معتز محيي عبد الحميد - لمحات من تاريخ البغاء العلني والسرّي في بغداد

1
يحافظ هذا التحقيق على الاصطلاحات التي تصف البغاء واماكنه وممارساته ، وبعضه استولت عليه اللغة الشعبية في سبابها والاوصاف التي تعتمدها في تصوير بعض الاشخاص والممارسات الكريهة . وهدفنا من هذا ليس تشجيع هذه اللغة ، بل معرفة جذورها، فضلا على أننا نقف ضد ممارسات تسيء الى الانسان ، ولاسيما الى المرأة . لكن هذا لا يعفينا من معرفة ظاهرة قديمة ما زالت تتخذ اشكالا مختلفة ، تظهر وتختفي على ايقاع جملة من العوامل منها: انتشار الثقافة والتعليم، النمو الاقتصادي ، الفقر وعوامل النبذ الاجتماعي ، وطبيعة مؤسسة العقاب الخاصة بالمجتمع والدولة. وفي كل الاحوال لا يخلو هذا الموضوع من الطرافة وظرف بعض الشخصيات البغدادية القديمة ، مع حوادث تتصف بالغرابة.
تعد ممارسة البغاء ظاهرة اجتماعية وجدت منذ أقدم العصور، وكان الرومان والإغريق يتخذون من العشيقات والبغايا تسلية ومتعة جنبا إلى جنب مع أزواجهم الشرعيات، ومثلهم فعل إقطاعيو القرون الوسطى وأباطرة الوثنية كطقس ديني يتعلق بمعتقدات تلك الديانات . كما كان البغاء موجودا في العصر الجاهلي بنوعيه العلني والمستتر. وجاء الإسلام فحرم البغاء كما حرمته المسيحية واليهودية من قبل ولكن الجواري والبغايا المملوكات راجت سلعتهن في العصرين الاموي والعباسي وامتدادا للعصور اللاحقة فقد ضرب عليهن بعض الستور المانعة للجنوح الخلقي فلا غرابة أن تكون مجالس اللهو والأنس والطرب وسائل إغراء جامحة لجنوح بعضهن إلى ممارسات خلقية خاطئة بعلم أو بدون علم من مالكيهن .
ما أن بدأت (سلعة) الجواري والإماء بالأفول التدريجي في أواخر العصر العباسي نجد أنها تعاود الظهور والانتشار في العصر العثماني الذي حكم العراق قرابة الأربعة قرون. لكن ( المحترفات) منهن أخذن يتعاطين الحرفة بصور واشكال مختلفة تحت ستار الفن من رقص وغناء وطرب فضلا على دور اللهو والمراقص في بعض الأزقة المشبوهة التي تسكنها فئة من السماسرة والقحاب اللواتي يتعاطين الخطيئة بصورة سرية، ولكنها كانت أشبه بالعلنية في المنطقة المحيطة بساحة الميدان في باب المعظم وبعض الأزقة التي يسكنها اليهود في التوراة وعقد الكنيسة..
بعد دخول الانكليز بغداد أصبحت هذه ( الحرفة) علنية، فقد جمعت القحاب في منطقة معينة من بغداد وهي ( محلة الكلجية وكوكز نظر ) المقابلة لسوق هرج، وفي هذين الزقاقين كانت مجموعة من الدور المتلاصقة القديمة ومقاه ذات مدخل واحد تطل على بداية شارع الرشيد وكذلك على عدد من الدكاكين والمقاهي. كانت القحاب المقيمات في تلك الدور ملزمات رسميا بإجراء الفحص الطبي والمختبري الدوري عليهن في مواعيد معينة، ولدى كل واحدة منهن اجازة ( ممارسة ) مهنة (القحاب) بصورة رسمية، ويغرّم ( القواد) السمسير إذا قام بتشغيل من لم تحصل على اجازة أو لم تخضع إلى الفحص الطبي.
وقد درجت السلطات البريطانية على ان تستوفي من يدخل ويتعاطى البغاء من ذكر وانثى رسماً
( ضريبة ) ويعطى لكل واحد منهم يدخل المبغى العام وصلاً سمي ( باص ) من الانكليزية ( pass ) أي تذكرة وكانت السلطات الانكليزية تبغي من وراء ذلك حصر وتعداد من يتعاطى البغاء لأنها كانت تخضعهم للفحص الطبي في مواعيد معينة . ومعظمهن سكنّ دربونة الكلجية ، في حين جئن من مدن ومناطق بعيدة من بغداد، وقد دفعتهن الظروف إلى هذا المنزلق السحيق. وكن يتعاقدن مع القواد بالعمل لديه أو القوادة بالعمل لديها بعد أن تستلف من أي منهما مبلغا من المال لشراء حوائجها الشخصية من ملبس وطعام ومكياج وما تنفق على نفسها أو على ذويها أحيانا من نفقات معيشية . وكانت الباغية في مثل هذه الظروف الصعبة أسيرة أولئك السماسرة بما توقع عليها من (كمبيالات) (صك) أو وصل أمانة، وعليها العمل الدائم لتسديد ديونها التي تتراكم عليها بمرور الزمن حتى يذبل عودها وترمى في الشارع رمي الكلاب . كان المبغى العام في الكلجية في الرصافة ومحلة الذهب في الكرخ / الجعيفر هو المكان الوحيد الذي تشرف عليه الحكومة بصورة علنية وتعترف به ، كذلك يوجد مبغى عام في البصرة والموصل.
الدّربونة ... في فهم البغداديين
الدربونة التي كانت تعرف عند البغداديين بدار للقحاب أو موضع للبغاء العلني وتعني الزقاق الضيق غير النافذ، والدرابين كثيرة في بغداد ولكل واحدة منها اسم، وأكثر ما تكون نسبتها لأشهر من يقيم في دورها مثل دربونة البستان او دربونة الجلبة ، أما إذا ذكرت الدربونة بدون نسبة فالمقصود بها دربونة الكلجية أي دار القحاب ، كما يكنى البغداديون عن المومس بأنها(بنت الدربونة) .
