651 - والشيب يغمزها بألا تفعلي!
في (كتاب الأذكياء) لابن الجوزي: قال العتبي: رأيت امرأة أعجبتني صورتها فقلت لها: ألك بعل؟ قالت: لا. قلت: أفترغبين في التزويج؟ قالت: نعم، ولكن لي خصلة أظنك لا ترضاها. قلت: وما هي؟ قالت: بياض برأسي. قال: فثنيت عنان فرسي، وسرت قليلاً. فنادتني أقسمت عليك لتقفن، ثم أتت إلى موضع خال فكشفت عن شعر كأنه العناقيد السود. فقالت: والله ما بلغت العشرين ولكن عرفتك أنا نكره منك ما تكره منا.
فقال: فخجلت وسرت وأنا أقول:
فجعلت أطلب وصلها بتملق ... والشيب يغمزها بألا تفعلي
في (الأغاني): قالت امرأة لبشار: أي رجل أنت لو كنت أسود اللحية والرأس! قال بشار: أما علمت أن بيض البزاة أثمن من سود الغربان؟ فقالت له: أما قولك فحسن في السمع، ومن لك بأن يحسن شيبك في العين كما حسن قولك في السمع. . .؟ فكان بشار يقول: ما أفحمني قط غير هذه المرأة.
652 - فإنا لله وإنا إليه راجعون!
قال الجاحظ في (الحيوان): بينا داود بن المعتمر الصبيري جالس معي إذ مرت به امرأة جميلة، لها قوام وحسن وعينان عجيبتان، وعليها ثياب بيض، فنهض داود، فلم أشك أنه قام ليتبعها، فبعثت غلامي ليعرف ذلك. فلما رجع (داود) قلت له: قد علمت إنما قمت لتكلمها فليس ينفعك إلا الصدق، ولا ينجيك مني الجحود، وإنما غايتي أن أعرف كيف ابتدأت القول، وأي شئ قلت لها، وعلمت أنه سيأتي - بآبدة - وكان مليا بالأوابد - قال: ابتدأت القول بان قلت: لولا ما عليك من سيمياء الخير لم أتبعك. فضحكت حتى استندت إلى الحائط، ثم قالت: إنما يمنع مثلك من اتباع مثلي والطمع فيه ما يرى من سيمياء الخير، فأما إذ قد صار سيمياء الخير هو الذي يطمع في النساء، فانا لله وإنا إليه راجعون. . .!
653 - لعن الله شر الثلاثة اطلع مروان بن عبد الحكم على ضيعة له بالغوطة فأنكر منها شيئاً فقال لوكيله: ويحك إني لأظنك تخونني
قال: أتظن ذلك ولا تستيقنه؟
قال: وتفعل؟
قال: نعم (والله) إني لأخونك، وإنك لتخون أمير المؤمنين، وإن أمير المؤمنين ليخون الله. فلعن الله شر الثلاثة.
654 - أردت أن أقول بعد يوم
قال الحمدوني: بعث إلى أحمد بن حرب المهلبي في غداة السماء فيها مغيمة، فأتيته والمائدة موضوعة مغطاة وقد وافت عجاب المغنية فأكلنا جميعاً وجلسنا على شرابنا. فما راعنا إلا داق يدق الباب فأتاه الغلام فقال: بالباب فلان. فقال: هو فتى من آل المهلب ظريف نظيف. فقلت: ما نريد غير ما نحن فيه. فأذن له فجاء يتبختر وقدامى قدح شراب فكسره فإذا رجل آدم ضخم، وتكلم فإذا هو أعيا الناس، فجلس بيني وبين عجاب، فدعوت بدواة وكتبت إلى أحمد بن حرب:
كدر الله العيش من كدر العي ... ش فقد كان صافياً مستطابا
جاءنا والسماء تهطل بالغي ... ث وقد طابق السماع الشرابا
كسر الكأس وهي كالكواكب الدري ... ضمت من المدام رضابا
قلت لما رميت منه بما أكره ... والدهر ما أفاد أصابا
عجل الله نقمة لابن حرب ... تدع الدار بعد شهر خرابا
ودفعت الرقعة له فقال: ألا نفست فقلت بعد حول؟ فقلت: أردت أن أقول بعد يوم فخفت أن يصيبني مضرة ذلك. وفطن الثقيل فنهض. فقال: آذيته، فقلت: هو آذاني.
