كرمكول ليست مجرد أرض بعيدة عند منحني بحر النيل ، أرض لم تعد الباخرة تزورها لتفرغ حمولتها عند الدومة ، هي رحم خصب نابض بالحياة أنجب رجل كتب حيواتنا وإنفعالاتنا وترهاتنا وطقسنا المتمرد وأحلامنا الصغيرة ، وتلك التي ندفنها في صدورنا فتموت معنا وتقبر تحت ثري النسيان ، وكيف نري العالم...
إنها قرانا في ذاك الريف البعيد ذات ظهيرة مستحرة ، الشتاء يترك قبعته عند الباب ويرحل براس حليق عاري ، فيعتمرها الصيف فيبدو كجندي روسي ثمل هرب من الخدمة العسكرية ، يرسل الشتائم نحو القاطرات التي تنهب الطريق الحديدية يتبول علي رصيف حجري يشعر بحرقة بوله في رأسه ، الصيف في قرانا له طعم الزمهرير...
النساء في هذا الشارع كن يتغوطن ذعرا تحت ضربات ولكمات رجال الدرك ، كانوا يداهمونهن ليلا في قوة من المركز عليها ضابط برتبة عقيد ، ووكيل نيابة يحمل مكبر صوت لإضفاء شرعية مزيفة ، وبعض جنود لا يتعدون العشرة . كانوا يستقلون عربة كومر يعمدون علي إبقائها بعيدا عن الشارع عند المنعطف ، ينزلون مسرعين...