وكان للدربونة مختار يدعى ( السيد حسين ) وكان يأخذ خاوات من المومسات والقوادات وقد رثاه ملا عبود الكرخي بقصيدة عند وفاته وقال :
مختار الحبايب ما يجي دونه وصاير سور للساكن الدربونة
تاهت بنت ابو حجرين امونه وبنت الدودكي وضحه وشكرية

وكانت القوادة والقواد مهنة سنت نظاما فيه وزارة الشؤون الاجتماعية في العراق نعتت فيه القواد بالسمسار واشترطت فيمن يقوم بالقوادة شروطا لا تتوفر إلا في كرام الناس ، منها أن يكون حسن السلوك ، وان لا يكون محكوما عليه بجنحة أو بجناية ، الأمر الذي أشاع موجة من التندر بين الناس بشأن هذا النظام. وقد تناولت سجلات المحاكم في الثلاثينيات قضايا عدة في السمسرة والقوادة ، وأشهر القوادين الذين كانوا يترددون على المحاكم يدعى ( يوسف ) وهو ارمني من تلكيف وكان يقدم إلى المحاكم بقضايا موجزة بتهمة الترصد أي التعلق بالناس من اجل أن يُقوّد لهم . فقال له القاضي في إحدى الجلسات يا يوسف إلى متى تبقى قوادا ؟ فرد عليه : هل تحسب يا سيدي اني مرتاح لهذه المهنة التي لا الاقي فيها غير الرزق الشحيح مغمسا بالصفع والاهانة . اتراني وجدت مهنة اخرى غيرها وبقيت متعلقا بها؟
وبهذه المناسبة قال عبود الكرخي يعزّي احدى فتيات الدربونة بعد موت قوادهن :
يكنديره ... يمسكينة راح الكان يحمينا
عمت عينك عكب عينه دظلي عاد سمسيرة
كانت القوادة ( أو القواد ) يحاسبن البنات على ( الخشات) وهي كناية بغدادية عن المضاجعة، وهي من لغة القحاب في الدربونة حيث من المتعارف عندهن أن كل فتاة منهن لمضاجعتها ثمن معلوم فيقال فلانة (خشتها) كذا وكذا . ويطلق على القواد تسميات عدة منها ( ابو كرون ) وديوس فهو الذي لا يغار على أهله، وكلاهما يكنى عند الناس (بذي القرنين).. وللشعراء ابيات عدة في ذكر الكرون يوصف بعضها بالغلظ وبعضها بالقوة ويوصف بعض من ذكرهم بان له قرنا واحدا وأخرى من له قرنين وثالثا بان له اربعة قرون. وقال الملا عبود الكرخي في رثاء داود اللمبجي / ديوس دربونه القحاب معزيا بوفاة زوجته ( فطومة الصمنجي) قائلا :
يحك لها فطومة بثياب السود تلبس عالمعفرت لمبجي داو
بو كرن الجبير من احسن الموجود كل كحبه عليه اليوم مألومة
وبعد وفاة داود اللمبجي تزوجت فطومة من إبراهيم بك الطنبوري الذي أصبح قواد القحاب جميعا. ويطلق على القواد تسمية ( قرخ ) وهي كناية تركية بمعنى أربعين وتعني إن المقصود بها القواد الاصيل ويعني الذي مارس القوادة اربعين سنة .
وكانت القحاب يتعاطين البغاء بصورة سرية قبل إصدار القانون وتسمى (كوزلي) حيث أطلقت هذه التسمية من قبل البغداديين على كل من يتعاطى البغاء بصورة سرية. وهذه الكلمة أصلها تركي بمعنى (سري أو مستتر) وتطلق أيضا لفظة ( بربوك ) على كل قحبة أو مستهترة منهن ، ولا تزال تستعمل هذه الكلمة في السباب والشتم بين الناس وتعني في الأصل الكوز الذي طال استعماله حتى تثلمت شفته ولم يعد صالحا للاستعمال في سقي الماء ، ويراد بهذه الكلمة في الشتيمة ان هذه المرأة البغي قد تثلمت لكثرة المراجعة فأصبحت بربوكا.
من أشهر القوادات في بغداد
ا
شتهرت في بغداد في أواخر القرن التاسع عشر قوادتان – الأولى في جانب الرصافة ( الجانب الشرقي من بغداد ) واسمها (ريجينة) وتكنى بـ (نجية)، وريجينة هي الأخت الكبرى للمغنية (سليمة مراد) المعروفة في وسط الغناء باسم ( سليمة باشا )، والثانية في جانب الكرخ ( الجانب الغربي من بغداد ) واسمها ( ريمة ) وتلقب ( ريمة أم عظام ) وكان عملها في محلة الذهب . ومن القصص التي يتفكه بها البغداديون أن ريفيا قصد بغداد للمرة الأولى في حياته ودخل محلة الذهب وجاء إلى دار (ريمة أم عظام) وطرق بابها وهو لا يعرفها، يريد عملا فاطعمته وكسته وأجلسته في دهليز الدار وأوصته بان يفتح باب الدار إذا طرقه طارق ، وأن يغلقه خلف من يبارح الدار ، وقام الريفي بمهمته وأتقنها وحسنت صحته وسمن من طعام (ريمة) ومن الهبات التي كان يتلقاها من الزوار. وحدث ذات يوم أن انزعج منه احد المراجعين فصاح به : (اسكت يا كواد) . فهاج الريفي وجن جنونه وهجم على الرجل يريد قتله ، وعندما حِيل بينهما عاود الهجوم وهو يقول : لن تنجو مني ، يقول عني إني كواد ، لابد أن اقتله .
وضحكوا منه وقالوا له : لماذا غضبت من هذه التسمية ، الست تعمل قوادا ؟ وقال لهم هل أن ما أقوم به من عمل سهل وبأجور وطعام فاخر هو الكوادة ؟ قالوا : نعم! قال : إذاً لابد لي من أن أسافر غدا واحضر جميع أقربائي لأشغلهم قوادين.
حكايات
روي عن عبد الحميد الشاوي عندما كان رئيسا لبلدية بغداد في عام 1928 عندما يشتكي أهل محلة عنده عن وجود ( امرأة قحبة في محلتهم ) وسلوكها معوج يحضر لها عربانة ويضعها فيها مع متاعها وثيابها وينقلها إلى الميدان أو محلة الذهب. ويقول البغداديون انه ( سركلها ) من المحلة .
وكان ببغداد في الأربعينيات فندق في محلة السيد سلطان علي مطل على نهر دجلة اسمه فندق متروبول يقوم على إدارته فتى اسمه ( صادق حنا ) وكان صادق يحضر فتيات جميلات من اوروبا باعتبارهن فنانات وينزلهن في فندقه ويتقاضى مبالغ عن زيارة الزائرين لهن. وغضب عليه ارشد العمري وكان آنذاك امين العاصمة وكان ارشد عصبيا وشتاما فاحضره وصرخ فيه: (ولك صادق بغداد لا تتحمل قوادين اثنين.. فإما أنا وإما أنت!).
ويحكى ان عبد العزيز الخياط كان حاكما في محكمة جزاء بغداد، وكان حاد الطبع صارما في احكامه، وجيء ذات يوم بشاهد فسأله عن صنعته ، فقال له انه صاحب مقهى في الكلجية ( دار القحاب ) فالتفت الى كاتب الضبط وقال له : سجل أن شغله قواد . فانزعج الشاهد وقال له : يا سيدي الحاكم أنا صاحب عمل شريف.. انا صاحب مقهى هناك. فقال له الحاكم : تكون صاحب مقهى في الكلجية وتغضب ان سجلنا مهنتك قوادا؟ ثم التفت الى كاتب الضبط وقال له : سجله قواد ابن قواد!
وروى عبود الشالجي في الكنايات البغدادية انه عندما كان رئيسا للمحاكم في البصرة في الأربعينيات من القرن الماضي، توجه صباح احد الأيام إلى مكتبه في المحاكم ليجد امرأة جالسة بين المراجعين وتكررت رؤيته لها أياما، فحسب أن لها قضية في المحكمة ، وأنها تأتي لإنجازها ، وأحس بالرأفة تجاهها، وأمر الفَراش أن يحضرها ، فلما وقفت أمامه سألها عما إذا كانت لديها قضية تراجع بشأنها من اجل أن يأمر بتعجيل انجازها ، فأجابته بأن لا قضية لها وإنها ( على باب الله ) فلم يفهم مرادها، وتنحنح الفَراش وسكت فأدرك انه يريد إن يوضح له القصة فأمر المرأة بمبارحة الغرفة ، فأخبره الفَراش بان هذه المرأة قوادة وأنها تجيء إلى ساحة المحكمة في كل يوم من اجل الحصول على زبائن تأخذهم إلى فتياتها!
