مجيدة محمدي

أنا التي تلهث خلف الضوء، كلما لامستُ أطرافه، انكسرَ في كفِّي، كقطرةِ ماءٍ ترتجفُ فوق جمرة. مجرجرتي، حقيقتي ، ظلٌّ على جدارٍ من دخان، كلما اقتربتُ، انكمشت، تلوّتْ كأفعى، تلاشت كسرابٍ، وأنا أجري وأجري وأجري، كمن يلاحقُ ملامحه في مرآةٍ مشروخة. ليست كائناً، ليست معنى، ليست يقيناً، بل وهْمٌ ذكيٌّ،...
كغصن إنفصل عن جذعه ، إستلقى مثل فكرةٍ لم تكتمل، نصف عمرٍ مضى، نصف نومٍ آت، ولا شيء يكتمل إلا الفقد. الرُّوحُ كَمِزلاجِ نافذةٍ صَدِئ، تَتَأرْجَحُ بينَ ماضٍ يَنْحَسِرُ كمدٍّ بَعيد، ومُسْتَقْبَلٍ يَتَكَسَّرُ كالأمْوَاجِ عَلى ضِفَّةِ الأَمَلِ المُنْكَمِش. أَيُّ نِصْفٍ يَتَوَحَّدُ في هَذَا...
الخطوة الأولى، انزلاق في الفراغ. لا وزن. لا صوت. نقطة صغيرة في العدم تتمدد مثل وهمٍ قرر أن يكون. و الهواء يختنق من ثقل الاحتمالات. هل هذه بداية؟ أم صدى شيء بدأ منذ الأزل؟ الخطوة الثانية، الشوارع بلا ملامح، الأحذية بلا ذاكرة، والإسفلت يشبه جلداً بشرياً نام طويلاً تحت الشمس. أضواء إشارات...
باردةٌ جدًّا خطى الأسفلت، كأنها تُخبرُ المارين أنّ الليل ليس سوى وشاحٍ من البرد والصمت، يُطوّق خطواتَ العابرين. في الزقاق المهجور، أقدامُ رجلٍ تتردد، خفيفة كأنها تخشى أن تُوقظَ الحجارةَ من سباتِها الطويل. عيناه تبحثان عن وجهٍ غريب، عن دفءٍ غائب، عن أملٍ دفنته الأمطارُ تحت الأرصفة. في البعيد،...
كراقصٍ على أوتار العدم يدعوني بنداءٍ خافت أشبه بترنيمة حلمٍ يُحتضر وأنا، المُتعطشة لليقين أركض خلف ظله الذي لا ظل له في كل خطوةٍ، يزداد البُعد قُربًا والقربُ يتبدد في غبارِ الخداع رمالٌ تتراقصُ حول قدمي، تعزف لحن التيه والشمسُ فوق رأسي تُغني أغنية الاحتراق أيها السراب، أأنت ماءٌ يختبئ في قلب...
المسمار، قلبٌ حديديّ، نبضُهُ ثِقَلُ المطرقة، وروحه ظلٌّ مشروخٌ على سندان ليس له خيار، هو فقط هناك. صلبٌ كقدرٍ قديمٍ لا يفنى، هشٌّ كنداءٍ مكتومٍ في حنجرة الجدران. المطرقة تُنزل حكمها، صفعةٌ تلو أخرى، لا تسأل، لا تُصغي، تدّعي أنها تُنقذه من صدأ الخمود. والمسمار يئن بصمتٍ، يطارد فكرة النجاة في...
تشبهني قصائدي... مثل ظلٍّ أعمى يتعثر في ممرات الذاكرة، كأنني أكتبها وهي تكتبني، تُحاورني الأبيات، تُمارس طقوسها في صمتٍ مُريب، كأرواحٍ خرجت من نافذة الحلم لتتسكع في أزقة اللغة. كل كلمة مصيدة، كل فاصلة حفرة في طريق لا ينتهي. تشبهني قصائدي، حين أنثرها على بياض الورق كغيمٍ شارد يبحث عن موطئ ماء،...
الحياةُ، يا غريبَ الروح، ليست خطًا مستقيمًا، إنها قوسٌ مشدودٌ فوق هاوية، مشهدٌ غائمٌ في مرآةٍ متشققة. تلك التي نتعلَّق بها كمن يتشبّثُ بأطرافِ الدخان، هي المعنى الذي يتكسرُ في أفواهنا، والمجهولُ الذي يركضُ نحوَنا بخطىً صامتة. الحياةُ شجرةٌ مقلوبة، جذورها في السماء، وأغصانُها تُغرِّقنا في وحلِ...
أورثني أبي، ساعة حائط لا تعرف الوقت، عقاربها تدور للخلف أحيانًا، لتعيد لي لحظات لم أطلب استعادتها، وأحيانًا تتوقف تمامًا، لأسمع صمتًا يُشبه النسيان. أورثني كومة أحلام مستعملة، بعضها مُمزق الأطراف، وبعضها يحمل رائحة مطر لم يهطل بعد، وقال لي: "هذه لك، جربي أن تحلميها." أورثني بابًا قديمًا، قال...

هذا الملف

نصوص
9
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى