قوله تعالى "وتله للجبين"
أشير أولا إلى معاني هذه الآية ومن ثم أتناول ما قيل في بيانها . (تلّه) من مادة (تلّ) وتعني في الأصل المكان المرتفع , والجبين : أحد جانبي الجبهة أو الوجه , وللوجه جبينان وسطهما الجبهة , أما ما قيل فيها فهو أني سمعتُ أحد أصدقائي يقول رأيا جديدا وغريبا في تفسيرها لم أعهده من قبل ولم أعرف حقيقة مصدره , وها أنا أذكره , وعليّ أن أذكر ما قبل الآية وبعدها ليتضح المعنى , قال تعالى ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) . الفكرة التي طرحت أن قوله (وتله للجبين) تعني : أنهما أسلما أمرهما إلى الله وتلّ إبراهيم بنيان الكعبة للجبين , أي : أوصل بنيانه إلى مستوى ارتفاع التل متوافقا مع الجبين , وأن الله سبحانه وتعالى أعطاهما الكبش نتيجة عملهم هذا , وقال الصديق : علينا أن نبتعد عن صورة الدم والذبح في مشهد الآية.
قلتُ : بحثتُ في أكثر التفاسير وجدتها في بحثها الروائي متفقة على رأي واحد يقول باختصار : إن رؤيا النبي تكون صادقة وتحقيقها يحصل بعدها في الواقع ما يماثل صورة ما رآه الرائي , وأن قوله تعالى (وتله للجبين) تعني الواقع , والمعنى : وضع إبراهيم (ع) أحد جوانب وجه ابنه على مكان مرتفع من الأرض ليمرر السكين على رقبته . ومن جهة البحث اللغوي نجد أن النص يبدو مترابطا متماسكا يظهر فساد المعنى الذي ذهب إليه الصديق , وتظهر الإشكالية في أن قوله : (وتله للجبين) فيها إشارة إلى أنّ الفاعل واحد , وأن الهاء في (تله) تعود على البنيان , وأن حقيقة البناء قد اشترك فيه إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) , وكان ينبغي أن يقال (فلما أسلما وتلّاه للجبين) لأنهما اثنان , قال تعالى ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ) فضلا عن عودة الضمير الهاء على البنيان بعيدة عن سياق الآية ؛ لأن قوله : ( قد صدقت الرؤيا ) الآتي غير مرتبط ببناء الكعبة , وإنما الرؤيا هنا هي إشارة إلى قوله ( إني أرى في المنام أني أذبحك ) , فيكون التقدير : وتلّ إبراهيمُ ابنه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا أي : ما رأيت في منامك , وإذا أيّد قوله تعالى (كذلك نجزي المحسنين) المعنى الذي يريده الصديق وهو بناء الكعبة , فإن قوله (إن هذا لهو البلاء المبين) لا ينسجم معه ألبتة , وأما قوله : علينا أن نبتعد عن صورة الدم والذبح , فقلتُ : هذه أمنية إبراهيم (عليه السلام) في تقديم القربان لله التي أصبحت سنة للأجيال القادمة التي تشارك في مراسم الحج وتأتي إلى أرض (منى) , وحاليا يذبح في كل عام أكثر من مليون أضحية تيمنا بذلك الذبح العظيم ولا تبديل لسنة الله .
د. محمد نوري جواد
أشير أولا إلى معاني هذه الآية ومن ثم أتناول ما قيل في بيانها . (تلّه) من مادة (تلّ) وتعني في الأصل المكان المرتفع , والجبين : أحد جانبي الجبهة أو الوجه , وللوجه جبينان وسطهما الجبهة , أما ما قيل فيها فهو أني سمعتُ أحد أصدقائي يقول رأيا جديدا وغريبا في تفسيرها لم أعهده من قبل ولم أعرف حقيقة مصدره , وها أنا أذكره , وعليّ أن أذكر ما قبل الآية وبعدها ليتضح المعنى , قال تعالى ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) . الفكرة التي طرحت أن قوله (وتله للجبين) تعني : أنهما أسلما أمرهما إلى الله وتلّ إبراهيم بنيان الكعبة للجبين , أي : أوصل بنيانه إلى مستوى ارتفاع التل متوافقا مع الجبين , وأن الله سبحانه وتعالى أعطاهما الكبش نتيجة عملهم هذا , وقال الصديق : علينا أن نبتعد عن صورة الدم والذبح في مشهد الآية.
قلتُ : بحثتُ في أكثر التفاسير وجدتها في بحثها الروائي متفقة على رأي واحد يقول باختصار : إن رؤيا النبي تكون صادقة وتحقيقها يحصل بعدها في الواقع ما يماثل صورة ما رآه الرائي , وأن قوله تعالى (وتله للجبين) تعني الواقع , والمعنى : وضع إبراهيم (ع) أحد جوانب وجه ابنه على مكان مرتفع من الأرض ليمرر السكين على رقبته . ومن جهة البحث اللغوي نجد أن النص يبدو مترابطا متماسكا يظهر فساد المعنى الذي ذهب إليه الصديق , وتظهر الإشكالية في أن قوله : (وتله للجبين) فيها إشارة إلى أنّ الفاعل واحد , وأن الهاء في (تله) تعود على البنيان , وأن حقيقة البناء قد اشترك فيه إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) , وكان ينبغي أن يقال (فلما أسلما وتلّاه للجبين) لأنهما اثنان , قال تعالى ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ) فضلا عن عودة الضمير الهاء على البنيان بعيدة عن سياق الآية ؛ لأن قوله : ( قد صدقت الرؤيا ) الآتي غير مرتبط ببناء الكعبة , وإنما الرؤيا هنا هي إشارة إلى قوله ( إني أرى في المنام أني أذبحك ) , فيكون التقدير : وتلّ إبراهيمُ ابنه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا أي : ما رأيت في منامك , وإذا أيّد قوله تعالى (كذلك نجزي المحسنين) المعنى الذي يريده الصديق وهو بناء الكعبة , فإن قوله (إن هذا لهو البلاء المبين) لا ينسجم معه ألبتة , وأما قوله : علينا أن نبتعد عن صورة الدم والذبح , فقلتُ : هذه أمنية إبراهيم (عليه السلام) في تقديم القربان لله التي أصبحت سنة للأجيال القادمة التي تشارك في مراسم الحج وتأتي إلى أرض (منى) , وحاليا يذبح في كل عام أكثر من مليون أضحية تيمنا بذلك الذبح العظيم ولا تبديل لسنة الله .
د. محمد نوري جواد