وعن كساد القحاب في البصرة أثناء فترة القحط جاءت قوادة مديونة إلى مأمور الإجراء في البصرة لسداد الديون عليها برغم مطالبة الحكومة بذلك فخيرها مأمور الاجراء بسداد الدين جملة أو تقسيطه عليها فقالت له: ( والله يا سيدنا لا استطيع سداد الدين دفعة واحدة ولا باقساط كبيرة لان الشغل واكف والرزق شحيح والنيّاك قل عددهم ) ، وتنرفز مأمور الإجراء من أقوالها وصرخ فيها مستنكرا.. وظنت القوادة المدينة أن رئيس الأجراء لم يقبل عذرها ولم يصدق أقوالها فقالت له: ( والله يا سيدنا أن ما أقوله صحيح ، وإن لم تصدقني فتعال والزم الدخل بيدك واقبض الوارد بنفسك لترى صحة أقوالي) .

أخبار القوّادين وحكاياتهم عند البغداديين
ويطلق على احقر القوادين كناية ( غسال الخرك ) وهو ادنى درجات القوادين ويسميهم البغداديون ( صانع الكحاب) لانه يخدم في الدار ويقوم بغسل الخرك. وهناك قصة يرويها احد المحامين الذين كانت له صلة بقوادة تدعى حليمة وكان لديها خادم يقوم على خدمة فتياتها اسمه ( عبد) وكان يعطيه عندما يزورهم لقضاء المتعة درهما أو درهمين.. وذات يوم كان في مكتبه جالسا واذا بالقوادة ( حليمة ) تقتحم الباب بدفعة من رجلها وتدخل عليه من دون استئذان وعلى وجهها علائم الالم والانزعاج وسألها : ما بك؟ قالت : اخوك عبد! فقال لها: ومن هو اخي عبد؟ قالت : أها، هل نسيته، اخوك عبد الذي يشتغل عندي خادما لفتياتي. عندها تذكره وقال لها : وماذا جرى لاخي عبد ؟ قالت : القت الشرطة القبض عليه واتهم بالقوادة . فأجابها : فعلوها هؤلاء الملاعين ، الا يخافون الله! فقالت : هذا ما حصل. فقال لها : اطمئني فسوف اعمل على اطلاق سراحه غدا. وفي اليوم التالي راجع المحامي حاكم التحقيق وكفل (اخاه عبد ) وأطلقه من الحبس!
كذلك يطلق على القواد كلمة ( كرخانجي ) اشارة إلى اتخاذ بيته للقوادة والمتعة .

مصطلح ( القحبة ) عند العامة
(القحبة) كناية عن المرأة الوسخة السفيهة، بمعنى المرأة التي سلمت نفسها فأصبحت لا تستحي من احد. واسم القحبة مشتق من القحب ، وهو (السعال)، لان القحبة تكون على قارعة الطريق ، فإن مر بها احد سعلت له ، مشيرة إلى موقعها. ويطلق عليها بعض الناس تسمية (قحبة عورة) وهي المرأة السليطة الشرسة وتسمية (قحبه شوشتر) وهن مشهورات بالسفه وطول اللسان والإسراع إلى العركات والخصام . وتسمية (كحاب الخندك) وهن ارخص القحاب في بغداد وابخسهن قيمة وكن لفقرهن يألفن الحفر الباقية من خندق بغداد بالجانب الغربي حيث تأوي كل واحدة الى حفرة بعيدا عن العمران والمارة ، تفترش الواحدة منهن حصيرة وقد اعدت ستارة تعلقها على حبل تربطه بين عمودين ، تستر بها نفسها وصاحبها . قد ذكر الملا عبود الكرخي ان ثمن الواحدة منهن كان ( نصف قران ) وهو ما يعادل عشرة فلوس ومن اشهرهن في الخندق ( عواشة الديرية ).

وكانت أجور القحاب في بغداد في القرن الرابع الهجري تدفع مقدما لها .

أصل تسمية الكلّجيّة
ورد اسم ( الكلجية ) لصنف من اصناف العساكر في العهد المغولي عند احتلالهم بغداد وقد اقاموا وسكنوا في هذا المكان فسميت باسمهم ونسبت اليهم ، كما سميت محلة خان لاوند بامس الاونه ومحلة الهيتاويين باسم قوم وفدوا من هيت ، ولكن قصر البغاء العلني على دربونه (الكلجية) دفع البغداديين الى تسمية كل محل للبغاء العلني بالكلجية حتى المحلات التي هي خارج بغداد او خارج العراق ايضا وزيادة على ذلك فان الملا عبود الكرخي ابرز شعراء العامية اتخذ من اسم الكلجية افعالا وصرفها ومن جملة ما قال :
احنه من كبل ما كان عدنه هيج ولا نعبر لذاك الصوب للتكليج
وكانت دربونة الكلجية قبل الاحتلال البريطاني لبغداد ، زقاقا نافذا يتصل من طرفيه بأزقة ودرابين ، ولما فتح خليل باشا شارعه في بغداد في سنة 1916 وهو المسمى الان بشارع الرشيد بدأ من الميدان وانتهى به إلى الباب الشرقي وسمي أولا : (خليل باشا جادة سي ) ثم بعدها لما احتل البريطانيون بغداد سمي: (الجادة) ، ولما تشكلت الحكومة العراقية سمي : الشارع العام، ثم سمي بعد ذلك شارع الرشيد ، ولما فتح الشارع ، وقع احد طرفي الكلجية على الشارع ، وظل طرفه الأخر من الخلف متصلا بالأزقة والدرابين الأخرى . ولما دخل الانكليز بغداد ، اخلوا زقاق الكلجية من سكانه الأصليين وافردوه موضعا للبغاء العلني أي ( دار القحاب ).
واشتكى أهالي المحلات المحيطة بالكلجية من مرور قاصدي الكلجية بمحلاتهم ، فطلبوا من الحكومة أن تسد الباب الخلفي للزقاق لتصبح الكلجية دربونة ذات منفذ واحد على الشارع العام فقط ، ولكن مالكي الدور الخلفية من الكلجية ، وكذلك القوادات في البيوت الخلفية احتجوا لهذا الطلب ، لان سد المنفذ الخلفي يحول الزقاق إلى دربونة ، ويجعلهم في قعر الدربونة ، فيضر بارباحهم وبأثمان الدور، وكذلك فان بعض طالبي الونسة والكيف كانوا يتسللون إليهم متخفين ، ينفذون إليهم من الجهة الخلفية ، فان سدت تلك الجهة التزموا ان يصلوا اليهم من الشارع العام ، وهو طريق مزدحم بالناس ، يفتضح من يمر فيه إليهم ، واقتنع رئيس البلدية آنذاك عبد المجيد الشاوي بسد المنفذ الخلفي للزقاق ، فشكا أهالي المحلات أمرهم للملك فيصل الأول فاهتم بالموضوع ودعا اليه رئيس البلدية وناقشه في القضية ، فقال للملك : يا سيدنا ، هذا الزقاق نافذ من طرفيه ، فهو طريق عام ، ولا يجوز سد الطريق العام ، لأن في سده ضررا على الناس .
وقال الكلك : إن بعض رجال الدولة أعلموني ، أن هذا الزقاق لم يكن نافذا في العهد العثماني! وكان المرحوم عبد المجيد الشاوي حاضر البديهية ، لاذع الجواب ، فقال للملك : كذبوا يا صاحب الجلالة ، وليسألوا امهاتهم ، من أين كن يعبرن إذا أردن الخروج من محلتهن!
