جاءكَ الموت قبل أن تحزمَ حقائبك وتربط سيور حذائك .
قبل أن ترتّب سطح مكتبك ، وتصنّف أوراقكَ المبعثرة ، وقبل أن تنجز أولوياتك المبرمجة .
وقد نسيتم جميعاً أن تضعوا الموت في أولوياتكم ومخططاتكم ، لكنه يندخل بها رغماً عنكم ، فلا أولويات أمام الموت لأنه الأوّل والآخِر .
جاءك الموت على حين غرّة ،...
دائماً تتلاعب بها وهي تتدلّى على صدرها ، قلادتها الثقيلة معلّقة بسلسال ثقيل ..وأحياناً لثقلها تغور خلف فرجة قميصها ، وتتذكّرها فجأة وتسحبها لتظهِرَها وتعود لتتلاعب بها .
تنجذب عينه إلى قلادتها التي تشغلها ، فيدقّق النظر فيها ، كأنها كتابٌ مغلق بدفّتين ولها قفلٌ يبدو ظاهراً ، قد تكون بداخلها...
وجاء الليل وأشاحت الشمس بوجهها عن أرضنا ...واشتعلتْ عيون القطط البرية مستعدّة للصيد ...وأسلم الغزال ساقيه للريح في مطاردةٍ محسومةِ النهاية ...موتٌ وذبيحة .
وفي هدأة القبور وبردها كانت الديدان تأكل الأجساد تحت الأكفانِ الرّطبة.....موتٌ وجيفة ْ.
وفي الأجواء عبرتِ الطائراتُ فوق المحيط.. فأصبح...
سقف بيتي حديد .. ركن بيتي حجر
مع أنه لا يتقن العربية ، لكنه يفهمها ، ويخاف منها في موروثه الفكري .
لذلك كان نتنياهو يتغنّى بمطلع هذه القصيدة العربية لبث الطمأنينة في نفوس جمهوره ..وكان يقصد قبته الحديدية ، وأركان بيته من جدار متعال ملتف كالأفعى ، ليقسم الحقول والبيادر آمناً إلى ما خلف الجدار ...
1- التصعيد:
2/8/2012 الاربعاء… حمص ..
ما يزالُ التّصعيدُ مستمراً...في مدينتي... وفي بيتي...وما يزال الحقدُ ينمو في الصدور...ويتكاثر وينتشر كالسّرطان...
وعلى وقعِ أصواتِ الرّصاص وقذائف الهاون المسموعة من بعيد... تستمرّ زوجتي في تحطيم ما تبقى من حياتنا الزوجية...وكما تردّد القنوات...
بيب.. بيب .. إنه صوت إنذار المِصعَد الكهربائي بأنّ الحمل يفوق الثقل الأقصى المسموح ، وبالتالي سيبقى الباب مفتوحاً ولن يصعد بنا .
بيب.. بيب .. بيب .. والضوء الأحمر المتوهّج على لوحته الإلكترونية ينذر الأشخاص الصاعدين بأنّ الوزنَ الجمْعيّ للراكبين تجاوز الحدّ الأعلى .
بيب..بيب .. وكأنهم صمٌّ...
قصتي اليوم – يا مَن تقرؤون - بوليسيّة ، فيها مجرمٌ وضحيّة ، لكن بلا محقّق ، لأنها مجرّد اعترافات بطريقة الخطف خلفاً .. وكونها قصة قصيرة فلا حاجة لأن يعتصر القارئ أفكاره ويشحذ مخيّلته في متاهة الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة ، ليُماطَ اللثام عن المجرم في الصفحة الأخيرة .
بطلتي كانت هي الضحية ،...
أصعب المواقف في حياتك عندما ترى نفسك مرفوضاً أو ملفوظاً.
لستَ مكروهاً من الجميع ، لنقل فقط أنك غير محبوب وغير مرحّبٍ بك ، ثقيلاً في مجلس المتناغمين مع بعضهم بحيث تراهم يسكتون إن حاولت الجلوس بينهم ، وكأنهم يقولون لك غادِرْنا بدل أن نطردك .
لم يطردني أحد حتى الآن من حضرته ، لكني أعتبر نفسي...
يحتفظ بدفتر صغير في محفظته فيه مواعيده المستقبلية واستحقاقاته المبرمَجة ، ويشطب ما فات منها وما تمَّ تجاوزه .
وتلك المهمّات المُخَطَّط لها يعطيها أرقاماً حسب أهمّيتها وضرورتها وأولويّاتها ، وبعضها ممّا كان يتوجّس منه يكتب بجانبه عبارة (بإذن الله) عسى أن يتمّ الأمر بمشيئة الله ، فأنا أريد وأنت...
تزوّجتُ وأنجبت ، وتجاوزت الأربعين بسنين ، وأرى نفسي من جديد عطشى للحب !.. ولذا تفيض نفسي من جعبتها ومن مكنون ذكرياتها بكلمات الحب الرقيقة ، كمراهقة عجوز متصابية لم تجد من يبادلها الكلمات فمالت إلى الكتابة الرقمية خجلاً من البَوح المُستهجَن ، ووجدتُ فعلاً في كتاباتي نوعاً من ممارسة الحب...
جميلةٌ كانت كامرأة بل ومُلفتة ، كغجريّةٍ فوضويّة الملابس ، تجذبك ألوانها الفاقعة وزينتها اللمّاعة .
عيونُها المفتوحة لا تعرف الوجل ولا ما نسمّيه الخجل ، ترقب عيونك لتقرأ فيها استحسانك أو استهجانك ومن ثم إقبالك أو إدبارك . وعندما تراك تغور بناظريك في فرجة قميصها ، عندها تتذكّر أنّ أزراراً ما...
يلتقيان كلّ بضعة أيام عندما تسنحُ لهما فرصة ...يسيرانِ على شاطئ البحر ..يجرّان قدميهما فوق الرّمال الرّطبة ..تنغرسُ أحذيتهما ..يرسمانِ خطين متوازيين لا يلتقيان مهما امتدا ..
ويعاودان المسير بعد بضعة أيام ...ويحاولان رسم نفس البصمات على الرمال ..قد يجدان لاحقاً آثاراً لها ..أو قد تكون امّحت...
كان زميلاً لي قديماً من أيام الجامعة وانقطعْتُ عنه بلا سببٍ واضح ، ولا أدري أكانت القطيعة مني أو منه ؟
ما كنت أستسيغ كلامه المُعارض لكلّ مقامٍ ومقال ..يعترض على الأساتذة وينتقدهم ، ويعترض على نتائج امتحاناته ..ويخالف كلّ رأيٍ أجمَعَ عليه اثنان أو أكثر ..وهو عكس كل اتجاه سلّم به القوم تسليماً...
ويلتقي وجهه بوجهي مرّات عديدة في اليوم ، طبيبٌ أعرفه مبتسماً دائماً حتى لتخاله بلا هموم ، ويزداد عرض ابتسامته اللبقة عندما يراني وكأنه يلقي عليّ سلاماً فأبتسم له كنوعٍ من ردّ التحيّة .
أعرف اسمه فالأطباء معروفون بسهولة وينادونهم بأسمائهم ممهورة بلقب الدكتور ، أما نحن الممرّضات فيبقى اسمنا...