ولد رياض كمال البكري في ناحية الشريفية التابعة لبابل في 27/3/1950 واكمل دراسته الابتدائية في السماوة والاعدادية في بغداد. وكان الابن البكر لمناضل سياسي يساري وموظف في السكك الحديدية اجبره عمله على التنقل بين المدن قبل ان يستقر به الحال في بغداد، بعد ان تعرض للاعتقال مرارا وفصل من الوظيفة بسبب افكاره ونشاطه النقابي والسياسي.
تعرفت على الشهيد رياض لأول مرة في عام 1966. فقد كنا نذهب مع شبان آخرين الى مقهى دور السكك في منطقة الداوودي او الى قاطرات السكك في محطة الداوودي، حيث يقرأ علينا بعض قصائده وادبيات الحزب الشيوعي، وندخل أحيانا في مناقشات. بدأت علاقتنا معها تتجذر وتتعمق وتشمل جميع نواحي الحياة السياسية والادبية والفكرية. وتدريجيا بدأ بتكوين مجموعة ادبية ضمت الشاعر خلدون الموالي باسم «جماعة النشأ المعاصر» على غرار «جماعة الفكر المعاصر» التي ترأسها الشاعر محمد علي الخفاجي، قامت بنشر نصوص لأعضائها في عدد من الصحف والمجلات العراقية المعروفة، وخاصة الملحق الادبي لجريدة الجمهورية و»المنار» و «كل شيء» و»العرب» و»الشعب» و»مجلة الاجيال» و»مجلة الاذاعة والتلفزيون» و»مجلة المتفرج».
موهبة مبكرة
فقد بدأت موهبة رياض الشعرية تطلق نفسها مبكرا من خلال قصائد وخواطر اولى، راح يتلوها على الاهل والاصدقاء في الدراسة، التي سرعان ما تركها في مقتبل العمر، بسبب اعتقال الوالد مجددا، ليعمل عامل مطبعة لبعض الوقت، اذ سرعان ما تعرض هو ايضا الى السجن من قبل النظام البعثي ضمن حملة واسعة على النقابيين والمثقفين اليساريين في 1971، وقد مكث نحو عام ونصف في معتقل “قصر النهاية” تعرض خلالها الى التعذيب بسبب مشاركته في قيادة مظاهرات عمالية يسارية في بغداد وانتمائه الى الحزب الشيوعي العراقي - القيادة المركزية الذي مثل الجناح الثوري في الحركة الشيوعية العراقية، والتنظيم العمالي الاهم بعد ان انشق في 1967 عن الجناح اليميني في الحزب التابع لموسكو كليا آنذاك. وقد استشهد تحت التعذيب في خضم تلك الحملة عشرات المعتقلين، بينهم صديقه الشاعر الشعبي شعبان كريم واحمد الحلاق ومتي الهندو وهاشم الالوسي وسامي الجصاني ونوري كمال العاني وجبار محمد علي الربيعي.
وهكذا، لقد بدأنا العمل السياسي بنشاط اكبر منذ ان حسمنا انحيازنا الى صف القيادة المركزية وبعد مجيء الفاشيين في 17 تموز 1968 بأشهر. اذ قمنا معا بفعاليات عديدة، منها الخط او الكتابة على جدران مبنى معمل قرب مطار المثنى وكان معنا الرفيق سهيل الجزائري. اذ طاردتنا دورية أمن وكان الرفيق يحمل مسدس ابو البكرة وقد تراشق معهم بالنار وقد نجونا بأعجوبة. كما عملنا في اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية وكان الشهيد الشاعر رئيس اتحاد طلبة اعدادية النضال، وكان في قيادته الشهيد قيس القيسي وجمال زيا وعاطف الشيخ ومن اعضاء الاتحاد الشهيد سلام الصفار. وخرجنا في مظاهرة ضخمة تأييدا للمقاومة الفلسطينية بمناسبة معركة الكرامة في الاردن، وكانت اول معركة علنية تنتصر فيها المقاومة، وكان احد شعاراتنا «الفيكونغ والعاصفة ايد بايد متكاتفة».
