30 - 09 - 1946
إلى الأستاذ علي الطنطاوي:
أشكر لك أيها الكاتب الألمعي ما وجهته آلي من لطيق كلماتك، واراني مضطرا إلى أن ارجع إلى أسلوب الأستاذ الخولي - وان كان المقال الثالث عند صاحب الرسالة وأظنه ينشر في هذا العدد - أعود إلى أسلوبه لتعلم أنت وليعلم قراء (الرسالة) إني ما تجنيت، وما كان لي أن أتجنى، بل حرصت الحرص كله على توخي الأمانة والدقة فلم أزد حرفا على كلماته، وإنما نقلتها بنصها وفصها كما يقولون.
وإذا كنت تستبعد أن يتوهم الأستاذ إن الله سبحانه وتعالى قال لمحمد صلى الله عليه وسلم (يا أخي) فاعلم إن الله - في لسان الشيخ - قال لعيسى عليه السلام (يا سيدي) واليك نص عباراته (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم) هذه الآية وما قبلها وما بعدها تدور على شكل حوار خيالي بين عيسى وبين الله سبحانه وتعالى. المقصود بهذا الكلام من يعتقدون بألوهية المسيح وكان المسالة هكذا: انتم تعتقدون إن المسيح اله وتعبدونه فمن أمركم بذلك؟ هذا هو عيسى. أأنت قلت للناس انك إله؟! أبدا لم اقل لهم ذلك. طيب قولهم يا سيدي إياك ينكسفوا).
ولعل أهون من ذلك شرحه لكلام سيدنا أبي بكر بعد وفاة رسول الله، وما كان من قراءته آية (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) قال الأستاذ (وكان أبو بكر يريد أن يقول: يا سي عمر الدنيا بخير، والأمانة لا تزال في أعناق الموجودين ومحمد يموت زيه زي غيره).
ولعل مما يؤسف ويمض ألا يخلو فصل من هذه المذكرات من عبارة أو عبارات عامية ركيكة كأن من الحتم لإفهام طلاب الجامعة اللجوء إلى اللغة العامية، وأني لأعرف أن إدارة الأزهر حظرت على المدرسين إلقاء الدروس باللغة العامية، ومازال التفتيش في الأزهر بعد هذا من اقبح عيوب المدرس.
على أني - يا صاحب القلم الفاضل - أطلعتك واطلعت قراء (الرسالة) على عامية مبكية لأنها تتصل بكتاب الله واحب أن أطلعك على عامية مضحكة، يقول الأستاذ ممهدا للكلام في الفصل والوصل: (تقول للخادم مثلا خد تعريفه، وهات بنكلة شقة عيش وبمليم كرات وبمليم سلطة قوطة وبمليم طعمية بل أكثر من هذا تعد له على أصابعك ليفهم هذه الأشياء، وان كنت حدء (يريد حدق يعني متنبهيها) تقول هات العيش الأول لأنه حايقابل بتاع العيش أول ما يخرج وبعدين تحود على شمالك تلاقي بتاع الطعمية هات منه بمليم سلطة، وبمليم طعمية، وهكذا تسرد الحوادث، وتشير إليها في كلامك فمن الجائز أن تراعى القرابات والمناسبات إذا كان حدء. فإذا كان بتاع الكرات فريح (يريد بجانب) بتاع الطعمية يقوم يذكره بعده على طول علشان الواد ما ينساش. . وهكذا).
وأني لاعتذر إلى صاحب (الرسالة) من نشر مثل هذه التفاهات في مجلته، غير إن الانتصاف للغتنا العربية يدعونا إلى ذلك.
وليس شينا - كما أشرت إلى ذلك في مقالي السابق - أن يأمر الأستاذ طلبته عند المراجعة أن يمروا بالقلم على بعض هذا فأنَّا نعيب عليه أولا أن تدرس البلاغة العربية بهذا الأسلوب وثانيا أن يدون مثل هذا في مذكرات، ومعروف إن طلبة الجامعة يدونون مذكراتهم مما يلقفونه من أفواه أساتذتهم.
أما عن ظرف الفقهاء فأني قد ذكرت حينذاك أنني إنما اذكر نماذج ولا أريد الاستقصاء والحق إن الاستقصاء يحتاج إلى زمن طويل والى مجهود قد لا تسمح به شواغل الدرس، وحسبك أن تقرأ كتابي الأغاني ونفح الطيب لترى فيهما كل طريفة مستحبة من ملح علمائنا وفقهائنا، وربما استطاع الكاتب أن يتحدث عن أشخاص من الفضلاء الذين شهروا بالظرف فأبى السائب المخزومي وابن آبي عتيق، أما أن يستقصي هذا الفصل في العربية، فذلك شأو بعيد. والى الأستاذ تحياتي.
