أم كلثوم المعلى - لأول مرة.. قصة قصيرة

قبالة الباب الغربي للدكان القديم، كان يقيم وجهه شطر القدر السوداء الصغيرة، و بسرعة البرق.... كان يلتهم بقايا عشاء الليلة الماضية، قطع المعكرونة المحترقة ... كم هو طعام لذيذ ، عجبا لهؤلاء الناس، كيف يتركون مثله للدواب، تخيل نفسه بدون هذا الطعام ،...طبعا سيكون في عداد الموتى، لولا رئيسه " الهادي "، الذي كان يرشد كل عضو في الشلة إلى وكر يقتات فيه، دارت ذكرياته القاتمة على أطيط حبات الفاصوليا المتفحمة بين أضراسه دون أن ينسى مراقبة ذلك القادم ، لفتت انتباهه رزمة الأوراق النقدية التي اخرج من جيبه ، و هو يدفع ثمن اللحم للجزار.
رمى في شدقه ما تبقى في القدر ، ثم مسح يده في قميصه الأسود المتسخ، قبل أن يعرض خدماته على الشيخ ، مقترحا عليه أن يحمل عنه الكيس البلاستيكي الكبير، و بسرعة استجاب الرجل لطلب الفتى مثنيا على لطفه، و في الطريق سأله الشيخ بعفوية:
- ما أسمك يا بني؟
- اسمي جبريل .
- و أين يسكن أهلك ؟
- ليس لي أهل، غير خالتي (أطويلة) التي تظل في السوق و لا تعود إلا في المساء.
- حسنا ... ستظل معنا اليوم، أحس جبريل أن خطته نجحت، و أن صيدا ثمينا وقع في شراكه لأول مرة منذ احترافه لمهنته الجديدة.
وصلا إلى منزل بسيط، ليس فيه غير الرجل و ابنه ، كل شيء في المكان يدل على أن أهله حديثو عهد بالريف.
كاد جبريل يطير فرحا، و في وداعة الحمل قام بتنظيف المكان و تجهيز وجبة الغداء ، و هو يتحين الفرصة لتنفيذ ما بقي من الخطة .... و بنهم شديد كان يحتسي كؤوس الشاي المترعة بعد الغداء ، و ما هي إلا لحظات حتى نام الرجل و ابنه، و خفية تسلل إلى جيب شيخه ( الضحية)..... أخذ المبلغ و أختطف جهاز الهاتف، ثم أطلق ساقيه للريح ..... كان يعدو بكل ما أوتي من قوة ، و في آخر الشارع المؤدي إلى سوق الأشياء المستعملة (التبتابة) جلس .... ليلتقط أنفاسه ... و يتفقد غنيمته، أحس بالسعادة الغامرة، فلأول مرة سيثني عليه (الهادي) و يقربه، ماذا ؟ كيف ؟ ليس في جيبه غير النقود فقد سقط الهاتف... رفع بصره، ماذا يرى؟ إنه الشيخ ، و معه الجهاز ، و الشرر يتطاير من عينيه.... تجشأ بصوت مرتفع ، غطى فمه بيده ، كانت تفوح منه رائحة المعكرونة، و الفاصوليا ، و اللحم و الأرز ، و الشاي، و ربما النقود ....
كان كابوسا مرعبا ، لكن قبضة (الهادي) الخشنة، و شتائمه البذيئة كانت كفيلة بإزاحته:
ما بال هذا المعتوه، يفشل في كل شيء حتى في أحلامه، لا يحسن غير الأكل و النوم.
كانت الصفعة قوية على خده، لكنه كان شعورا جميلا، أن يكون الفشل في الحلم بدل الواقع لأول مرة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...