العمل الفدائي
وقد دفعنا حماسنا في تأييد المقاومة الفلسطينية الى اتخاذ قرار الالتحاق بها، فذهبنا الى «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» ثم الى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وكان الشاعر الشهيد رياض البكري يعمل باسم «ابو نضال». فقد عملنا سويا في المقاومة الفلسطينية لا سيما خلال معارك ايلول 1970 اذ كنا معا في اربد حيث نشر قصيدة بعنوان «ضوء «الاناشيد» حول طفلة اسمها «حياة» (استشهدت على ارصفة اربد بعد ان احترقت ضفائر شعرها) ونشرتها مجلة الهدف العدد 104 في 12 حزيران 1971.
كما ساندني في نشاطي العمالي في اربد، لا سيما في انجاح اضراب عمال التنظيف واضرابات اخرى اثارت الاعجاب، حتى ان مجلة الهدف التي غطت تلك النشاطات نقلت عن الدكتور جورج حبش قوله لرفاقه «تعلموا كيف يعمل شيوعيو القيادة المركزية». خلال كل ذلك ظل نضال الشعب العراقي ضد الطغمة البعثية يحتل المركز الاول في اهتمام الشهيد، وكان مثالا في نكران الذات والجهادية العالية، اذ كتب في الدفاع عنه عشرات المقالات والقصائد بأسماء مستعارة منها روشن ونافل سلام وابو نصير وكوران، نشرت في مجلات فلسطينية ولبنانية ومطبوعات يسارية كثيرة من بينها مجلة «الهدف» و»الى الامام» وغيرها.
في لبنان
التحق رياض البكري بعد اطلاق سراحه بالمقاومة الفلسطينية في لبنان ونشط بشكل خاص في الكتابة في الصحف والمجلات الفلسطينية كما شارك في عدة مهمات فدائية اصيب في واحدة منها اصابة بالغة ارغمته على العودة الى العراق؛ ليتعرض الى الاعتقال مجددا حيث امضى نحو عام ونصف في معتقلي قصر النهاية والفضيلية ببغداد. وحال اطلاق سراحه، انتقل الى لبنان حيث عاش “حرب السنتين” ضمن فصيل تميّز برفضه الحرب الطائفية وقتل الناس على الهوية.
في لبنان اشتغل رياض عاملاً وصحفياً وارتبط بعلاقات صداقة مع العديد من الكتابّ والفنانين اللبنانيين. الا ان العراق ظلّ شاغله الاساسي وهمّه الاكبر. وحدثني الدكتور حسين الهنداوي انه زاره في مخيم تل الزعتر عام 1976، فبدا له عازما على تكريس كل طاقاته للنضال ضد الطغمة البعثية. وبرغم موقعه القيادي آنذاك في تنظيم القيادة المركزية للحزب الشيوعي (وحدة القاعدة)، ومكانته اللامعة عربيا ككاتب سياسي يساري في تلك المرحلة، فقد عاش الشهيد في بيروت حياة معدمة، شاركه فيها عدد من المناضلين اليساريين العراقيين المناهضين للفاشية، منهم الشهيد محسن حمادي الربيعي الذي اعدمته في 1975 ميليشيا الكتائب في حاجز “الكحالة”، والشهيد مطر لازم (ابو الفهود) الذي اغتالته في صيدا عام 1976 عصابة من “جبهة التحرير العربية” التابعة للمخابرات العراقية، والشهداء زهير كمال الدين وتحسين الشيخلي وعادل وصفي الذين اغتيلوا في بداية الثمانينات من قبل افراد ينتمون الى العصابة نفسها.
مهام نضالية في العراق
ولمواصلة الكفاح ضد النظام البعثي بشكل فعال عاد رياض البكري سراً الى العراق مرات عديدة ما بين 1976 و1977 متنكراً بأسماء مستعارة ومستخدماً جوازات سفر مزورة، الا انه وفي زيارة سريّة اخيرة، وبعد اقامة قصيرة متخفياً في كردستان، اعتقل في بغداد من قبل مخابرات النظام البعثي الذي نفذ به حكم الاعدام في صيف 1978، بعد اشهر طويلة من التعذيب رفض خلالها ببطولة الافصاح عن هويته او الاستسلام لجلاديه. ولقد ووجه اعدامه بإدانة واسعة شارك فيها فنانون وشعراء عرب كبار، الا ان كلمات المفكر الراحل هادي العلوي عبرت بحرارة عن نبل مكانة هذا الشاعر الشهيد في الضمير الوطني العراقي.
