بدا وجه الطفل من تحت عباءة الأم باهتا، عيناه غائرتان، كأن المرض التهم جميع خلايا جسده ، تارة يصدر عنه بكاء هزيل و تارة تتمكن الام من تهدئته بثدييها اللذين لا يدران أي حليب.
في الصيدلية الممتلئة بالنسوة و الرجال الواقفين بدون انتظام و أمام طاولة طويلة تفصلهم عن جوف المحل، كانت تنتظر بين جمع...
عندما أحسستَ أن الحياة لا تطاق بلا أحلام، بداتَ حياتك بأحلام الطفولة ثم الصبا، و كانت أحلامك تكبر معك، تتعقد و تتداخل، بدءاً من لمسة يد، ثم قبلة حب بريئة لبنت الجيران، إلى أن وصلت إلى احلام أكبر، بحيث يلم شملكما انتَ و حبيبتكَ و أن يكون لكما بيت في حديقة صغيرة لتعيشا فيه بأمان، ثم غدت أحلامك...
حاولَ أن يُطرد كل الأفكار السوداء و الذكريات المزعجة من رأسه، أملا بنوم هادىء، بعد إنقضاء يومه المشحون بالخوف. قلب عدة مرات كل الذكريات التي مازالت عالقة في ذهنه، لكي يستخلص منها لحظة سعيدة و ينسج منها حلما جميلا، لكن لم يستخلص منها غير صور القتل و التعذيب و الجوع و الهروب، حتى فقد الأمل، إتجه...
فتحتْ باب الخزانة، اخرجتْ ثوب النوم البنفسجي ولفت به قدها الممشوق. وضعت ادوات الزینة علی طاولة المرآة وجلست امامها. وضعت الاحمر علی خدودها فزادتهما حمرة، لونت شفتیها بالوردي، بعثرت خصلات شعرها علی کتفیها، وامام المرآة التفت حول نفسها ونظرت الی جسدها من کل اتجاه، وبعد ان اطمأنت الی انها لم تغفل...
سوف أحرقها
سوف أحرقها كلها
لن أبقي على شيء منها، ولأبقَ بلا ذاكرة، بلا ذكريات، بلا تاريخ. لسوف ألقي عليها النظرة الأخيرة واحدة بعد أخرى ثم أطعمها للنار، أؤجج بها اللهب، أجعله يتراقص. يجنّ، ولسوف أدخل بها الدفء الى جسدي البارد، في هذا الهزيع المتأخر من ليل الخريف، في هذا الخريف من العمر. سأقيم من...
كنت حاضرا في الصف بجسدي فقط، لكن خيالي كان يحلّق بي من عالمٍ مليء بالصور الجميلة الى عالم آخر، يسرقني من دنياي المظلمة الى دنيا من السعادة، لم أكن أشعر بالدرس وصياح المعلم ولا أشعر بأنني في الصف، حانت مني نظرة الى "شيمو" الذي يجلس أمامي بثلاثة صفوف، تذكرت ما قام به قبل بضعة أيام عندما أخذ يسير...
كانت لي يدان، كانتا جميلتين صغيرتين ناعمتين. لم استخدمهما يوماً في عملٍ شاق، فأنا الأخ الأصغر، أنا مدلل أمي وأبي وأخوتي وأخواتي. لم يكن أبي يصطحبني الى البستان أو يكلفني بعمل ما، وإذا ما حدث وأخذني معه فلأجل المتعة واللهو، فهناك أيضاً لم أكن افعل شيئاً غير اللعب. كنت أقضي أيامي في مدرسة القرية...
لم يستطع في تلك الليلة النوم لفرط سعادته، ولم یکن یصدق متی سیطلع النهار لكي يخرج بطابته، التي جلبها له اخوه ذلك المساء، الی بیادر القریة ویلعب بها مع رفاقه کرة القدم.
في منامه، کان یمرر الطابة بقدمیه الصغیرتین بین اقدام الاطفال ویصل بها حتی یدخلها الهدف، کان القرویون جمیعهم، رجالا ًونساءاً،...
يمر الليل ثقيلا، عيناها اللتان تنتظران مجيئه تتعبان، تتألمان، لكنهما لا تنطبقان، تطفو جل الافكارو التخمينات في ذهنها، اكثرها تشاؤما، و بعدها المتفائلة تحل محلها" لم يفعلها قبلا، في المرات السابقة كان عندما يخرج من القرية، يعود قبل مغيب الشمس، اليوم استيقظ باكرا، كان متجهما كأنه رأى حلما مزعجا،...
لم تبقَ غير مائة خطوة كي يصل الى مقصده. أفكاره تتضارب وتذهب كل مذهب، ثم تثبت أنظاره باتجاه واحد وتشرع قدماه الخفيفتان مثل السنجاب باجتياز تلكم الخطوات المائة، وتدنوان من باب البناية التي يجتمعون فيها، كان قد هيأ كل شيء في ذهنه، واختار كلماته كلها، وتدرب عشرات المرات على طريقة تقديمها؛ فاليوم هو...