وتلاصق الكلجية محلة – كوك نزر – التي أصبحت مرتعا لطلاب المتعة من البغاء والقحاب
فاخلاها سكانها هربا من مجاورة دار البغاء العلني. وأصل كلمة ( كوك نزر ) أي قطيعة (لازار) وسبب تسمية المحلة بهذا الاسم ان السلطان مراد الرابع العثماني لما فتح بغداد ، كان آمر المدفعية في جيشه ارمني اسمه ( لازار ) فطلب منه أن يقطعه ببغداد ارضا يبني عليها كنيسة ، فأقطعه السلطان هذه القطعة فبنى فيها كنيسة للارمن الارثوذكس ، وبنى الناس بيوتهم حول الكنيسة وسميت ( محلة كوك لازار) اي قطعية لازار. وأصبحت المحلة مرتعا للبغاء السري حتى الستينيات من القرن الماضي . واشتهرت هذه المحلة بنماذج من بائعات الهوى والقحاب والراقصات ظلت أسماء البعض منهم تتردد حتى الآن في حياتنا اليومية. ولعل ( عباس بيزه ) كان اسما معروفا في المحلة يستقبل طالبي المتعة ويقودهم إلى أجمل قحاب المحلة .



.
د. معتز محيي عبد الحميد - لمحات من تاريخ البغاء العلني والسرّي في بغداد – 1



صورة مفقودة
 
- 2-
يحافظ هذا التحقيق على الاصطلاحات التي تصف البغاء واماكنه وممارساته ، وبعضه استولت عليه اللغة الشعبية في سبابها والاوصاف التي تعتمدها في تصوير بعض الاشخاص والممارسات الكريهة . وهدفنا من هذا ليس تشجيع هذه اللغة ، بل معرفة جذورها، فضلا عن أننا نقف ضد ممارسات تسيء الى الانسان ، ولاسيما الى المرأة . لكن هذا لا يعفينا من معرفة ظاهرة قديمة ما زالت تتخذ اشكالا مختلفة ، تظهر وتختفي على ايقاع جملة من العوامل منها: انتشار الثقافة والتعليم، النمو الاقتصادي ، الفقر وعوامل النبذ الاجتماعي ، وطبيعة مؤسسة العقاب الخاصة بالمجتمع والدولة. وفي كل الاحوال لا يخلو هذا الموضوع من الطرافة وظرف بعض الشخصيات البغدادية القديمة ، مع حوادث تتصف بالغرابة.
حسنة ملص
وقد اشتهرت أيضا في هذه المحلة قوادة مثقفة تدعى (حسنة ملص ) أشهر قوادة في الأربعينيات لم تأت من كونها من اعتق قوادات المحلة فقط . بل ارتبط اسمها بحكاية سياسية غاية في الطرافة بسبب الخلاف السياسي بين القوميين الناصريين والشيوعيين في فترة حكم عبد الكريم قاسم حيث وصلت إلى مرحلة التأزم وتبادل الشتائم عبر أجهزة الإذاعة والصحف ، فما كان من جماعة عبد الكريم قاسم إلا وأرسلوا خبرا إلى المذيع المصري المعروف في اذاعة صوت العرب ( احمد سعيد ) مفاده بان الشيوعيين قد القوا القبض على نصيرة العروبة المجاهدة ( حسنة ملص ) وراحوا ينكلون بها وبشرفها ، فما كان من الإذاعي الكبير صاحب الصوت المجلجل إلا وراح يطلق تعليقاته الصارخة عبر الإذاعة يندد فيها بحكومة الزعيم وبالشيوعيين وهو يردد بالنص ويقول عبر المذياع ( إذا ماتت حسنة ملص فكلنا حسنة ملص !) .
ومن أشهر القوادات أيضا في محلة كوك نزر ( زكية العلوية ) حيث كانت تدير اكبر دار للقحاب في المحلة. وكان هناك دار تعود لهذه القوادة تقع في دربونة النجفي بالقرب من المحلة التي سكن الشاعر معروف الرصافي في اوائل الثلاثينيات فيها وقبل ان تستضيفه الفلوجة سنة 1933، وقد زاره في هذا الدار امين المميز فتأثر لحالته السيئة التي أثرت فيه طيلة حياته لان موقع الدار والمترددين والمترددات عليها من القحاب وطالبي الونسة مما تقشعر منه الأبدان .
الأشهر:
ومن أشهر القوادين والقوادات الذين حفر تاريخ القوادة اسمهم في التاريخ .
1- سيد رجب : وهو العمود الفقري لمحلة الذهب في الجانب الذي تشرف عليه (ريمة أم عظام ).
2- فايق خماس : وهو زوج الحجية ربيعة وميدان عمله هو الكلجية والصابونجية وكثيرا ما يشاهد في شارع الرشيد في سيارة فخمة .
3- داود اللمبجي : وقد لمع اسمه في العشرينيات باعتباره من الكواويد الارستقراطيين. ولما توفي رثاه الشاعر الشعبي عبود الكرخي بقصيدة مشهورة غناها مطرب المقام يوسف عمر مطلعها:
مات اللمبجي داود وعلومه / كوموا اليوم دا نعزي فطومة
وفطومة هذه هي فطومة بنت الصمنجي وهي كلمة تركية معناها بائع التبن، وكانت إحدى جميلات بغداد في العشرينيات وقد عاشرها في الثلاثينيات معاشرة الأزواج أي (استكعدها) حسين فخري ( كاتب عدل بغداد ) وسكن معها في منطقة العلوازية شارع المحامين حيث كان يستقبل أصدقاءه كل أسبوع ليسمعهم نكاته وطرائفه كما لو كان في عنفوان شبابه.
وكانت تقاليد الحب والهيام بالقحاب بين كبار رجال الدولة متفشية وأحيانا لا يخجل بعض الساسة من الزواج منهن ، وبعضهم يتزوج منهن بصورة سرية أو تصبح خليلة له وحده بعد أن تتعاهد معه على ذلك .
4- محمد النجفي : وهو من معاوني القوادة ( ريمة أم عظام ) وكان طويل القامة يرتدي العكال ويلبس افخر أنواع العبايات ويشاهد يتبختر في شوارع بغداد وكأنه من شيوخ الشرجية ، وله شخص يشبهه ويمتهن نفس المهنة ولكنه كان شخصا محيط عمله من ركائز محلة كوك نزر والصابونجية .
5- ورور : ولد يتيما من أهالي الصقلاوية، جاء إلى بغداد وهو صبي نخرت التراخوما عينيه وصار يعمل خادما في البيوت ثم جنح وضل الطريق حتى وصل إلى المبغى العام ، وبلغ أعلى المراتب منها ثم أصبح مختارا للكلجية . وكان يشاهد في محلات الميدان والطوب وباب المعظم وما يجاورها مرتديا العقال والغترة البيضاء وافخر الملابس وكأنه شيخ من شيوخ الدليم . ويروى عن ورور طرفة عندما كان يعمل خادما لدى إحدى العائلات جاء المُبلغ -مبلغ إحدى المحاكم - ليبلغ صاحب البيت بأوراق رسمية فنادى صاحب الدار (ورور) جيب لي القلم للتوقيع. وما أن سمع المُبلغ كلمة ( ورور) حتى أطلق ساقيه للريح وفر هاربا .
6- علي قاو : وكان شابا يرتدي السدارة واللباس العادي وفي الثلاثين من عمره يزور المكاتب والمحال والمقاهي حتى المساء لترويج بضاعته من القحاب !