هادي العلوي يؤبن البكري
وفي مقالة في رثاء الشاعر روشن كتب العلوي: ذهب روشن في رحلته القزحية الى بغداد، كان يقول ان «هناك مكان وحيد يأويني، هو الوطن، فيقظتي هي الذكريات، وهاجس يأخذني وسط دروب المدينة. ايها الصغير الدافئ “نوروز” سوف توافيك عصافير الفجر، عد الى مدينتك، حيث المكان الواحد الوحيد للتحليق في العمق.. لقد اطلقت الطيور العنان لأجنحتها بالتحليق، تبحث عن صلتك بالقصيدة والوطن، ولما وجدتك ضمن جدران الزنزانة، مضت في عالم الصواعق، وبضربات من افئدتها جمعت صباحات الأسبوع، وقررت معايشة الصمت.. ما كان لدي شيء أطلقه في ظلام هذا العالم، وحراب الفاشيست، سوى حنجرتي، ووقفاتٍ تحدثني عن المغني التشيلي الراحل فكتور جارا. الاحتفالات قائمة على قدم وساق، شاركوا جميعا في الجريمة، هولاكو، وبيونشيت العراق، ووزراء التحالفات، وبهدوء كان دمك المراق ومفاصل جسدك المشوهة بفعل التعذيب تتحول الى مفاتيح لكشف ما هو أعظم.. لا أحد يواجه مسار التيار سوى ذلك الشاعر المتمرد وسط الفجيعة.. لا شوارع وشرفات ترفع بيارقها وتوقد فوانيسها سوى شوارع مدينتك.. لا آفاق تفتح بمواجهة نهر الدماء والهياكل العظيمة المتبقية سوى لغة النار وقبر الفاشية في مهدها.. اسمعني جيداً.. انني اقترب منك خطوة، سأحدثك ايها الصديق عن اشياء جميلة تركت بفعل تلك الرحلة اللعينة: ليلى تعبر شوارع الشياح محملة بالأزهار وبرائحة البارود تقرأ قصائدك، وتفتح نافذة منزلها كل صباح لتطل بوجهها الطفلي وعينيها الجميلتين بالوسن، وهي تردد.. حريتك ايتها المدن العربية مطوقة بالعسكر وطوابير الذبح والاستبداد العربي».
* منقـــــــول
تعرفت على الشهيد رياض لأول مرة في عام 1966. فقد كنا نذهب مع شبان آخرين الى مقهى دور السكك في منطقة الداوودي او الى قاطرات السكك في محطة الداوودي، حيث يقرأ علينا بعض قصائده وادبيات الحزب الشيوعي، وندخل أحيانا في مناقشات. بدأت علاقتنا معها تتجذر وتتعمق وتشمل جميع نواحي الحياة السياسية والادبية والفكرية. وتدريجيا بدأ بتكوين مجموعة ادبية ضمت الشاعر خلدون الموالي باسم «جماعة النشأ المعاصر» على غرار «جماعة الفكر المعاصر» التي ترأسها الشاعر محمد علي الخفاجي، قامت بنشر نصوص لأعضائها في عدد من الصحف والمجلات العراقية المعروفة، وخاصة الملحق الادبي لجريدة الجمهورية و»المنار» و «كل شيء» و»العرب» و»الشعب» و»مجلة الاجيال» و»مجلة الاذاعة والتلفزيون» و»مجلة المتفرج».
موهبة مبكرة
فقد بدأت موهبة رياض الشعرية تطلق نفسها مبكرا من خلال قصائد وخواطر اولى، راح يتلوها على الاهل والاصدقاء في الدراسة، التي سرعان ما تركها في مقتبل العمر، بسبب اعتقال الوالد مجددا، ليعمل عامل مطبعة لبعض الوقت، اذ سرعان ما تعرض هو ايضا الى السجن من قبل النظام البعثي ضمن حملة واسعة على النقابيين والمثقفين اليساريين في 1971، وقد مكث نحو عام ونصف في معتقل “قصر النهاية” تعرض خلالها الى التعذيب بسبب مشاركته في قيادة مظاهرات عمالية يسارية في بغداد وانتمائه الى الحزب الشيوعي العراقي - القيادة المركزية الذي مثل الجناح الثوري في الحركة الشيوعية العراقية، والتنظيم العمالي الاهم بعد ان انشق في 1967 عن الجناح اليميني في الحزب التابع لموسكو كليا آنذاك. وقد استشهد تحت التعذيب في خضم تلك الحملة عشرات المعتقلين، بينهم صديقه الشاعر الشعبي شعبان كريم واحمد الحلاق ومتي الهندو وهاشم الالوسي وسامي الجصاني ونوري كمال العاني وجبار محمد علي الربيعي.