655 - فما أخذت بترك الحج من ثمن
قال ابن جريج: ما ظننت أن الله ينفع أحداً بشعر عمر بن أبي ربيعة حتى كنت باليمن فسمعت منشداً ينشد قوله:
بالله قولا له غير معْتبة: ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن؟ إن كنتَ حاولتَ دنيا أو ظفرتَ بها ... فما أخذت بترك الحج من ثمن
فحركني ذلك على ترك اليمن والخروج إلى مكة فخرجت فحججت.
656 - لا يتيه وزير في وزارته
قال أبو العيناء: كان عيسى بن فرخان شاه يتيه على في ولايته الوزارة. فلما صرف رهبني. فلقيني فسلم علي فأحفى. فقلت لغلامي: من هذا؟ فقال: أبو موسى. فدنوت منه وقلت: أعزك الله، والله لقد كنت أقنع بإيمائك دون بيانك، وبلحظك دون لفظك. فالحمد لله على ما آلت إليه حالك. فلئن كانت أخطأت فيك النعمة لقد أصابت فيك النقمة، ولئن كانت الدنيا أبدت مقابحها بالإقبال عليك، لقد أظهرت محاسنها بالانصراف عنك. ولله المنة إذ أغنانا عن الكذب عليك، ونزهنا عن قول الزور فيك؛ فقد والله أسأت حمل النعم، وما شكرت حق المنعم.
فقيل له: يا أبا عبد الله لقد بالغت في السب، فما كان الذنب؟ فقال: سألته حاجة أقل من قيمته، فردني عنها بأقبح من خلقته
657 - سارت مشرقة وسرت مغربا
ذكر بعض الأكابر أن بعض أهل الظاهر في عصر الحافظ ابن حجر كتب على تائية ابن الفارض وأرسل إلى بعض العظماء من صوفية الوقت ليقرظه، فأقام عنده مدة ثم كتب عليه عند إرساله إليه:
سارت مشرقة وسرت مغربا ... شتان بين مشرق ومغرب
فقيل له في ذلك، فقال: مولانا الشارح أعتني بإرجاع الضمائر والمبتدأ والخبر والجناس والاستعارة وما هنالك من اللغة والبديع، ومراد الناظم وراء ذلك كله.
658 - رفعة. . .
في (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب): قال علي بن عدلان النحوي الموصلي: حضرت بدمشق عند محمد بن نصر بن عنين الشاعر وزير المعظم، فجاءته رقعة طويلة عريضة خالية من معنى، فارغة من فائدة؛ فألقاها إلي قائلا: هل رأيت قط أسقط من هذه مع طول وعرض، فتناولتها فوجدتها كما قال، وشرعت أخاطبه، فأومأ إلي بالسكوت وهو مفكر، ثم أنشدني لنفسه:
وردت منك رقعة أسأمتني ... وثنت صدري الحمول ملولا
كنهار المصيف ثقلا وكربا ... وليالي الشتاء بردا وطولا
فاستحسن أهل المجلس هذه البديهة، وعجبوا من حسن المعنى.
659 - كتاب أمير المؤمنين لا يكون ملحونا
في (تاريخ بغداد) للخطيب:
كتب (المهدي) إلى عبيد الله بن الحسن العنبري - وهو قاضي البصرة - كتابا فقرأه عبيد الله فرده، فحمل عبيد الله إلى المهدي فعاتبه، فكان فيما عاتبه به أن قال له: رددت كتابي! فقال عبيد الله: يا أمير المؤمنين، إني لم أرد كتابك، ولكنه كان ملحونا، وكتاب أمير المؤمنين لا يكون ملحونا. فصدق المهدي مقالته وأجازه ورده إلى عمله.
660 - وألقيت عليك محبة مني
في (رسالة الصداقة والصديق) لأبي حيان التوحيدي:
ابن سمعون الصوفي: ما يقف البشر على بعد غور قوله تعالى: (وألقيت عليك محبة مني، ولتصنع على عيني) فإن في هاتين الكلمتين مل لا يبلغ كنهه. ولو أن أرق الناس لسانا وألطفهم بياناً أراد أن يتوسط حقيقة هذا القول لم يستطيع، ونكص مبهورا. ثم قال: اللهم، حبب بعضنا إلى بعض، واجمع شملنا إلى رضاك عنا مع إحسانك إلينا؛ إنك أهل ذلك والجواد به.
