ظلام كثيف لا يبرز من ملامح المشهد شئ، ليبرز من رحم الظلام صوت يتحدث : ظلام دامس يغطى
جميع جوانب الرؤية لدي ، لا أرى إلا ظلامًا و أسمع صوتًا قادمًا من بعيد يقترب الهوينى ، أو لعلنى أنا أقترب منه ، لا أدرى أيهما أدق ، يقول : "إن الحمد لله نحمده سبحانه وتعالى جل شأنه ونتوب إليه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه ... " توقف اقترابنا من بعضنا البعض وأحسست بنفسى أوضع فى أرضية المكان .
ينقشع الظلام رويدا عن باب مزخرف بزخارف الأرابيسك تلك التى تحتوى على المعينات والمنحنيات
المصنوعة فى الخشب المدهون باللون البني ، ويرى منه السماء الزرقاء المشوبة ببعض الضياء من الشمس التى لا يظهر إلا جزء منها فقط بسبب السحب ولا يرى غير هذا ، وكأنما أنت فى مشهد مقصوص بقيته ، ليحجب عنك كل ذلك كتلة آدمية لا يرى منها إلا أسفل ذقنها المدبب بعض الشئ والملئ بتلك النباتات السوداء الصغيرة وأنفه الذى ليس بقصير وجبهة عريضة – يبدو ذلك – وشعر أسود لا يظهر إذا كان له امتداد فى الخلف وطولًا أم هذا هو آخره . للأسف لم يتح لى هذا المشهد المقصوص اللعين أن أتبين هذا الأمر أو أتبين عينيه جيدًا ، أما الجسد فلا شئ مميز فيه ، متوسط الطول ... هذا كل ما يمكننى الإدلاء به -" وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له " – يمككنى فقط ببعض التخمين أن أقول أنه فى مقتبل العشرينات .
اجتاز باب الخشب ذو زخارف الأرابيسك وانحرف عن يمين الباب إلى الداخل . عدت بمشهدى المقصوص انظر من الباب إلى المشهد المقصوص للسماء المشوبة ببعض الضياء من الشمس التى ... تنعدم الرؤية ، تبدأ الرؤية بالظهور تدريجيًا ليرى أناس متوزعين على جنبات المكان يجلسون القرفصاء بظهور محنية للأمام ورؤوس مطأطئة و... انعدمت الرؤية مرة أخرى ثم انقشع الظلام وانعدم وانقشع ، لا بد أنهما جفنا ذلك المراهق المستند على الجدار- الذى لم يتعد الخامسة عشر على الأكثر - هى التى تسبب هذا للمشهد ، لابأس . تنعدم الرؤية مرة أخرى ولكن بسبب ظهر حجب مشهد هؤلاء الأناس المقرفصين ، تراه يدير رأسه يمنة ويسرة وكأنه يبحث عن شئ وشعره المربوط يروح مع رأسه جيئة وذهابًا لا يسعه غير ملاحقة الرأس غير الساكن . كان أسود الشعر، متوسط الطول ... وانعدمت الرؤية مرة أخرى ، هذا الفتى اللعين ، على أية حال لم يكن هناك ما يوصف زيادة عن ذلك - "وقد قال رسول الله )ص(:"طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة " إن ديننا دين عقل " . اتضح المشهد مرة أخرى عن أناس يجلسون القرفصاء وقد زادوا واحدًا.
رؤوس ، رؤوس ، رؤوس لا يظهر منها إلا شعرها الأسود فقط لأناس جالسين القرفصاء من بينهم تظهر أرضية المكان الخضراء المرسوم عليها باللون الأبيض ذلك المستطيل الذى قد حل مكان ضلعه الرابع مثلث ناقص ضلع . هذا ما ظهر لى بمجرد أن انقشعت الظلمات التى كانت تحيط بى . لقد كنت أرى المشهد من عل ، تعجبت وابتسمت فهذه أول مرة أرى فيها منذ الخمس ساعات تقريبًا . أرى ذلك الصندوق الخشبى الملقى فى الركن ، وابنى يجلس بجانب هذا الصندوق الخشبى مسندًا مرفقه على حافة الصندوق المغطى بقماشة خضراء ويسند جبهته على يده ويبكى ، هذا تفسيره إذ أنا صاحب الصندوق ، هذا هو التفسير الوحيد : انعدام الرؤية ، شعورى بأنى أحمل وأوضع، وهامتى فوق المكان وكأنى فى مشهد رأسى ويد تجذبنى لأعلى بعيدًا عن المشهد . انظر لأعلى ، استعصى على الوصف ، حتى المشهد لا يتيح لى . أحس بأعصابى تنتفض لا أعرف كيف فلنتركه فى حاله فلا ريب أن هذا عزرائيل .
