د. جورج سلوم

-إنّ ما حصلنا عليه لا يسمّى انتصاراً، وإنما هو شكل من أشكال الهزيمة الجزئية، فلا داع للزغاريد والمظاهر الاحتفالية -نهاية الحرب هي بحدّ ذاتها انتصار، وحقنٌ للدماء وإغماد للسيوف المشهَرة -هه هه ، الحرب لم تنته ولن، وما حدث هو نهاية لمعركة من معاركها، وشطب لموقعة من مواقعها، هو فقط تغيير لساحة...
وقيل لنا بأنّ ما ستراه عيوننا وما سيحدث في يومنا ليس غريباً ولا مستغرباً، إذ أنه مكتوبٌ على الجبين! ووقفتُ بالمرآة المقعّرة التي تكبّر دقائق الأمور ولم أستطع قراءة ما كُتب على جبيني، كنت أريد استكشاف طالِعي، ولم أوفَّق رغم تمحيصي في جبيني المعروق، إلا بترجمة خطّين احتفاريّين يزدادان غؤوراً...
متى سيأتي دورك أيها القارئ العربيّ لتصبح لاجئاً؟ مشكلتك تكمن في أنك تقرأ هذا المقال، وهذا يعني أنك عربيّ، وبالتالي فأنت ترقد على بركانٍ خامد وسينفجر بأية لحظة من تحتك، أو أنّ الأرض ستميد من تحتك بزلزالٍ طبيعيّ، أو أنّ حرب داحس والغبراء ستطالك بغبارها، فتنقلب طاولتك وتتبعثر أوراقك، وتشدّ الرّحال...
لا أذكر كيف سرقني النوم، ولكني صحوتُ الآن لأراكِ نائمة بجانبي. أوّاه من خجلي ممّا فعلتُ بكِ! لا .. لا تستيقظي الآن، فأنا أخجل من عيونكِ التي قد تعاتبني عمّا اقترفت، وأخجل من خفق أجفانك التي قد تبكّتني عمّا ارتكبت، وأخجل من دموعك التي تخجل عن أن تسيل، وأخجل من خجلكِ الذي يتوارى ويتخفّى فلا...
وأشرقت شمس اليوم الخامس بعد الزلزال، وليتها لم تشرق! لأن اليوم الأول كان مؤملاً أكثر من الثاني بوجود ناجين يمكن إنقاذهم. وسيتوقف البحث بعد انقضاء يومنا الخامس هذا، فإن كان هناك بشر تحت تلك الجبال من الركام فهم لا شك قضَوا نحبهم، وصارت العملية تسمّى انتشالاً للجثث. ما أطولكِ يا دقائق الانتظار...
الموعد من السادسة إلى التاسعة من ليل الجمعة، اللقاء سيتمّ في مكانٍ يُدعى الجلجلة أو الجلجثة على سفوح أورشليم التي ستكون مظلمة بذلك الوقت، هناك تواعَدْنا عبر هواتفنا الجوّالة، لأنّ الموعد يجب أن يتمّ، والصلْب يجب أن يتم، لماذا؟ ..لا لشيء، إلا لأنه مكتوبٌ في الأسفار المقدّسة. ذهب كلٌّ منّا لوحده،...
عندما أرسل نزار قباني رسالته الشهيرة من تحت الماء، وصدح بها عبد الحليم متغنّياً بكلماتها، إني أتنفّس تحت الماء، إني أغرق، كانا كلاهما على البرّ. وتهيّأ لنزار إنه غاص في البحر، وتذكّر وهو يهوي إلى قاعه الفكريّ بأنه لا يعرف فنّ العوم، وظلّ يردّد، إني أغرق، إني أغرق، منتظراً من حبيبته أن تنتشله من...
كل شيء في غير مكانه، هذا ما تبدّى لي ويتبدّى، وكل نقلة لعبتُها من أحجار الشطرنج اكتشفْتُ غلطَتَها متأخّراً، ولن ينفع الندم لأنّ اللعبة مستمرّة. وحتى في محيطي تقع نقاطي التي أرشقُها على غير حروفها، فيقرؤون تعابيري بمعانٍ غير مقصودة، وقد يسيؤون فهمي، وأعتذر لأصلِحَ ذات البَين، لكنّ بعض البين...
