على فترة من غياب
وعن غير مَوْعِدَة يتسلل في ظلمة القبر ،
وهو يقدم في حذر قدما ويؤخر أخرى
تقود خطاه ، وقد وهن العظم منه عصا يتوكأ حينا عليها
وحينا يهش بها عن قصيدته ما يلاحقها من كلاب
ويخفي وراء الذي يتهرَّأ عن جلده من ثياب
شريطا من الذكريات التي أكل النمل ما شاء من لحمها
وأهال على ما تَبقَّى...
على شفة الجرح يغفو
فتغفو الضمادات
وهي تُغالب بالقطن والشاش وخز الألم
وتغفو العيون التي منذ عمر مضى لم تنم
وتستيقظ الأغنيات
لتنكأ أوتاره وهو في سكرات النغم
فيئن القلم ..
حبره في الهزيع الأخير من الجرح دمع ودم
وأوراقه من شظايا القلوب التي جرحها ما التأم
ليس يؤنس وحشته في نشيج الكمان
غير تنهيدة...
الليل أول ما أرى مني، إذا أغمضتُ عيني
ظلمة صماء، تحفر في الهواء سريرها
وتنام ما بيني وبيني
الليل ظلمته محايدة فما هو بالعدو
أو الصديق ،
ثقيلة وخفيفة وشفيفة كالظل
أدخله وأخرج منه أنى شئت
الليل كابوسي الأنيق
يكفي إذا ناديت في وضح النهار عليه
ينتشر الظلام
الليل لي وحدي وليس له...
هل كنت تعلم أن سيفك قد نبا
أو أن جرحك قد خبا
أو كنت تعلم أن قلبك فر عنك مغاضبا
أو أن تاريخ الرجولة قد أتاك معاتبا
فلمن تموت؟
وقد سقطت قبيل موتك متعبا
ولمن تغني ؟
والمواويل التي ولدت على الخازوق
جاءت ثيِّبا
فإليك عني ..
إني أعيذك أن تغني ..
فالغناء المستلب
لا يشعل الدم في العروق
ولا يسد عليك...
سيبقى لديَّ
إذا ما أويت إليَّ
قليل من الليل في آخر الليل
يذرف عتمته ، دمعة دمعة فوق خد السهر
ونافذة نصف موصدة في القصيدة مسكونة بالصور
وأغنية تخدش الريح أوتارها
فتحط على الشيش متعبة ،
وهي تنزف جرح الكمان على عتبات السحر
وطيف سماء وراء الغيوم
تغرغر فيها النجوم
يلوح ويخبو
ونصف قمر
يقوم ويكبو...