يظلم المشهد مرة أخرى ، ظلام تام يحيط بعينيك كليًا وصمت ولكن وهاه... يمكننى سماع شخير هذا اللعين صاحب الجفنين - " اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا ، وثبت أقدامنا ، وانصرنا على القوم الكافرين .
اللهم عليك بمن آذى حماة دينك ، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك ، اللهم..." – طنين ، طنين شديد من هذا النوع الذى تشعر به وكأنه فوق مستوى الصوت . طنين شديد يتحول إلى صوت مسموع لصرخات شديدة ، فزعة وبسبب هذا اللعين الغارق فى سباته العميق لا يسعنى سوى تخيل صورة للمشهد وقد ارتسمت أعتى إمارات الفزع على وجوههم وأصبحت صفراء ذابلة ... صوت صرخات مبحوحة تشعر بها تخرج من الجوف ، لا ليس من الجوف بل من أخمص القدم . ها قد استيقظ أخيرًا ، - هل أحضر لك كوبًا من القهوة لينعش مزاجك؟ هذا الملعون. تظهر الصورة مع انفتاح الجفنين جزئيًا ، ولكنها صورة غير واضحة المعالم وكأن النظارة تنقصها أو يجب على هذا اللعين أن يدعك عينيه لكى تتضح الرؤية وبعد عدة انغلاقات طويلة للجفن اتضحت الصورة وأظلم المشهد مرة أخرى . من أعلى تظهر الصورة واضحة جلية لأربعة أعمدة إسطوانية بيضاء يتوسطها موقع الحدث لشاب عشرينى مربوط شعره الأسود خلف عنقه ، صوت فقط يتحدث على جانب هذا المشهد الراسى : خبرنى بالله عليك هل هو عقاب إلهى ؟ فى صوت محمل بالرجاء لتمضى لحظة قصيرة من الصمت قبل أن يرد صوت مجسم كأنه ينبع من أعماق الفراغ : لا أدرى .
أظلم المشهد للمرة الخمسين على ما أظن . تظهر صورة مهزوزة غير مستقرة من عينين زائغتين- ربما - أو غير واعية لما حولها لكن يمكن تبين رؤوس كثيرة تطل ناحيتك ، رؤوس كثيرة مشكلة ما يشبه الحلقة ، رؤوس ، رؤوس تنظر من أعلى وكأنك أو كأن صاحب العينين الذى صنع لنا هذه الصورة إنما هو جاثم على الأرض أو متدل لأسفل ، وهو ما ظهر عندما انتقلت الصورة تدريجيًا وكأنها كاميرا تتحرك لأسفل الأجساد مرورًا بالقدمين حتى أسفل لقدمين متدليتين فى الفراغ . ينتقل صاحب العينين لأعلى سريعًا للرؤوس مرة أخرى. وفجأة برز من وسط الجمود السائد صوت تبين أنه عم أحمد الفكهانى : هلموا نساعده.