7- كرجي : وهو من أشهر كواويد اليهود في بغداد في الثلاثينيات والأربعينيات، وكان يزاول السمسرة بدار تقع في محلة ( التوراة ) المحلة اليهودية وقد توقف عن عمله عندما قررت وزارة الداخلية سنة 1935 تشكيل شرطة الأخلاق من واجبها مراقبة دور الدعارة السرية للقضاء على البغاء. ولكن كل هذا لم يتحقق بسبب تصرفات الشرطة ومفارزها الذين كانوا يتعاونون مع أصحاب دور الدعارة والزبائن الذين يترددون عليها ويقبضون الرشاوى . فصار أصحاب دور القوادة يعطون للشرطة رشاوى أكثر مما يتقاضونه من طالبي الونسة ، فارتفعت الشكاوى من الطرفين الأمر الذي أدى إلى إلغائها من قبل مدير شرطة بغداد فعاد – كرجي – وزملاؤه إلى مزاولة المهنة بحرية تامة .
من أشهر القوّادات :
1- بدرية السودة : وكانت تعمل في الدربونة وعلى اتصال باولاد الذوات وأصحاب النفوذ والسياسة ومن هم ارفع مقاما .. فبدرية هذه ليست عبدة سوداء وانما لقبت بالسودة لانها شديدة السمرة ودمها حار!
2- بدرية السواس : وهي حلبية الاصل كانت جميلة وجذابة وتعمل راقصة في ملهى (نزهة البدور) في مدخل الميدان مقابل جامع الاحمدي. ولكثرة المشاجرات بين المعجبين برقصها وغنائها فقد وضعت لافتة فوق المسرح مكتوب عليها ( طلب الاغاني والبستات ممنوع بأمر من مدير الشرطة ) وقد (ستر عليها) احد ضباط الشرطة وتزوجها وظلت في عصمته حتى وفاته في الخمسينيات .
3- حمدية : وكانت مغنية وراقصة في اوتيل الهلال مع منيرة الهوزوز، وقد وقع في حبها قائممقام في الفرات الأوسط وجاء بها معه إلى مدينته على ضفاف الفرات وبقيت في عهدته حتى اعتقاله في معتقل العمارة سنة 1941 في قضية جنائية فصارت تضرب بالمثل لوفائها وإخلاصها لصاحبها .
4- نزهت : وكانت تسمى ( نزهت الحلوة ) أو نزهت البغدادية وكانت راقصة مع جوق سليمة باشا في اوتيل (عبد الله ماشا الله) لا تحسن الرقص ولا الغناء ولكن تحسن المضاجعة لكونها جذابة فاستظرفها احد أبناء الأثرياء وأخذها من اوتيل الجواهري في الميدان إلى داره في البتاوين وبقيت خليلته حتى نفدت ثروته . وعادت مرة ثانية الى العمل في الاوتيل .
5- بنات مريم خان : وهن ثلاث بنات الكبيرة اسمها تفاحة وقد فتحت لها بيت قرب شارع المتنبي حاليا بعد أن تقدمت في السن، والثانية ( نجية ) وكانت ذات حظوة عند الكثير من الشباب البغدادي ( واحد يفكها وواحد يلزمها )، والثالثة ( رجو) وكانت في وقت من الأوقات محظية لأحد نواب كربلاء!
6- بنات نومة : وهن اثنتان ( ليلو وخزنة) وقد ترفعن من مهنة القحابة حتى صعدن على خشبة مسرح اوتيل الجواهري .
7- صبيحة: وقد عرف عنها في اوساط المرتادين بانها سادية حيث لا تتلذذ بالجنس إلا أذا صاحبته القسوة والتعذيب، وقد تزوجها احد ضباط الجيش في زمن ايام بكر صدقي ثم اصبحت محظيته .
8- حنيني (حنينة) : وهي يهودية يحلو لها ان تعتبر نفسها في عداد القحاب المثقفات خاصة وانها كانت تتواجد في فندق متروبول لصاحبه صادق حنا .
9- بنات مراد : وهن اربع ، ريجينه ومسعودة وروزة وسليمة ( باشا). واللقب ( باشا ) هو ليس اللقب المعروف والاصل هو (باشا) بالباء وهو اسم والد مراد الذي يقال انه يهودي جاء من تركيا في العهد العثماني ، فصارت ريجينة وسليمة تحملان لقب ( باشا) تندرا . اسلمت ريجينه وتزوجت من ( محمد) ومن ثم عبد الكريم واسلمت سليمة وتزوجت من ناظم الغزالي قبل بضع سنوات من وفاته .
10- مدام لاوي : وهي قحبة يهودية كانت تقيم في النمسا وجاءت الى بغداد فتعلق بها احد العراقيين وتذلل في هواها وبذل المجهود في خدمتها وتقديم الهدايا لها املا في نيل عطفها فلم يلق منها عطفا ، وقد جاء يوما الى اصدقائه وقد فاض به السرور وقال : اسكتوا.. فان مدام لاوي قالت لي ( سلي) وكلمة سلي (Silly) تعني غبي او سخيف فكان فرحا جدا عندما قالت له انت سخيف .
11- هيبو : امرأة قوادة كانت لها دار تمارس فيه القوادة في بغداد في أواخر العهد العثماني قريبا من محلة السراي ، وحلت محلها في الثلاثينيات قوادة اسمها (دينا) كان بيتها في مكان قريب من دوائر السراي في القشلة، ويقوم بمساعدتها زوجها ويدعى ( حميد) ويسمونه ( حمدي بك)، وكان في الستين من عمره جميل الصورة في هندامه، وكان سابقا موظفا في دوائر العهد العثماني، ولكن حاجته إلى المال وتقلب الأحوال اضطرته الى الزواج من ( دينا ) فتديث وأصبح قوادا. وكان يراجع المحاكم بشأن القضايا المتعلقة بأمور زوجته وأمور قحابها ومشاكلهم .
12- ريجينه : وتكنى ام نجية وام ناجي وهي أشهر قوادة في بغداد وكان لها عدة دور في دربونة الكلجية في الميدان حيث تقيم مع بناتها. وجمعت من هذه المهنة ثروة طائلة وكان اثنان أو ثلاثة من الساسة العراقيين في بداية القرن الماضي ، يقترضون منها بفائدة. وكان البغداديون يعيّرون هؤلاء الساسة بذلك وقد غفلوا عن الجانب الطيب من الموضوع ، وهو أن هؤلاء كانوا نظيفي اليد لا يمدون أيديهم إلى مال الدولة لأخذ الرشوة!
ماتت رجينه قتلا إذ كانت لها دار منعزلة في الكرادة خارج بالقرب من الشط خصصته لمباذلها، وعثر عليها في هذه الدار قتيلة في فراشها . قتلها خليلها ثم انتحر ، وخليلها الذي استكعدها كان شابا طويل القامة وجميل المنظر اسمر اللون عمل موظفا في مديرية الطابو (السجل العراقي) في بغداد وكان كريم الأخلاق شديد الحياء، ولعل استحياءه من الناس هو الذي دفعة الى مصيره الذي صار اليه.. كانت رجينه تملك سيارة لا يملكها احد في بغداد وقد شاهدها الشاعر الملا عبود الكرخي وهجاها بقصيدة مطلعها :
شفتي يا روحي الحزينة الضخمة سيارة رجينه
شفتي سيارة الضخمة بشارع الميدان القحبة
نائب الرئيس الأميركي في الكلّجية !!
