أنا على ما أنا عليه .. محكومٌ ومسجونْ
بإسمي وجنسي وديني .. وكلها فُرِضَتْ عليّ فرضاً.. وكان لزاماً عليّ أن أتحمّل تبِعَاتها كجريمةٍ ارتكبَها أهلي
مسجونٌ أنا بعُمري الذي يلتفّ حولي كحبلٍ يزداد تعقيداً .. وكلّ عام تزداد عُراه .. كأفعى لا تلدغك وإنما تعتصركَ ولا فكاك
مسجونٌ بالزمن الصّعب الذي وُلدت فيه .. ومحبوسٌ بأيامي التي تتقلّب عليّ كلّ أربعٍ وعشرين ساعة .. فلا أعرفُ لها قراراً ، فيومٌ لكَ وأيامٌ عليك
إن كنت لا ترى قيوداً ولا آثار تعذيب .. ذلك لأن عذاباتي قد تكون داخلية أو نفسية أو روحية .. على طريقة الكبت والقهر واليأس .. أو الوجدان المحطّم .. أو الطموح المحدود .. فتميل عندها إلى الحلم لتحقيق أمنياتك فتصبح أحلامَك كوابيسَ مؤرّقة وأحياناً ممنوعة فلا تستطيع روايتها .. فتغدو أحلامَك سجينةً أيضاً !
هل سمعتَ بجَلْدِ الرّوح ؟
أربعون جلدة ولا تتم على رؤوس الأشهاد .. والواقع له سياط مريرة .. فالفقر جلاد .. والبرد والمرض والجوع والفشل .. وكذا نظرة الازدراء تجلدكَ وشماتة الحساد والسّخرية والتعالي كلُّها وسائلُ تعذيبٍ للروح .. وجلد الروح لا ينزف لكنه كفيلٌ بأنْ يجعلَ رأسكَ مُطئطِئاً.. وابتسامتك محدودة الأطراف .. ونظرك محجوب وسمعك مرصود .. وصوتك خفيض وجنحك مَهيض وديكك لا يصيح ولا ينقر ولا يبيض !
ولذا سأبقى على ما أنا عليه .. ولا حول لي ولا قوة
اسمي من اولئك الذين لا اسمَ لهم .. وهو نوعٌ من الحرية .. فلا وِزرَ على من لا اسم له .. والقضية إن كانت ضدّ مجهول تسقط .. والمقالة إن كانت بلا اسم لا ينشرونها .. وإن كانت بلا عنوان يحارون في تصنيفها .. وإن كانت بلا تعليق فذلك أفضل لأنها مرّت مرور الكرام
كلّ كتاباتي تنتمي إلى أدب السجون .. والسجون لا أدب فيها !
كتبتُ في الحب ووجدت نفسي سجيناً في قلب محبوبة واحدة .. وحكمَتْ عليَّ بأن أحبها إلى الأبد فكان سجني مؤبّداً وبالأشغال الشاقة .. تعذبني بالهجر والصدود والنكران والجحود..
وكتبت في حب الوطن .. فوجدت وطني سجين الحدود .. والحدود متنازعٌ عليها والأعداء كالقوارض يقرضون الحدود فيضيق الوطن في سجنه ..
وكتبت لمجرّد الكتابة .. فوجدت نفسي سجين الرقابة ..وسجين الكلمة .. وسجين قواعد اللغة وشريعتها .. فالناقد قاضٍ والمدقق من لجنة المحلفين .. والحُكم بعد المداولة
وصاح المُنادي :
- محكمة
وصدر الحكم باسم الشعب .. مع أن الشعب كان غائباً عن الجلسة .. والشعب لا ولن ولمّا يقرأ حيثيات الحكم .. لأنهم قالوا له اقرأ .. وما زال يجيب .. ما أنا بقارئ .. ثم قالوا له اقرأ .. فأجاب أيضاً والله ما أنا بقارئ .. وما زال الشعب ينتظر جبريل ليتمّم له النبوة .. ولذلك مازال سجيناً في غار حراء.. فالشعب على ما سبق كله مسجون !
