! فقال لها طيب الحسادة العليك في شنو؟ انشاء الله يمشي لنسوان الدنيا كلهم انت مالك وكت ما مقصر معاك!
ضحك النور وقال : هو الحاسد يحسد حتي اخوه شيخ بدر، حكت لي نفيسة بت ود الماحي قالت مرة مشيت مع نسوان ضيوف وديتهم لي شيخ بدر ايام مرض الشيخ النور ود حمدان ومعروف ان شيخ بدر عالج مشاكل النسوان اللي ما قاعدين يلدن رغم انه هو نفسه لم يلد رغم زواجه من ثلاث نساء،وفي طريقنا مرينا بشيخ الصاوي لقيناه قاعد قدام البيت : نادانا قال لي تعالي يا بت ود الماحي انتي لسع رافعة نخرتك في السماء متل ابوكي، قلت ليه اوعاك تجيب سيرة ابوي، ابوي كان ارجل زول في البلد دي كلها، قال ما قلنا حاجة سايقة النسوان ديل واداهم وين ؟، قالت له واداهم لشيخ بدر، فوجه كلامه للنسوان معي : تسون شنو عند شيخ بدر ؟
فقلن له: دايرنو يدينا الجنا! فقال: هو كان لقي الجنا عشان يديكن!!
ضحك الزين حتي جلس علي الارض وقال: شيخ الصاوي قبل كم سنة اتزوج بت عمك سليمان حاج علي، وسليمان قالوا زمان كان مشهور بحب العرقي والمريسة بعدين قالوا يسكر ويجي شاقي الحلة بالليل يظرط بصوت عالي ، كلما الناس يسمعوا صوت الضراط يعرفوا زولك سكران شديد، شيخ الصاوي عرس بتو، جاب منها ولد ، الشافع يشبه والد شيخ الصاوي الخالق الناطق، يوم كنت قاعد معاه والشافع دخل علينا، قلت ليه الولد نفس خلقة جدو، أنا صغير شفت أبو شيخ الصاوي كان رجل طويل أخدر، وكان وجيه يلبس هدوم سمحة خلاس لامن يجي شاقي الحلال بحمارو النسوان بيزغردن، يفتكرنو من الاشراف! وكت قلت لشيخ الصاوي ولدك شبه جدو ضحك وقال لي برضو ماخد حاجات من جدو التاني، يقصد طبعا سليمان حاج علي والد زوجة شيخ الصاوي.
قلت ليه كيف؟
قال لي الشافع الليل كلو يظرط!
لاحظ النور ود بابكر: بالله انت شفت والد شيخ الصاوي والله يا الزين انت بقيت قديم خلاص وزي ما الطاهر قال ليك حقو تستعد بعد دة، عبد الرحيم بيكون هسع راجيك!
وضحك الزين وقال: يكون لسة إخر سكرة ما فكت بعد الدق الدقوه ليه! تذّكر الزين شيئا وضحك، سأله الطاهر : مالك بتضحك؟
قال الزين: عبد الرحيم الله يرحمه ما كان بيحب الفقرا والشيوخ، مرة قلت ليه نمشي نزور شيخ الصاوي قال لي دة رجل باطل، فقير نسوان، وكت اصريت عليه مشي معاي، الصاوي عارفو ما بيحب جهة الشيوخ ، قال ليه عبد الرحيم الجابك علينا شنو تكون داير تموت وجايي تاخد العفو!.
ضحك عبد الرحيم وقال وعفوك داير يعمل لي شنو انت بقيت نبي؟
ضحك شيخ الصاوي وقال له: ما بنسوقك بعدين معانا الجنة!
قال عبد الرحيم: الله لا يلمني معاكم في جنة، يديني ناري براي!
ضحك الطاهر وقال: غايتو الله يرحم شيخ النور والله رجل ما بيتعوض كرم وادب وتواضع ، كان متميز حتي وسط أولاد عمو ناس شيخ الصاوي وشيخ بدر، بمحبتو واحترامه الشديد للكبير والصغير، وكان يحب النكتة، مرة واحد من حيرانه شيخ عثمان ود فاطمة قاعد يتونس معاه الشيخ قال ليه يا عثمان سمعنا ولدك ساتي بقي غناي وبقي يغني في الاعراس بالقروش والكلام دة حرام ، فقال عثمان : ما قاعد يجيب لينا المصاريف!، ويضحك الشيخ من رده، وكان يضحك دائما من كلام شيخ الصاوي وذات مرة قال له : يا الصاوي انت ليه ما قعد تحضر معانا صلاة الصبح في المسيد وكان الوقت شتاء في شهر طوبة، قال له ما شايف الامين ود محمد قاعد يحضر رغم ان بيتهم ابعد من بيتك، وكان الأمين في شبابه مشهورا بأنه هو من يطلق الرصاص في حفلات الاعراس ليعلن عقد الزواج فتزغرد النساء وذات مرة أفلت البندقية من يده فقتلت الطلقة امرأة عجوز حبوبة ناس بابكر ود النور، ماتت العجوز وعافاه اهلها.
فيقول شيخ الصاوي لشيخ النور: شيخ الامين ليه حق يطق المشوار .. كاتل رقبة انا ذنبي شنو في البرد دة !.
قال الزين ود الحاج وهو ينفض التراب من جلبابه: غايتو شيخ الصاوي مافي زول قدر يمقلبو غير فارس المجنون، حكي لي فارس مرة قال: مرة انا قاعد في البيت في امان الله افكر يا ربي الليلة حنلقي حق العرقي وين، سمعت واحد خبط الباب، فتحت لقيتو عثمان الفقري وطبعا عثمان انت عارفو ما سموه فقري ساكت اذا داير منك حاجة يفضل وراك بالليل والنهار لغاية ما تكره روحك وتديه حقو بالزيادة عشان يتحل من رقبتك، فتحت الباب لقيتو واقف زي الشيطان، قلت ليهو اتفضل قال ما داير معاك كلام داير الامانة، يقصد الف جنيه كان شلتها منو يوم في سوق السبت الله يجازي المرة كلو منها.
المهم فكرت القي منو يحلني من الورطة دي اتذكرت شيخ الصاوي طبعا زي ما انت عارف كان عندو مشاكل مع الوالد في أرض واشجار نخيل،حتي أبوي قالوا كان عنده قولة مشهورة ، أيام قالو شيخ النور كان عيان بقي شيخ الصاوي يجي يصلي بالناس الجمعة، أبوي مشي يصلي لقي شيخ الصاوي طلع المنبر قام طلع من الجامع قبل الصلاة، الناس سألوه ليه ما صلي قال ليهم ناس شيخ الصاوي يوعظوا فينا ويقولوا الدنيا يومين اتذكروا الموت ويزحفوا علي واطاتنا ونخيلنا!، اتوكلت مشيت عليه، وقلت للسجم عثمان الفقري اقعد لغاية ما القهوة تجهز انا راجع ليك، كنت شوية ملخوم خايف ارجع فاضي ويشيل عثمان الفقري حالي، نسيت حتي ادق باب بيت الصاوي، دفرت الباب ودخلت، اول مرة اعرف انه فكي كنت قايل الزول بيستهبل ساكت لامن يتكلم في السوق ويقول للناس تعالوا لي انا بعالجكم، ومرة قالوا قال للطيب ود بشير وكان عندو مشكلة مع ناس الامن، مرة وقف في السوق وسط الناس وشتم الحكومة علي الغلاء وعلي الشباب البيودوهم يموتوا في الجنوب وقال بالله المنافقين يودعوا الاولاد المرسلنهم الجنوب يقولوا ليهم : أها نتقابل في الجنة! فرسلوا ليه استدعاء عن طريق اللجنة الشعبية، واحد اظنه الطاهر ود ابراهيم والا مين ما عارف قال ليه احسن امشي لشيخ الصاوي قالوا عندو حاجات قوية يعملها ليك يحميك من الناس ديل لأنو الشايفو كدة انت مدقوق مدقوق!
الغرقان يتعلق بقشة مشي لشيخ الصاوي اداه حجاب وقال ليه بعوضة ما تقدر تهبشك! عليك امان الله الزول صدق ومشي ناس الامن دقوه دق الرخصة! وجابو رموه في الحلة جنازة، لامن اهلو بقوا يستعدوا للفراش، شهر كامل ما قادر يفتح خشمو ولا يتحرك، كل عضمة في جسمو براها، قعد ابراهيم البصير قصادو شهر يرص في العظام ويجبر الكسور لغاية ما الزول اتحرك واهو لغاية الليلة بعكازين!
اها انا كنت قايل قصة شيخ الصاوي فكي هزار ما جد، لغاية ما دفرت الباب لقيت زولك قاعد وسط النسوان يكتب في البخرات، اول الباب اتفتح رفع رأسه ونهرني : الجابك هنا شنو يا ابن الكلب! جاي تتم البداه ابوك!، قاطعته زوجته التي كانت تقدم الشاي للنسوان، يا شيخ الصاوي ما تصبر تشوف الجاب الولد بدري كدة شنو يمكن امر مهم.
دخلت بعد كلام زوجته وجلست صامتا اراقبه وهو يعطي النسوان البخرات ويصف لكل واحدة بعد ان يسمع مشكلتها طريقة الاستعمال واحضرت لي زوجته كوب شاي شربته بسرعة وفي تلك الاثناء كان هو اثناء كتابة البخرات يلتفت نحوي كل شوية شاتما: وكمان تشرب في الشاي مش كفاية أبوك أكل حقنا! راقبته وهو يمارس عيادته الجماعية ولاحظت انه يعرف مشاكل النسوان حتي قبل ان يحكوها له، يقول لفاطمة بت النور : اها الراجل استعدل ولا لسة مفكر في العرس، فتقول له لسة تراه يفتش في واحدة صغيرة! فيقول لها ولا يهمك انا اعمل ليه مصيبة تخلي ذكره ما يقوم ولا حتي للبول!
واغرب حاجة هو بيسأل كل مرة قبل ما يديها البخرات سؤال تقليدي يقول ليها : بتصلي ؟ لأن المفروض اذا المرة ما بتصلي ما يديها البخرات قام ادي بت عمك بشير الساكنة الخرطوم بخرات مدت ليه القروش وفي اللحظة دي سألها : انتي قاعدة تصلي؟ اتفاجأ وكت قالت ليه لا ، ما عرف يعمل شنو وهو مادي البخرات والقروش ممدودة ليه! قام حسم امره بسرعة مسك القروش ورمي ليها البخرات وقال : تصلي ولا ما تصلي انا مالي!
وكان كل ما اعطي واحدة من النسوان البخرات تعطيه المرأة البياض في يده او تدس القروش امامه تحت البساط الذي يجلس عليه، وفجأة انشغل مع سكينة محمد النور المرة البتعيش في السعودية قعد يسمعها باهتمام لأنو عارف ان البياض بتاعها بيغطي معاه حق كم يوم!قعدت تشكي ليه ولدها الصغير لسه بيبول في السرير رغم انه عمره عشرة سنوات.
يا زول أنا إنتهزت فرصة إنشغالو مع المرة المغتربة وبس قمت زي الهوا رفعت البساط وخمشت من القروش التحت البساط وجري!وصاحبك وراي جاري زي الكلب ما تقول عمره سبعين سنة! وصوته زي الرعد يكورك: علي الطلاق إنت إبن حلال أبوك كان عايش كدة!
رجعت البيت لقيت عثمان الفقري شرب القهوة يمكن خمسين مرة وفطر وقاعد راجي الشاي، يعني خلص حقو بالزيادة وبعد دة قاعد! رميت ليه قريشاتو وقلت ليه يا سجم الليلة كان داير تخرب بيتنا لو ما ربك ستر!
ضحك الطاهر ود ابراهيم وقال : فارس مصيبة كبيرة، لكن دة كلو كوم والكلام السمعتو من النور علي دة كوم تاني، النور حكي لي قال السنة الفاتت لامن جة اجازتو من السعودية مشي لشيخ الصاوي اشتكي ليه إن ذكره ما بيقوم زي الأول، قال ليه يمكن زول عامل لي عمل ولا حاجة، كتب ليه بخرات أداها ليه وقال ليه استعمل البخرات دي بتنفعك وكمان قالوا في حبوب جديدة سمحة خلاص،يقولولها فاجرة ولا باجرة ما عارف اذا لقيتها بالله جيب لي معاك شوية!
في تلك اللحظة جاء فارس المجنون وهو يرتدي ملابس انيقة وتفوح منه رائحة عطر رخيص وقال : قاعدين في الونسة والناس ديل خلاس جايين !
فقال الطاهر ود ابراهيم : يا اخوي نحن خلصنا لينا زمان، ما ذيك شغالين بالفارغة ومالك لابس كدة، يمكن فاكر حيختوك مكان المرحوم! .