كان البغاء العلني مسموحا به في العهد العثماني ، حيث ان الدولة العثمانية قد اتبعت كثيرا من التقاليد والتشريعات والمؤسسات العامة التي كانت متبعة في فرنسا ومن جملتها البغاء العلني . ولما احتل الانكليز العراق بعد الحرب العالمية الأولى اعترفوا بمؤسسة البغاء، إذ كان في بغداد مبغى عاما في منطقة ( الكلجية ) فقط لم يعترضوا عليه وسمحوا له بالاستمرار كما كان عليه الحال في العهد العثماني ، وكل مافي الأمر أنهم علقوا (لافتة) مكتوب عليها بالحبر الأحمر كلمة ( Brothel) وعينوا انضباطا عسكريا لمنع الجنود الانكليز من ارتياده ، رغم أن البغاء العلني كان ممنوعا قانونا في بريطانيا، ولا توجد فيها مواخير أو بيوت للدعارة معترف بها رسميا وخاضعة للتسجيل والرقابة الصحية كما هو الحال في بغداد ومدن الموصل البصرة . ولما زار بغداد ( ويندل ويلكي ) نائب رئيس الولايات المتحدة ومؤلف كتاب ( عالم واحد ) ابان الحرب العالمية الثانية كانت ( الكلجية ) من المعالم التي أصر الزائر الأميركي على زيارتها لعدم وجود مؤسسة تماثلها ( في عالمه الجديد ) فطاف فيها وتحدث مع القوادين والسماسرة ودخل بيوتهم واندس بين القحاب وجلس في المقاهي الموجودة في الدربونة وتحدث مع احد القوادين وشرب الشاي واثنى عليه! فكانت تلك الزيارة من حكايات التندر في بغداد انذاك .
فيضان بغداد وعمل شعبي في الميدان
في عام 1938 عندما فاض نهر دجلة وكسرت سدة ناظم باشا من ناحية الوزيرية وراحت المياه تتدفق في الشوارع ، والمعتاد في مثل هذه الحالات أن تقوم الشرطة بتجنيد الناس فيما يسمى بعمل السخرة لدرء الفيضان وتقوية السور. في هذه الاثناء دق تلفون معاون شرطة السراي عدنان محيي الدين وطلب منه مدير شرطة بغداد بتعئبة الناس فورا لوقف تدفق المياه. اسقط المعاون عدنان حاكية التلفون من يده فقد كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل وآوى الناس لبيوتهم نائمين وخلت الشوارع من المارة. فمن أين يأتي بالسخرة ؟ وجد الحل بعد أن هداه فكره إلى محلة واحدة ما زالت تعج بالناس وبالنشاط على قدم وساق وهي محلة الكلجية.
اقتاد المعاون ثلة من افراد الشرطة وهرع الى ازقة الكلجية وكوك نزر.. حيث جمع كل من وجده هناك من القحاب وزبائنهن وحشرهم في سيارات الشرطة وهرع بهم الى محلة الكسرة، وهناك انكب الشباب بحفر الارض وملء اكياس من الجنفاص بالتراب وحملت القحاب الاكياس على ظهورهن لردم الكسرة وايقاف تدفق المياه حيث واصلن (الشيل والحط) حتى آذان الفجر. ولقد اسهمن حقا في سد الثغرة وانقاذ العاصمة من الغرق ولولاهن لاجتاحت مياه الفيضان الجوامع والمساجد والبيوت في الوزيرية . وبعد صلاة الفجر عادت بهم سيارات الشرطة الى الكلجية.. كل الى بيته. وفي اليوم التالي بعث امين العاصمة رسالة شكر وتقدير لكل القحاب والقوادين الذين ساهموا بالعمل الشعبي لدرء الفيضان عن بغداد .
سلطة القوادة في المبغى العام
وعن حالة المومسات والقوادات في المبغى العام في الكلجية بينت جمعية الخدمات الدينية والاجتماعية ذلك في كراس لها نشر عام 1952 بالحالة المزرية لهن ، حيث أن جميع المومسات البالغ عددهن (314) مومسا مصابات بشتى أنواع الامراض الزهرية وغيرها من الامراض ، ويسكن وينام هذا العدد الكبير من المومسات في مئة دار تتكون منها مؤسسة البغاء العام، وفي زقاق مليء بالقاذورات والمياه الآسنة ، وكانت اغلب هذه الدور لا تتوفر فيها ابسط شروط الرعاية الصحية والنظافة ، حيث تفتقر الى المرافق الصحية والحمامات ، والمنطقة كلها ليس فيها مراحيض عامة ، ويتبول المارة في الازقة وسواقي المياه النتنة التي تحيط بالزقاق ، ورغم ذلك فان هذا الزقاق كان يغري طالبي المتعة من المراهقين وحديثي السن وطلاب المدارس وغيرها وفي إحصائية أعدتها الجمعية عن عدد الذين يترددون على المبغى سنويا ، وجدت عددهم أكثر من مليون شاب ورجل يتردد لمزاولة المتعة في هذه الدور وأكثر المترددين من الطبقات العاملة في العاصمة بغداد والأرياف، ويزداد هذا العدد إلى الضعف في أيام الأعياد والعطل الرسمية !
وفي إحصائية نقلتها الجمعية من سجل مستوصف الوقاية الصحية في المبغى، بلغ عدد الزوار أكثر من (1049670) في عام 1939 أي بمعدل (87472) رجلا في الشهر أي بمعدل ( 2915) نسمة في اليوم الواحد.. رغم أن ساعات العمل في المبغى العام لا يتجاوز (12) ساعة في اليوم، أما عن الأجور الرسمية للمومسات في المبغى فقد حددت التسعيرة بموجب القانون بمبلغ يتراوح ما بين الخمسين والمئتين والخمسين فلسا لكل زائر وللمرة الواحدة- (الخشة) بمصطلح المومسات. وهذا السعر غير ثابت أحيانا ويخضع لجاذبية وحسن المومس وصغر سنها وما تتمتع من فن الإغراء والمتعة للزبائن ... فحديثات العهد في العمل في المبغى أو صغيرات السن اللائي يتمتعن بمفاتن جنسية خاصة يتعاطين أجورا مرتفعة عن القديمات أو المسنات (الايجات) الفاقدات الجاذبية الجنسية!
وكان البغاء في تلك الفترة يمارس في بغداد على عدة اشكال :
الأول : في المبغى العام ويخضع لقانون البغاء الذي يراقب تنفيذه من قبل السلطة التنفيذية والتشريعية .
الثاني : في البيوت خارج المبغى العام والمحلات القريبة للميدان وتكون اكثر نظافة واعتناء من مسؤولي ادارة هذه الدور وتكون المومس اكثر هنداما واجمل صورة من بنات المبغى العام، واحيانا تكون من طبقة متعلمة واجورهن مرتفعة عن اسعار المبغى العام .
الثالث : أن اغلب هذه الدور لم تكن معروفة الا لرواد وطالبي المتعة عن طريق القوادات حيث يعرف بها طالب المتعة عن طريق الاصدقاء او المخالطة واحيانا عن طريق الصدفة .
الرابع : المعروف بالبغاء السري وهذا يمارس في دور وفنادق وشقق يصعب التوصل اليها من قبل العامة الا لمن ندر من الطبقة الخاصة ومن المترفين من الناس، لان هذه الدور تقع في اماكن لا تجلب الشبهة قط ومحاطة بالتكتم الشديد، فهي اشبه بالنوادي السرية .
الخامس : يتضمن طبقة الراقصات والمغنيات في الملاهي والفنادق الرخيصة ولا يوجد أي نص قانوني يمنعهن من ممارسة البغاء خلسة لانهن ممتهنات مهنة الرقص والغناء وتعتبر تصرفاتهن غير العلنية مطابقة للحرية الشخصية . وكانت الملاهي تضم انذاك راقصات ومغنيات عراقيات واجنبيات يجلبن من الشام وتركيا ولبنان .
