أزمعوا أمرهم بليل، وقرروا مع تبيان الخيط الأبيض من الأسود من الفجر أن يحملوا أسلحتهم البيضاء فيذهبوا لقطع الشجرة، دون أن يمنعهم أي حاجز أو خوف.
ينصرفون بهدوء ومع أول خيط من زقزقات الصباح تكون حواراتهم قد تبخرت ككل مرة، ينظر أحدهم نحو الآخر مبتسماً ثم يسيرون في طابور منتظم نحو فصولهم الدراسية. وعند انتهاء جدولهم المكدس بالأرق يتفقون على العودة مجدداً لتنفيذ مخططهم عازمين على ألا يتراجعوا.
وعند انتصاف النهار يطيرون بأجنحة من ورق نحو المقبرة، حاملين حقائبهم وبعض المخططات والخرائط الملونة، وقليل من الترمس وحبات البندق.
يجلسون بهدوء، حتى يفتتح كبيرهم الجلسة فيقول:
– لا بد وأن نفعلها هذه المرة.
يشدد على حروف عبارته الأخيرة:
– لا يمكننا أن نفشل.
فيرد عليه أحدهم منكسراً:
– سنفشل كالعادة ….
يضحك البدين وفمه يكتظ بالأطعمة.. يتحشرج؛ فيشرب قنينة الماء الوحيدة ثم يقول بصوت فظ:
– لماذا لا نأخذ كل زملائنا في المدرسة، فنحدث جلبة هناك، ثم ندخل لنفعل ما نريد.
– “أيها الغبي، إنهم أطفال لم يبلغوا السادسة بعد” يقول أكبرهم سناً.
صمت كالقبور المحاذية يغشاهم، يزدرد البدين مجدداً حبات الترمس، وقد وقف أنور الذي يتوسطهم عمراً وفي وجهه علامات الغضب:
– الليلة سنذهب إلى الجنة، ولن يوقفنا شيء. يتابع:
– سنقتلع الشجرة من جذورها، كي لا يعود آدم من جديد.
وبتصميم جيل كامل طُرد من الفردوس، يؤمِّن الاثنان خلفه. يجرحون الصمت بأصواتهم، فقد زاد الأمر عن حده ووجب أن يركبوا بساط الريح طائرين حيث أوراق التوت وشجرة الغواية التي استثارت حواء فالتهمت منها تفاحتها تحت عين الله… أثناء ذلك يقتحم البدين الحوار بتطفل سائلاً:
– وماذا لو وجدنا أبواب الجنة مغلقة؟ وماذا لو لم نجد الشجرة وقد تاهت في صحراء النعيم؟ وماذا لو كان قد سبقنا إليها زملاء آخرون؟ وماذا..
يصيح أنور محتداً:
– اصمت أيها اللعين، فنحن بحاجة لشيء يزيد من عزيمتنا وليس العكس.
يجددون أمرهم وعزمهم، ويقررون قطع الشجرة بكل تصميم، دون أن يمنعهم أي حاجز أو خوف. يدغدغهم إصرارهم فينطلقون مع ترانيم الفجر نحو الفراغ، يحملون حقائبهم وأسلحتهم، يتأمل بعضهم الآخر.
تطفر دمعة على وجنة البدين، فيسأله أنور محتداً:
– ما بك يا غراب؟
… يتلعثم قليلاً. يجيب:
– أتسمحون لي بصعود الشجرة، قبل اقتلاعها.
يسخر ثلاثتهم، يضجون ضحكاً والسكون أرضية عذبة لموسيقى عارية.
– نعم سنسمح لك، لكن كيف ستصعد وأنت سمين جداً.
– سأحاول، فقد منعني أبي من فعل ذلك هنا. فلأفعلها هناك.
– ولماذا يمنعك أبوك أيها الفيل؟
– إنها حكاية طويلة سأخبركم بها حالما نصل هناك ونستريح.
يتهامسون فيما بينهم، يتمتمون بابتسامات موزعة. يغذون الخطى سائرين نحو غابة مسيجة، يهرولون بهدوء خوفاً من طلقات قناصة فوق الثكنة الخائبة، يتنقلون بين الأشجار حتى يصلون أطراف السور المعدني، وهناك ترنوا خشخشات الثياب على الأجساد، وأصوات لاسلكي يهذي بالعبرية، فيدركون بأن الجنود سيكتشفون أمرهم.
يعودون مرة أخرى. يصعدون فوق تلة يتيمة، يرقبون الشمس الصغيرة تشرق في عيونهم وعلى جنتهم المسروقة، وقد بدت كل الأشجار أمامهم أشجار خلدٍ عدا أن آدم كان خارج الجنة هذه المرة .
تذييل
“في خبر بثته إحدى الإذاعات المحلية بغزة، نبأ استشهاد ثلاثة أطفال كانوا يعبثون بجوار إحدى المستوطنات الإسرائيلية، غير أن تلك الأنباء ما زالت تؤكد جدية البحث عن الجثث التي لا يوجد لها أي أثر حتى اللحظة.”