فضحك فارس المجنون وقال : والشغلة دي يعني صعبة علي، الفراسة في ولو دايرة شوية كضب ولخبطة بنتعلمهم !
فقال الزين : وانت محتاج ! بلا الهمبتة والكضب شغلك شنو!
فقال فارس :الزين وكت مشيت نزلت الانتخابات وسقطت الوقف معاك منو غيري !
قال الزين : يا زول انا اصلي السقوط ما بيهمني !
قاطعه فارس المجنون : عارف.. من زمن المدرسة! قالو انت وابوي اول أولاد يودوهم المدرسة زمان ايام الانجليز، وقالوا انت دائما كنت الطيش وأبوي نايبك عشان كدة دائما كانوا يعملوك الالفة، حتي دي ما نجحت فيها وكنت بتسجل الاولاد كلهم مهرجلين الا ما بتكتب الاولاد اليجيبوا ليك البلح والنبق! يعني انت من يومك كنت مرتشي بالفطرة ! قبل ما تعرف الرشوة يعني شنو، وقاطعه الزين : يا كضاب انا كنت الطيش ولا ابوك فصرخ فارس : علي الطلاق انت من يوم دخلت المدرسة لامن فارقتها ماسك الدفة، أبوي حكي لي قال مرة ليلة الامتحان جة الاستاذ الخواجة لقاك قاعد قدّام الفصل وشايل طنبور وطبعا تكون داسي قزازة العرقي في محل قريب، الاستاذ قال ليك ما قعد تذاكر ليه الامتحان بكرة؟ فاكر انت قلت للاستاذ شنو؟ قلت ليه انا عاوز احافظ علي مستواي!
وقاطعهم الطاهر ود ابراهيم: يا اخوانا سيبو الكلام .. الجماعة ديل جايين.
أمام دكان العم سليمان كان فارس المجنون جالسا وقد أعلن أنه بصدد إقامة حفل شاي إستعدادا للزواج، قال الزين ود الحاج : أوع تكون حفلة زي المرة الفاتت لميت القروش من الناس عشان العرس وزغت بيها الخرطوم!
ضحك فارس المجنون وقال: يا زول نعمل شنو قلنا نغترب، مشينا ستة شهور نزح في صفوف العمرة ويمكن من الشهور الستة دي تلاتة في الصف وتلاتة جاري من ناس الخدمة الوطنية، قالوا الجواز ما نافع مشينا غيرناه بعمر كبير برضو ما نفع غايتو قسمة مافي ! وضحك الزين ود الحاج وقال متذكر يوم جيت مسافر من هنا وقال شنو ماشي السعودية والنسوان ماسكنو يدوا الوصايا لأولادهن، وإنت الوكت داك جنسية ما عندك! راخي أضانك لقيتها فرصة تعرف أخبار المغتربين، فلان الداير يعرس وفلان الداير يطلق!
ضحك فارس وقال : فترنا من الفلس قلنا نمشي نرتاح شوية وناكل الأكل النضيف، تعبنا من الويكة، إلا ربك ما اراد! .
فقال الزين : يا زول ولا يهمك بكرة تسهّل وتسافر العمرة وتجينا بعد كم سنة لابس السكروتة ومركوب جلد النمر وريحتك نشمها من قبل ما توصل الحلة.
فقال فارس المجنون وهو يلصق سيجارة القمشة بلعابه : ليه أصلو فطيسة! المشكلة حسع داير أوسّع البيت شوية، الحوش ضيق، الأرض قدام بيتنا كانت تبع الشيخ النور وقلت أستغل زحمة أيام العزاء وأستولي علي حتة واطة إلا الوالدة أبت، قالت لي الراجل دة كان صالح وإيدو لاحقة، حتي بعد ما مات.
هسع داير أمشي أشوف ولده لو يتفاهم معاي، خايفو يقوم يطمع في وانا يا دوب لميت قريشات العرس .
قال عمك حسين : شيل ليك عتود وأمشي ليه قالوا زول كويس بيتفاهم معاك.. ضحك فارس وقال : الزول الهجر البلد عشان ليمونة يا ربي بيتفاهم! وقال الزين : بدل العتود شيل ليك جركان عرقي أحسن!
ضحك فارس وقال : أبوه كان رجل فاضل ويحب الخير للناس ، مرة رسل لي مرسال وكت مشيت لقيت معاه زول ضيف الظاهر قريبهم لكن مطول من البلد، قال لي الزول دة جايي بعربيته من الخرطوم وهسع داير ليه سواق يكون معاه لغاية ما يقضي مشاويره ، الشيخ كان يحب الهزار: قلت ليه زولك دة مضمون ولا بعدين يقوم ياكلنا في حقنا! ضحك وقال لي : دة زول حاج!
قلت ليه: بلا الحجاج المصايب جاية من وين؟ وحكيت ليه قصة الزين وكت جة من الحج قالوا اول شئ قبل ما يسلم علي الناس وقع طرف الحلة يفتش المريسة، اخر الليل جة الحلة سكران، لقي النسوان راجنو بالزغاريد، وضبحوا ليه خروف عشان ينط بي فوقو قبل يدخل البيت، عليك امان الله الزول طينة ما قدر ينط الخروف الا الجماعة شالوا شيل نططوا فوق الخروف! مشيت مع قريبو سايق ليه شهر كامل، أطلع بهنا، لف بجايي، رجل صعب ومفتري وما يقتنع الا بكلامه هو بس الصح والباقين كلهم غلط. كل يوم عامل معاي شكلة.
دة ما الطريق أمال انا جايبك ليه وانت قاعد فوق الدريكسون زي اللوح!
العرقي دة انت قاعد تشربو ولا تستحم بيه؟
ليك كم شهر ما استحميت؟
غايتو قلت نستحمل لغاية ما نشوف اخرها يمكن نلقي لينا منو قرشين، الميزة الوحيدة في الشغل معاه، الأكل، عليك أمان الله محل ما يقبل الناس ضابحة وراجياه، بعد كم يوم من الحوامة معاه عاين لي وانا سايق وقال : عملت ليك جضوم في الكم يوم ديل! عليكم الله شفتو جنس الحسادة دي!
في النهاية جة سواق تاني عشان يوصلو الخرطوم وقعدت انا قدام مسيد شيخ النور راجي الزول يجي يحاسبني، عليك امان الله ملطوع من الصباح ادخل وامرق ما جاب خبري في الاخر وكت جة يركب عربيتو وطالعين علي الخرطوم ناداني علي جنبة وملا لي جيبي بالقروش، من عاينت الورق لقيتو ليك أخضرمن النصيبة الجديد دة اللي يسموه دونار ولا دينار، شيخ النور لقاني واقف ورا شجرة قدام المسيد أعدهن، داير يشاغلني قال : وين عمولتي انا ما جبت ليك الشغل دة!. قلت ليه والله كلهن ما يمرقن مغصة يوم واحد مع زولك دة!
الشيخ ضحك وقال لي هسع هو برضو داير ليه زول يمسك ليه بابور في الجزيرة ويراعي ليه شوية أشجار نخيل وقال بيدفع ليه مرتب ونسبة في محصول النخيل، وأنا شايف ما تفوت الفرصة دي. قلت للشيخ ما بقدر، قال لي ليه؟ ضحك وكت قلت ليه : نحن بالبر ما لاقين بصارة دايرين تسجنونا بين بحرين!
المرة التانية مشيت ليه بعد كم شهر، الحال كان واقف، واصحاب الكوامر رافضين يدوني عرباتهم اشتغل فيها لأن قالوا يدي كعبة كلما أسوق عربية تتكسر وفي الزراعة ما نجحت المهم مشيت لشيخ النور قلت ليه الرزق وقف، سألني بتدور الفاتحة، قلت ليه لو في كاش اديني، بدور لي سلفية!، ضحك وقال كاش مافي، علّي بديك ورقة لي زول في دنقلا بيلقي ليك شغل.
أخدت الورقة ومشيت، ركبت من محلي لي دنقلا، لقيت بص امدرمان مسافر، في الاول فكرت اواصل فيه لي امدرمان تاني قلت عمك دة زول مبروك نشوف آخرو شنو، الزول وكت عرف انا من طرف شيخ النور جاني جري، وطبعا أنا أديتها كوز، وكت سألني :الشيخ يقرب ليك؟ قلت ليه الشيخ جدي وهو الرباني! الزول ما كضّب وقع فوق ايدي باسها! لامن أنا اتكيفت، الزول قال لي داير تشتغل شنو وريتو، اتصل بي زول كدة في المجلس وقال لي تمشي تقابلو وتستلم الشغل، وعزمني ليك نفس اليوم مشيت معاه البيت اتغديت معاه، وعندو ولدو ما بينوم الليل برضو عزمت ليه، ما متذكر قلت شنون طنطنت بي كلام كدة وتفيت للشافع في وشو، وقبضت البياض!
في الشارع مرقت البياض اعدو وقلت خلي بالك شيوخك ديل عايشين وهم يتفوا للناس في وشهم ويقبضوا قروش، مشيت استلمت الشغل في الصحة لكن برضو ربك ما اراد استمر فيه بعد شهر وقفت.
ضحك سليمان الاعرج وقال : كسرت ترلة الخرا كمان ولا شنو؟
ضحك فارس وقال: ذكرتني مرة سايق التركتر وجاري الترلة وراي نص الليل، شيطان صاحي مافي، وقفني ليك عسكري، قال لي : شايل شنو؟ قلت ليه : شايل خرا! نهرني ليك: اتكلم كويس! وطلع فوق يشوف الترلة عليك امان الله شم الريحة وقع في محلو ناشف!
وقال عمك حسين وهو يرسم علي الأرض أمامه خطوطا بمنجله و قد بدا من رنة صوته وكأنه يتحدث مع نفسه : ايوة يا أولادي أحسن تعرسوا، قالوا الحرب مسخنة، ناس الحكومة مزنوقين والضرب قالوا شغال ليل ونهار والناس ديل كلما يتزنقوا ما عندهم سكة غير يجوا يلقطوا الشباب، أحسن العرس، قالوا الزول المحمول ما بيسوقوا . وقال فارس المجنون يا زول الناس ديل ما بيفرزوا، صحي كلام الناس العساكر ما عندهم مخ، في الشتاء كنا في مشوار في أرقو رجعنا قلنا ننزل نشتري شوية أغراض من سوق السبت، لحظة نزلنا من البوكس كبسونا ليك ناس الخدمة الإلزامية، يا زول مرقننا كرعينا، جرينا جري الوحوش، لغاية ما دخلنا جوة المريق الحمد لله المريق كان غزير ما لموا فينا، جوة المريق لقيت سلمان ود عاشة، قلت ليه وانت كمان مالك، صلعتك وصلت لغاية ضهرك، قال لي الأولاد المجانين ما فرزوا كبير من صغير سكونا كلنا خلينا بضاعتنا مفروشة في السوق وجرينا.
الغريبة نحن قاعدين جوة المريق منتظرين العساكر يروحوا لقينا سوّاق البوكس الجابنا من ارقو حايم يلقّط الاجرة من الركاب !، طبعا ما كان في طريقة ندفع ليه مع كبسة العساكر، قلنا ليه يا خي ما تخليها كرامة مرقتنا المرة دي ، ضحك وقال يا اخوانا انا زول محمول اخوي رسّل العربية دي من السعودية وقال لي لو باظت تاكل نارك وحسع محتاجة لعمرة، والأولاد كل يوم يطردوهم من المدرسة عشان القروش.
غايتو لمينا جزء من المبلغ لكن في واحدين زاغوا جوة المريق، الجري الجروه من بتاع البوكس اكتر من الجري الجروه من العساكر! واكتر شئ ضحكني الطاهر ود ابراهيم قبل البوكس ما يوصل واحد قال يا اخوانا قالوا ناس الكشة حايمين الطاهر قال : طلاق تلاتة واحد فيهم يقرّب مني يا كاتل يا مكتول، وقال انا بأستغرب لامن اسمع واحد جري من عساكر الخدمة، ديل اولاد ما عندهم ادب راجي الله يوقعني في سكتهم عشان يعرفوا حاجة.
عليك امان الله ساعة الكبسة ديك وانا جاري نفسي مقطوع الا كان اشوف ليك مصيبة زي الصاروخ مرقت من جنبي دايرة تكسّرني انا قلت بسم الله دة شيطان ولا زول، أعاين القاهو ليك الطاهر ود ابراهيم ! يا زول قلت اذا كان صاحبك الفصيح دة جاري كدة نحن مفروض نطير عديل!
المهم اجتمعنا كلنا جوة المريق حكومة ومعارضة لقيت عثمان ود الحاج كمان، قلت ليه عجايب حتي الجبهجية كمان يجروا من الخدمة الالزامية، قال لي يا زول نحن مع الشعب جري نجري وقف نقيف!