مجلة الرسالة - العدد 615
بتاريخ: 16 - 04 - 1945
في (كتاب الأذكياء) لابن الجوزي: قال العتبي: رأيت امرأة أعجبتني صورتها فقلت لها: ألك بعل؟ قالت: لا. قلت: أفترغبين في التزويج؟ قالت: نعم، ولكن لي خصلة أظنك لا ترضاها. قلت: وما هي؟ قالت: بياض برأسي. قال: فثنيت عنان فرسي، وسرت قليلاً. فنادتني أقسمت عليك لتقفن، ثم أتت إلى موضع خال فكشفت عن شعر كأنه العناقيد السود. فقالت: والله ما بلغت العشرين ولكن عرفتك أنا نكره منك ما تكره منا.
فقال: فخجلت وسرت وأنا أقول:
فجعلت أطلب وصلها بتملق ... والشيب يغمزها بألا تفعلي
في (الأغاني): قالت امرأة لبشار: أي رجل أنت لو كنت أسود اللحية والرأس! قال بشار: أما علمت أن بيض البزاة أثمن من سود الغربان؟ فقالت له: أما قولك فحسن في السمع، ومن لك بأن يحسن شيبك في العين كما حسن قولك في السمع. . .؟ فكان بشار يقول: ما أفحمني قط غير هذه المرأة.
652 - فإنا لله وإنا إليه راجعون!
قال الجاحظ في (الحيوان): بينا داود بن المعتمر الصبيري جالس معي إذ مرت به امرأة جميلة، لها قوام وحسن وعينان عجيبتان، وعليها ثياب بيض، فنهض داود، فلم أشك أنه قام ليتبعها، فبعثت غلامي ليعرف ذلك. فلما رجع (داود) قلت له: قد علمت إنما قمت لتكلمها فليس ينفعك إلا الصدق، ولا ينجيك مني الجحود، وإنما غايتي أن أعرف كيف ابتدأت القول، وأي شئ قلت لها، وعلمت أنه سيأتي - بآبدة - وكان مليا بالأوابد - قال: ابتدأت القول بان قلت: لولا ما عليك من سيمياء الخير لم أتبعك. فضحكت حتى استندت إلى الحائط، ثم قالت: إنما يمنع مثلك من اتباع مثلي والطمع فيه ما يرى من سيمياء الخير، فأما إذ قد صار سيمياء الخير هو الذي يطمع في النساء، فانا لله وإنا إليه راجعون. . .!
653 - لعن الله شر الثلاثة اطلع مروان بن عبد الحكم على ضيعة له بالغوطة فأنكر منها شيئاً فقال لوكيله: ويحك إني لأظنك تخونني
قال: أتظن ذلك ولا تستيقنه؟
قال: وتفعل؟
قال: نعم (والله) إني لأخونك، وإنك لتخون أمير المؤمنين، وإن أمير المؤمنين ليخون الله. فلعن الله شر الثلاثة.
654 - أردت أن أقول بعد يوم
قال الحمدوني: بعث إلى أحمد بن حرب المهلبي في غداة السماء فيها مغيمة، فأتيته والمائدة موضوعة مغطاة وقد وافت عجاب المغنية فأكلنا جميعاً وجلسنا على شرابنا. فما راعنا إلا داق يدق الباب فأتاه الغلام فقال: بالباب فلان. فقال: هو فتى من آل المهلب ظريف نظيف. فقلت: ما نريد غير ما نحن فيه. فأذن له فجاء يتبختر وقدامى قدح شراب فكسره فإذا رجل آدم ضخم، وتكلم فإذا هو أعيا الناس، فجلس بيني وبين عجاب، فدعوت بدواة وكتبت إلى أحمد بن حرب:
كدر الله العيش من كدر العي ... ش فقد كان صافياً مستطابا
جاءنا والسماء تهطل بالغي ... ث وقد طابق السماع الشرابا
كسر الكأس وهي كالكواكب الدري ... ضمت من المدام رضابا
قلت لما رميت منه بما أكره ... والدهر ما أفاد أصابا
عجل الله نقمة لابن حرب ... تدع الدار بعد شهر خرابا
ودفعت الرقعة له فقال: ألا نفست فقلت بعد حول؟ فقلت: أردت أن أقول بعد يوم فخفت أن يصيبني مضرة ذلك. وفطن الثقيل فنهض. فقال: آذيته، فقلت: هو آذاني.