وهكذا، لقد بدأنا العمل السياسي بنشاط اكبر منذ ان حسمنا انحيازنا الى صف القيادة المركزية وبعد مجيء الفاشيين في 17 تموز 1968 بأشهر. اذ قمنا معا بفعاليات عديدة، منها الخط او الكتابة على جدران مبنى معمل قرب مطار المثنى وكان معنا الرفيق سهيل الجزائري. اذ طاردتنا دورية أمن وكان الرفيق يحمل مسدس ابو البكرة وقد تراشق معهم بالنار وقد نجونا بأعجوبة. كما عملنا في اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية وكان الشهيد الشاعر رئيس اتحاد طلبة اعدادية النضال، وكان في قيادته الشهيد قيس القيسي وجمال زيا وعاطف الشيخ ومن اعضاء الاتحاد الشهيد سلام الصفار. وخرجنا في مظاهرة ضخمة تأييدا للمقاومة الفلسطينية بمناسبة معركة الكرامة في الاردن، وكانت اول معركة علنية تنتصر فيها المقاومة، وكان احد شعاراتنا «الفيكونغ والعاصفة ايد بايد متكاتفة».
العمل الفدائي
وقد دفعنا حماسنا في تأييد المقاومة الفلسطينية الى اتخاذ قرار الالتحاق بها، فذهبنا الى «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» ثم الى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وكان الشاعر الشهيد رياض البكري يعمل باسم «ابو نضال». فقد عملنا سويا في المقاومة الفلسطينية لا سيما خلال معارك ايلول 1970 اذ كنا معا في اربد حيث نشر قصيدة بعنوان «ضوء «الاناشيد» حول طفلة اسمها «حياة» (استشهدت على ارصفة اربد بعد ان احترقت ضفائر شعرها) ونشرتها مجلة الهدف العدد 104 في 12 حزيران 1971.
كما ساندني في نشاطي العمالي في اربد، لا سيما في انجاح اضراب عمال التنظيف واضرابات اخرى اثارت الاعجاب، حتى ان مجلة الهدف التي غطت تلك النشاطات نقلت عن الدكتور جورج حبش قوله لرفاقه «تعلموا كيف يعمل شيوعيو القيادة المركزية». خلال كل ذلك ظل نضال الشعب العراقي ضد الطغمة البعثية يحتل المركز الاول في اهتمام الشهيد، وكان مثالا في نكران الذات والجهادية العالية، اذ كتب في الدفاع عنه عشرات المقالات والقصائد بأسماء مستعارة منها روشن ونافل سلام وابو نصير وكوران، نشرت في مجلات فلسطينية ولبنانية ومطبوعات يسارية كثيرة من بينها مجلة «الهدف» و»الى الامام» وغيرها.
في لبنان
التحق رياض البكري بعد اطلاق سراحه بالمقاومة الفلسطينية في لبنان ونشط بشكل خاص في الكتابة في الصحف والمجلات الفلسطينية كما شارك في عدة مهمات فدائية اصيب في واحدة منها اصابة بالغة ارغمته على العودة الى العراق؛ ليتعرض الى الاعتقال مجددا حيث امضى نحو عام ونصف في معتقلي قصر النهاية والفضيلية ببغداد. وحال اطلاق سراحه، انتقل الى لبنان حيث عاش “حرب السنتين” ضمن فصيل تميّز برفضه الحرب الطائفية وقتل الناس على الهوية.