قلت ليه داير تقنعنا كالعادة بالكلام الفارغ دة قام ضحك وقال: ديل اولاد صغار لغاية ما نفهمهم نحن منو يكون اللوري قطع بينا بلد تانية.
ضحك عمك حسين وقال انت عارف الطاهر اتعلم الجري الشديد دة وين؟ في السعودية، مرّة مشي العمرة وزاغ هناك لقي ليه شغل وقعد بدون اقامة، لامن يطلع الشارع كلما يشوف ليه كاكي يرقد صوف لغاية ما مرة قبضوه وجابوه رموا في بورسودان، والغريب عرفت انو حبه للسلطة عملها فيه، قالوا قاعد مع شباب عذابة وجهزوا الغداء، قام الطاهر قال الا يجيب سلطة لأن الاكل ما بيتاكل بدون سلطة، الجماعة قالوا ليه مافي داعي للسلطة، حلف طلاق يجيبها وطلع الطلعة الياها!
وكت جة ما قال للناس انو كشوه، سألتو انا قلت ليه الجابك شنو قال لي : فترت من الجري ! في تلك اللحظة جاء الطاهر ود ابراهيم، ناداه سليمان الاعرج : الطاهر تعال اسمع المجنون شايل حسك! قال الطاهر وهو يرخي جسده في الرمال، انا استاهل أنا الخليتو يقعد في البلد دي، حايم في الخرطوم صعلوك من قهوة لانداية وفي الاخر قبضوه في بيت مع بت حبشية مسك العسكري القبضو دقاه وشرد ركب الباص جة هنا، قعد فترة حايم من مسيد لي مسيد يبري في البكيات والسمايات، صينية الاكل اليقعد فيها الناس كانوا بيقوموا منها، يقولو الزول دة أكال وبيظلمنا، وكت أمه ضغطت عليه عشان يفتش شغل، لف علي الحواشات كلها يفتش زول يقبل يخليه يزرع معاه ما لقي زول.
الناس كلها تقول الولد المجنون اللي كل ما عمو كان يحاول يربيه، يركب الحمار ويلف الحلال يكورك: عمي راح في حق الله! يجوا الناس للعزا يلقو عمو ذاتو قاعد ياخد العزاء في روحو! اخرها عمو رسلو يوم السوق يشتري اسبيرات للبابور باع حمار عمو وخت قروش الاسيبرات في جيبو وركب الباص وطفش الخرطوم.
ضحك سليمان الاعرج وقال : يعني من صغرو، حرامي! وانت الخلاك تجيبو يزرع معاك شنو.
قال الطاهر: والله عشان خاطر أمو بس، جاتني حجة مك الدار الله يرحمها قالت لي: يا ولدي الولد دة في الحسبة ود عمك، ودحين بعد سنين طافش جانا ايد ورا وايد قدام وكمان مشي عرّس البت دي وهسع قاعد لاشغل لا مشغلة وناس البلد رفضوا يخلوه يزرع معاهم، وانا جاياك متوسمة فيك الخير.
قلت ليها خاطرك يا الحاجة فوق راسي، خليه بكرة من الدغش يجي يبدأ معاي وأهي لقمة ناكلها سوا.
الحقيقة انا ما كنت بعرفو كويس، قلت الولد المجنون بتاع زمان الكان ساكي حفلات الاعراس وضرب السوط يمكن عقل بعد ما سافر واتغرب، وبيني وبينك انا قلت اصلها السنة دة باين عليها نحس، البرد إتأخر لامن اضطرينا في النهاية زرعنا الفول في السخانة، والجاز الحكومة تدينا بالقطارة وأسعاره كل يوم زايدة، قلت كدة كدة أصلا الموسم ما حينجح أخير نكسب في زولك دة الأجر.
تاني يوم جيت الصباح الفجر لقيتو قاعد زي الشيطان متلفح في بطانية حمرا، البرد كان شديد، قلت ليه مالك سقطان؟ قال لي أخدت لي حمام في موية البابور الدافية.
قلت اشاغلو قلت ليه حمام مع الصباح زنيت ولا شنو؟ قال لي : أيوة! قلت ليه ما حرام عليك تزني وانت رجل عندك زوجة، قال لي: ما معاه هو ذاتو!
ضحك فارس وقال: يا زول والله الموسم الزرعتو معاك داك لليلة دي شايلك! لم يهتم الطاهر بتعليق فارس وواصل حديثه كأنه لم يسمع شيئا: أها أول أيام كان كويس، نشيط واي حاجة تقولها ليه جري يعملها، لامن انا استغربت وقلت ليه الناس ما يخلوا يزرع معاهم.
زرعنا الفول في الاول وسدينا البوغة وزرعنا شوية قمح للمونة وشوية شمار للمصاريف، مرتو كانت كل يوم تجيب الاكل، يوم غابت سألت منها قال لي: رجعتها أهلها! ماسألتو منها تاني لكن عرفت في الحلة انه طلقها.
في عز الموسم ونحن شغالين ننضف الفول من القش عشان نديه الموية التانية زولك يوم شغال في أمان الله، فجأة سمع ليك صوت البص المسافر لي امدرمان، لقيتو ليك متكيف من صوت ماكينة البص: قال لي والله عاملين ليهم كوز تمام! قلت ليه: وين في كوز تمام؟ ضحك وقال لي في كوزين بس تمام، كوز السبيل وكوز العربية! رمي الطورية وقال لي دقيقة برجع ليك، ومشي علي سكة العربات، بعد شوية شفتو متشعبط في البص تاني ما شفتو الا بعد تلاتة سنوات!
قال سليمان الأعرج: وحتي العربات البيحبها دي لدرجة يعرف من صوت العربية من مسافة بعيدة نوعها وموديلها، وحتي صاحبها، أها وبعد دة ما نجح فيها! أيام ساق ليه بوكس بتاع واحد مغترب، عدّم الحلة الدجاجة!.
ضحك العم حسين وقال : مرة ركبنا معاه، كان سايق بوكس بتاع شيخ الطيب، قلنا نمشي نشيل الفاتحة مع أولاد عمك نورين بعد ما جوا للعزاء من السعودية، قعدنا في البوكس بورا أنا وحاج النور وعمك سليمان، في نص الطريق، العربية طوحت منو في الرمال، شتتنا كلنا في الارض، وما كلف نفسه حتي ينزل يشوف لو في زول مكسور ولا حاجة، عاين لينا ونحن راقدين في الرمال، الوقوف غالبنا وكورك: ما تقوموا تنفضوا هدومكم وتجوا تركبوا!
عمك سليمان راقد فوق الرملة علي صفحتو ويقول : جزاك الله خير يا ابني!
خبط سليمان فردتي مركوبه مع بعضمهما لينظفهما من التراب استعدادا للذهاب وقال: الايام ديك شيخ الطيب ساقوا وداه للشيوخ وكت لقي الاكل السمح بقي خليفة، لبس ليه عراقي أخضر وشال ليه طار واليوم كله يرقص في حلقات الذكر،بالأكل السمح، الضلع والبقلاوة، في شهرين سوا ليه فقرة السيف ما يرميها، يجي شاقي سوق السبت ما في زول يقدر يتكلم معاه، لقيتو ليك مرة واقف في سوق السبت قدام دكان سعيد سيد يمهزر في عسكري، وسعيد مبسوط طبعا يحب الناس يتشاكلوا قدامو، قلت ليه الحاصل شنو قال لي : خلي يديهو، العساكر سقونا الويل!.
من اليوم داك وسعيد مقعدو جنبو، يجيب ليه الفطور كبدة وكباب وكل شوية حاجة باردة وشاي، وكلما يجي زول سعيد عندو مشكلة معاه، يأشر لي فارس براحة، فارس يقوم في الزول بلا سبب قومة الكلب في الطاحونة، واذا الزول ما جر واطي وبقي لازم يتضاربوا، سعيد يقول ليهم عليكم الله امشوا اتشاكلوا برة السوق، هنا بتطفشوا علينا الزباين، وكل غرضو ان ما يجي واحد يحجز الجماعة من الشكل، بعد شوية الزول يجي مدقوق دمو سايل وفارس يجي زي الحصان، سعيد يقول ليه انشاء الله جيهتو تمام، وكت فارس يقول يا زول أدبتو ادب المدائن، سعيد يكورك يا ولد جيب الحاجة الباردة والشاي، وخلي محي الدين صاحب المطعم يرسل لينا زبادي عشان ناكلو بالطحنية.
اها سعيد لغاية ما يصفي مشاكلو مع الناس صرف علي فارس قروشو كلها وفي النهاية قفل الدكان، قال لي والله اتفشيت في الناس الاكلوني لكن راسمالي كلو راح زبادي وطحنية!
ضحك الطاهر ود ابراهيم وقال: والله شغلة رباطي ديك كان أخير من قعادك ساكت دة، مرة لقيته في سوق السبت راقد فوق عسكري وخانقو، والعسكري يكورك : يا فارس انت ما بتحترم الكاكي دة! فارس يقول ليه : أنا بأحترم الكاكي لكن ما بحترم الجوة الكاكي!
ضحك فارس وقال: حليل ايام سعيد سيد والله كانت أيام سمحة، خدمتي بس هو يأشر وانا أدق، مرة أشر لي زول، الظاهر كان قاصد زول تاني بعد خنقت الزول جة مسكني ليك في طولك في عرضك فكيت الزول! مرة مشيت معاه الجزارة اشترينا لحمة كان يقول لي لازم تظهر قدامي وكت أمشي الجزارة، الجزارين بيخافو منك ما بيغشو في اللحم، وكت اكون معاه يجادل في الجزارين من مركز قوة، يكورك فيهم انا عارف دة تيس وضنب الخروف دة مخيطنو فيه ساكت!،اها اشترينا اللحمة وراجعين شاقين زحمة السوق، كانت زحمة شديدة الله اعلم كان آخر سوق قبل العيد، سعيد فجأة وقف براحة قصاد جماعة أتاريهم بيتكلمو فوق سعيد ذاتو، كم نفر كدة قاعدين علي جنبة جنب النسوان الفارشات العطرون والكسرة، عمك راجل كبير يضحك وزول واحد طويل عريض من ناس الجزاير يحكي ليهم انو سعيد كان سكران معاهم ، كان في عرس في الجزيرة، بالليل سعيد سكر قام داير يفرتق الحفلة الزول الطويل وعريض مسك دقاهو لامن سعيد بال في هدومو!
وعمك العجوز الظاهر عنده تار مع سعيد يضحك ويقول يا خسارة يا خسارة.. بال؟ أها سعيد قال لي خمسة الاف وكرتونة طحينية لو خليت الزول الطويل العريض داك يبول في هدومه، وعمك دة ما بيتحمل انا عارفو باقي سكري وملاريا يقوم يموت في يدك يجيب لينا مسئولية أديه بس نهرة نهرتين خلي يبطل يجي السوق تاني!.
يا زول زولك عاجباهو روحو وكت قلت ليه يطلع لي برة السوق قال لي بلحيل، عليك أمان الله دقيتو دق الرخصة وبركت فوقه سففتو التراب، أبي ما يبول، قلت يا زول لازم نحلل الرزق، خنقتو ليك وكت الروح حرقتو فك البول، خليتو، رجعت لي عمك العجوز لقيته شرد خلي السوق!.
ضحك عم حسين وقال : طبعا لازم يكون عندك قوة قدر دي، ما دام قاعد ساكت بدون خدمة من يوم ما ولدوك!. وواصل فارس: بعدين سعيد ما بيفلس والله دة عنده قروش النار ما تاكلها! علّق الطاهر، سعيد دة هسع قبل كم سنة ما كان عنده حاجة كان في الصيف بيجي يشتغل الجالوص معانا وكنا بنسافر لا بحري بلاد المحس نفتش الشغل وكت نعدم الشغل بعد قطع التمر نحوم من مسيد لي مسيد نفتش الشغل، سعيد كان ملعون، كان ينتظر كلما تقوم الهبايب يمشي براحة علي الحيطان القديمة يرميها في الأرض، الهواء الشديد بيشيل الاتر والجماعة طبعا يقولو الهوا رماها، أها بعداك نجي نحن نبنيها! قدر ما اقول ليه الكلام دة حرام ما بيجي يقول لي يا زول الناس ديل عندهم قروش تقيلة المغتربين يرسلوا ليهم القروش وهم ما عارفين يودوها وين، مرة حكي لي قال الوالدة كانت عيانة وما عندنا قروش للعلاج، حكومة الكيزان عملت العلاج بالقروش، يا تدفع يا تموت، أبوي قال لي نعمل شنو، قلت ليه ما في حل غير نبيع التور، فعلا مشينا سوق السبت بعنا التور جاب ليه سبعمائة ألف، مشينا قابلنا الاخصائي ومعانا الوالدة، اها كشف عليها وقال علاج الحاجة دي بيكلف سبعمائة ألف!، أبوي ما كان بيعرف اللف والدوران قدام الدكتور قال لي انت الدكتور دة عرف نحن بعنا التور؟ ما قدرت أمسك نفسي من الضحك لامن الدكتور سألني قال لي في حاجة؟ قلت ليه: لأ ما في حاجة دة موضوع كدة! أها فجأة كدة من كم سنة أحواله بدت تتصلح وبطل يسافر معانا في الصيف لقطع التمور وشغل الجالوص، لكن طبعا زول لسانه متبري منو، لا بيخاف لا بيختشي، مرة قاعد جنبه في السوق وهو يسأل ليه مرة كبيرة جات تشتري منه حاجة، يشتكي ليها انه مرته والدة ويقول للمرة ان شهر كامل مر منذ ان وضعت زوجته ما كفاية؟ المرة تقول ليه: كنيقا سبري!؟ وهو بعد دة كله ما متزوج ولا حاجة!