 
– 3
يحافظ هذا التحقيق على الاصطلاحات التي تصف البغاء وأماكنه وممارساته ، وبعضه استولت عليه اللغة الشعبية في سبابها والاوصاف التي تعتمدها في تصوير بعض الاشخاص والممارسات الكريهة . وهدفنا من هذا ليس تشجيع هذه اللغة ، بل معرفة جذورها، فضلا على أننا نقف ضد ممارسات تسيء الى الانسان ، ولاسيما الى المرأة .
لكن هذا لا يعفينا من معرفة ظاهرة قديمة ما زالت تتخذ اشكالا مختلفة ، تظهر وتختفي على ايقاع جملة من العوامل منها: انتشار الثقافة والتعليم، النمو الاقتصادي ، الفقر وعوامل النبذ الاجتماعي ، وطبيعة مؤسسة العقاب الخاصة بالمجتمع والدولة. وفي كل الاحوال لا يخلو هذا الموضوع من الطرافة وظرف بعض الشخصيات البغدادية القديمة ، مع حوادث تتصف بالغرابة.
البغاء في الأربعينيات
اتخذ البغاء في العراق خلال فترة الاربعينيات طابعا جديدا حيث تحول الى ظاهرة مركزية تمارس فضلا على بغداد في مناطق محددة منه في البصرة والموصل. وقد زار الشيخ ( جلال الحنفي ) المبغى العام في البصرة من اجل دراسة الحالة الاجتماعية والصحية للبغايا اللائي يمارسن مهنة البغاء هناك , ونشر بعد الزيارة وثيقة مهمة طالب بها الحكومة العراقية بإلغاء المبغى هناك وكذلك إلغاء المبغى العام في بغداد .
وعلى اثر ذلك ظهرت فكرتان أساسيتان تدعو الأولى إلى تحريم البغاء نهائياً وتدعو الثانية إلى تنظيمه. وقد تم تنظيم البغاء فعلاً اثر صدور نظام تفتيش بيوت الدعارة ومراقبة البغايا لمكافحة الامراض الزهرية رقم (33) لسنة 1943 , على أن الموقف تغير بعد انضمام الحكومة العراقية بموجب قانون رقم (74) لسنة 1955 إلى الاتفاقية الخاصة بمنع الاتجار بالأشخاص والاستغلال، وبناء على ذلك أصدرت الحكومة العراقية القانون رقم (79) لسنة 1956 الذي حرمت بمقتضاه السمسرة مع بقاء البغاء غير محرم بالرغم من تهديم المبغى العام في الميدان والبصرة. وقد زار كما ذكرنا الشيخ المرحوم (جلال الحنفي ) المبغى العام في البصرة في 20/3/ 1956 بمناسبة إقدام الحكومة على إلغاء البغاء على رأس جمعية الخدمات الدينية والاجتماعية وقدم للرأي العام معلومات مهمة عن الأوضاع المأساوية التي وجدت، وطبع هذا التقرير في كراس قدم للرأي العام.
البغاء السرّي بعد إلغاء المبغى العام
واصل الدكتور محمد فاضل الجمالي حملته لاقتلاع هذه المحلة الموبوءة فما ان تسنم رئاسة الحكومة حتى أمر الجيش عام 1956 بطرد القحاب وهدم بيوتهن وازالة كل اثر من آثار المحلة . ويظهر أن ضباط الجيش لم يرتاحوا لفعلته هذه ، فبعد سنتين من ازالة الكلجية من بغداد قاموا بثورة 14 تموز واعتقلوه وساقوه لمحكمة الشعب امام المهداوي بتهمة الخيانة العظمى والعمل للاستعمار!
وبقي البغاء والسمسرة يعملان بسرية بعد نفاذ هذا القانون وانتقلت الدعارة إلى بيوت خاصة في مناطق متفرقة من بغداد وبعض الفنادق في منطقة الميدان وشارع الرشيد والسعدون، وقد أجريت دراسة ميدانية لحجم ظاهرة البغاء السري في العراق ضمن دراسة للماجستير أعدها د. كريم حمزة، حيث أشار في دراسته إلى ان أول إحصائية لحجم البغاء جرى سنة 1953 من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبلغ عدد البغايا (1500) بغي وبلغت جرائم البغاء والسمسرة المسجلة من قبل الشرطة في العراق (856) جريمة فقط .
وبرغم مرور فترة طويلة على إلغاء المباغي في العراق ولكن الظاهرة مازالت متفشية بصورة أخرى كما يذكر د. كريم حمزة في دراسته. فسرية البغاء لا يعني انه أصبح سريا مطلقا، فالبغي لابد أن تعلن عن نفسها بطريقة واخرى وهي مهما أوتيت من قدرة على التخفي تظل عرضة للكشف والملاحقة. بيد ان البغاء المنظم كان شكلا مختلفا ، إذ كانت المرأة البغي تنزل في المبغى اي انها تحترف الممارسة والقانون يحميها، وكان عليها أن تتقبل الضوابط المفروضة عليها وتتعلم كيف تتصرف في المواقف المختلفة .
وبرغم الغاء وتهديم المباني العامة للبغاء لم تنته هذه الظاهرة فأصبح احتراف البغاء يجري بصور جديدة من الممارسة وصلت حد التملص من الرقابة الأمنية وساعد على انتشار ذلك عدة متغيرات متداخلة ومعقدة ، فقد ظلت البيوت المتبقية من المباني القديمة في الميدان تضم أعدادا من المحترفات اللواتي ينطلقن للعمل في مناطق أخرى وفي الغالب يقفن في شارع الرشيد وفي أماكن محددة من شارع الرشيد والنضال وحديقة الامة بانتظار طالبي المتعة ، الذين يأتون اليهن بسيارات أو ينتظرون في بيوتهن باشارة من السماسرة المنتشرين في أماكن خفية من بغداد.
الشرطة ومكافحة البغاء
وقد أوضحت دراسة أصدرتها مديرية الشرطة العامة/ البحوث والدراسات في عام 1988 تناولت فيه البغاء وأسبابه ووسائله بان أماكن اللقاء والتواجد للسمسيرات ( القوادات) أصبحت في صالونات الحلاقة النسائية ، وأصبحت هذه الصالونات مقرا لتجمع السمسيرات والقحاب اللواتي أخذن يوثقن علاقتهن مع بعض العاملات في الصالون وبعض اللواتي يأتين اليهن وتقوم السمسيرات باستدراج من تبدي ممانعة طفيفة بإغرائها بالهدايا والملابس الجميلة.
لكن هناك أيضا مناطق أخرى في بغداد كانت تحتضن العديد من دور القحاب والسمسيرات اللواتي يمارسن الحرفة بصورة سرية ولم تكن في الواقع سرية تماما وذلك بسبب تواطؤ الشرطة وبعض المسؤولين من خلف الستار مع القوادين من الصنف الأول على إدارة اعمال السمسرة في داخل تلك البيوت حصرا عن الأزقة المجاورة للكلجية مثل كوكز نظر والصابونجية والميدان والحيدرخانة وبعض درابين اليهود في محلة التوراة القريبة من سوق الشورجة، وكذلك محلة ( طوبليان) في الباب الشرقي القريبة من منطقة السنك. وقد سميت محلة ( طوبليان ) بسبب وجود عيادة طبيب ارمني اسمه (طوبليان) وكانت في المحلة بعض البيوت السرية المشبوهة . كذلك هناك دور أخرى في منطقة الباب الشرقي محاذية لحديقة الأمة ( الملك غازي سابقا ) ودور عديدة في منطقة البتاوين قرب بستان الخس ( ساحة النصر) حاليا وقد أصبحت في الأربعينيات منطقة تزدهر بدور القحاب والسمسيرات ، وكانت هناك بعض الدور المتفرقة في بداية منطقة بغداد الجديدة.
