سحبان السواح - عنِ الجِنْسِ والكتابةِ فيهِ، مرَّةً أُخْرَى

يظلُّ هاجِسُ الجِنْسِ المُعْلَنِ، والمُباحِ، والمكتوبِ بلغةٍ فيها فُحْشٌ - كما يُسَمِّيها بعضُ قُرَّائِنا-، يُلاحِقُنا عَبْرَ البريدِ الإلكترونِيِّ، وعَبْرَ الهاتفِ في محادثاتٍ تأتي مصادفةً، حينَ نسألُ عنْ رأيِ المُتَّصِلِ بِالموقعِ. رَغْمَ أَنَّ عدداً كثيراً منهُمْ يُعطينَا تبريراً لِما نكتُبُهُ، أوْ ننقلُهُ مِنْ كُتُبِ التُّراثِ؛ مُعتمدينَ في تبريراتِهِمْ هذهِ على ما نُعلنُهُ بينَ الفَيْنَةِ والأُخرى مِنْ موقِفِنَا مِنَ الحديثِ الصَّريحِ في الأمورِ الجنسيَّةِ؛ أُسوةً بِسَلَفْنَا المْتَمَدِّنِ، لا بخَلَفِنَا الحاضرِ المُتُخَلِّفِ، وَإِنَّ ما ننقلُهُ مِنْ كُتُبِ التُّراثِ، أو نكتبُهُ بِقلمِنَا، ما هُوَ إِلا موقِفٌ اجتماعيٌّ مِنَ السُّلطةِ الدِّينيَّةِ الرَّجعيَّةِ المُتَخَلِّفَةِ.
ولَكِنَّ البعضَ الآخَرَ لا يُعطِي مِثْلَ هذا التَّبريرِ، ويُعلِنُ مِنْ خِلالِ تعليقاتٍ وَقِحَةٍ وجائِرَةٍ - وبخاصَّةٍ على مقالاتِي -، إِنَّ ما أكتُبُهُ شيءٌ مُسِيْءٌ لِلقارئِ، وإِنَّ الحديثَ في الجنسِ يجبُ أَنْ يظلَّ داخلَ الغُرَفِ المُغلَقَةِ.!.
أُلامُ أنا شخصيّاً مِنْ أَقْرَبِ المُقَرَّبينَ إِليَّ، بِأَنِّي أتجاوزُ حُدودِي، وأَنَّ شخصاً في مركزِي يجبُ أَنْ يكونَ حريصاً على مركزِهِ الاجتماعيِّ.!. فماذا يعني "مركزٌ اجتماعيٌّ" ؟، وكيفَ يتعاملُ أصحابُ المراكزِ الاجتماعيَّةِ بشكلٍ عامٍّ معَ موضوعٍ كهذا في جَلْساتِهُمُ الخاصَّةِ ؟؛ وإذا اتَّفَقْنَا في العُمومِ، أَنَّ أصحابَ المراكزِ الاجتماعيَّةِ، مع استثناءاتٍ قليلةٍ - وأنا واحدٌ مِنْ هذه الاستثناءاتِ -، هُمْ مَنْ يملكُونَ المالَ، وتتصَدَّرُ صُوَرُهُمُ المَجلاتِ الاجتماعيَّةَ؛ وهُمْ يرتدُون آَخِرَ صَرْعاتِ المُوضة، نساؤُهُمْ ورِجالُهُمْ، ويحتفلونَ بأعيادِ ميلادِهِمْ، وخُطبةِ أبنائِهِمْ وزواجِهِمْ، ولا يتركُونَ مُناسبةً تافهةً إلا ويخترعُونَ لَها احتفالاً في الأماكنِ العامَّةِ؛ وهُمْ بذلِكَ مَصْدَرُ رِزْقٍ مُهِمٍّ لِلمَجلاتِ الَّتي استَشْرَتْ كالسَّرَطانِ، لِتنشُرُ صُوَرَ لِقاءاتِهِمْ وحَفلاتِهِمْ؛ وهُمْ بِأزيائِهُمُ المَكشوفةُ، والمُثيرةُ بـ"الصُّورةِ"، أكثرُ إثارةً مِنْ أَي "كلامٍ" آخرَ في الجِنْسِ.َ!.؟.