قال سليمان الاعرج انا سألت سعيد مرة قلت ليه طردت فارس من الشغل معاك ليه؟ قال لي مسكتو التركتر عشان يشتغل في الحواشات بقي مشغلو طرحة جوة الحلة، يشيل في النسوان اتنين اتنين يوديهن بيوت البكا ويقعد يرجاهن يسمع منهن الاخبار، في الحصاد يربط الحصادة ويقول للجماعة أرمو الفول ويشوف ليه اقرب ضل طندباية يشرب عرقيه وينوم وكت يجو الجماعة يصحّو اذا الحصادة وقفت يقول ليهم ما عندي فكرة انا زول سوّاق ساكت، زول دريكسون، لو عملتو للبيت دة دريكسون بسوقو، لكن غير كدة ما بعرف!.
يوم قلت ليه يا اخوي الليلة اخر يوم بكرة ربنا يسهل عليك التراكتر ذاتو انا داير ابيعه، ما نابني منه غير الديون وكلام الناس، اها جة آخر ليلة في البيت سكران طينة دخل علي الوالدة كانت بتجهز في العشاء ، كانت بترمي في طعمية والزيت يغلي، دخل ايدو في الطعمية شال ليه حبة وايدو غلت في الزيت ما شعر بشئ من شدة السكر، والظاهر طردي ليه من الشغل كان واجعو، داير يعمل لي مشكلة مع الوالدة يقول ليها: الليلة سعيد ما سغير يا الحاجة! مفروض يعرس ليه مرة تساعدك شوية في شغل البيت وهو زول ضيوفه كتيرة ومشاكله كتيرة، وحيقعد لغاية متين يسك في مطاليق الحلة كسّر عيدان مريق المشروع كله، والدكان القفلو دة الناس قالو بسبب ديون العذبات، يشيلن الطلبات بالدين والحساب بالليل جوة المريق!.
يمرق برة ويرجع تاني علي الوالدة، شغّال يقول زي المسجل: الليلة سعيد ما سغير يا الحاجة! ياخد ليه صنة ويرجع تاني يدور الاسطوانة: الليلة سعيد ما سغيّر يا الحاجة! في النهاية قال ليها والله يا الحاجة عشان سعيد ابي يعرس ليه بت تجي تساعدك شوية في شغل البيت، أنا هسع خاليلو التركتر! يمد ايدو كل شوية لا قدام ويقول اها: زول ما بار بأمو مافي خير بيجي منو!، وانا مدسي اراقب فيه وميت بالضحك.
ضحك العم حسين وقال : سمعت قالو سعيد فلّس بعد ما قبضوا قافلة جمال كان مرسلها مصر بالتهريب! أمن فارس علي كلامه: يمكن لأن مرة رسلني لي جماعة شغالين في التهريب، عرب كدة ساكنين في الشايقية، ركبت البوكس بتاعو ومشيت اوصل أمانة لي زول، سعيد حذرني قال لي أوعك تنضم مع اي زول، شغلنا دة اهم شئ فيه السرية، وكت وصلت محل الزول ما لقيتو لقيت راجل شايب قاعد في الدكان، الظاهر أبوه، قعّدني وجاب لي شاي، قلت ليه انا داير فلان، قال لي الزول دة مشي مشوار ويمكن يتأخر لكن عندو وليدا نجيّض ننادي ليك يمكن يقضي ليك غرضك.
قلت ليه لأ أنا بنتظر الزول دة. والظاهر خاف من شكلي وعرف اني غريب من المنطقة، فجأة قال : الاسم!
انا اتخلعت من طريقة السؤال وقلت ليه: الجماعة بيقولو لي فارس!
قال لي اسم فارس دة ما كتير ولا يمكن لقب ساكت!
قلت ليه لأ قالوا سموني علي جدي! ضحك وقال وجدك فروسيتو كانت شنو؟
قلت ليه قالوا حارب مع المهدي!
عرفت بعداك ان البلد بلد ختمية ما بيدوروا سيرة الانصار، قال لي : والله ضيعوك ساكت ما كان يسموك اسم عديل بدل اسم جدك العدم الخدمة مشي لم الدراويش ولا يمكن كان قايل يمكن يعرسوا ليه ملكة انجلترا!
أها نشرب في الشاي ، وصوته وكت يشرب الشاي تقول سبلوق موية، اخد ليه صنة وفجأة قال : البلد!
أنا جفلت كدة من طريقة السؤال وقلت ليه أنا من لا بحري!
قال لي من وين لا بحري!
قلت ليه من جيهة سوق السبت!
قال لي تعرف سعيد سيد؟
قلت ليه : بس!
اخد ليه صنة وجغمة شاي طويلة وقال: بس يي شنو؟
فجأة جفت الكلمات في فم فارس، صمت الجميع حتي المنجل في يد العم حسين بدا كأنه يتحرك بمفرده وأنه لا صلة بينه وبين اليد التي كانت تمسكه، حينما انتشرت في المكان رائحة نوار الليمون حتي غطت علي رائحة قيظ الدميرة، وبدا الجو لطيفا مع النسمة التي اخترقت عظامهم، نفس رائحة نوار الليمون التي ستحملها رياح الشمال الي القرية بعد سنوات حين تعبر المقابر الواقعة شمال القرية لتثير في القرية عاصفة من الحزن والكآبة..
وقفت الفتاة الجميلة امام العم سليمان وطلبت شراء رطل سكر، اعطاها العم سليمان السكر وأمسك بالنقود التي دفعتها له ووضعها بصورة الية في الدرج، ولبث فاتحا فمه، قالت الفتاة : عم سليمان اديني الباقي ، عندها انتبه العم سليمان ليدها الممدودة ومد يده داخل الدرج وسحب منه ورقة مالية لم يرها دفع بها للفتاة، قالت له: عم سليمان انت اديتني قروش زيادة، امسك بالورقة النقدية واستبدلها ثم اعطاها ورقة اخري لم تنظر اليها وغادرت المكان.
كان اول من تنبه لذهاب الفتاة فارس المجنون، بقي الجميع مشدوهين قبل ان تتلاشي رائحة نوار الليمون فجأة ويستعيد الجميع وعيهم، قال فارس المجنون: عليك امان الله سليمان الاعرج ليه حق يجن بالبت دي، تنحنح عمك حسين وقال : البت دي في عيونها حزن كدة عجيب، فيها ملامح كتيرة من ابوها، الله يرحمه كان رجل فاضل، اريت حكومة السجم دي كان كتلوني بدالو، دفنو مع الضباط التمانية والعشرين ليلة العيد، معقول دة عمل بتاع مسلمين.
أشعل فارس المجنون سيجارة القمشة التي كانت انطفأت وقال بالله عم سليمان ساعة البت جات داخلة الكلام غلبو وبدل ياخد منها تمن السكر اداها قروش! يعني لو كم زبون زي دي جوك يا عجوز كان فلّست في يومين، والله ما عارفك عيان كدة بالنسوان، عموما قدام الناس ديل يا تتعامل معانا زي زمان بالتقسيط المريح يا الموضوع حيصل ام الاولاد الليلة، فقال العم سليمان: اريتو لو تقسيط مريح، شغلك يا اخوي سرقة مريحة، انا اليافطة دي ( وأشار الي يافطة مكتوب فيها ممنوع الدين والدفع بعدين): اليافطة دي ختيتها مخصوص عشانك، عمري ما شفت زول زيك ياكل الناس وكمان يشيل حسهم في كل مكان!
ضحك فارس المجنون وقال يا اخوانا ما بيدوني الشافعة دي يا ربي! فقال عمك حسين : دي رفضت الدكتور بتاع المستشفي، خلتو رقد جنب العيانين هو ذاتو لغاية ما جابو دكتور من دنقلا عشان يعالجو هو ذاتو! فقال فارس المجنون : يعني انت فاكر الدكتور ما قاعد يمرض، انت بقيت زي التعلمجي في الدفاع الشعبي السنة الفاتت دكتور المركز الطبي دخل معاهم ويوم كان عيان ما قادر علي التدريب التعلمجي قال ليه مالك يا دكتور قال ليه عندي ملاريا ، قال للدكتور : هي ..أول مرة أشوف لي دكتور عيان !، وإنت البعالجك منو يا أخوي؟
فارس كان مشغولا بلف سيجارة القمشة امام دكان العم سليمان، حين جاء عمك حسين، ضحك فارس وقال: عمك طلع زول تمام، فقال عمك حسين وهو يمد يده ليأخذ كيس القمشة من فارس: عمك منو؟ وضحك فارس مرة اخري وقال الشيخ الجديد.
فقال عمك حسين انت مشيت ليه ولا شنو؟ قال فارس، ايوة امبارح سهرت معاه، طبقت نصيحة الزين وأخدت لي معاي قزازة عرقي لبدتها في هدومي، الزين قال لي سيبك من عتود وبتاع الموضوع دة لو الزول واعي ما بيتحل، وكت دخلت لقيت النسوان ماليات الحوش، دخلت عليه، وكت شاف القزازة براحة صرف النسوان، قال ليهم عندي موضوع خاص مع الزول دة، تعالن بكرة للفاتحة.
وريتو موضوع قطعة الارض العايزها من ارضو عشان أعمل حوش واسع للبيت ،شرب الكاس الاول وقال لي : مترين ! اديتو الكاس التاني وقلت ليه: اصلو حمام.! شرب التاني وقال: تلاتة. الرابع قال اربعة، الخامس قال خمسة، السادس قال ستة، غايتو لو ما قزازة العرقي خلصت كان اخدت الحلة كلها !.
ضحك العم حسين وهو يلصق سيجارة القمشة بلعابه وقال : انت زول مصيبة! وقال فارس : بعد دة خلاس دايرين المرة، البيت واسبوعين حيكون جاهز.
جاء سليمان ودحاج علي الاعرج، جلس بجانب العم حسين وجاء عبود، قال فارس موجها كلامه لسليمان الاعرج : الاعرج انا داير اعرّس ? وقال سليمان وهو يلصق سيجارة القمشة بلعابه : ما تعرس انا ماسك .....(!) ضحك فارس وقال : انت زعلان عشان نورا رفضتك ! عبرت سحابة حزن في وجه سليمان الاعرج، سرعان ما حلت مكانها لامبالاة كست وجهه كله وامتدت حتي الي سحب الدخان التي كانت تنطلق من سيجارته.
قال وهو يرخي ظهره فوق الرمال : انا اترفضت لكن انت لا ذاتها ما حتسمعها . وقال فارس يازول ها، عليك امان الله اجي ماري جنب بيتهم ساكت الا يضبحوا. وقال سليمان الاعرج : وناوي تعرس كاش المرّة دي ولا بالدين ! تساءل العم حسين ضاحكا: المرة الفاتت عرّس بالدين! قال سليمان: انت ماك عارف، غشاهم عرّس البت بالدين قال لابوها اخوي حيرسل لي قروش من السعودية بدفع ليك المهر بعدين، وشوف لداحتو قبل ما يدفع القروش طلق المرة ! وضحك عمك حسين وقال: يازول انت عندك سوابق مافي مرة بتقبلك تاني.
قال فارس: يازول ها ما شفت الزين ود الحاج مرة عرّس ليه مرة بشيك وبعد العقد مشوا اهل العروس يصرفوا الشيك لقوا ما عندو رصيد! علّق عم حسين : غايتو الا نشوف ليك عذبة . وقال فارس شوفها للاعرج محل ما يقبل البنات يقولن دايرات يقرن، بسببو الحلة كلها رجعت المدرسة! قال سليمان من قاع لا مبالاته: مالو طيب قاعدين نشجع العلم! وهن جاهلات يرفضن الزيي ولامن يتعلمن يرفضن الذيك !
