إبراهيم الرحال

الشاعر إبراهيم عمر، المعروف بإبراهيم الرحّال ولد في الخرطوم في 22/نوفمبر/1984م، إلتحق بجامعة امدرمان الإسلامية وبدأ دراسة الزراعة متخصصاً في قسم انتاج الدواجن، إنخرط في الأجواء السياسية منذ السنة الاولى لإلتحاقه بالجامعة عبر توصيّة من مركزية الحركة الإسلامية لضمه لأمانة الحركة الإسلامية الطالبية، فعين مباشرة نائباً لأمين الإعلام، وذلك لخبراته الإداريّة السابقة، ونبوغه الملموس في مجال الإعلام الذي أهله لشغل مناصب إعلامية رفيعة، حتى قبل إلتحاقه بالجامعة، فقد أخُتير للعمل إعلإمياً في إدارة النشاط الطلابي، وبعدها منسقاً للإعلام والبرامج في إدارة الدفاع الشعبي في حداثة سنة وهو لم يتجاوز السابعة عشرة منة عمره. في الجامعة تدرّج في امانة الحركة الاسلامية وانتُخب في المجلس الأربعيني لإتحاد طلاب جامعة أمدرمان الإسلامية ليُعّين اميناً إعلامياً في اتحاد الجامعة وهو في السنة الثانية. ثم سمي أمينا خارجياً في سنته الثالثة بالجامعة، لكنه اعتذر عن ذلك التكليف بسبب إختلافاته الجوهرية مع الاسلاميين، فإنشّق عنهم وترك الدراسة بالجامعة مفصولاً فصلاً سياسياً. إلتحق في تلك الأثناء بجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا وحصل فيها على دبلوم الإعلام. عمل بتدريس التصوير الفوتوغرافي بمؤسسة قصر الشباب والأطفال، ودرّس الإعلام في مركز تأهيل الاعلامي، وفي مراكز أخرى عديدة. عمل في مجال الإعلام في عدد من المؤسسات ولكن في فترات متقطعة وقصيرة، منها مديراً للاعلام في الاتحاد الوطني للشباب السوداني وأميناً للأعلام بالمنظمة الخيريّة للتنمية وحماية البيئة، ومحرراً وكاتباً صحفياً لدى مجموعة رماة الحدق للخدمات الصحفية ثم صحفياً بوكالة السودان للأنباء، ومنتجاً في وكالة رامتان للأنباء. تفرغ بعدها للكتابة والانتاج الفني، في مجالات التصميم والفنون البصرية.

له ثلاثة مجموعات شعرية معدة للطبع، منها ديوان صهيل الذي نال شهادة تقديرية من لجنة مسابقات دار الصباح للنشر في العام 2005. يتميز شعر بالعمق الفلسفي، والتعابير المشحونة بالدلالات التأملية، وطرح الأسئلة الوجودية الملحّة والجريئة، التي جعلت من شعره مايشبه المدرسة الشعرية الجديدة، فأشعاره تعبر عن خيبات جيل يتخلّق في الصمت المحيط بالتحولات الاجتماعية، والدينية، والسياسية الرهيبة التي تتلاحق عليهم يوماً بعد يوم، وتتمظهر في الهزات الشبابية والشعبوية التي إجتاحت الدول العربية فيما سمي بالربيع العربي فيما بعد! وهو في واقع الحال أكثر من مجرد ربيعاً مطلبياً سياسياً مجرداً، إنما هي ثورة وإنتفاضة تنبع من مكان عميق في ذوات جيل بأكمله، يتململ أمل الخروج من ضيق الجلباب الذي حشرتهم فيه معطيات وموروثات باتت لا تتواءم وإنجسار المسافات الثقافية، والحياتية، بين عالمهم الثالث والعالم الأول، الذي يبدون مقابله مخنوقون وانفاسهم محسوبة إما بفعل السياسة، وإما بسبب الدين الذي يضيق كلما تطلعوا نحو مزيدٍ من الحريات. لذلك فإن الصوت المرفوع في شعر إبراهيم الرحّال -وإن كان ناشذاً- يبدو انه الصوت الأكثر جسارة وتعبيراً عن هذا التخلق. وقد يكون الصوت الاوضح كونه يطرح أسئلة مباشرة -متجاوزاً فيها خيبته في البشر- متوجهاً بتلك الاسئلة نحو الله ذاته، كونه المسؤل الاول عن فوضى العالم وخلل الإنسانية، حسب تصوره! لذلك تأتي تعابيره جريئة، جديدة، غير مطروقة، فادحة، لئيمة، ومباشرة. تأملية غارقة في تصوفها تارة، وشجّابة صاختة في بعض الأحيان! ولكنها في مجملها إبتهالات ومعاتبات شخصيّة جداً بينه وبين الله الذي لم يزل بالنسبة له موجودٌ، وكائنٌ في وعيه الشخصي، بشكلٍ من الاشكال... لايهم! وإن كان ألحد بالدّين، وترك التدين في تمظهراته الشكليّة، ليرتقي صوب علاقة مباشرة مع الله، تتيح له كيل التساؤلات وبث الشكوى والعتبى للذات المسؤلة مباشرة عن المرارات والضوائق والحروب والخيبات التي يعيشها هو، ويعيشها جيله بالمقابل. لذلك قيل أن شعر الرحّال علامة سابقة وإشارة مبكرة لشكل مدرسة شعرية ناشئة تتكّون في صمت يتماشى مع ضيق(الجلباب) الذي لن يلبس وأن ينفرط مرة واحدة، فيتحّرر الذي كان مسجونٌ داخله. بعد إدراك، ثم وعي وانفلات. أن الاحداث العظيمة التي طرأت بعد الالفية، من صعود الإرهاب الإسلامي، وهيمنة الطغم السياسية الفاسدة على الحكم، بمسوقات ربانية سماوية، وجوقة من الكهّان، وعلماء دين يفتون للطغاة كيف أرادوا، تماماً كما يحدث في السودان خاصة، ومعظم الدول العربية عامة، كلها اشياء تبعث على الخيبة والشعور بالعدم، وإنصدام الشباب العربي بضآلة ذواتهم وإنعدام خياراتهم مقابل الآخر الذي يتفوق عليهم في الانسانية والعدالة الإجتماعية ورغد الحياة وكل شيء، مما خلق جيلاً يحمل وعياً مضاداً لنظرية المؤامرة، جيل فهم عّلة مجتمعه المحضة، المتمثلة في إدعاء الفضيلة والرهان على الدّين. الّدين الذي فشل في ترقية المجتمع طيلة مايقارب الخمسة عشر قرناً، لم يقدم ولاحتى القليل الذي قدمته نظريات البشر التي أنتجت حضارات ونماذج يموت اليوم شباب العالم الثالث لأجل العبور إليها، فراراً من تصحر ماعندهم، وفقر حصيلتهم، جيل كامل من الشباب قرر الكف عن النظر للسماء البعيدة، وإمعان النظر للأرض القريبة، تحت اقدامهم! سؤالهم المركزي هو كيف يؤسسون لبناء جديدٍ؟ يقتضي الواقعية، وينفر عن الميتافيزيقيا بكّل لوثاتها، وما كلفته العالم من دم ودموع. لذلك إبتدروا حراكاً عفوياً ولكنه موضوعياً إثر تراكم الأحداث المخيبة التي عايشوها، فأزمعوا ترك السماء/الله جانباً، لأنهم قنعوا ان الملائكة لن تحمل معولاً لتبني، ولا قلماً لتعلم. وعبروا عن ذلك بشتى انواع التعابير، لاسيما الكتابة والشعر. وفي ذلك صار شعر الرحّال الصوت الصادح الذي يعبّر عن هذا الجيل الجديد الذي لايزال ينبثق من هنا وهناك.. وذلك لخصيصة فارقة، وضعته في المقدمة تماماً، وهي التعبير الواضح عن هذا الإتجاه الجديد، والطرح المكثف خاصةً في كتاباته التي إبتدرها في مدونته الأولى (تم حجبها!؟) التي مثلت فضاءه الحر ليعبّر عن فلسفته وقناعاته في حِلٍ من شجب الرقيب وقمع حراس الفضيلة.