سَمَاعُ صوتِها على الهاتف أعادني خطفاً لعشرين سنة وأكثر من الذكريات، يوم كانت لي بمرتبة العشيقة الفضلى، بل وكانت مشروع الزوجة الحتميّ الذي ينتظر ساعة الصفر للتنفيذ، بعد حلحلة بعض العقد المستعصية، وكنّا كلينا واثقَين كلّ الثقة بأننا وبما يُسمّى الحب الطاغي سنتجاوز التعقيدات المجتمعية الضّحلة...
الصباح ما يزال بعيداً في هذا الشتاء القاسي ، أو هكذا يتمنّى الدكتور حيّان أن يكونْ.. يريده ليلاً طويلاً يظلّ فيه قابعاً في الفراش بعيداً عن الذلّ والانكسار الذي يلقاه في عمله كطبيب ويسخرمن نفسه – كلما تذكّر كلمات المرحومة أمّه – تعنُّ على باله وتجرحه عندما كانت تقول وتردّد: -أتمنّى لو تطول...
جاهزٌ بثيابه السوداء الرسميّة، وكلّ ما يكسوه مشتقٌّ من الأسود. بذلتُه مكويّة مراراً وتكراراً، واقفةٌ حدودُها كعرف الديك، وياقة قميصه مقسّاة بمنقوع النشاء، وربطة عنقه معقودة سلفاً يكفي أن يعلّقها بعنقه ويشدّها لتلتصق عقدتُها بثغرة نحره، وحذاؤه القديم ازداد وزنه من فرط طبقات الشمع اللمّاع، كلّها...
وعلى الوسادة نفسها التي كنت أتوسّدها كانت تغطّ في نومٍ عميق ، تأمّلْتُ وجهَها المكسوّ بعرق الدفء ، كملاكٍ مستحمّ بقطر الندى الصباحيّ ، تلتصق على جبينه خصيلات شعرها المتناثرة كالإكليل الفوضويّ ، وكأنّ تلك الخُصيلات ضرَباتٌ مُستعجَلة من ريشة فنّان غير مهتمّ لتصفيف شعرها بعد أن بذل كلّ الجهد في...
لا يذكران متى جرى ذلك الأمر لأوّل مرّة ، لكنّ البداية كانت قديمة قليلاً ، والأمر صار متّفقاً عليه بأنّ البداية جدّ قديمة ، وما من أحد يريد نبش التواريخ لتسجيل نقطة البدء ، لأنّ الأمرَ بات متكرّراً ومعتاداً ومقبولاً بل ومن المسلّمات ، وبحكم الأمر الواقع وقالت لزوجها هامسةً : -عسانا ننتقل من ها...
كان لدينا عنترة والزير وابن ذي يزن يرطّبون ليالينا في بلاط الحكواتي ، ويداعبون خيالنا المتجفّف ، وكانوا يُعيدون إلينا ماء الوجه ، إزاء القهر والقنوط والنكسات المتتالية والهزائم المنكرة ، فنقوّم شاربَنا المتدلّي ونرطّب نهايته بلعابنا ليشرئبّ كمنقار الباشق ، فنعود رجالاً على نسائنا فقط ، ونعِدُ...
وقال لمساعده الذي يشاركه العمل في ورشةٍ صغيرة لتصليح الهواتف الجوّالة : -وهل تمّ إصلاح الآيفون ؟ -إنه جاهز يا صديقي -ممتاز ، وأجرة التصليح تتماشى مع سعر الجهاز كما تعرف ، فلا تتساهل مع الرزق الحلال وقد جاءنا على قدميه يسعى ، خذ أجرةً مضاعفة وابتسم المساعد بخبث وكان يغوص في القطع الصغيرة...

هذا الملف

نصوص
177
آخر تحديث
أعلى