ضحك فارس وقال: قالوا النسوان يخافن منك عشان انت (مسلح !) قال سليمان : وانت عرفت كيف انو انا (مسلح) ضحك فارس وقال متذكر يوم اتلدغت بالعقرب والمصيبة بتاعك وقف مشدود يمكن متر، والنسوان يدخلن يسلمن عليك وانت مغطي بالبطانية ورافعها بالبتاع مترين لي فوق، والنسوان يدخلن ويمرقن شيخ الصاوي قال لو ما المصيبة دة نزل النسوان ديل ما بيقعدن في الواطة!
ضحك عم حسين وقال سليمان : اها ما حتحاول ! قال فارس: احاول شنو ؟ تخطب نورا . شجعه العم حسين :سوق معاك شيخ النور قالوا النسوان بيخافن من لسانه ما بيرفضن الزول اليجيبو!.
ضحك سليمان وقال: رمضان الفات فارس في صلاة التراويح جة وقف جنب شيخ النور وعامل فيها تقي قال لشيخ النور قرب رجليك شوية عشان الشيطان ما يدخل يقيف بيناتنا، حاج النور عاين ليه وقال: وإنت فرقك من الشيطان شنو؟ ضحك العم حسين وقال ما في زول يقدر علي فارس الا حاج النور، قبل كم سنة كنا قاعدين معاه وفارس داير بأي طريقة يخلي حاج النور يزعل، قال ليه حاج النور قالوا عينك حارة خلاص التمرجي في المركز الصحي قال انت جيت وعاينت للخضار الزارعنو بموية الطرمبة بتاعة اليد وقلت ليهم: والله زراعة زي دي نحن بالبابور ما قادرين نمرقهاا! التمرجي قال لينا زولكم نجمني، الخضار نشف والطرمبة وقفت، موية الشراب ما لاقينها!
ضحك شيخ النور وقال والله كبرت يا ود مك الدار وبقيت راجل، بقي عندك شخصية اعتبارية زي ما بيقولو في الرادي، قبل كم سنة كنت حامينا النوم بالبكا والكواريك كلما امك تدخلك عشان تحممك بالعصاية! ووكت تجي تقعد مع الناس في المسيد بعد صلاة المغرب الناس كانوا بيفزوا من جنبك بريحة الجمكسين الخاتنو ليك في شعرك عشان يكتل القمل وبعد دة القمل ماشي ومارق من راسك في اتجاهين زي طريق بورسودان الخرطوم! ولي قريب دة أمك كانت تمشي السوق تقيف عند البياعين بتاعين هدوم الرجال، تقيس السروال في وسطها وتقول يا ربي دة بيبقي قدر فارس!ووكت عرست قالوا كلما تجي تمشي تنوم مع مرتك أمك تحوشك تقول ليك ما تكتر الرقاد مع المرة بتجيب ليك المراريا! وبعد التعب دة كلو نسيت امك وكت شاكلت خالك مشيت قلت ليه أنت شنو واختك شنو، أختك ما كانت بايرة، كتّر خير أبوي جة سترها ليكم! في زول عاقل يقول كلام زي دة!
ضحك سليمان الأعرج وقال : والله انا ما شفت زول عينه حارة زي فارس ياخي دة أول مرة يمشي الخرطوم، أول ما كراعو نزلت من البص الأرض اتهزت، قام الزلزال!
عّدل فارس من جلسته وأشعل سيجارة قمشة وقال: يا زول ما تلخبط ساكت، للأمانة أنا أول ما وصلت قامت كتاحة،الدنيا كانت قبايل خريف، كان معاي حسين ود عمي عبد المجيد المغترب هو كان تاني مرة يسافر، وصلتنا الخرطوم الكتاحة قامت، الدنيا بقت سودا تقول القيامة دايرة تقوم، مشينا بيت العذابة في الحلة الجديدة، دخلتنا البيت الموية قطعت، قاعدين النهار كله القعدة غلبتنا بالحر ووساخة الجسم ، حسين قال لي انت زول عارض قوّمت الكتاحة وقطعت الموية قالوا لغاية أمس الجو تمام والموية ليها شهر يمكن ما قطعت،في النهاية حسين قال لي نمشي جبل أولياء أخته السرة قاعدة هناك، قال لي نشوف كراعك كيف، جبل أولياء دي مركز الموية ذاتها ما حصل الموية فيها قطعت، بالله وصلتنا هناك الموية تقول منتظرانا، دخلتنا البيت سمعنا الماسورة شخرت! حسين قال لي : صدقت كلامي ولا لا؟ قعدنا راجين الموية وراجل السرة كل شوية يقول هسع بترجع دي عمرها ما عملت كدة، في النهاية بالتعب نمنا بترابنا ووسخنا، نص الليل الأرض اتهزت، قام الزلزال! حسين وكت صحا مخلوع لقاني قاعد في السرير قبل يتكلم قلت ليه دي كمان ختها فوقي!
علّق سليمان الاعرج أنا ذاتي كنت في أمبدة يوم الزلزال، راقدين في الحوش، زوج فاطمة اختي سواق بص ،كلامه كله في العربات والحديد،اتخلع وكت شاف البيت كله اتهز وقال : بالله البيت ما قرّب يدوّر!
قاطعه فارس أها تدفع كم يا الاعرج لو نورا وافقت ؟ قال سليمان : شفت البوكس بتاع أخوي المقرش في البيت بديك ليه! لو نورا وافقت ! قال فارس لكن البوكس ما بتاعك !
مين قال ليك أخوي اداني حق التصرف فيه وعمك حسين شاهد! .
أعلن فارس وهو يرفع جسده من الارض اتفقنا، ووجه كلامه لعم حسين : بكرة بعد صلاة الضهر بجيك في البيت تمشي معاي، سيبك من شيخ النور اليومين ديل قالو مفلس لو قلت ليه السلام عليكم يقول ليك أنا طالبك قروش، تقول ليه متين يمرق ليه دفاتر من جيبو وخمسة دقائق يلم عليك الشهود وكمان ما تقول بقي عضو في لجنة المحكمة الشعبية! وسحب سليمان جسمه وإنتصب واقفا: أها أنا بمش أسخن البوكس إستعدادا لبكرة! وقال فارس أوع القاك مغير حاجة ! ضحك سليمان يازول إطامن الحاجات كلها أصلية من شركتها .
فارس إستحم عدة مرات قبل أن يشعر أن شكله أصبح مناسبا، مستهلكا صابونة لوكس كاملة، ثم تعطر وإرتدي أفضل جلباب له، تأخر في الذهاب الي بيت العم حسين الذي جاء يبحث عنه، وجده نائما تحت شجرة النيم في فناء البيت، ورغم رائحة العطر القوية إلا أن العم حسين إشتم رائحة العرقي، أيقظه من النوم بضربة علي رأسه، إستيقظ فارس مذعورا وقبل أن يفتح عينيه، سحب زجاجة العرقي وشرب منها قليلا، إنتهره العم حسين قائلا : يا ولد انت جنيت؟ خايف من بت صغيرة زي دي.
مد فارس الكوب للعم حسين الذي ضحك وهو يمسك بالكوب وقال: والله انت صحي شيطان زي ما قال ليك شيخ النور، الزفت دة لي زمن بطلتو، ملأ له فارس الكوب مرة أخري لكن العم حسين رفض قائلا : علي الأقل يكون في واحد واعي.
أمام باب البيت قبل أن يدخلا أستقبلتهما رائحة نوار الليمون، طرق العم حسين الباب، سمعا صوت والدة نورا تدعوهما للدخول.
في الداخل وجدا الفتاة تملا أزيار الماء، كانت واقفة وهي ترتدي فستانا قصيرا وممزقا من قماش الحرير، حين رأتهما يدخلان توقفت لثانية ونظرت اليهما، شعر العم حسين برأسه يدور وان جرعة العرقي التي شربها اسكرته، أحضرت لهما الارملة القهوة، كان عم حسين يكرر آليا سلامه وسؤاله عن الاحوال .
فجأة دخلت الفتاة ونظرت الي فارس وقالت: الليلة مالك لابس كدة وضحكت قبل ان تقول : دايما اشوفك ماشي في الحلة بجلابيتك الخضراء المقطعة زي الدراويش! نظرت لها الام فسكتت وخرجت.
أحضرت الام القهوة شربها العم حسين في جرعات سريعة ثم فجأة اشار الي فارس واراد ان يقول شيئا لكن الكلمات جفت فجأة في حلقه، حين نظر الي فارس الذي شرع فجأة في الغناء بصوت مرتفع، تجمع بعض الاطفال الذين كانوا يلعبون الكرة امام البيت وجاءت نورا، سحبه العم حسين من يده وخرجا.
في المساء كانا يجلسان ساهمين فوق قوز الرمال في وسط القرية حين جاء سليمان الاعرج ضحك سليمان الاعرج حين رآهما يجلسان في ضوء القمر لوحدهما وقال: اها سبع ولا ضبع. فقال عمك حسين بتثاقل : لاسبع ولا ضبع! .
قال سليمان: فزورة دي ولا شنو؟ كان فارس يجلس صامتا، وقال بعد مدة وهو يحاول ان يبدو صوته طبيعيا: البوكس انشاءالله ينفعك .
جلس سليمان الاعرج وقال: الحصل شنو ؟ قال العم حسين: ولا شئ.
- كيف ؟
الموضوع ذاتو اصلا ما فتحناه شربنا القهوة التقول لساني انعقد، كلما داير اقول حاجة اشعر بلساني تقيل، اعاين لي فارس القاه قاعد تقول بقي درويش، ما قادر يرفع عينو يعاين حواليه! انا ذاتي من يوم لميت الزول دة وانا كياني اتلخبط، هسع داير امشي للشيخ الجديد كان يلقي لي علاج! .
وضحك سليمان الاعرج وقال: سمعت من نسوان الحلة ان عبدالله ولد عثمان ود الحاج ميت في البت وداير يعرسها باي تمن.
قال عم حسين : دة ولد قليل الادب كمل الصعلكة، مرة سمعتو يقول كلما اتلب في بيت القي عمي الزين متلب قدامي، وفي النهاية وكت لقي ابوه اتلم علي ناس الحكومة سوا ليه دقينة وبقي يوعظ الناس، بعد صلاة الجمعة الفاتت وقف يوعظ الناس ويقول ليهم امشوا جاهدوا في الجنوب بدل مكسرين هنا في الحلة، قام الطاهر ود ابراهيم زي الملدوغ طلع من الجامع، طلعت بوراه قال لي: يعني نحنا عدمنا الدين لامن ولد عثمان ود الحاج الحرامي جايي يوعظنا؟ ومرة وقف يوعظ الناس في السوق راجل كبير من ناس الجزاير وقف قال ليه: يا ولد في ذمتك جهاد اكتر من النحن فيه دة في، العيشة غلبتنا، والحيكومة رفعت يدها من تعليم العيال وعلاجهم، بقي الزول يمشي المستشفي يجي الممرض شايل الدرب يقول للمريض ادفع حق الدرب بعدين نركبو ليك!! بعد شوية وقبل ما السوق يفرتق جو ناس الامن قبضوا الرجل الكبير! بعد ما سقط في المدرسة جابو ابوه مسكو دكان التعاون باع السكر كلو والجاز بتاع التموين في السوق الاسود، وكلما يسرق الحكمة كلما دقنو ماشة علي الأرض! واخرتها كمان دخلو اللجنة الشعبية قال ايه رئيس لجنة الامن والنظام العام ! كل يوم قابضنو في المريق مع واحدة.
وقال سليمان الاعرج اها يا عم حسين الوضع كيف هسع انتخابات اللجنة الشعبية قربت مافي طريقة نقلب الناس ديل؟ وضحك عمك حسين وقال هي مقلوبة من فوق داير تستعدلها من تحت، ما شفت المرة الفاتت لامن حاج الطيب حاول يترشح ضدهم، جوه ناس الامن في البيت وساقوه اسبوع معاهم، وكت رجّعوا كان نسي موضوع الترشيح وكلما نقابلو نقول الحصل شنو يقول: حسبي الله ونعم الوكيل .
نورا كانت تملأ ازيار الماء حين سمعت طرقات علي الباب، خرجت لتجد فتي وسيما وقف حائرا حين رأي الفتاة الجميلة تحيط بها دوامة نوار الليمون، شعرت نورا للحظة بقلبها يدق لمرأي الفتي قبل ان تستعيد بسرعة لامبالاتها الطبيعية، قالت له : انت نورالدين ؟
فرد بالايجاب.
قالت له بقيت زول كبير، وكت سافرت المدرسة كنت لسة حايم في الحلة بسروالك الاخضر!