إبراهيم الرحّال وإن كان يبدو مهموماً بمآلات جيله المثقل بالإرث القميء الذي يعوق حياتهم كبشر كاملي الاهليّة، إلا أنه يفتح في شعره براحات من التعابير الرومانسيّة المرهفة، لا يواري مشهداً ولايضّن بصورة من الصور وإن كانت مما يسّره العاشقون!.. وإن امعن في الصبابة، وأفرط اللوعة. يورد اللحظة خالصة كماهي دون دثار ولا لوازاً بالمجاز والكناية، إلى حد أن صنّف البعض شعره بالفضاحة والايروبتكية المضمّنة. لكّن الذي يعنينا في هذا المقام ان جمالية تعابيره العاطفيّة تكمن في عدم المواربة، ومباشرة النقل وصراحة المعنى دون إبتزال، ولا إيحائية. ومن عبقرية شعره انه يحول لحظة عادية مع حبيبته على حافة جسرٍ مثلاً، إلى حشد من التعابير الحيّة الرشيقة، فترتقي وتتلون بالمعاني وتصير شعراً يتذوقه القاريء، ويرى جمال اللحظة من خلال الكلمات المترعة بالتصاوير الممعنة في الرقّة. غير انه لا يفصل بين قضية العشق -همّه الخاص- وهمّومه العامة. بل ينطلق منها ويأخذ بها لتصير قضيّة عامة، فيطرحها مشاعة لتصبح محاط اهتمام الغير.. عندما تقرأ له نصاً يتناول الحب مثلاً، لن تكون في معزل عن تمام المشهد، ولا مغيباً عن الحواشي والهوامش مهما صغرت! والذين يطالعون كتاباته عبر الوسائط يلاحظون ذلك بجلاء! فهو بعبقرية تصاويره يجعل الجمهور محيطياً بتمام المشهد، محبوبته موضوع عاطفته الشخصية مشاعة في النص على التعيين، لا يألُ وأن يصرّح باسمها، يناديها بكنيتها ويدللها بإسمها، (فطومتي) يناديها في ذاتها! ثم إن من حسن تطور وسائط الاتصال-التي في الواقع أثرت فن الكتابة- من الحسن ان يدور نقاشاً أو عتاباً مع ذات الحبيبة في مساحة التعليقات، ثم عندما نقرأ النص التالي نكون مبصرين عليمين بالجو الخاص الذي ولّد النّص، مملكين للادوات التي تؤهلنا لربط الأشياء بعضها ببعض. فكون الشاعر رحّال يشرك القارءي في أدق خواصه، فهذا يعد نبلاً مطلقاً، وعطاءاً منقطعاً، يشبهه في ذاته السخّية، وروحه النبيلة، فهو من الشعراء الذين اختصوا بخصيصة التماهي المطلق، والوفاء غير المحدود لقضيتهم وهمّهم العام، للدرجة التي يكّريس فيها حياته الخاصة ليخدم بها مشروعه الكبير، عفواً وبلاغرض أو عطيّة. انه النوع من البشر الذي سيشقُ كثيراً (ولا اقول يشقى) في سعيه المحموم لتشذيب فوضى العالم.. فاللطريق التي قرر خطوها، والقضيّة التي تبناها، قضيّة شاقة ومتعبة، منعرجاتها حادة ومفاجأتها كثيرة، ولا يُستثنى من تلك المنعرجات، صيرورته عند المتشددين كافراً مرتداً! وعند المتشائمين نبياً مفردا، ًعنيناً، أبتر!.. حقاً أنها طريق شائكة وطويلة، وهو مصمم للسير فيها. سيسير فيها بصمت. سيسير في إستقامة كمان يقول دائماً.

الشاعر إبراهيم الرحّال لم ينضم حتى لأي جسم ثقافي أو نقابي مع انه مؤهل لذلك! وعندما سألنا المقربين منه قالوا انه يعيش سنوات طويلة في عزلته الخاصّة يعاني هماً وإكتئاباً منعه من التفاعل مع الجمهور سنوات طويلة، فلم ينشر رغم غزارة كتاباته ورقي شعره وتفرده. يدير الآن مدونة أدبية موجودة على الأنترنت بعنوان بارامنيسيا، يكتب فيها بكل مايحمله هذا المصطلح من معنى.
  • ققال.jpg
    ققال.jpg
    99.1 KB · المشاهدات: 976
أعلى