إدريس الهراس - حب و امتنان ..

" وردية " تصغر زوجها " قدور" كثيرا ، رابضت و إياه في خنادق الحقل و البيت .. خرود ولود .. شمرت عن ساعديها ، و بنت و إياه على أنقاض جُحر التابوت المتهالك منزلا حديثا من ثلاثة طوابق ، و دكانا نذرت نفسها فيه بائعة حاذقة ! حازت نصيبها من الإرث و الكراهية من إخوة أشداء ، و أفلحت في تحقيق حلم زوجها ، بتمكينه من شراء بضعة فدادين ، كان طوال عمره عاملا زراعيا لدى أصحابها ! تتحول إلى لبؤة حقيقية كل مرة يقع فيها فريسة منازلة غير متكافئة ، فتنخرط في عراكات دامية ، آلتها القادوم و المدراة و المنجل و اللجام و الحجارة و الناب !! لا تركن إلا و زوجها عزيز سيد .. لا يزال رأسها الصغير المكور و جبينها المحدودب يحتفظان بآثار ندوب غائرة شاهدة على ضراوة تلك المعارك !... ترافقه إلى الإدارات ، و تتكلم نيابة عنه في همة القرويات ، لتقول ما يعجز عن قوله ، هو الذي لا يفتأ يطل على مداخلها حتى يبح صوته ، و يعقل لسانه ، ويرتعش نصف خده ، و يتصبب جبينه عرقا ، و تبدأ رجلاه فيما يشبه الغزل !!
" وردية " لسان " قدور" الدلول ، و عينه الساهرة ، و ساعده الجبار ، و مجنه الصلب ، و خافقه الرحيم ... خلال الشهور القليلة الماضية ، نهش المرض جسدها الضامر ، و وقف " قدور" إلى جانبها وقفة لم تشهد مثلها أبدا ، و بجَرَاءة نادرة خاطبها في هذه الأوقات العصيبة قائلا : ( اذهبي عند إحدى بناتك ، فأنا أرغب في الزواج !!!) .

إدريس الهراس / المغرب .

تعليقات

رائع كعادتك الاستاذ ادريس كما عهدتك حين اشتغلت معي بابن العوام ....سررت كثيرا ان اعثر على ابداعك الذي يحكي صمود كاتب متمكن
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...