تُرَى ما الَّذي يحصَلُ في تلكَ الأجواءِ المُخْمَلِيَّةِ ؟، وما هِيَ الأحاديثُ الَّتي تدورُ حولَ الطَّاولاتِ هَمْساً، أوْ بِشَكْلٍ مُعْلَنٍ ؟؛ في تجمُّعاتِ الرِّجالِ، وتَجمُّعَاتِ النِّساءِ.؟. ما هيَ طبيعةُ تلكَ الأحاديثِ.؟، وبِأَيَّةِ ألفاظٍ تَتِمُّ.؟. في تَصَوُّرِي - معترفاً أَنَّني لمْ أَكُنْ في مِثْلِ تلكَ التَّجمُّعاتِ سوى مَرَّاتٍ قليلةٍ، مَدْعُوّاً بِصِفَتِي المِهَنِيَّةِ، لا بِصِفَتِي الاجتماعيَّةِ -؛ إِنَّ أَمْتَعَ الأحاديثِ الَّتي تدورُ في هذهِ الاجتماعاتِ، هِيَ أحاديثُ الجِنْسِ.!.، والأحاديثُ الَّتي تحملُ فُجُوراً أكثرَ مِنْ أَيَّةِ كِتاباتٍ نَشَرْتُها، أو كَتَبْتُها على هذا الموقعِ "ألف"، وهَؤُلاءِ الَّذينَ يتحدَّثُونَ في الغُرَفِ المُغْلَقَةِ، أَوِ حولَ الطَّاوِلاتِ المُغْلَقَةِ في الأماكنِ العامَّةِ والخاصَّةِ، هُمْ مَنْ ينتقِدُونَ ما أكتُبُ، وما أنشرُ مُسَوِّغِينَ ذلكَ بِأَنَّ أحاديثَهُمْ تَخُصُّهُمْ، ولا تنتقِلُ إلى أولادِهِمْ وبناتِهِمْ، وأَنَّ أولادَهُمْ وبناتِهِمْ أكثرُ براءةً مِنْ تَحَمُّلِ مِثْلِ هذهِ الكتاباتِ.!.
أتذكَّرُ أوَّلَ مَرَّةٍ سمِعْتُ فيها بِـ" رُجُوعِ الشَّيْخِ إِلى صِبَاهُ"؛ كنْتُ في الصَّفِّ السَّادسِ الابتدائيِّ، ولَنْ أكونَ مُزاوِداً إِذا قلْتُ إِنَّني تَرَبَّيْتٌ في بيتٍ أتاحَ لِيَ الاختِلاطَ بِالجِنْسِ الآَخَرِ، ولَمْ تَكُنِ المرأةُ حُلْماً يُراوِدُنِي في الخَيالِ مُنْذُ طُفولَتِي، ومَعَ ذلكَ كُنَّا حينَ نتبادلُ الأحاديثَ حولَ " رُجوعِ الشَّيخِ إِلى صِبَاهُ "، كانَتْ أحلامِي تذهبُ بعيداً؛ وأطلُبُ مِمَّنْ يُحَدِّثُنِي عنهُ، أَنْ يُحْضِرَ لِيَ نُسْخَةً منهُ، ولكِنَّ العُمْرَ مضَى، ولَمْ أقرَأْ نُسْخَةً؛ إِلا بعدَ أَنْ بدأْتُ أعملُ على الـ"نِّتْ"، وأَسْتَكْشِفُ عوالِمَ ما كُنْتُ أحلُمُ بِاكتشافِها، مِنْها: " الرَّوضُ العاطِرُ "، و " رُجوعُ الشَّيخِ إلى صِبَاه.".