وكان جدّي آدم هو السجين الأول على وجه الأرض .. إذ اقترف جريمته التفاحية .. فكان الحكم أن يهبط من جنة عدن إلى الأرض .. وما زال سجيناً فيها إلى يومنا هذا ..فالأرض كانت وما زالت هي السجن الأكبر .. وكل محاولات الطيران للفضاء هي مجرّد هروب من السجن .. وبالتالي كان كل البشر سجناء .. وبالتالي كل آداب الأرض التي كتبوها تنتمي إلى أدب السجون.. شئنا أم أبينا .. فلمَ تغالطُ نفسك وتقول قبل قليل أن السجون لا أدب فيها ؟
والبشر في الأرض سيموتون في سجنهم .. ويُدفنون فيه..ويخرجون منه أرواحاً .. عندها فقط سيتحرّر السجناء .. وتتحررالروح من جسدها كما يخرج المارد من قمقمه .. فتطوف الأرواح في الفضاء بحرّية .. لذلك يا أخي لا تفرح بطول العمر .. مُتْ فتتحرّرْ
والسجناء في سجن الأرض يعذّبون بعضهم بعضاً .. ويكون تعذيب السجين للسجين أدهى وأمرّ من تعذيب السجان .. ففي كل زنزانة أرضية هناك أمير يفرض نفسه بالقوة .. وله قانونه وشرعه .. وله ضرائبه وأتاواته .. وتبدأ حياتك الحبيسة بموالاته ومداراته ومجاراته .. وإلا حلّ عليك العقاب .. وقد تطلب من السجان التدخّل لإنقاذك من براثنه .. فيكون الحل بسجنك انفرادياً .. يومها سمحوا لك بورقة وقلم .. يومها كتبتَ شيئاً.. ويومها بالضبط ولد أدب السجون .. وعندما قالوا لك .. اقرأ علينا شيئاً مما كتبت .. فكان جوابك أيضاً.. ما أنا بقارئ
فكتبتَ على الجدران الداخلية .. رموزاً هيروغليفية .. وحفرتَ صورة للمحبوبة على الصخر .. رسمتها عارية كما خلقتها أمها .. وعندما فتحوا عليكَ الباب .. ودخل النور إلى زنزاتك .. خجلتَ من عورتها فسارعتَ إلى تغطيتها بنقابٍ من بقايا ثيابك المخططة كحمار الوحش .. وكنتَ تزيله عنها يوم الخميس فقط مراعاة لآداب السجون !
د.جورج سلوم
**************************
بإسمي وجنسي وديني .. وكلها فُرِضَتْ عليّ فرضاً.. وكان لزاماً عليّ أن أتحمّل تبِعَاتها كجريمةٍ ارتكبَها أهلي
مسجونٌ أنا بعُمري الذي يلتفّ حولي كحبلٍ يزداد تعقيداً .. وكلّ عام تزداد عُراه .. كأفعى لا تلدغك وإنما تعتصركَ ولا فكاك
مسجونٌ بالزمن الصّعب الذي وُلدت فيه .. ومحبوسٌ بأيامي التي تتقلّب عليّ كلّ أربعٍ وعشرين ساعة .. فلا أعرفُ لها قراراً ، فيومٌ لكَ وأيامٌ عليك
إن كنت لا ترى قيوداً ولا آثار تعذيب .. ذلك لأن عذاباتي قد تكون داخلية أو نفسية أو روحية .. على طريقة الكبت والقهر واليأس .. أو الوجدان المحطّم .. أو الطموح المحدود .. فتميل عندها إلى الحلم لتحقيق أمنياتك فتصبح أحلامَك كوابيسَ مؤرّقة وأحياناً ممنوعة فلا تستطيع روايتها .. فتغدو أحلامَك سجينةً أيضاً !
هل سمعتَ بجَلْدِ الرّوح ؟
أربعون جلدة ولا تتم على رؤوس الأشهاد .. والواقع له سياط مريرة .. فالفقر جلاد .. والبرد والمرض والجوع والفشل .. وكذا نظرة الازدراء تجلدكَ وشماتة الحساد والسّخرية والتعالي كلُّها وسائلُ تعذيبٍ للروح .. وجلد الروح لا ينزف لكنه كفيلٌ بأنْ يجعلَ رأسكَ مُطئطِئاً.. وابتسامتك محدودة الأطراف .. ونظرك محجوب وسمعك مرصود .. وصوتك خفيض وجنحك مَهيض وديكك لا يصيح ولا ينقر ولا يبيض !