علي العماري
مدرس بالأزهر
إلى الأستاذ علي الطنطاوي:
أشكر لك أيها الكاتب الألمعي ما وجهته آلي من لطيق كلماتك، واراني مضطرا إلى أن ارجع إلى أسلوب الأستاذ الخولي - وان كان المقال الثالث عند صاحب الرسالة وأظنه ينشر في هذا العدد - أعود إلى أسلوبه لتعلم أنت وليعلم قراء (الرسالة) إني ما تجنيت، وما كان لي أن أتجنى، بل حرصت الحرص كله على توخي الأمانة والدقة فلم أزد حرفا على كلماته، وإنما نقلتها بنصها وفصها كما يقولون.
وإذا كنت تستبعد أن يتوهم الأستاذ إن الله سبحانه وتعالى قال لمحمد صلى الله عليه وسلم (يا أخي) فاعلم إن الله - في لسان الشيخ - قال لعيسى عليه السلام (يا سيدي) واليك نص عباراته (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم) هذه الآية وما قبلها وما بعدها تدور على شكل حوار خيالي بين عيسى وبين الله سبحانه وتعالى. المقصود بهذا الكلام من يعتقدون بألوهية المسيح وكان المسالة هكذا: انتم تعتقدون إن المسيح اله وتعبدونه فمن أمركم بذلك؟ هذا هو عيسى. أأنت قلت للناس انك إله؟! أبدا لم اقل لهم ذلك. طيب قولهم يا سيدي إياك ينكسفوا).
ولعل أهون من ذلك شرحه لكلام سيدنا أبي بكر بعد وفاة رسول الله، وما كان من قراءته آية (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) قال الأستاذ (وكان أبو بكر يريد أن يقول: يا سي عمر الدنيا بخير، والأمانة لا تزال في أعناق الموجودين ومحمد يموت زيه زي غيره).
ولعل مما يؤسف ويمض ألا يخلو فصل من هذه المذكرات من عبارة أو عبارات عامية ركيكة كأن من الحتم لإفهام طلاب الجامعة اللجوء إلى اللغة العامية، وأني لأعرف أن إدارة الأزهر حظرت على المدرسين إلقاء الدروس باللغة العامية، ومازال التفتيش في الأزهر بعد هذا من اقبح عيوب المدرس.
على أني - يا صاحب القلم الفاضل - أطلعتك واطلعت قراء (الرسالة) على عامية مبكية لأنها تتصل بكتاب الله واحب أن أطلعك على عامية مضحكة، يقول الأستاذ ممهدا للكلام في الفصل والوصل: (تقول للخادم مثلا خد تعريفه، وهات بنكلة شقة عيش وبمليم كرات وبمليم سلطة قوطة وبمليم طعمية بل أكثر من هذا تعد له على أصابعك ليفهم هذه الأشياء، وان كنت حدء (يريد حدق يعني متنبهيها) تقول هات العيش الأول لأنه حايقابل بتاع العيش أول ما يخرج وبعدين تحود على شمالك تلاقي بتاع الطعمية هات منه بمليم سلطة، وبمليم طعمية، وهكذا تسرد الحوادث، وتشير إليها في كلامك فمن الجائز أن تراعى القرابات والمناسبات إذا كان حدء. فإذا كان بتاع الكرات فريح (يريد بجانب) بتاع الطعمية يقوم يذكره بعده على طول علشان الواد ما ينساش. . وهكذا).
وأني لاعتذر إلى صاحب (الرسالة) من نشر مثل هذه التفاهات في مجلته، غير إن الانتصاف للغتنا العربية يدعونا إلى ذلك.
وليس شينا - كما أشرت إلى ذلك في مقالي السابق - أن يأمر الأستاذ طلبته عند المراجعة أن يمروا بالقلم على بعض هذا فأنَّا نعيب عليه أولا أن تدرس البلاغة العربية بهذا الأسلوب وثانيا أن يدون مثل هذا في مذكرات، ومعروف إن طلبة الجامعة يدونون مذكراتهم مما يلقفونه من أفواه أساتذتهم.
أما عن ظرف الفقهاء فأني قد ذكرت حينذاك أنني إنما اذكر نماذج ولا أريد الاستقصاء والحق إن الاستقصاء يحتاج إلى زمن طويل والى مجهود قد لا تسمح به شواغل الدرس، وحسبك أن تقرأ كتابي الأغاني ونفح الطيب لترى فيهما كل طريفة مستحبة من ملح علمائنا وفقهائنا، وربما استطاع الكاتب أن يتحدث عن أشخاص من الفضلاء الذين شهروا بالظرف فأبى السائب المخزومي وابن آبي عتيق، أما أن يستقصي هذا الفصل في العربية، فذلك شأو بعيد. والى الأستاذ تحياتي.
علي العماري
مدرس بالأزهر