محمد علي الرباوي - رَجُلٌ مِنْ أَسْرِيرْ

مُرَّاكُشُ تَسْتَيْقِظُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ؛ لِتُصْغِي لِدَبِيبِ النَّمْلِ يَهُزُّ عِظَامِي الْهَشَّةَ هَزًّا. هَذِي النَّارُ اشْتَعَلَتْ فِي كُلِّ شَوَارِعِهَا الْقَاحِلَةِ الْمَجْرُوحَةِ، وَانْتَشَرَتْ فِي سَعَفِ النَّخْلِ الأَزْرَقِ، وَهْوَ يَفِرُّ إِلَى قَلْبِي الْمَكْسُورِ، يُحَدِّثُهُ خَلْفَ زُجَاجِ الدَّمْعِ حَدِيثاً بَلَّلَهُ شَوْقُ الْكَهْلِ إِلَى وَاحَةِ أَسْرِيرَ الْمَلْفُوفَةِ بِالْحُلْمِ السَّاكِنِ فِي أَوْدِيَةٍ تَزْدَحِمُ الْغِزْلانُ حَوَالَيْهَا. حَرَّكْتُ جَنَاحَيَّ؛ فَأَسْرَيْتُ بِقَلْبِي لَيْلاً، مِنْ هَذِي الْحَمْرَاءِ إِلَى كُثْبَانِ الْمَاءِ. تَرَاءَتْ سَوْسَنَةٌ، هِيَ أَسْرِيرٌ، بَيْنَ نُخَيْلاتٍ، تَبْحَثُ عَنْ طِفْلٍ أَسْمَرَ، يَمْلأهُ وَهَجُ الْبَحْرِ السَّابِحِ فِي جَوْفِي، تَتَسَلَّقُ عَيْنَاهُ جُمَّارًا هُوَ أَحْلَى مِنْ تَمَرِ الْفَقُّوسِ. دَخَلْتُ قُصُورًا، كَانَ الطِّينُ الْعَطْشَانُ يُغَادِرُهَا قَصْرًا قَصْرًا. كَانَ الطِّفْلُ الأَسْمَرُ، وَهْوَ بِلَوْنِ تُرَابِ الْقَصْرِ يَنُطُّ بِصَدْرِي الظَّمْآنِ، وَيَرْسُمُ فِي جُدُرِ الدُّورِ عَصَافِيرَ بِأَجْنِحَةٍ مِنْ حُلْمٍ وَهَّاجٍ، تَدْعُوهُ إِلَيْهَا نَخْلَتُهُ، يَلْتَفُّ حَوَالَيْهَا. يَتَحَوَّلُ عُرْجُونًا. فَإِذَا الرِّيحُ الصِّرُّ تَهُزُّ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ، تَسَّاقَطُ أَجْزَاءٌ مِنْ هَيْكَلِ عَظْمٍ يَبْحَثُ عَنِّي فِي مُرَّاكُشَ، مَا أَكَلَ النَّاسُ، وَلا شَرِبَ النَّعْنَاعُ بِحَوْضِي، لَكِنَّ رَصَاصًا مِنْ فُوَّهَةِ الْعَطَشِ الْجَبَّاٍر اخْتَرَقَ الزَّرْعَ/ الضَّرْعَ /الْبَشَرَ/الْحَجَرَ/ الطَّيْرَ/ يَهُزُّ عِظَامِي. أَفْتَحُ عَيْنَيَّ، إِذَا بِي فِي جَوْفِ الشَّارِعِ أَمْشِي، وَعَلَى أَذْيَالِي الْبَيْضَاءِ تَسَكَّعُ آثَارُ دَمٍ فِي لَوْنِ الْحُزْنِ الْقَارِسِ. مِنْ أَيِّ فَلاةٍ هَذَا الدَّمُ جَاءَ يُهَدِّدُنِي؟ أَأَنَا الْمَقْتُولُ أَجُرُّ بِهَذِي الْبَيْدَاءِ وَرَاِئي نَعْشِي المَحْمُولَ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ، أَمَ انِّي الْقَاتِلُ، لا أَعْرِفُ مَنْ بِيَدَيَّ قَتَلْتُ؟ أَجِرْنِي مِنْ هَذَا الْخَوْفِ الرَّابِضِ فِي جَوْفِي الْمَنْخُور،ِ أَجِرْنِي قَبْلَ غُرُوبِي عَنِّي يَا رَبِّ أَجِرْنِي وَأَعِدْنِي أَنْتَ إِلَيّْ.

وجدة. 1/11/2016

* أسرير مسقط رأس الشاعر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...