ولذا سأبقى على ما أنا عليه .. ولا حول لي ولا قوة
اسمي من اولئك الذين لا اسمَ لهم .. وهو نوعٌ من الحرية .. فلا وِزرَ على من لا اسم له .. والقضية إن كانت ضدّ مجهول تسقط .. والمقالة إن كانت بلا اسم لا ينشرونها .. وإن كانت بلا عنوان يحارون في تصنيفها .. وإن كانت بلا تعليق فذلك أفضل لأنها مرّت مرور الكرام
كلّ كتاباتي تنتمي إلى أدب السجون .. والسجون لا أدب فيها !
كتبتُ في الحب ووجدت نفسي سجيناً في قلب محبوبة واحدة .. وحكمَتْ عليَّ بأن أحبها إلى الأبد فكان سجني مؤبّداً وبالأشغال الشاقة .. تعذبني بالهجر والصدود والنكران والجحود..
وكتبت في حب الوطن .. فوجدت وطني سجين الحدود .. والحدود متنازعٌ عليها والأعداء كالقوارض يقرضون الحدود فيضيق الوطن في سجنه ..
وكتبت لمجرّد الكتابة .. فوجدت نفسي سجين الرقابة ..وسجين الكلمة .. وسجين قواعد اللغة وشريعتها .. فالناقد قاضٍ والمدقق من لجنة المحلفين .. والحُكم بعد المداولة
وصاح المُنادي :
- محكمة
وصدر الحكم باسم الشعب .. مع أن الشعب كان غائباً عن الجلسة .. والشعب لا ولن ولمّا يقرأ حيثيات الحكم .. لأنهم قالوا له اقرأ .. وما زال يجيب .. ما أنا بقارئ .. ثم قالوا له اقرأ .. فأجاب أيضاً والله ما أنا بقارئ .. وما زال الشعب ينتظر جبريل ليتمّم له النبوة .. ولذلك مازال سجيناً في غار حراء.. فالشعب على ما سبق كله مسجون !
وكان جدّي آدم هو السجين الأول على وجه الأرض .. إذ اقترف جريمته التفاحية .. فكان الحكم أن يهبط من جنة عدن إلى الأرض .. وما زال سجيناً فيها إلى يومنا هذا ..فالأرض كانت وما زالت هي السجن الأكبر .. وكل محاولات الطيران للفضاء هي مجرّد هروب من السجن .. وبالتالي كان كل البشر سجناء .. وبالتالي كل آداب الأرض التي كتبوها تنتمي إلى أدب السجون.. شئنا أم أبينا .. فلمَ تغالطُ نفسك وتقول قبل قليل أن السجون لا أدب فيها ؟
والبشر في الأرض سيموتون في سجنهم .. ويُدفنون فيه..ويخرجون منه أرواحاً .. عندها فقط سيتحرّر السجناء .. وتتحررالروح من جسدها كما يخرج المارد من قمقمه .. فتطوف الأرواح في الفضاء بحرّية .. لذلك يا أخي لا تفرح بطول العمر .. مُتْ فتتحرّرْ
والسجناء في سجن الأرض يعذّبون بعضهم بعضاً .. ويكون تعذيب السجين للسجين أدهى وأمرّ من تعذيب السجان .. ففي كل زنزانة أرضية هناك أمير يفرض نفسه بالقوة .. وله قانونه وشرعه .. وله ضرائبه وأتاواته .. وتبدأ حياتك الحبيسة بموالاته ومداراته ومجاراته .. وإلا حلّ عليك العقاب .. وقد تطلب من السجان التدخّل لإنقاذك من براثنه .. فيكون الحل بسجنك انفرادياً .. يومها سمحوا لك بورقة وقلم .. يومها كتبتَ شيئاً.. ويومها بالضبط ولد أدب السجون .. وعندما قالوا لك .. اقرأ علينا شيئاً مما كتبت .. فكان جوابك أيضاً.. ما أنا بقارئ
فكتبتَ على الجدران الداخلية .. رموزاً هيروغليفية .. وحفرتَ صورة للمحبوبة على الصخر .. رسمتها عارية كما خلقتها أمها .. وعندما فتحوا عليكَ الباب .. ودخل النور إلى زنزاتك .. خجلتَ من عورتها فسارعتَ إلى تغطيتها بنقابٍ من بقايا ثيابك المخططة كحمار الوحش .. وكنتَ تزيله عنها يوم الخميس فقط مراعاة لآداب السجون !
د.جورج سلوم
**************************