لم يرد الفتي مد يده برسالة مرسلة من احد اقاربهم في مدينة الخرطوم التي يدرس بها.
دعته الفتاة ليدخل لكنه رد بأن والده في انتظاره في الحقل، شعرت نورا بعد ذهابه للمرة الاولي في حياتها بأن شيئا جديدا حدث في العالم يستحق ان تخرج له من قوقعة لامبالاتها، للمرة الاولي في حياتها نظرت الي وجهها في المرآة فبدا لها كأن شخصا اخر كان ينظر اليها.
لأول مرة تحمست لتخرج لرعي البهائم في بقايا حقول القمح.
بعد اسبوع طرق نورالدين باب البيت مرة اخري، عرفت من نبض خطواته المرتبكة انه يريد ان يقول شيئا، قال مترددا : جيت لاسلم عليكم . كانت نورا قد استعادت لامبالاتها تجاه الاشياء، قادته ليجلس في صالة البيت الواسعة حيث الزنابير تبني أعشاشها في جذوع النخيل الضخمة في السقف، جلس في الصالة وحيدا، لم تكن والدة نورا موجودة، تركته نورا هناك وخرجت، حسب نور الدين انها ذهبت لتحضر له شيئا وتحسس الرسالة التي يحملها في جيبه والتي قضي الليل كله ساهرا ليكتبها، كانت رائحة نوار الليمون تملأ البيت، شعر نور الدين بنفسه جزءا من زمان آخر تتولّد تفاصيله في حبات الضوء العالقة برائحة نوار الليمون، ورغم المساء الذي بدأ يرخي سدوله في الخارج الا أنه شعر بالمكان يسبح في ضوء النهار،لبث نور الدين منتظرا لزمن لم يشعر به مطلقا، انتبه فجأة الي انه لبث في المكان وحيدا لفترة طويلة، نظر الي ساعته ونظر حواليه مندهشا دون ان يجد تفسيرا لوجوده في المكان، في الخارج شاهد نورا تلعب في ضوء المغيب مع فتيات أخريات لعبة الأريكا، فتذكر فجأة انه جاء ليراها.
جاء في اليوم التالي في نفس الوقت يسبق خطواته حنين لنهارات الضوء ونوار الليمون، استقبلته والدة نورا وادخلته الي الصالة واحضرت له كوبا من شراب الليمون، حين دخل الي البيت لم ير نورا رغم ان رائحة نوّارها كانت تملأ البيت، لم تسأله والدة نورا عن سبب الزيارة، كأنها كانت تعرف سبب مجيئه والرسالة التي تكاد أشواقها تتعفن في جيبه،
باتت زيارته روتينا يوميا، يشرب كوب الليمون ويراقب الزنابير تبني بيوتها الصغيرة في جذوع النخيل في السقف، يحصي في كل مرة الحجارة الرملية التي يستند عليها السقف المرفوع قليلا فوق الجدار ليتسني مرور الهواء والضوء، يحصي حتي الزنابير التي تجوس فضاء الليمون والعصافير التي تغرد لبرهة فوق الجدار قبل ان يبتلعها ضوء الضحي،خلال شهر كامل لم ير نورا سوي مرة واحدة، رغم ذلك لم يتوقف عن زياراته النهارية.
لم يجد احدا يبوح له سوي شقيقته الأصغر منه سنا، التمعت عينا شقيقته ابتهاجا بأخبار الحب رغم أن صوت نور الدين كان يقطر ألما بسبب فشله حتي في أن يتحدث معها ، عرضت شقيقته خدماتها: ستقوم بتسليم الرسالة لنورا. كان نور الدين يشعر بالخوف، لكنه مثل غريق تعلق بقشة، أعطاها الرسالة. تسللت فاطمة بخفة مثل القط واختفت في أزقة القرية الغارقة في ضجيج موسم الحصاد.
لم تقل فاطمة شيئا حين عادت الي البيت عصرا، أعادت له الرسالة مثلما تسلمتها منه، وضع الرسالة في جيبه وقرر أن يسافر، كانت عطلة الصيف لا تزال في بداياتها وعليه انتظار وقت أطول قبل أن يعرف نتيجة الامتحان وهل سيتمكن هذا العام من دخول الجامعة ام لا، لكنه فكر أن يسافر ويبحث عن عمل في الخرطوم يساعده علي نسيان حبه المستحيل، اشتري تذكرة وحجز مقعدا في البص المسافر بعد ثلاثة أيام، في اليوم الأخير ذهب ليشاهد الغروب فوق كثبان الرمال الذهبية شرق القرية، قبل سنوات كانا يلعبان هو وفاطمة فوق هذه الرمال يتزلجان الي أسفل الوادي الصغير الذي يشق بحر الرمال، يأكلان ثمار الطندب الحمراء ويطاردان العصافير المهاجرة، جلس وحيدا يرقب الجمال وهي تقتات علي أوراق أشجار السنط والفتية في المرعي البعيد، وفجاة اشتم من حوله رائحة نوار الليمون وراها قادمة واشعة الشمس تضئ حواف خصلات شعرها الذهبية، كانت تبدو والشمس في طرف ثوبها من علي البعد وكأنها تسير في حراسة الشمس. توقفت أمامه وقالت : هل جئت لترعي بهائم والدك؟
كانت قد استعادت حضور الاشياء في عينيها، نظرت من حولها وحين لم تري شيئا من أغنامه قالت: لماذا توقفت عن الحضور الي بيتنا منذ ثلاثة أيام؟
جلست بجانبه بعفوية حين جاء صوته من قاع لا وعيه : سأسافر غدا ..
لم يكمل، قطعت عليه عبارته ضوضاء عصافير المغيب التي تجمعت حواليهما، كانت كأنها تحتفل بهما وتحرسهما، طيور حمراء مهاجرة وعصافير ود ابرق والقيلدون الحاجة التي قال عنها العم حسين يوما أنها :
والله صحي الطيرة دي جاية مهاجرة من بلاد برة .
قال له فارس : وعرفت كيف انها جاية مهاجرة من بلاد برة ؟
فاصدر العم حسين قرارا نهائيا : ما شايفها نضيفة كيف!
لقاءهما الاول الذي رعته العصافير كان قصيرا، سيعرفا لاحقا ان العصافير التي رعت ذلك اللقاء الاول رمت الي اطالة امد المغيب ليغرقا العاطفة الوليدة في حمام سبات الضوء، كانت ست البنات الرمالية تعبر وهي تجمع اعواد الخشب الجافة لتستخدمها لاشعال النار للطبخ حين انتبهت فجأة لمنظر الصبي والصبية الغارقين في ضوء المغيب، يحرسهما حفيف اجنحة الطيور ، فقالت : سجمي الشمس دي الليلة مالها ابت تغرب !
جلسا يستمعان لموسيقي ضوئية، تعزفها عصافير المغيب، وجدا نفسيهما يرتفعان فوق بساط الطيور، فشاهدا مدنا منسية في عمق الصحراء، شاهدا بلاد النور تمتد علي سفوح جبال شاهقة، والانهار الموسمية التي كانت تتلوي في رحلتها الي المصب مثل انهار من الفضة، فجاة وقفت نورا فبدأت العصافير ترتفع من حولهما وترفرف مبتعدة الي اوكارها البعيدة وبدأت الشمس رحلة ذبولها، وانزاحت ببطء اخر اشعتها الي مثواها الاخير .
لم يقولا شيئا في اليوم الاول، لكن نور الدين جاء في اليوم التالي مرتديا جلبابا جديدا تسبقه رائحة عطره، فيما تسبق نورا رائحة عطر الليمون، كان نورالدين يحمل رسالة، جلس طوال الليل علي ضوء مصباح الجاز يكتبها كلمة كلمة، يمزق الورقة ثم يبدأ من جديد، حكي لها تفاصيل الحلم الذي رإه ليلا:رآها وهي تسافر وحيدة علي أجنحة العصافير بإتجاه الشمس فيما تتدلي ضفائر شعرها الطويلة مثل نبتة لبلاب عملاقة تتسلق وجه الشمس، حين فتحت نورا الرسالة عرفت ان اسمها تغير منذ تلك اللحظة والي الابد، أصبح : نورا ذات الضفائر.
استمرت لقاءاتهما برعاية عصافير المغيب، ورحلاتهما اليومية الي بلاد النور، شاهدا المدن المهجورة التي يغمرها الضوء والحنين، مدن تنام علي سفوح الجبال، غارقة في ضوء القيلولة الشفاف، وفي الزهور الجديدة التي تتفتح مع كل موجة ضوء، والبحيرات المنسية تحف بها أشجار الصنوبر وأشجار الحور.
تحكي نورا ذات الضفائر حكايات زمان آخر تصف فيه صورة والدها الذي لا تذكر شيئا عن تفاصيل صورته، سوي صورة غائمة لرجل يرتدي زيا عسكريا ويلوح لها بقبعته الذهبية ذات صباح غابر انمحي من الذاكرة، قبل ان يختفي في ظلال الضوء المتسرب بين اشجار النيم والحراز ونوار الليمون ويختفي الي الابد .
تستغرقهما تفاصيل حياتهما الجديدة فينفصلان عن مجري الحياة الرئيسي في القرية لا يبقي لهما من الدنيا سوي لقاءات العصر اليومية التي تمتد الي الغروب .
فلا يلمحان الخط الخفي للخطر الذي كان يتقدم منهما متسلقا مثل ذرات من الغبار خطوط ضوء المغيب.
كان الزمان صيفا، وقد عاد الزين ود الحاج من سوق السبت وأعلن أن عساكر الجيش يبحثون عن الشباب وعلي الجميع الحذر، كان الجميع يجلسون تحت اشجار النيم في مجموعتين مجموعة يتصدرها سليمان الأعرج ومجموعة يتصدرها فارس المجنون، الذي إستعاد توازنه بعد مرور يومين علي فشله في خطبة نورا . قال بصوت تعمد ان يسمعه الجميع: الشافعة ذاتها ضعيفة ومسلوعة تقول في البلد مجاعة ! .
من علي البعد سمع صوت سليمان الأعرج يضحك قائلا : الكديس وكت ما يلقي اللبن بيقول مر!
قال فارس وينو اللبن ؟ الشافعة ضعيفة وجسمها ناشف زي العود، سليمان الاعرج وكت البت رفضتو لقيتو بالليل راقد في الرملة والدخاخين قالعة حوالينو تقول حريقة، يمكن شرب في يوم واحد شوال قمشة، قلت اخفف عليه المصاب الاليم زي ما بيقولو في الرادي وكت زول يموت، مديت ليه كباية عرقي شربها، مع انه ما كان بشرب، مديت ليه سفة غمتها في خشمو، مع انه ما كان بيسف، والحكمة أول سفة سعوط دايما تتعب الزول، هو ختاها في خشمو دقار لوري وقاعد زي الحصان، قلت ليه يا زول أنسي بكرة تعرس ليك مرة وهيطة تفكفك قطايع جسمك دة كله، ابتسم لأول مرة من شهر يمكن وقال لي : والله صحي الشافعة ناشفة، الحمدلله الأبت، المرة وكت تجي ماشة في الحوش لو البيت ما اتهز ما تبقي مرة! اتذكرت السرة بت عمي عبد المجيد زمان قبل يعرسوها كانت ضعيفة، امها كانت مسمياها عشة القشة، أيام الهبايب والزعابيب ممنوع تمرق من البيت، خايفين الهوا يشيلها، مرة قاعد أهزر معاها قلت ليها أنا داير أعرس صفية بت حاج النور، كانت بت سمحة جة خطفها مني ود عمك نورين المغترب، السرة كانت بتحب تهزر معاي قالت لي : ما تغطي قدحك! دايراني أعرسها، عاينت لي جسمها المسلوع، احرف جزار ما يمرق منها نص كيلو قلت ليها : وينو القدح ذاتو عشان نغطيه!
تنحنح فارس وبصق سفة السعوط من فمه ووضع سفة جديدة ثم خبط كفيه ببعضهما وقال موجها كلامه للزين: ود الحاج ما تديني البت السغيرة !
ضحك الزين ود الحاج وقال: جنيت يا السكران، السغيرة دايرنها تقرا، يمكن تتوظف يا في المساحة تمسح لينا حتة واطة، يا دكتورة تعالجنا، هسع قالوا النسوان بقن يدخلن الديش، أن وقفت مننا ناس الخدمة وكشاتهم كفاية ،وضحك قبل أن يقول : ويمكن كمان تعمل انقلاب وتبقي مشيرة أركان حرب ! قال فارس : ديش شنو وإنقلاب شنو المرة لي راجلها .
