نقوس المهدي
كاتب
وفي الليلة الخامسة عشرة بعد الثمانمائة قالت: ومما يحكى أيها الملك السعيد أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان رجلٌ تاجرٌ بالديار المصرية يسمى تاج الدين وكان من أكابر التجار ومن الأمناء الأحرار إلا أنه كان مولعاً بالسفر إلى جميع الأقطار ويحب السير في البراري والقفار والسهول والأوعار وجزائر البحار في طلب الدرهم والدينار وكان له عبيد ومماليك وخدم وجوار وطالما ركب الأخطار وقاسى في السفر ما يشيب الأطفال الصغار وكان أكثر التجار في ذلك الزمان مالاً وأحسنهم مقالاً صاحب خيولٍ وبغالٍ وبخاتي وجمالٍ وغرائزٍ وأدغالٍ وبضائعٍ وأموالٍ وأقمشةٍ عديمة المثال من شدودٍ حمصيةٍ وثيابٍ بعلبكيةٍ ومقاطعٍ سندسيةٍ، وثيابٍ مرزيةٍ وتفاصيلٍ هنديةٍ وأزرارٍ بغداديةٍ وبرانسٍ مغربيةٍ ومماليكٍ تركيةٍ وخدمٍ حبشيةٍ وجوارٍ روميةٍ وغلمانٍ مصريةٍ وكانت غرائر أحماله من الحرير لأنه كان كثير الأموال بديع الجمال مائس الأعطاف شهي الانعطاف وكان لذلك التاجر ولدٌ ذكر يسمى على نور الدين كأنه البدر إذا بدر ليلة أربعة عشر بديع الحسن والجمال ظريف القد والاعتدال فجلس ذلك الصبي يوماً من الأيام في دكان والده على جري عادته للبيع والشراء والأخذ والعطاء وقد دارت حوله أولاده التجار فصار هو بينهم كأنه القمر بين النجوم بجبين أزهرٍ وخدٍ أحمرٍ وعذارٍ أخضرٍ وجسمٍ كالمرمر كما قال فيه الشاعر:
قلت قولاً باخـتـصـار = كل ما فـيك مـلـيح
ومليح قال صـفـنـي = أنت في الوصف فصيح
فعزمه أولاد التجار وقالوا له: يا سيدي نور الدين نشتهي في هذا اليوم أننا نتفرج نحن وإياك في البستان الفلاني فقال لهم: حتى أشاور والدي فإني لا أقدر أن أروح إلا بإجازته فبينما هم في الكلام وإذا بوالده تاج الدين قد أتى فنظر إليه وقال: يا أبي إن أولاد التجار قد عزموني لأجل أن أتفرج أنا وإياهم في البستان الفلاني فهل تأذن لي في ذلك؟ فقال له: نعم يا ولدي ثم أنه أعطاه شيئاً من المال وقال: توجه معهم فركب أولاد التجار حميراً وبغالاً وركب نور الدين بغلة وسار معهم إلى بستان فيه بجميع ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وهو مشيد الأركان رفيع البنيان له بابٌ مقنطرٌ كأنه إيوان وبابٌ سماويٌ يشبه أبواب الجنان وبوابه اسمه رضوان وفوقه مائة مكعبٍ عنبٍ من سائر الألوان الأحمر كأنه مرجان والأسود كأنه أنوف السودان والأبيض كأنه بيض الحمام وفيه الخوخ والرمان والكمثري والبرقوق والتفاح كل هذه الأنواع مختلفة الألوان صنوان وغير صنوان.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
.
Alfons MUCHA (1860-1939) Woman with a Burning Candle
قلت قولاً باخـتـصـار = كل ما فـيك مـلـيح
ومليح قال صـفـنـي = أنت في الوصف فصيح
فعزمه أولاد التجار وقالوا له: يا سيدي نور الدين نشتهي في هذا اليوم أننا نتفرج نحن وإياك في البستان الفلاني فقال لهم: حتى أشاور والدي فإني لا أقدر أن أروح إلا بإجازته فبينما هم في الكلام وإذا بوالده تاج الدين قد أتى فنظر إليه وقال: يا أبي إن أولاد التجار قد عزموني لأجل أن أتفرج أنا وإياهم في البستان الفلاني فهل تأذن لي في ذلك؟ فقال له: نعم يا ولدي ثم أنه أعطاه شيئاً من المال وقال: توجه معهم فركب أولاد التجار حميراً وبغالاً وركب نور الدين بغلة وسار معهم إلى بستان فيه بجميع ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وهو مشيد الأركان رفيع البنيان له بابٌ مقنطرٌ كأنه إيوان وبابٌ سماويٌ يشبه أبواب الجنان وبوابه اسمه رضوان وفوقه مائة مكعبٍ عنبٍ من سائر الألوان الأحمر كأنه مرجان والأسود كأنه أنوف السودان والأبيض كأنه بيض الحمام وفيه الخوخ والرمان والكمثري والبرقوق والتفاح كل هذه الأنواع مختلفة الألوان صنوان وغير صنوان.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
.
Alfons MUCHA (1860-1939) Woman with a Burning Candle
صورة مفقودة