لم يرد أحد ، وبدوا متوترين أو حائرين والجسد المتدلي تذهب رأسه يمنة ويسرة تصاحبه حركة شعره
المعقوص خلفه ، وهو ينظر نظرات رجاء تظهر لنا من خلال عينى عم أحمد الذى يجيل نظره فى تلك الرؤوس : ماذا تنتظرون ؟ يرى أحد الناس يهم بالحركة ، يتقدم للأمام قليلًا ، إنه عم احمد ، ذلك الرجل الشيخ الطيب الملازم للمسجد دائمًا : " إنها ذنوبنا التى جعلت الله يأمر بهذه الأرض المقدسة بهذا المكان المقدس أن ينشق ، إن أرض الله لم تتحمل وطأة أقدامكم التى تحمل كل تلك الكتل من النفاق السائرة فى بيوتكم وعملكم وحياتكم بأكملها ... " يرى ذلك الفتى الركن فى موضعه وقد استفاق من نومه على ما يبدو بآثار دهشة وفزع لم تنجح فى محو ملامح استيقاظ من نوم . يقترب منهم مقاطعًا : " ماذا تفعلون؟ عن ماذا تتحدثون ؟ أنقذوه " يصرخ بهم . يكمل العم عبد الله حديثه وقد رأى الناس يتوجهون ناحية الجسد المتدلى : " ماذا تفعلون ؟ " توقف الناس للحظة ... " إن الله ترك لكم فرصة أخرى ولم يتركها له ، قد نجيتم إلا أن الله أبى إلا أن يردي هذا الشاب ، ما باله لم ينج مثلنا ؟ إن هذا الانشقاق إنما هو جند من جنود الله فهل أنتم معارضون لأمر الله ؟ هاه... أجيبونى " سكت الخلق . لم يحركوا ساكنًا لا يدرى أخوف أم اقتناع ؟ لكن لم يجادل أحد ولم يحرك ساكنًا حتى ظهر صوت رجل تبين أنه كان الخطيب من ملابسه الأزهرية : " لتسري فيه إرادة الله ". نظر الناس للشيخ ولم يتبينوا هذا الغلام الناعس الذى ذهب يمد يده للشاب المتدلى ، لتوضع يد على كتفه تمنعه من مواصلة السير : " لتسري فيه إرادة الله ". تجمد البشر وهدأت الأصوات وعم سكون كأنما الموتى فى مقابرهم لينتقل المشهد لصورة علوية للشاب المتدلي ولا شئ غير هذا الشاب فى حفرة تتوسط العمدان الاسطوانية الاربعة بينما لا يبدو شئ آخر غير رؤوس بيضاء وسوداء وصلعاء تتطلع إلى ذلك المشهد المتدلي .
يختفي كل هذا وتظهر فقط خمسة أصابع على بلاطة من البلاط المرقط بالأبيض والأسود ، أصابع شابة ، يبدو هذا . نضرة تنفر منها العروق ، تنبض بالحياة . تنفلت منها الإبهام ويسمع صوت قادم من بعيد : "أمى" ، تنفلت السبابة : "أهلى" ، تنفلت الوسطى : "أصحابى" ، تنفلت البنصر:" أحلامى" ، تنفلت الخنصر:" الله".
ظلام تام وصوت محمل بالرجاء يسأل : خبرنى بالله عليك يا ملك الموت ...
جميع جوانب الرؤية لدي ، لا أرى إلا ظلامًا و أسمع صوتًا قادمًا من بعيد يقترب الهوينى ، أو لعلنى أنا أقترب منه ، لا أدرى أيهما أدق ، يقول : "إن الحمد لله نحمده سبحانه وتعالى جل شأنه ونتوب إليه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه ... " توقف اقترابنا من بعضنا البعض وأحسست بنفسى أوضع فى أرضية المكان .
ينقشع الظلام رويدا عن باب مزخرف بزخارف الأرابيسك تلك التى تحتوى على المعينات والمنحنيات
المصنوعة فى الخشب المدهون باللون البني ، ويرى منه السماء الزرقاء المشوبة ببعض الضياء من الشمس التى لا يظهر إلا جزء منها فقط بسبب السحب ولا يرى غير هذا ، وكأنما أنت فى مشهد مقصوص بقيته ، ليحجب عنك كل ذلك كتلة آدمية لا يرى منها إلا أسفل ذقنها المدبب بعض الشئ والملئ بتلك النباتات السوداء الصغيرة وأنفه الذى ليس بقصير وجبهة عريضة – يبدو ذلك – وشعر أسود لا يظهر إذا كان له امتداد فى الخلف وطولًا أم هذا هو آخره . للأسف لم يتح لى هذا المشهد المقصوص اللعين أن أتبين هذا الأمر أو أتبين عينيه جيدًا ، أما الجسد فلا شئ مميز فيه ، متوسط الطول ... هذا كل ما يمكننى الإدلاء به -" وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له " – يمككنى فقط ببعض التخمين أن أقول أنه فى مقتبل العشرينات .