655 - فما أخذت بترك الحج من ثمن
قال ابن جريج: ما ظننت أن الله ينفع أحداً بشعر عمر بن أبي ربيعة حتى كنت باليمن فسمعت منشداً ينشد قوله:
بالله قولا له غير معْتبة: ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن؟ إن كنتَ حاولتَ دنيا أو ظفرتَ بها ... فما أخذت بترك الحج من ثمن
فحركني ذلك على ترك اليمن والخروج إلى مكة فخرجت فحججت.
656 - لا يتيه وزير في وزارته
قال أبو العيناء: كان عيسى بن فرخان شاه يتيه على في ولايته الوزارة. فلما صرف رهبني. فلقيني فسلم علي فأحفى. فقلت لغلامي: من هذا؟ فقال: أبو موسى. فدنوت منه وقلت: أعزك الله، والله لقد كنت أقنع بإيمائك دون بيانك، وبلحظك دون لفظك. فالحمد لله على ما آلت إليه حالك. فلئن كانت أخطأت فيك النعمة لقد أصابت فيك النقمة، ولئن كانت الدنيا أبدت مقابحها بالإقبال عليك، لقد أظهرت محاسنها بالانصراف عنك. ولله المنة إذ أغنانا عن الكذب عليك، ونزهنا عن قول الزور فيك؛ فقد والله أسأت حمل النعم، وما شكرت حق المنعم.
فقيل له: يا أبا عبد الله لقد بالغت في السب، فما كان الذنب؟ فقال: سألته حاجة أقل من قيمته، فردني عنها بأقبح من خلقته
657 - سارت مشرقة وسرت مغربا
ذكر بعض الأكابر أن بعض أهل الظاهر في عصر الحافظ ابن حجر كتب على تائية ابن الفارض وأرسل إلى بعض العظماء من صوفية الوقت ليقرظه، فأقام عنده مدة ثم كتب عليه عند إرساله إليه:
سارت مشرقة وسرت مغربا ... شتان بين مشرق ومغرب
فقيل له في ذلك، فقال: مولانا الشارح أعتني بإرجاع الضمائر والمبتدأ والخبر والجناس والاستعارة وما هنالك من اللغة والبديع، ومراد الناظم وراء ذلك كله.
658 - رفعة. . .
في (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب): قال علي بن عدلان النحوي الموصلي: حضرت بدمشق عند محمد بن نصر بن عنين الشاعر وزير المعظم، فجاءته رقعة طويلة عريضة خالية من معنى، فارغة من فائدة؛ فألقاها إلي قائلا: هل رأيت قط أسقط من هذه مع طول وعرض، فتناولتها فوجدتها كما قال، وشرعت أخاطبه، فأومأ إلي بالسكوت وهو مفكر، ثم أنشدني لنفسه:
وردت منك رقعة أسأمتني ... وثنت صدري الحمول ملولا
كنهار المصيف ثقلا وكربا ... وليالي الشتاء بردا وطولا
فاستحسن أهل المجلس هذه البديهة، وعجبوا من حسن المعنى.
659 - كتاب أمير المؤمنين لا يكون ملحونا
في (تاريخ بغداد) للخطيب:
كتب (المهدي) إلى عبيد الله بن الحسن العنبري - وهو قاضي البصرة - كتابا فقرأه عبيد الله فرده، فحمل عبيد الله إلى المهدي فعاتبه، فكان فيما عاتبه به أن قال له: رددت كتابي! فقال عبيد الله: يا أمير المؤمنين، إني لم أرد كتابك، ولكنه كان ملحونا، وكتاب أمير المؤمنين لا يكون ملحونا. فصدق المهدي مقالته وأجازه ورده إلى عمله.
660 - وألقيت عليك محبة مني
في (رسالة الصداقة والصديق) لأبي حيان التوحيدي:
ابن سمعون الصوفي: ما يقف البشر على بعد غور قوله تعالى: (وألقيت عليك محبة مني، ولتصنع على عيني) فإن في هاتين الكلمتين مل لا يبلغ كنهه. ولو أن أرق الناس لسانا وألطفهم بياناً أراد أن يتوسط حقيقة هذا القول لم يستطيع، ونكص مبهورا. ثم قال: اللهم، حبب بعضنا إلى بعض، واجمع شملنا إلى رضاك عنا مع إحسانك إلينا؛ إنك أهل ذلك والجواد به.
مجلة الرسالة - العدد 615
بتاريخ: 16 - 04 - 1945