قال عمك حسين : أنت من زمن الكلام دة، المرة بقت وزيرة، وسمعنا كمان قالوا ظهرن نسوان أعمال، بدل رجال أعمال! وقال فارس: وهسع الوزيرة دي وكت تظهر في التلفزيون ممكن يجي راجلها ويقول للناس أنا قاعد أنوم مع المرة دي! ضحك عمك حسين، وقال إنت همك كلو في الدنيا بس ياهو الشئ دة، ورفع نصف جسده من الأرض وقال : ذكّرتني قالوا الشيخ أب سن سافر زمان مع وفد زعماء القبائل عشان يحضروا تتويج ملكة إنجلترا، راجل الملكة ما قصر قام معاهم بالواجب وعزمهم في القصر بتاعو، أها بعد ما أكلو وقعدوا راجين الشاي الانجليزي، شيخ أب سن سأل الجماعة المعاه قدام راجل الملكة قال ليهم : الزول دة بالليل عرفنا شغلو، بالنهار شغلو شنو؟ ضحك الجميع وقال الطاهر ود ابراهيم : والله راجل الملكة دي وظيفة مريحة خلاص، اليوم كلو يعلفوك زي تور الصحة، وأشار الي بوابة بيت سليمان التاجر النوبية الضخمة وقال : والله لو كنت محلو الباب دة ما يمرقني!
واصل الزين ود الحاج موجها كلامه لفارس: تعال عرّس الكبيرة بنديها ليك مهاودة شوية ! ضحك فارس وقال : باخدها بسعر التكلفة! وهي طبعا ما كلفتك اي حاجة، مدرسة ما دخلتها. أها نقرأ الفاتحة يا أخوانا! .
نهض الزين ود الحاج وقال : يا ولد إنت بصحك ولا كلام سكر ساكت !. ضحك سليمان الأعرج وقال : إطمئن يا الزين، عموما هو الفاتحة ذاتها ما بيكون حافظها ! أهو غايتو يرفع ايديه ساكت ويطنطن بأي كلام والسلام ! يعني فاتحتو ما ملزمة بحاجة!
رفع فارس يديه وبدأ يقرأ الفاتحة بصوت مرتفع ليثبت لسليمان الأعرج إنه يحفظها، ورفع العم حسين يديه ورفع كذلك بعض الحضور أيديهم.
نظر الزين ود الحاج اليهم مترددا ثم رفع يديه هو أيضا، في تلك اللحظة صرخ سليمان الأعرج: حمار حاج الطيب ! لاذ الجميع فورا بالفرار .
كان شيخ الطيب مشغولا تلك الأيام بصيانة المدرسة الأساسية ولابد أنه جاء لجمع التبرعات. إختفي الجميع في لحظات داخل المريق، بقي العم فضل بشير وكان ضريرا كان يحاول تحسس طريقه هو أيضا ليهرب، اشار له فارس علي الطريق الصحيح ليهرب، كان ذلك نفس الطريق الذي سيأتي منه حاج الطيب، كان الرجل يسرع مهرولا حين إستوقفه شخص ما . مالك تجري كدة ? فقال العم فضل: حاج الطيب جننا، كرّهنا البلد، كل يوم تبرعات تبرعات ونحن حالنا يغني عن سؤالنا، ما لاقين ندفع حق العيال الطردوهم من المدرسة عشان ما دفعوا المصاريف، ما قادرين نشتري دواء الملاريا. ما في زول قادر يشتري جالون جاز عشان يسقي النخيل، النخيل الواقف يتفرج فوقنا دة كلو واقف ميت، حكمة الله حتي وهو ميت واقف ما هزتو ريح، أخير من الزول الحي الضعيف البيطاطي راسو للريح،وبدل ما يمشي يسك الحكومة شيخ الطيب عاملنا نحن ناس قريعتي راحت حيطتو الواطية!
غيّر الرجل صوته ليعود مألوفا وقال : أنا ما ذاتي حاج الطيب ! فقال العم فضل بسرعة مفتعلا إبتسامة عريضة وناسيا كلامه عن النخيل والرياح : الرجل الطيب !
بعد أن عبر حاج الطيب عاد الجميع ليجلسوا مرة أخري، بعد أن أعادوا فاتحة زواج فارس، الذي طلب من الزين ود الحاج أن يحدد له فورا موعد العرس.
قال الزين : ما تصبر يمكن البت ما توافق، إنت نسيت الدعاية الطالعة إنك كنت بتدق مرتك الأولي عشان كدة طلبت منك الطلاق! .
تدخل العم حسين: خير البر عاجله .
فقال الزين ود الحاج: برد عليكم خلال يومين، جاء في تلك اللحظة عبدالله ود عثمان ود الحاج، وقال عمه الزين ود الحاج: مرحبا بالمسعول الكبير ! قال عبدالله يا أخوانا دايرين إتنين من الشباب يجوا من نفسهم للخدمة الوطنية في الجيش عشان نقدر نوقف ناس الجيش ما يجوا يدخلوا الحلة يسوقوا الناس بالقوة !.
قال العم حسين: ما عندنا أولاد فاضيين، الناس مشغولة بأكل عيشها ومساعدة أهلها .
وقال الزين ود الحاج: وإنت ما تمشي ليه ولا صدقت لامن قبضوك في سوق السبت مرة بالغلط وقلت للعساكر أنا من شاغلي المناصب الدستورية قاموا فكوك، بس لأنهم ما فهموا شاغلي مناصب دستورية يعني شنو! لم يعلق عبدالله واستأذن ذاهبا.
بعد ذهابه قال العم حسين : ود أخوك دة أحسن يقعد في الأرض، نحن ما ناقصين مصائب حمرة! .
قال الزين ود الحاج : أبوه خربو، قلت ليه من زمان الولد دة عشان وحيد وسط بنات ما تدلعوا حيخرب، ما سمع الكلام، وكمان لم ناس الحكومة تم الناقصة .
وقال عم حسين انا متأكد انو هو النقل كلام الطيب ود بشير لناس الأمن، وجايي هنا دايرنا نصدق أنه خايف علينا!.
علق الطاهر ود إبراهيم : داير يغش مين (بان تر تول اوركي !) (1)
ضحك فارس وقال: ما تشوفو حركاته دي، امانة زول جبان خلاص، مرة أيام أنا في الخرطوم، جة هناك، محل ما أمشي: السجانة، الحلة الجديدة، سوق نمرة تلاتة، ألقي زول يقول لي عبدالله عثمان ود الحاج يفتش فيك دايرك لي موضوع مهم!
ما اهتميت بي موضوعو، عارفو زول حجتو ميتة، لغاية يوم لقيتو قاعد في سوق نمرة تلاتة، أخدني علي جنبة وقال لي دايرك تمشي معاي مشوار مهم، طلعنا مع بعض، خامي القروش الايام ديك يا دوبك مشي لم ناس الحكومة هو وأبوه ومسكوا سكر التموين والجاز.
قلت ليه الجابك الخرطوم شنو، قال لي أبوي رسلني اشتري اسبيرات وبندقية صيد، قلت ليه أها موضوعك المهم شنو، قال لي ودينا محل نسكر فيه أنا مطول من الشراب والنسوان!، قلت ليه ما عندك مشكلة، يا زول مشينا انداية في امبدة سكرنا طينة وهو يخم ويدفع القروش، دخلنا الانداية يوم الأربعاء ما مرقنا تاني الا يوم الجمعة لو سألتني الجمعة ديك القبل الأربعاء الدخلنا فيه ولا البعدها والله ما بعرف، أكلنا شنو شربنا شنو والله ما بعرف، بقينا زي الزين زمان قالو كان وكت يخش الانداية ما بيمرق الا يفلس وستات العرقي يطردنو بعد ما يكون اشتري بالدين قدر الشربو بالكاش تلاتة مرات، الفرق القروش راقدة وزولك ايدو فاكة، أول دخلنا قال لست المريسة بدور واحدة تغني لي، جابوا بت غنت ليه بالدلوكة وهو يشيل ويعرض ويكب القروش فوقها لامن الشافعة اتغطت بالقروش، بيني وبينكم أنا ذاتي كنت محظوظ في الزحمة ديك جات نسمة قوية طفت لمبة الجاز المولعة في الشباك،لغاية ما يتفتشوا الكبريت ويولعوا اللمبة تاني لقو كوم القروش الفوق الشافعة محل دخل ما معروف! وكت كنت بمد يدي ألم القروش لقيت يد كم زول تاني شغالة برضو تلم معاي، أها بقت لعبة كويسة معاي، كلما الشافعة تتردم بالقروش اللمبة تنطفي ووكت يولعوها الشافعة ترجع مليم فوقها مافي ، بعد دة قروشه ما خلصت.
وكت فقنا في اليوم التالت ومرقنا قال لي ما بتعرف ليك محل فيه بنات حبش، مشينا سوا، البيت صغير دخلونا أنا وهو في اوضة واحدة مع بتين كل واحد في ركن، زولك مرق ليه نصيبة كبيرة خلاص، فجأة واحد كورك برة بالهزار: الكشة! زولك قام مخلوع والبتاع محل دخل ما عرفنا، وزي الشيطان نط بالشباك وجري، بالخلعة لبس لباس البت وخلي ليها سرواله! واليومين ديل قالوا داير في كل محل يقول مافي زول حيعرس نورا غيري !
قال سليمان الاعرج : نورا خلاس موضوعها انتهي نور الدين ولد حسن البشاري البقرأ في الخرطوم دايرها، قالوا ود شاطر وملحلح . إنتفض فارس وقال : جبت الكلام دة من وين؟ فضحك سليمان الاعرج وقال : قول بسم الله إنت هسع مش قرينا فاتحتك ! ضحك الحضور وقال الطاهر ود إبراهيم الذي وصل في تلك اللحظة: ست البنات الرمالية قالت لي شفتهم يرعوا البهائم مع بعض والطيور ملمومة حواليهم! .
ضحك فارس وقال موجها كلامه لسليمان الأعرج : بختك يا سليمان، قالوا جنك تشوي ودأبرق وتاكلو، بس بعد دة تمشي عليهم بيدك ساكت ولا محتاج لشرك عشان تقبض الطير، مادام ما لقيت البت أقلو تلقى ليك كم ود أبرق!
ضحك سليمان وقال: أنا حألقي ود أبرق لكن إنت البكيت فوق البت لامن الكلام غلبك حتلقي شنو ? فكر فارس وقال : مفروض ناس النظام العام يمنعوا الاختلاط في رعي البهائم. وقال سليمان الاعرج : حيقولوا لينا أسلمة الرعي كمان!
انتشر الخبر في القرية والقري المجاورة، وجاء بعض الفضوليين لمشاهدة الفتي والفتاة تغني لهما عصافير المغيب، وامتلأت القرية بحمير الناس الذين جاءوا من كل مكان لمشاهدة المعجزة .
نظر فارس حواليه الي حمير الغرباء المربوطة في كل مكان وقال: بالله الحلة بقت زي الطاحونة محل ما تمشي تلقي الحمير مربوطة.
في المغيب يتجمع اهل القرية وبعض الغرباء لمشاهدة المعجزة، بساط من الطيور يرتفع وفوقه نورالدين ونورا ذات الضفائر ليبتعد في المدي ويختفي فوق حواشات المريق المترامية علي مد البصر، في طوافه اليومي فوق بلاد النور .
أمام دكان سليمان التاجر كان العم حسين راقدا وقال : الناس جنت. ما يسمعوا بأي شئ والا يتلموا من بلد بلد، في تلك اللحظة عبرت فرقة موسيقية كانت تعزف علي الأبواق نفس المقطوعة التي كانت تغنيها عصافير المغيب لنورا ونور الدين، مع تسرب الأنغام إجتاح القرية شعور خارق بحلول المغيب رغم أن الوقت كان لا يزال صباحا حتي أن عمك حسين نهض فجأة لينفض ثيابه مغادرا.
سأله سليمان الاعرج: علي وين يا حاج؟
فقال العم حسين: ماشي أصلي المغرب في المسيد!
ضحك سليمان وقال: مغرب شنو الدنيا لسة صباح! إنتبه العم حسين فجأة لإختلاط الزمان أمامه، وعاد ليجلس ويقول مرتبكا اليوم مش الأربعاء ؟
ضحك سليمان وقال يا حاج إنت باين عليك خلاص المخ لخبط، الليلة الخميس .
قال العم حسين إنت اللي لخبطت يا أعرج السجم، الليلة الأربعاء ، عاين هناك .
نظر سليمان ذاهلا الي حيث اشار العم حسين، كانت فرقة الأبواق تقترب وحولها عاصفة ذهبية من غبار المغيب.