اجتاز باب الخشب ذو زخارف الأرابيسك وانحرف عن يمين الباب إلى الداخل . عدت بمشهدى المقصوص انظر من الباب إلى المشهد المقصوص للسماء المشوبة ببعض الضياء من الشمس التى ... تنعدم الرؤية ، تبدأ الرؤية بالظهور تدريجيًا ليرى أناس متوزعين على جنبات المكان يجلسون القرفصاء بظهور محنية للأمام ورؤوس مطأطئة و... انعدمت الرؤية مرة أخرى ثم انقشع الظلام وانعدم وانقشع ، لا بد أنهما جفنا ذلك المراهق المستند على الجدار- الذى لم يتعد الخامسة عشر على الأكثر - هى التى تسبب هذا للمشهد ، لابأس . تنعدم الرؤية مرة أخرى ولكن بسبب ظهر حجب مشهد هؤلاء الأناس المقرفصين ، تراه يدير رأسه يمنة ويسرة وكأنه يبحث عن شئ وشعره المربوط يروح مع رأسه جيئة وذهابًا لا يسعه غير ملاحقة الرأس غير الساكن . كان أسود الشعر، متوسط الطول ... وانعدمت الرؤية مرة أخرى ، هذا الفتى اللعين ، على أية حال لم يكن هناك ما يوصف زيادة عن ذلك - "وقد قال رسول الله )ص(:"طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة " إن ديننا دين عقل " . اتضح المشهد مرة أخرى عن أناس يجلسون القرفصاء وقد زادوا واحدًا.
رؤوس ، رؤوس ، رؤوس لا يظهر منها إلا شعرها الأسود فقط لأناس جالسين القرفصاء من بينهم تظهر أرضية المكان الخضراء المرسوم عليها باللون الأبيض ذلك المستطيل الذى قد حل مكان ضلعه الرابع مثلث ناقص ضلع . هذا ما ظهر لى بمجرد أن انقشعت الظلمات التى كانت تحيط بى . لقد كنت أرى المشهد من عل ، تعجبت وابتسمت فهذه أول مرة أرى فيها منذ الخمس ساعات تقريبًا . أرى ذلك الصندوق الخشبى الملقى فى الركن ، وابنى يجلس بجانب هذا الصندوق الخشبى مسندًا مرفقه على حافة الصندوق المغطى بقماشة خضراء ويسند جبهته على يده ويبكى ، هذا تفسيره إذ أنا صاحب الصندوق ، هذا هو التفسير الوحيد : انعدام الرؤية ، شعورى بأنى أحمل وأوضع، وهامتى فوق المكان وكأنى فى مشهد رأسى ويد تجذبنى لأعلى بعيدًا عن المشهد . انظر لأعلى ، استعصى على الوصف ، حتى المشهد لا يتيح لى . أحس بأعصابى تنتفض لا أعرف كيف فلنتركه فى حاله فلا ريب أن هذا عزرائيل .
يظلم المشهد مرة أخرى ، ظلام تام يحيط بعينيك كليًا وصمت ولكن وهاه... يمكننى سماع شخير هذا اللعين صاحب الجفنين - " اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا ، وثبت أقدامنا ، وانصرنا على القوم الكافرين .
اللهم عليك بمن آذى حماة دينك ، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك ، اللهم..." – طنين ، طنين شديد من هذا النوع الذى تشعر به وكأنه فوق مستوى الصوت . طنين شديد يتحول إلى صوت مسموع لصرخات شديدة ، فزعة وبسبب هذا اللعين الغارق فى سباته العميق لا يسعنى سوى تخيل صورة للمشهد وقد ارتسمت أعتى إمارات الفزع على وجوههم وأصبحت صفراء ذابلة ... صوت صرخات مبحوحة تشعر بها تخرج من الجوف ، لا ليس من الجوف بل من أخمص القدم . ها قد استيقظ أخيرًا ، - هل أحضر لك كوبًا من القهوة لينعش مزاجك؟ هذا الملعون. تظهر الصورة مع انفتاح الجفنين جزئيًا ، ولكنها صورة غير واضحة المعالم وكأن النظارة تنقصها أو يجب على هذا اللعين أن يدعك عينيه لكى تتضح الرؤية وبعد عدة انغلاقات طويلة للجفن اتضحت الصورة وأظلم المشهد مرة أخرى . من أعلى تظهر الصورة واضحة جلية لأربعة أعمدة إسطوانية بيضاء يتوسطها موقع الحدث لشاب عشرينى مربوط شعره الأسود خلف عنقه ، صوت فقط يتحدث على جانب هذا المشهد الراسى : خبرنى بالله عليك هل هو عقاب إلهى ؟ فى صوت محمل بالرجاء لتمضى لحظة قصيرة من الصمت قبل أن يرد صوت مجسم كأنه ينبع من أعماق الفراغ : لا أدرى .