بِالتَّأكيدِ لمْ أَسُقْ هذِهِ الحادثةَ اعْتِباطاً، وَإِنَّمَا لأقولَ: إِنَّ المُراهِقَ يَحْمِلُ في جِيناتِهِ الحُلْمَ بِالجِنْسِ الآَخَرِ، مُنْذُ تَفَتُّحِ وَعْيِهِ الأَوَّلِ؛ وإنَّ مُحاولَةَ المُجتمعِ والأهلِ ِكَبْحَ هذا الحُلْمِ، ما هيَ إِلا وَهْمٌ كبيرٌ يذهبُ بِهِمْ إِلى الظَّنِّ بأَنَّهُمْ بِذلكَ يُبْعِدُونَ أولادَهُمْ عنِ التَّفكيرِ فيهِ.!. ولَكِنَّ الحقيقةَ هيَ أَنَّ الجِنْسَ يُلازِمُ المُرَاهِقَ، أوِ المُراهِقَةَ، مُنْذُ تَشَكُّلِ وَعْيِهِما، بَلْ وقبلَ ذلكَ. هناكَ نظريَّاتٌ تقولُ إِنَّ هذا التَّشَكُّلَ يبدأُ أثناءَ مرحلةِ الرِّضاعةِ.
لِهذا أقولُ لِهَؤُلاءِ الحَريصينَ على أبنائِهُمُ المُراهقينَ، وبناتِهُمُ المُراهقاتِ: إِنَّ الكلامَ المكتوبَ بِلُغةٍ عربيَّةٍ فصيحةٍ، وبجُملةٍ مُتماسِكَةٍ مُترابطَةٍ وجَزْلَةٍ، قَدْ تُُفِيْدُ قِراءَتُها في تحسينِ المُستوى الُّلغويِّ لدى مَنْ يقرؤُنَها رَغْبَةُ في مضمونِهَا؛ فتجودُ عليهِ بِدُرُرِها، وتُغْدِقُ عليهِ مِنْ ثَمَراتِها، وتَسْمُو به بِجَمالِها؛ فيغدُو بِفَضْلِها كاتباً أو شاعراً فيما بَعْدُ.
أستغربُ مِنْ هَؤُلاءِ الَّذينَ يخافونَ مِنْ اقترابِ أبنائِهِمْ مِنَ الجِنْسِ الآَخَرِ مُبَكِّراً.!. رَغْمَ مُعاناتِهِمْ في مُراهقتِهِمْ هُمْ مِنْ ذلكَ المَنْعِ، وتأثيرِ تلكِ المُعاناةِ في الكِبَرِ، فَهُمْ يعودُونَ لِلمُراهقةِ غالباً مًرَّةُ أُخرى، في سِنٍّ متأخرةٍ؛ لِيعيشُوا عوالِمَها الجميلةَ مِنْ جديدٍ.!.
أَلَيسَتْ أحاديثُهُمُ السِّرِّيَّةُ في اجتماعاتِهُمُ المُغلَقَةِ نوعاً مِنَ العَوْدَةِ إلى المُراهَقَةِ.؟. أَلَيْسَ اسْتخدامُهُمْ ألفاظاً فاحِشَةً في أَسِرَّتِهُمُ الزَّوجِيَّةِ، أَوْ غَيْرِ الزَّوجِيَّةِ، شكلاً مِنْ أشكالِ البحثِ عَنْ ذاكرةٍ لمْ يعرفُوها مِنْ قَبْلُ.؟.
لِنَتَّفِقْ إِذَنْ. - وهذا لَنْ يحصلَ لِلأسَفِ -، إنَّنا بِقَدْرِ ما نُبْعِدُ أبناءَنا المُراهقينَ عَنِ الدُّخولِ المُبْكِرِ في عالَمِ الجِنْسِ، بِقَدْرِ ما نُحَوِّلُهُمْ إِلى أَشْبَاهٍ لَنَا.
وَلَكِنَّ المُفاجأةَ أَنَّ هذا الجيلَ لمْ يستسلِمْ، ولَمْ يقبَلْ سَطْوَةَ الأهلِ في هذا الموضوعِ، وابتعدَ لِيعيشَ عالَمَهُ الجِنْسِيَّ الخاصَّ؛ ولَهُ الحَقُّ في ذلكَ، فهذا الجيلُ - على الأقلِّ - لَنْ يحمِلَ عُقَدَ الجيلِ الَّذي سَبَقَهُ، والَّذي سَبَقَهُ، والَّذي سَبَقَهُ....!؟.
........................................


* عن الف لحرية الكشف في الكتابة والانسان

صورة مفقودة
 
أعلى