في لبنان اشتغل رياض عاملاً وصحفياً وارتبط بعلاقات صداقة مع العديد من الكتابّ والفنانين اللبنانيين. الا ان العراق ظلّ شاغله الاساسي وهمّه الاكبر. وحدثني الدكتور حسين الهنداوي انه زاره في مخيم تل الزعتر عام 1976، فبدا له عازما على تكريس كل طاقاته للنضال ضد الطغمة البعثية. وبرغم موقعه القيادي آنذاك في تنظيم القيادة المركزية للحزب الشيوعي (وحدة القاعدة)، ومكانته اللامعة عربيا ككاتب سياسي يساري في تلك المرحلة، فقد عاش الشهيد في بيروت حياة معدمة، شاركه فيها عدد من المناضلين اليساريين العراقيين المناهضين للفاشية، منهم الشهيد محسن حمادي الربيعي الذي اعدمته في 1975 ميليشيا الكتائب في حاجز “الكحالة”، والشهيد مطر لازم (ابو الفهود) الذي اغتالته في صيدا عام 1976 عصابة من “جبهة التحرير العربية” التابعة للمخابرات العراقية، والشهداء زهير كمال الدين وتحسين الشيخلي وعادل وصفي الذين اغتيلوا في بداية الثمانينات من قبل افراد ينتمون الى العصابة نفسها.
مهام نضالية في العراق
ولمواصلة الكفاح ضد النظام البعثي بشكل فعال عاد رياض البكري سراً الى العراق مرات عديدة ما بين 1976 و1977 متنكراً بأسماء مستعارة ومستخدماً جوازات سفر مزورة، الا انه وفي زيارة سريّة اخيرة، وبعد اقامة قصيرة متخفياً في كردستان، اعتقل في بغداد من قبل مخابرات النظام البعثي الذي نفذ به حكم الاعدام في صيف 1978، بعد اشهر طويلة من التعذيب رفض خلالها ببطولة الافصاح عن هويته او الاستسلام لجلاديه. ولقد ووجه اعدامه بإدانة واسعة شارك فيها فنانون وشعراء عرب كبار، الا ان كلمات المفكر الراحل هادي العلوي عبرت بحرارة عن نبل مكانة هذا الشاعر الشهيد في الضمير الوطني العراقي.
هادي العلوي يؤبن البكري
وفي مقالة في رثاء الشاعر روشن كتب العلوي: ذهب روشن في رحلته القزحية الى بغداد، كان يقول ان «هناك مكان وحيد يأويني، هو الوطن، فيقظتي هي الذكريات، وهاجس يأخذني وسط دروب المدينة. ايها الصغير الدافئ “نوروز” سوف توافيك عصافير الفجر، عد الى مدينتك، حيث المكان الواحد الوحيد للتحليق في العمق.. لقد اطلقت الطيور العنان لأجنحتها بالتحليق، تبحث عن صلتك بالقصيدة والوطن، ولما وجدتك ضمن جدران الزنزانة، مضت في عالم الصواعق، وبضربات من افئدتها جمعت صباحات الأسبوع، وقررت معايشة الصمت.. ما كان لدي شيء أطلقه في ظلام هذا العالم، وحراب الفاشيست، سوى حنجرتي، ووقفاتٍ تحدثني عن المغني التشيلي الراحل فكتور جارا. الاحتفالات قائمة على قدم وساق، شاركوا جميعا في الجريمة، هولاكو، وبيونشيت العراق، ووزراء التحالفات، وبهدوء كان دمك المراق ومفاصل جسدك المشوهة بفعل التعذيب تتحول الى مفاتيح لكشف ما هو أعظم.. لا أحد يواجه مسار التيار سوى ذلك الشاعر المتمرد وسط الفجيعة.. لا شوارع وشرفات ترفع بيارقها وتوقد فوانيسها سوى شوارع مدينتك.. لا آفاق تفتح بمواجهة نهر الدماء والهياكل العظيمة المتبقية سوى لغة النار وقبر الفاشية في مهدها.. اسمعني جيداً.. انني اقترب منك خطوة، سأحدثك ايها الصديق عن اشياء جميلة تركت بفعل تلك الرحلة اللعينة: ليلى تعبر شوارع الشياح محملة بالأزهار وبرائحة البارود تقرأ قصائدك، وتفتح نافذة منزلها كل صباح لتطل بوجهها الطفلي وعينيها الجميلتين بالوسن، وهي تردد.. حريتك ايتها المدن العربية مطوقة بالعسكر وطوابير الذبح والاستبداد العربي».
* منقـــــــول