يوم الكسوف كان الزين ود الحاج يمر سكرانا أمام البيوت التي تباع فيها الخمور البلدية سرا، خرجت صاحبات البيوت يضربن الصفائح والدلاليك حتي ترفع العناية الالهية غضبها، قال لهم الزين : كلو منكن، الغضب دة كلو منكن!
قالت له شيرا بت الفضل: جنيت يالزين عملنا شنو نحن عشان الشمس تروح ؟
قال الزين جبتن غضب الله تزيدن الموية في العرقي!
ضحكت شيرا وقالت: وينو العرقي ناس النظام العام خلو لينا عرقي، وكت يعدموا العرقي اللي يشربوه يقوموا يطلعوا كشة علينا نحن المساكين، يجي يصادروا العرقي يمشوا يشربوا لي رقبتهم .
حاولت شيرا أن تستوقف الزين، لكنه كان سكرانا وكان يغني مقاطع متداخلة من عدة أغنيات، قال لها: الليلة خطوبة بتي.
داير تعرسها لي منو؟
قال الزين : للرماد اللي إسمو فارس!.
فارس .. نصيح إنت يا الزين ولا جنيت ؟ما لقيت غير فارس السكران! عليك أمان الله ماشفت لي زول غيرو يسكر بالدين!، مرة قلت ليه الليلة يا تدفع كاش يا مافي عرقي، عمل شنو قال لي مافي مشكلة كبي العرقي قروشي حاضرة .
بعد ما إتطين براحة مرق ليه عقرب من جيبو وفكاها جنبو وقعد يكورك إتلدغت إتلدغت، وقام جري من محلو، بعد فات، شيخ الصاوي كان جة داير ليه حاجة مسك العقرب بالعرق بتاعو لقي ضنبها مقطوع!
ضحك الزين وقال: زول مصيبة!.
مرة كمان جة إطين بالدين ورقد نام، حكمة الله الوقت كان دميرة والبعوض يحمي الناس كلهم النوم الا هو نائم ومافي باعوضة تقدر تقرب منو، الباعوضة التعضيهو ترقد قبلها، دمو إتملي عرقي البعيد، واصلي ما بتوب منو مرة قال لي يا شيرا العمر مشي وإنتي ما عاملة حساب بكرة وجنا ما عندك يساعدك يوم يغلبك عمل العرقي، تعالي نعمل شراكة! .
قلت ليه شراكة شنو يا المطروش ؟ قال لي أربي لي دقينة، الناس ديل بيدوني تسهيلات أجيب سماد وإسبيرات وابورات من البنك، أبيعها وأسدد البنك علي مهلي .
أقنعني الملعون، أديتو شوية قريشات كنت لاماها للزمن، وكت إستلم القروش، بالله ما ما انتظر حتي لغاية ما يفوت من جنبي، جر منها خمسة تيلاف وقال لي داير جركانة عرقي ! قلت ليه يا زول داير تبدأ تسكر بيها من هسع، أخير رجع لي قريشاتي، قال لي ما تشيلي هم أنا باصرف من حقي، حقك محفوظ والقروش قاعدة في البيت!.
شال جركانتو وطفش لليلة، الكلام دة ليهو خمسة سنة! ضحك الزين ود الحاج وقال : وأها ما جاب ليك الحساب! .
رسّل لي مرّة وقال جايي يعمل الحساب، ومرسل مع زول قال لي جهزي العشاء وجهزي العرقي أنا جايي للحساب! .
ضبحت لي ديك الهي ما ينفعو وجهزت ليه العرقي، إطين وأكل الديك وكان في فردة حمامة غلبو ياكلها شال ختاها في جيبو وقال لي نفطر بيها بكرة!، وجر عكازو وقال ماشي! .
قلت ليهو الحساب! . قال لي ما تخلي وقت تاني متسربعة علي شنو، رزقك بيصلك، الظاهر كان داير يعمل موضوع الحساب مسمار جحا يجي كل كم يوم يسكر ويتعشا واخر الليل يقول لي : انا سكرت بلخبط الحسابات أخير أجي مرة تانية بالنهار!
بعد اسبوع جة وعمل نفس المرة الاولي بعد ما سكر وأكل الديك قال لي: اخير خلي الحساب يوم بالنهار!
وقت ضغطتو ليك وحلفت عليهو مايمرق لو ما وراني الحساب، مرق ليه دفتر مشرط من جيبو ومرق ورقة وقلم، وعمل الحساب.
اها شبكني ليك، أطلع بالواحد وأنزل بالاتنين .... طلّعني مطلوبة ! ضحك الزين حتي وقع أرضا، وقال أها ..
قال لي القروش خسرت، الجبهجية أبو يرجوني لامن أبيع السماد، وقالوا ترجّع القروش هسع، إضطريت بعتو بالخسارة وسددت البنك، بعدين إتفاقنا كان مرابحة نتشايل لو ربحنا ولا خسرنا، دحين خسرنا ودة الحساب، أنا داير منك عشرين ألف!
بعدين أخد ليه صنّة، وقال لي: لو ما معاك ما تحملي هم، أنا ما داير حقي كاش، أمسكي الحساب كويس بجي أشرب بيهو عرقي! طردتو من البيت تاني ما شفت وشو الحرامي، وكمان شوف لداحتو عندي باقي قروش عندو قلت ليهو حقي باخدو منك قدام الله، عارف قال لي شنو ؟ قال لي كان الله سألك قال ليك دي قروش شنو حتقولي ليه شنو؟ دي قروش العرقي!
كان الزين ود الحاج ينتفض من الضحك وهو راقد أرضا، حين اهتاجت شيرا: انت جنيت ياراجل يا شايب يا عايب، تضحك علي خيبتك، وكمان داير تدخلو بيتك، يلا خم صر! . ما شفت عمايلو مع المرة الاولي العرسها والله كانت بت تتاقل بالدهب، بهدلها وطردها من البيت، اشتكته في المحكمة القاضي قال ليها سوقي ولدك وارجعي بيتك، عمل شنو خبط التربيزة للقاضي وقال ليه إنت داير تحكمني بالطاعة ؟
القاضي ذاتو إستغرب من الزول المجنون دة، وقال ليه المرة بتقول بيتك بعيد من أهلها وانت ما دايرها تمشي تزور أهلها، ليه ما تعمل بيت قريب شوية من أهلها؟ قال للقاضي يعني أعمل لبيتي لساتك أدفرو أودي جنب بيت أهلها!
ضحك الزين ود الحاج وقال: ما يقدر يعمل معانا الحركات دي، الحكومة معانا أكلم ليه عثمان ولا ولدو يودو ورا الشمس، والشيوخ كمان معانا، الشيخ الجديد كمان قالوا زول عرقي، هسع ذكرتيني داير لي شوية عرقي نضيف امشي عليه بيهن! .
ضحكت شيرا وقالت: سجمي شيوخ آخر زمن، كيفن الشيخ يسكر؟ قال الزين: أبوه كان دايرو يقعد معاه، ياخد الطريقة ويخلفوبعد وفاته لكن قالوا بسبب ليمونة هجر البلد، قالوا كان يكره الليمون، أبوه يوم معاه ضيوف وجة هو ياكل مع الضيوف، قام أبوه عصر الليمون في الأكل كلو حتي في الكستر، الود أخد بعضو من محلو وركب البص، طفش لي بورسودان، وقالو قضاها هناك كلها حبايبي الحلوين أهلا جوني، ما فاق الا بعد رسلو ليه قالوا ليه أبوك مات، وكت الخبر وصلو كان سكران كالعادة : شرب باقي جركانة العرقي وقال : اليوم خمر وغدا أمر. تاني يوم برضو قالوا قاعد يشرب وكت يسألوه مسافر متين يقول اليوم خمر وغد أمر، أها قعد شهر اليوم خمر وغد برضو خمر، بورسودان دي قالوا ما شاف فيها لا ميناء لا بحر، دخلها سكران ومرق منها سكران، الجماعة المعاه بعد مجابدة حمموه ورسلوه بالبص، لكن عموما هو زول كويس، كريم ويحب يخدم الناس والهداية بتجيه، أبوه ما كان رجل ساهل . وقالت شيرا بخبث : عقبالك إنت في الهداية! .
ضحك الزين وقال: وبضاعتك دي البيشتريها منو يوم ما أنا اتهدي ؟ يوم هدايتي حنشوفك في الحلة لافة مع الغجر تشحتي الكرامة!
قالت شيرا: أمانة جاييك زولا في بيتك يا خلاك إتهديت مرة واحدة يا جنيت بي عدلك!. وقال الزين: يلحق يقل الأدب علي ولا علي البت، اكلم عبدالله يجيب ليه ناس الامن يسووا فيه سواة الطيب ود بشير يخلو يحبا البول يغلبو !
صمت الزين لبرهة ثم سحب عصاه وقال: أها أنا ماشي، خلي لينا شوية من العرقي النضيف علي جنبة، يوم بجيك ويمكن يجي معاي الشيخ.
قالت شيرا: كلمنا عشان نبعد الليمون من البيت!
ثم ضحكت وقالت إتذكرت مرة كنت مسافرة بقطر كريمة مرينا في واحدة من المحطات القريبة من عطبرة، جة راجل كبير يبيع الليمون، الكيس فيه تلات حبات بألف جنيه، قلت ليه يا حاج أنا جيت هنا قبل أكتر من عشرين سنة، اخر أيام أزهري، وانت كنت صبي شوية تبيع الليمون، كيس ملان بملاليم، الحصل شنو في الدنيا؟ ضحك الرجل العجوز وقال لي : أيام أزهري وين كان في زول بطنو بتطم؟!
يتدحرج الزين ود الحاج باتجاه القرية تاركا شيرا تعود لضرب صفائحها للشمس، يقول الزين: والله صحي ولد شوم يوم الخطوبة الشمس ودّرها !
ينتبه وهو يقترب من الحلة الي الناس الذين كانوا يجرون هاربين، تخيل في البداية أن شيخ الطيب ظهر، لكنه تبين بعد قليل عربات الجيش تجوب طرقات القرية، كان ضجيج الفرق الموسيقية وزحام الناس الذين جاءوا طوال أيام لمشاهدة الصبيين تحرسهما عصافير المغيب قد إختفي، إختبأ الزين داخل أجمة من أشجار الكتر غرب القرية، لم يكن يخشي منهم لكبر سنه، لكنه كان يخشي أن يكتشف أحدهم أنه كان سكرانا.
قال بصوت عال وكأنه لا يتحدث مع نفسه: دايرين يودونا يجلدونا في السوق المجرمين بعد العمر دة!، شعر برغبة في قضاء حاجته، ،خلع سرواله وجلس أرضا، تغوط وهو يهش الذباب الذي كان يتجمع بهلع حول مؤخرته، تذكر أنه لم يتغوط منذ فترة في العراء، وضحك حين تذكر قصة قريب له توفي منذ سنوات كان يعبر القرية بحماره وفي ذلك الزمان كانت النسوة يتغوطن في الشارع ويغطين وجوههن اذا شعرن بمرور رجل.
حين عبر قريبه كانت إمرأة مشهورة في القرية إسمها فدلم، إشتهرت بمقارعتها للرجال الذين كانوا يخشون سطوة لسانها، كانت فدلم تتغوط تحت شجرة جميز وحين لمحته قادما غطت وجهها بثوبها، لكن قريبه ناداها وهو يعبر بحماره المنطلق بسرعة قائلا: فدلم ما تغطي وشك أنا أعرفك من مؤخرتك !
نظف الزين نفسه بالتراب، وقبل أن يستخدم التراب فحصه بعينيه جيدا خوفا من تكرار ما حدث مع الطاهر ود ابراهيم الذي تبول يوما في العراء ليلا وأخذ حفنة تراب من الأرض لينظف بها ذكره، ولم ينتبه الي أنه حمل معها عقربا صغيرا لدغه في ذكره، ولأنه خشي من كلام الناس حين عاد الي البيت اوضح أنه ملدوغ في صباع قدمه!
تجمع أهل بيته وقاموا بكىّ صباعه فلم ينم طوال الليل من آلام الكىّ في أصبعه والتي كانت أسوأ من آلام العقرب في ذكره، في اليوم التالي زاره الزين فحكي له حقيقة أنه لم يكن ملدوغا في أصبع قدمه بل في ذكره، ضحك الزين وقال : ألحق جيب ليك شافع بباقي السم دة حيكون زول شديد ويقدر يعيش مع أبات دقون ديل !.
الزين جلس علي مبعدة من كومة فضلاته شاعرا براحة إفراغ بطنه المتعفنة وشاعرا بذنب خفي لم يستطع فهم أسبابه. مثلما لم يفهم كيف يمكن أن يضحك الانسان ويعيش حياة عادية وهو يحمل في جوفه كل هذه الكمية من الغائط.
حين هبط المساء تحرك بإتجاه القرية، عاد ا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...