عند الساعة الرابعة عصراً ، الزمهرير يكشرُ عن أنيابه ، يجلسُ هاشم بائع الأحذية على الرصيف إلى جانب صديقه سعدي ، تُلوّن أشعة الشمس الناعسة المدى بخيوط فاترة ، ترسمُ خلف الغيوم ألواناً متثائبة ، و بائع الأحذية المُستعملة يستلقي داخل ذاكرته ، أمامه أكوام من الأحذية المتعانقة ، مرصوفة بشكلٍ هرمي ،...
إلى كرار فياض
تهشم صفاء ذهن " فياض " كزجاجة منسية وهو يعطي ثمن الاستنساخ لصاحب المحل ، نظر الى أول ورقة و هي تحملُ إسم مسرحيته " الأقنعة " ، كان الاسمُ موشحاً بضبابية ملتبسة ، ينسدح خلف اسوار الغلاف الشفاف . أخذ " فياض " مسرحيته و خرج يتأبط قلقه ، القلق الذي ينهش حضوره المعتم ، يفكرُ...
لم ينل سعدي عباس العبد ( ١٩٥٧ ٢٠١٤) شهرة واسعة ، ولم يأخذ مكانه الذي يستحق ، فسعدي قاص كبير ، له أسلوبه ، و نبرته الخاصة ، و عزفه الوئيد الذي يلمس حافات الروح المغمورة ، لسعدي مجموعة يتيمة " الكلاب و المارينز " صدرت بطبعة رديئة عن دار الشؤون الثقافية العراقية و له عشرات القصص و أكثر من رواية...
السرد بحر متلاطم ، كلما يزداد ولوج المرء فيه يصبح أصعب ، و تصبح الكلمات تمد لسانها هازءة و باصقة احيانا ، و لن تخجل ان تفتح راسك بضربة لا تقوم بعدها !
الكلمات عصية ، و تقاوم ، حتى و إن انتهيت من عمل و زججت به للنشر ، ستبقى الفجوات تلاحقك ، و كلمة ما ليست بمكانها ستأتيك لتعض اصبعك . اتذكر ان جاك...
ما زال حنا مينه يعلمنا كيف نعيش ، رغم انه يقول " ولدت بالخطأ ، وعشت بالخطأ ، وكتبت بالخطأ " ، و يسخر من تعبنا الذي يراه راحة ، فهو الطوّاف في العالم ، الحلّاق و الشيّال ، العامل في الميناء ، وعلى مراكب البحر ، و أجير صيدلي ، و الصحفي ، ولذلك إنه لايولي للدراسة الاكاديمية الاهتمام ، بيد انه يرى...
الأمطار تتزاحم ، تهافتت الغيوم حتى كادت تلقي بنفسها نوبة واحدة ، كانت الشوارع تلفلف نفسها بركاض الناس ، تتصدى البرك الصغيرة الملطخة بشوائب الأحذية ؛ لوقوع الأطفال الذين كانوا يلعبون منذ وهلة ، كانت نهيرات صغيرة تنهمر إلى بالوعات الشوارع الجانبية ، و يزيدها حثيث مياه الصرف الصحي ، كانت المياه...
لا أعلم لماذا يُصنف فرانز كافكا ( 1883 - 1924 ) كرائد للكتابة الكابوسية ، لطالما قرفت من هذا الوصف الملتبس ، لأن كافكا لا يكتب من أجل اولئك الذين يشربون القهوة في مقهى منزوٍ و يأخذون بالتنظير الفارغ ، فكافكا ذلك الفرد الذي كتب من نقطة ( النفور ) ، و هذه الكلمة هي الأساس الذي سنبني عليه هذه...
تتكدس الغيوم متراصفة ، خالقة بساطا من الحجب يغيب خلفه إمتداد السماء ، سماء سوق مريدي التي نسيت الصفاء ، حتى في الربيع تفوفها نسائم مخربشة ، تنغرز في الوجوه مثل شوك لا يقبل الهوادة . كان اللون الرمادي مخيما على المكان ، مثل ما كان دائما ، و سيبقى ، هذا الرماد التي تأنف الريح من ذروه . السوق هادئ...