عندما انتصف الليل، ارتمى علي على كرسي سيارة الأجرة متعباً… صوت أم كلثوم أضفى عليه هدوءاً أليفاً بعد يوم صاخب.
لم يكن معتاداً على الحديث مع السائقين… لكنّ وجود شريط أم كلثوم بصوت منخفض في السيارة جعله يشعر بوجود شيء مشترك بينه وبين السائق: الله.. ماأجمل صوت أم كلثوم… إنه ينقلنا إلى عالم صافٍ .. صوتها يذكّرنا بالفن العريق الذي أبدعه أجدادنا.. أين أيام زمان.. اليوم كل الغناء صراخ وصخب وزعيق …
بعد صمت قصير.. لم يشأ علي أن يقطع الودّ مع السائق الذي قلّما يعثر على مثيله:
- أرجو أن تكون السيارة ملكك؟
- لا.. إنها لابن خالتي، وأنا أعمل عليها أحياناً، غالباً في آخر الليل.
-وهل لديك عمل آخر؟
- نعم أنا صحفي.. إنني محرر في القسم الفني.
ابتسم علي لأنّه تأكّد من صحة فراسته:
- قلت في نفسي، من يضع شريط أم كلثوم بصوت خفيض في هذه الأيام لابد أن يكون فناناً، ولا يمكن أن يكون - اعذرني - لايمكن أن يكون مجرد سائق.. أنا محام.. وأكتب الشعر. تنبّه إلى سؤال يمكن أن يعمّق الصلة بينهما:
- هل أنت من حلب؟
- نعم.
- ولكنّ لهجتك لاتنبئ عن ذلك..
- إنني من أطراف حلب.
ولكنّ لكنتك قريبة من ادلب.
- أنا من حارم.. ولكن تلك المناطق كانت كلها حلب.
بلع علي لعابه كمن يتلذّذ باكتشافاته المتوالية:
- صحيح.. كل شيء قديم كان أفضل.. التراث هو الأصل.
حين وصلت السيارة إلى محيط قلعة حلب تابع علي الكلام:
تصوّر لو أنّ هذه الأبنية العشوائية الدخيلة قد أزيلت من حلب القديمة.. ولو أن خندق القلعة مُليء بالماء ، ونُثرت الزوارق الصغيرة فيه ليتنزّه السائحون وينعم أهل المدينة بها حول القلعة…
تصور لو أن مبنى الحكومة الذي يقبع أمام القلعة تحوّل إلى فندق يستقبل الزوّار..
تحفّز السائق للمشاركة في الحديث:
- لو أنهم يردمون هذه الحفر التي تربك السائقين.. انظر.. لقد وضعوا الحاوية وسط الطريق.
قال علي وهو يشعر بأنّه تخلّص من أعباء مشكلات النهار:
- معك حق.. ولكنّني لست مع تجديد الطريق بطبقة زفتية تزيل معالم التبليط التراثي الذي يزيد عمره على نصف قرن.
أتعلم… هذه الحجرات السوداء التي ترصّع الحواري القديمة.. حين تُنزع يشتريها محبّو المدن القديمة ويزيّنون بها مدارج بيوتهم.
نظر السائق إلى علي وهو يرفع حاجبيه قائلاً:
- ألا تعلم من الذي يتعهد بتزفيت المدينة ؟!
أجاب علي بارتباك: أعلم… أعلم.. لقد وصلت أرجو أن توقف السيارة.
صافح علي السائق بحرارة وهو يدفع له الأجرة بسخاء…
مشى بهدوء إلى منزله ولم يلاحظ اندفاع السائق بسرعة كبيرة، كما لم يسمعه يتمتم:
- لعنك الله يا ابن خالتي يا عزيز… مئة مرة قلت لك أن تترك لي في السيارة أشرطة كاسيت لجورج وسوف.
لم يكن معتاداً على الحديث مع السائقين… لكنّ وجود شريط أم كلثوم بصوت منخفض في السيارة جعله يشعر بوجود شيء مشترك بينه وبين السائق: الله.. ماأجمل صوت أم كلثوم… إنه ينقلنا إلى عالم صافٍ .. صوتها يذكّرنا بالفن العريق الذي أبدعه أجدادنا.. أين أيام زمان.. اليوم كل الغناء صراخ وصخب وزعيق …
بعد صمت قصير.. لم يشأ علي أن يقطع الودّ مع السائق الذي قلّما يعثر على مثيله:
- أرجو أن تكون السيارة ملكك؟
- لا.. إنها لابن خالتي، وأنا أعمل عليها أحياناً، غالباً في آخر الليل.
-وهل لديك عمل آخر؟
- نعم أنا صحفي.. إنني محرر في القسم الفني.
ابتسم علي لأنّه تأكّد من صحة فراسته:
- قلت في نفسي، من يضع شريط أم كلثوم بصوت خفيض في هذه الأيام لابد أن يكون فناناً، ولا يمكن أن يكون - اعذرني - لايمكن أن يكون مجرد سائق.. أنا محام.. وأكتب الشعر. تنبّه إلى سؤال يمكن أن يعمّق الصلة بينهما:
- هل أنت من حلب؟
- نعم.
- ولكنّ لهجتك لاتنبئ عن ذلك..
- إنني من أطراف حلب.
ولكنّ لكنتك قريبة من ادلب.
- أنا من حارم.. ولكن تلك المناطق كانت كلها حلب.
بلع علي لعابه كمن يتلذّذ باكتشافاته المتوالية:
- صحيح.. كل شيء قديم كان أفضل.. التراث هو الأصل.
حين وصلت السيارة إلى محيط قلعة حلب تابع علي الكلام:
تصوّر لو أنّ هذه الأبنية العشوائية الدخيلة قد أزيلت من حلب القديمة.. ولو أن خندق القلعة مُليء بالماء ، ونُثرت الزوارق الصغيرة فيه ليتنزّه السائحون وينعم أهل المدينة بها حول القلعة…
تصور لو أن مبنى الحكومة الذي يقبع أمام القلعة تحوّل إلى فندق يستقبل الزوّار..
تحفّز السائق للمشاركة في الحديث:
- لو أنهم يردمون هذه الحفر التي تربك السائقين.. انظر.. لقد وضعوا الحاوية وسط الطريق.
قال علي وهو يشعر بأنّه تخلّص من أعباء مشكلات النهار:
- معك حق.. ولكنّني لست مع تجديد الطريق بطبقة زفتية تزيل معالم التبليط التراثي الذي يزيد عمره على نصف قرن.
أتعلم… هذه الحجرات السوداء التي ترصّع الحواري القديمة.. حين تُنزع يشتريها محبّو المدن القديمة ويزيّنون بها مدارج بيوتهم.
نظر السائق إلى علي وهو يرفع حاجبيه قائلاً:
- ألا تعلم من الذي يتعهد بتزفيت المدينة ؟!
أجاب علي بارتباك: أعلم… أعلم.. لقد وصلت أرجو أن توقف السيارة.
صافح علي السائق بحرارة وهو يدفع له الأجرة بسخاء…
مشى بهدوء إلى منزله ولم يلاحظ اندفاع السائق بسرعة كبيرة، كما لم يسمعه يتمتم:
- لعنك الله يا ابن خالتي يا عزيز… مئة مرة قلت لك أن تترك لي في السيارة أشرطة كاسيت لجورج وسوف.