أظلم المشهد للمرة الخمسين على ما أظن . تظهر صورة مهزوزة غير مستقرة من عينين زائغتين- ربما - أو غير واعية لما حولها لكن يمكن تبين رؤوس كثيرة تطل ناحيتك ، رؤوس كثيرة مشكلة ما يشبه الحلقة ، رؤوس ، رؤوس تنظر من أعلى وكأنك أو كأن صاحب العينين الذى صنع لنا هذه الصورة إنما هو جاثم على الأرض أو متدل لأسفل ، وهو ما ظهر عندما انتقلت الصورة تدريجيًا وكأنها كاميرا تتحرك لأسفل الأجساد مرورًا بالقدمين حتى أسفل لقدمين متدليتين فى الفراغ . ينتقل صاحب العينين لأعلى سريعًا للرؤوس مرة أخرى. وفجأة برز من وسط الجمود السائد صوت تبين أنه عم أحمد الفكهانى : هلموا نساعده.
لم يرد أحد ، وبدوا متوترين أو حائرين والجسد المتدلي تذهب رأسه يمنة ويسرة تصاحبه حركة شعره
المعقوص خلفه ، وهو ينظر نظرات رجاء تظهر لنا من خلال عينى عم أحمد الذى يجيل نظره فى تلك الرؤوس : ماذا تنتظرون ؟ يرى أحد الناس يهم بالحركة ، يتقدم للأمام قليلًا ، إنه عم احمد ، ذلك الرجل الشيخ الطيب الملازم للمسجد دائمًا : " إنها ذنوبنا التى جعلت الله يأمر بهذه الأرض المقدسة بهذا المكان المقدس أن ينشق ، إن أرض الله لم تتحمل وطأة أقدامكم التى تحمل كل تلك الكتل من النفاق السائرة فى بيوتكم وعملكم وحياتكم بأكملها ... " يرى ذلك الفتى الركن فى موضعه وقد استفاق من نومه على ما يبدو بآثار دهشة وفزع لم تنجح فى محو ملامح استيقاظ من نوم . يقترب منهم مقاطعًا : " ماذا تفعلون؟ عن ماذا تتحدثون ؟ أنقذوه " يصرخ بهم . يكمل العم عبد الله حديثه وقد رأى الناس يتوجهون ناحية الجسد المتدلى : " ماذا تفعلون ؟ " توقف الناس للحظة ... " إن الله ترك لكم فرصة أخرى ولم يتركها له ، قد نجيتم إلا أن الله أبى إلا أن يردي هذا الشاب ، ما باله لم ينج مثلنا ؟ إن هذا الانشقاق إنما هو جند من جنود الله فهل أنتم معارضون لأمر الله ؟ هاه... أجيبونى " سكت الخلق . لم يحركوا ساكنًا لا يدرى أخوف أم اقتناع ؟ لكن لم يجادل أحد ولم يحرك ساكنًا حتى ظهر صوت رجل تبين أنه كان الخطيب من ملابسه الأزهرية : " لتسري فيه إرادة الله ". نظر الناس للشيخ ولم يتبينوا هذا الغلام الناعس الذى ذهب يمد يده للشاب المتدلى ، لتوضع يد على كتفه تمنعه من مواصلة السير : " لتسري فيه إرادة الله ". تجمد البشر وهدأت الأصوات وعم سكون كأنما الموتى فى مقابرهم لينتقل المشهد لصورة علوية للشاب المتدلي ولا شئ غير هذا الشاب فى حفرة تتوسط العمدان الاسطوانية الاربعة بينما لا يبدو شئ آخر غير رؤوس بيضاء وسوداء وصلعاء تتطلع إلى ذلك المشهد المتدلي .
يختفي كل هذا وتظهر فقط خمسة أصابع على بلاطة من البلاط المرقط بالأبيض والأسود ، أصابع شابة ، يبدو هذا . نضرة تنفر منها العروق ، تنبض بالحياة . تنفلت منها الإبهام ويسمع صوت قادم من بعيد : "أمى" ، تنفلت السبابة : "أهلى" ، تنفلت الوسطى : "أصحابى" ، تنفلت البنصر:" أحلامى" ، تنفلت الخنصر:" الله".
ظلام تام وصوت محمل بالرجاء يسأل : خبرنى بالله عليك يا ملك الموت ...