فريد العليبي - أبو حامد الغزالي والمرأة

مازالت مسألة المرأة بين مسائل كثيرة أخرى موضع صراع في الجدل الدائر بين الخطاب الديني الإيماني و الخطاب العقلاني النقدي و قد عرضنا في مناسبة سابقة (ابن رشد : ليس للمرأة حقّ الإمامة في المسجد، إنّما لها حقّ رئاسة الدولة) إلى موقف ابن رشد التحرري إزاء هذه المسالة حيث اعتبر أن بإمكان النساء أن يكن حكيمات وحاكمات ومحاربات، و إذا كان قد اعترض فقهيا علي توليها إمامة الرجال في المسجد فانه أجاز لها فلسفيا تولي رئاسة الدولة ، و معلوم أن خطاب ابن رشد قد تشكل في جانب منه على أرضية مناقشة آراء الغزالي.
وإذا حاولنا الوقوف علي رؤية أبي حامد للمسألة النسوية فإننا نلاحظ أنه يناصب المرأة العداء دونما مواربة ، فهي في عرفه عنوان الكيد و الشر و الغدر و الغواية ، و " قيل شاوروهن وخالفوهن، ويجب علي الرجل الفاضل المتيقظ أن يحتاط في خطبة النساء و طلبهن، وليزوج البنت لا سيما إذا بلغت ، لئلا يقع في الغدر و العيب و مرض الروح و تعب القلب، وعلى الحقيقة كل ما ينال الرجل من البلاء و الهلاك و المحن فبسبب النساء " (الغزالي، التبر المسبوك في نصائح الملوك ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولي ،بيروت 1988 ، ص 131).
ويعدد الغزالي ما للرجل من امتيازات حقوقية مقارنة بالمرأة داعيا إياه إلى الرفق بها رفق السجان بمسجونيه، و تتمثل تلك الامتيازات في:
1) بإمكان الرجل تطليق زوجته متى شاء.
ـ 2)لا يمكن للمرأة التصرف في مال زوجها دون إذنه.
ـ 3)يمكن للرجل الزواج من نساء أخريات بينما يحظر علي زوجته الزواج من غيره .
ـ4) عدم قدرة المرأة علي مغادرة بيت زوجها إذا لم يأذن لها بذلك.
ـ 5)تخاف الزوجة زوجها أما هو فلا يخافها.
(انظر :م ن ، ص 129، حيث يعدد الغزالي تلك الامتيازات)
ويبلغ الصلف الذكوري به إلي حدود القول : " المرأة أسير الرجل، و يجب على الرجال مداراة النساء لنقص عقولهن، و بسبب نقص عقولهن لا يجوز لأحد أن يتدبر بأمرهن و لا يلتفت إلى أقوالهن( ص130 )، ويحذر من عدم الأخذ بنصائحه التي يرفعها إلي مستوى الأوامر قائلا : " لا يتدبر احد برأي النساء ، فإن من تدبر بآرائهن أو ائتمر بمشورتهن خسر درهمه درهمين " (ص131وهذه المرأة المستعبدة حقوقيا و أخلاقيا و سياسيا واجتماعيا تغدو عندما يتعلق الأمر بالمتعة الجنسية موضوعا مرغوبا فيه ، ينبغي الإقبال عليه بنهم و شراهة، و إذا ما أصابنا العجز يجب البحث عن الدواء الشافي ولو عند الملائكة حفاظا علي فحولة بدأ نجمها في الأفول . وضمن هذا السياق حفلت مؤلفات الغزالي بالعديد من القضايا التي تدعو حقا إلي الدهشة، فهو يروي مثلا عن الرسول هذا الحديث : " شكوت إلي جبريل عليه السلام ضعفي في الوقاع فدلني على الهريسة "(الغزالي، آداب النكاح و كسر الشهوتين، دار المعارف، سوسة / تونس، ص 22 )، فهل يتعلق الأمر بحديث صحيح تأكد حجة الإسلام من صدق نسبته قبل أن يضمنه كتابه " آداب النكاح و كسر الشهوتين " أم انه قد رواه على عواهنه فألحق الأذى بمن نسبه إليه مصورا إياه في ثوب من يلجأ إلى الملائكة كي تحل له قضية جد شخصية استعصت عليه ؟
وسواء كانت هذه أو تلك فإننا نواجه شخصية مزدوجة ميالة إلى السادية، تحقر من شأن النساء من ناحية و تنصح بأكل الهريسة للاستمتاع بأجسادهن من ناحية ثانية. لنقرأ الفقرة التالية و لنتأمل حجم الشراهة الجنسية المنفلتة من أسوار الكبت بأسانيد قدسية : " ومن الطباع ما تغلب عليه الشهوة بحيث لا تحصنه المرأة الواحدة، فيستحب لصاحبها الزيادة على الواحدة إلى الأربع فإن يسر الله له مودة و رحمة و اطمأن قلبه بهن، و إلا فيستحب له الاستبدال، فقد نكح علي رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة عليها السلام بسبع ليال، و يقال إن الحسين بن علي كان منكاحا حتي نكح زيادة على مائتي امرأة، و كان ربما عقد على أربع في وقت واحد وربما طلق أربعا في وقت واحد و استبدل بهن ، وقد قال عليه الصلاة والسلام للحسن : أشبهت خلقي و خلقي ، و قال صلى الله عليه و سلم : حسن مني و حسين من علي ، فقيل إن كثرة نكاحه أحد ما يشبه به خلق رسول الله صلي الله عليه و سلم "(م ن ، ص ص 20 / 21 )
ويكشف التناقض بين الغزالي و ابن رشد بهذا الخصوص عن صراع مرير مازالت رحاه تدور بين الخطابين المشار إليهما آنفا، فبينما تتطلب علمنة المجتمع و عقلنة التفكير الفصل بين الدولة و الدين، و بالتالي التعامل مع مسالة المرأة من زاوية عقلية صرفة، فان الربط بين هذين المجالين يقضي بالتعامل معها من زاوية نصية ثبوتية بأن نتبع إزاءها وصايا الأجداد .



.

صورة مفقودة
 
أعلى