بعد أن شيعنا شيخا كبيرا نجلّه ونحترمه، ورششنا الماء على تراب قبره، كنتُ أفكر بشكل القلادة التي سأهديها لمَنْ كنتُ طيلةَ الطريق أتأمل صورتها، لم تكن تعرف أنها جميلة، لكنها تنافس ملائكة الجمال ببهائها، وحين توقفت السيارة إيابا، نزلتُ ومشاعري مختلطة بين حزنٍ على فقيدٍ ونشوةِ حبٍّ تتقد بداخلي مثل...
لستُ محللا أو ناقدا أو شارحا لفحوى الكتاب، ولكنني أقرؤ نفسي في السطور، لأخرج من عالمي الخاص إلى عوالم الجمع، مشاكسا الذاكرة الجمعية لجيل من المواويل الحزينة، والماضي المبهم لأرقام سنين عاث بها التشتت وفبركها الحصار والموت والتشظي في ظل شجرة التغيرات السريعة والانقلابات الفكرية والقِيَمية...
يرقع ملابسه بقماش من ألوان لا تتوافق مع بعضها البعض، ليبدو كمسيرة لعيد الألوان في الهند، عابرٌ أبله، يمر على المنشغلين بالحياة مرور مستهزئ ساخر، ليس له في الجد غير وقت النوم، فهو من الأوقات المقدسة بالنسبة إليه، يتشاجر مع الأرصفة ويدعك برجله أوراق الشجر الميتة، ثم يلومها على انفصالها عن الأغصان،...
دخل قاعة الدرس بهدوء وأغلق الباب من دون صوت، كان الطلبة يتقاذفون بكُراتِ ورقٍ مليءٍ بكتابات دروس أخرى، ولكنهم كّفوا عن إثارة الفوضى وجلس كلٌّ في مقعده، ثم شخصت أبصارهم إلى الأستاذ الذي بدا كأنه يفككّ قنبلة موقوتة وهو يفتش حقيبته الدبلوماسية ليخرج مستلزمات التدريس، ثم أخرج كتابًا أسود ووضعه على...
كثير من المشككين يرون أن العلوم قادرةٌ على حلّ المشكلات جميعها، فالحياة _من وجهة نظرهم_ ليست إلا مجموعة من القوانين الكيمياوية، ويفسرون الظواهر كلها على أساس السبب والنتيجة، ويرون أن الوجود برمته ليس له غاية، وبالنهاية سوف ينتهي عالمنا ويزول عندما تنتهي طاقة الشمس، فوجودنا من دون هدف، كما...
تردد قبل أن يقول وداعًا، ثم لفظها بهمسٍ وهو يدير وجهه مبتعدًا عنها، بقيَتْ صامتةً لا تعرف ما تقول أو تفعل، فلم يدم اللقاء سوى دقائق معدودات، ذكّرها بأخطائها التي تسببت بحبسه وبتر إحدى رجليه، وروى لها - باختزال - كيف هرب من (سجن نقرة السلمان) بعد أن وشت بهِ تزلفًا للنظام وختم كلامه بجملة قصيرة...
قد يكون الضياع صورة أخرى للاستدلال على الطريق، فالدليل (الرجل الذي كان يرشد التائهين في الصحراء قديما) قد مارس الضياع بشكل متكرر حتى أمسى عارفا بطرق البرية وطعم رمال واتجاهات الرياح. وأعني أن التجارب والنظر من الجهات جميعها للشيء الواحد، تعطي نتائج أكثر وضوحا ومعرفة.
أما أصدقاؤنا في المجالس...
تنبلج قصص أمير ناظم بجمالية لغتها القصصية مثل الوان زاهية في لوحة زيتية رسمها فنانها بعشق ومهارة، فكانت القصص تحتوي على اسئلة خلف لغتها منها المخفية بين ثنايا الكلمات وخلف السطور، ومنها المعلنة على لسان مخلوقاته القصصية، في تباين بين الفلسفة الوجودية والمادية وبين قيم الدين وتقاليد المجتمع،...
يركضانِ بخطًى متباعدة وتتعثر القدم بالأخرى، وبالكاد يسقطان، فيتمسك أحدهم بالآخر ليواصلا الهروب من الأصوات المرعبة التي تلاحقهما، صراخ مستمر وعلى وتيرة واحدة منذ الفجر، لا يقويان على النظر إلى الخلف، ويعلمان أن الالتفات إلى الوراء يعني الموت، إذ إن المخلوقات الكبيرة ذات الأشكال الهلامية الناتئة...
عندما يسألُ أديبٌ عن الكتابة والفن الذي تتسرب من خلاله النصوص، فإنه _ غالبًا _ لن يجد جوابًا منفصلًا عن (الحديث عن الذات/ النفس) ، لأن كلَّ ما يُكتبُه ما هو إلا عصارة خبراته في الحياة.
وبحكم تفاعله مع بيئته (الاجتماعية و الاقتصادية) تتكوّن لديه انطباعات عن العالم وتساؤلات عن الوجود، فيجمع أفكار...
كفراشة تتطاير جاءت تهمس للنسمات، أحبه. لم ترتدِ ثوبا طويلا، بل قصيرا كأيام الشتاء، يشد خصرها خيط بنّيٌّ مخالفا لون حذائها البيضاء، غزالة طرية لا تعرف غير الابتسامة، حتى وقعت بين يدي قاتل مأجور، أول عملية إجرامية ارتكبها هي أن قتل أحلامه و وأد أمنيته البكر "الحب" ثم عمد لصوته فعقد أوتاره.
التقت...
بعد أن كان هائمًا بنغمات الناي في منطقة بعيدةٍ غربيّ العراق، حيث السهول الصالحة للرعي وسراحة المواشي؛ افترش "أرسلان" أرضًا مستوية وجلس متربعًا وهو ينفض التراب من على نايه السحري القديم، وبينما كان مستأنسًا بتأمل لون قصبته الصفراء المصنوعة من نبتة القاميل في أراضي القوقاز؛ حاول رفيقه همّام أن...
هنا، هنا حيث أقف في حديقة البيت، وحيدًا، أدخن سيجارتي الألف، انتهى فصل الشتاء، بقايا من البرد الدافئ يلامس جلدي كحرير مبخّر.
قبل قليل عدتُ من العمل و تناولتُ أطيب وجبة غداء من يديّ أمي، بيضٌ وطماطم مقلية. شارفت الساعة على الخامسة عصرًا، وكما قلتُ، وحيدا أستنشق الدخان وأحسّ به يملأ صدري بحرارته...