ينصرفون بهدوء ومع أول خيط من زقزقات الصباح تكون حواراتهم قد تبخرت ككل مرة، ينظر أحدهم نحو الآخر مبتسماً ثم يسيرون في طابور منتظم نحو فصولهم الدراسية. وعند انتهاء جدولهم المكدس بالأرق يتفقون على العودة مجدداً لتنفيذ مخططهم عازمين على ألا يتراجعوا.
وعند انتصاف النهار يطيرون بأجنحة من ورق نحو المقبرة، حاملين حقائبهم وبعض المخططات والخرائط الملونة، وقليل من الترمس وحبات البندق.
يجلسون بهدوء، حتى يفتتح كبيرهم الجلسة فيقول:
– لا بد وأن نفعلها هذه المرة.
يشدد على حروف عبارته الأخيرة:
– لا يمكننا أن نفشل.
فيرد عليه أحدهم منكسراً:
– سنفشل كالعادة ….
يضحك البدين وفمه يكتظ بالأطعمة.. يتحشرج؛ فيشرب قنينة الماء الوحيدة ثم يقول بصوت فظ:
– لماذا لا نأخذ كل زملائنا في المدرسة، فنحدث جلبة هناك، ثم ندخل لنفعل ما نريد.
– “أيها الغبي، إنهم أطفال لم يبلغوا السادسة بعد” يقول أكبرهم سناً.
صمت كالقبور المحاذية يغشاهم، يزدرد البدين مجدداً حبات الترمس، وقد وقف أنور الذي يتوسطهم عمراً وفي وجهه علامات الغضب:
– الليلة سنذهب إلى الجنة، ولن يوقفنا شيء. يتابع:
– سنقتلع الشجرة من جذورها، كي لا يعود آدم من جديد.
وبتصميم جيل كامل طُرد من الفردوس، يؤمِّن الاثنان خلفه. يجرحون الصمت بأصواتهم، فقد زاد الأمر عن حده ووجب أن يركبوا بساط الريح طائرين حيث أوراق التوت وشجرة الغواية التي استثارت حواء فالتهمت منها تفاحتها تحت عين الله… أثناء ذلك يقتحم البدين الحوار بتطفل سائلاً:
– وماذا لو وجدنا أبواب الجنة مغلقة؟ وماذا لو لم نجد الشجرة وقد تاهت في صحراء النعيم؟ وماذا لو كان قد سبقنا إليها زملاء آخرون؟ وماذا..
يصيح أنور محتداً:
– اصمت أيها اللعين، فنحن بحاجة لشيء يزيد من عزيمتنا وليس العكس.
يجددون أمرهم وعزمهم، ويقررون قطع الشجرة بكل تصميم، دون أن يمنعهم أي حاجز أو خوف. يدغدغهم إصرارهم فينطلقون مع ترانيم الفجر نحو الفراغ، يحملون حقائبهم وأسلحتهم، يتأمل بعضهم الآخر.
تطفر دمعة على وجنة البدين، فيسأله أنور محتداً:
– ما بك يا غراب؟
… يتلعثم قليلاً. يجيب:
– أتسمحون لي بصعود الشجرة، قبل اقتلاعها.
يسخر ثلاثتهم، يضجون ضحكاً والسكون أرضية عذبة لموسيقى عارية.
– نعم سنسمح لك، لكن كيف ستصعد وأنت سمين جداً.
– سأحاول، فقد منعني أبي من فعل ذلك هنا. فلأفعلها هناك.
– ولماذا يمنعك أبوك أيها الفيل؟
– إنها حكاية طويلة سأخبركم بها حالما نصل هناك ونستريح.
يتهامسون فيما بينهم، يتمتمون بابتسامات موزعة. يغذون الخطى سائرين نحو غابة مسيجة، يهرولون بهدوء خوفاً من طلقات قناصة فوق الثكنة الخائبة، يتنقلون بين الأشجار حتى يصلون أطراف السور المعدني، وهناك ترنوا خشخشات الثياب على الأجساد، وأصوات لاسلكي يهذي بالعبرية، فيدركون بأن الجنود سيكتشفون أمرهم.
يعودون مرة أخرى. يصعدون فوق تلة يتيمة، يرقبون الشمس الصغيرة تشرق في عيونهم وعلى جنتهم المسروقة، وقد بدت كل الأشجار أمامهم أشجار خلدٍ عدا أن آدم كان خارج الجنة هذه المرة .
تذييل
“في خبر بثته إحدى الإذاعات المحلية بغزة، نبأ استشهاد ثلاثة أطفال كانوا يعبثون بجوار إحدى المستوطنات الإسرائيلية، غير أن تلك الأنباء ما زالت تؤكد جدية البحث عن الجثث التي لا يوجد لها أي أثر حتى اللحظة.”