هذا ما كان في جانب الرصافة من بغداد ، أما في جهة الكرخ فكانت محلة الذهب القريبة من محلة الدوريين المحاذية لشارع الشيخ معروف تأوي القحاب والسمسيرات بصورة علنية ولا تخضع لاية رقابة أمنية أو صحية وإن خضعت يوما فلا تعدو أن تكون رقابة شكلية ، وكانت تقود المنطقة قوادة محترفة تدعى( ريمة ام عظام ) وتملك دورا كثيرة ويساعدها أشهر قواد في منطقة الكرخ يدعى ( محمد النجفي )!
لم تكن تلك المناطق والدور المشبوهة تعمل وحدها في بغداد، فقد كانت هناك بعض الفنادق الموجودة في شارع الرشيد وشارع النهر تلجأ اليها الفنانات والراقصات والمومسات العربيات والاجنبيات اللواتي يستقدمن من متعهدي الحفلات للعمل في الملاهي الليلية واللواتي كن يوقعن بشراكهن بعض طالبي المتعة من العراقيين، وتصبح قصصهن مضربا للأمثال عند رواد الملاهي !
وعندما صدر الامر بتهديم بيوت القحاب والمبغى العام لم يدر بخلد الناس أن الموضوع كان ( تجاريا ) بحتا حيث جرى استملاك رسمي لبيوت المبغى العام بأسعار خيالية لصالح ملاكي تلك البيوت وبالاتفاق مع بعض السياسيين المتنفذين آنذاك! وبعد تهديم المبغى العام انطلقت القحاب إلى الشوارع بكل حرية وانتشرت لتغزو بيوتا عديدة في مناطق مختلفة من بغداد القديمة والحديثة وكان الحديث عن ( اصلاح ) القحاب كما تبنته الحكومة آنذاك مشوبا بالسخرية من المواطنين بعد أن رأوا القحاب والقوادين يتجولون في الشوارع الرئيسة والحدائق العامة والفنادق بكل حرية وبدون مراقبة بل استأجروا بيوتا في مناطق معروفة في بغداد.
وفي نهاية الخمسينيات جرت محاولة لتوطين القحاب في مجمع اصلاحي يسمى( بالرشاد ) أو ( مدينة الرشاد ) ومنطقة الكمالية وادخل العديد ضمنها، ولكن أصبحت تلك المناطق تفوح منها رائحة القوادة العلنية وليس الإصلاح، بل طرأت أساليب جديدة لاصطياد الزبائن لم تكن معروفة سابقا، حيث يتواعدن في عيادات الأطباء والسينمات وفي بعض فنادق شارع الرشيد الرخيصة والكرخ بصورة علنية. ويذكر الدكتور مهدي السماك في مذكراته قصة إحدى القحاب كانت تزوره في عيادته وتدعى (حمدية) التي كانت تضع المكياج الصارخ وتسرح شعرها وتلبس الفساتين القصيرة، وتتردد على العيادة باستمرار وتنتظر في غرفة انتظار النساء وتجلس بالقرب من نافذة الغرفة المطلة على الشارع تنظر من النافذة على الشارع، حيث تتفق مع الزبون هناك، وعندما تشاهده أسفل العيادة تخرج مسرعة من العيادة لتقلها سيارة الزبون التي كانت تنتظرها أسفل العيادة في كل مرة. ويبدو أن حمدية اتخذت من عيادة الدكتور السماك محطة انتظار لتلتقي بطالبي المتعة بسياراتهم الخاصة .
وروى السماك كذلك قصة عن قحبة تحولت إلى قوادة من القوادات وتدعى (وزة) وكانت في البداية تصطحب لعيادته بعض المرضى من معارفها ومن قحابها . وهي متزوجة من رجل تزوجها وهو في أوخر عمره، وعندما توفي أصبحت قوادة تصطاد البنات من حمام النساء. وعندما سألها الدكتور السماك كيف تصطاد البنات الصغيرات اجابته وهي تبتسم في حمام النساء كنت ادور عليهن واصطاد المحترفات والهاويات ( الغشيمات ) اللواتي يسهل اقناعهن بالمال أو بالمصوغات الذهبية أو الملابس واستدرجهن إلى دور المتعة .
وبينت الدراسة التي أعدتها مديرية الشرطة العامة في الثمانينيات زيادة حجم ظاهرة البغاء من خلال دراسة ميدانية شملت المئات من البغايا والقوادات اللائي كن يقضين عقوبات في سجن النساء ، وقد كشفت الدراسة عن وجود محلات واماكن عديدة استغلتها القوادات في انتشار وشيوع وسائل عديدة مؤدية لانتشار البغاء السري والعلني منها :
1- صالونات الحلاقة النسائية : حيث تبين من الدراسة أن عددا كبيرا من السمسيرات والقحاب يترددن على صالونات الحلاقة النسائية وانهن يوثقن علاقتهن مع بعض العاملات في هذه الصالونات ويستدرجن من تبدي ممانعة طفيفة أو شيئا من التخوف ويسهلن الأمر لمن لديها التقبل لمزاولة فعل البغاء وتقوم القوادات بتطمين وحماية من توافق على ذلك بتوفير أماكن أمينة لممارسة الجنس
وكانت هناك صالونات حلاقة معروفة في شارع السعدون والمنصور والرشيد تكون مملوكة أحيانا للقحاب. هناك مثلا صاحبة صالون معروفة ذات نفوذ قوي قد هيأت بيتها لممارسة البغاء فيه كما أنها دفعت بناتها لممارسة البغاء والإشراف عليه ووفرت لهن الإمكانات المادية والحماية الآمنة واستخدمتهن في إقناع واصطياد بعض الفتيات اللواتي يقصدن محال الحلاقة .
2- الملاهي ومراقص الديسكو : الكثير من الفتيات التي تقل أعمارهن عن العشرين سنة كن يقصدن مراقص ( الديسكو) وكان الهدف من ذلك الالتقاء بطالبي المتعة والاتفاق معهم على اجر معين ومكان معين يمارسن الفعل الجنسي. وبينت الدراسة أن اغلب الفتيات المترددات على الملاهي لا يذهبن بمفردهن بل يتفقن مع عدد مساو أو متقارب لعدد الشباب فيخرجون كمجموعة واحدة لاصطياد الزبائن .
3
- الحمامات الشعبية للنساء : كشفت الدراسة التي أعدتها الشرطة العامة عن وجود العديد من السمسيرات في الحمامات الشعبية يلتقين هناك بعدد كبير من الفتيات ويقمن بخبرتهن وحدسهن بتوثيق علاقتهن مع من لديها مشكلة أسرية، وتقوم السمسيرة بدعوتها إلى بيتها ثم تقدم لها هدية مناسبة مادية أو معنوية وهكذا يتم استدراجها للوصول إلى فعل الفحشاء والبغاء وقد استطاعت إحدى السمسيرات أن تلتقط فتاة جميلة جدا بهذه الطريقة وتأخذها معها إلى الموصل حيث باعتها إلى سمسيرة أخرى وهكذا .
4- جيران السوء : كثير من القحاب والسمسيرات بعد تهديم بيوت البغاء في المبغى العام بالميدان انتقلن للعيش في مناطق عديدة من احياء بغداد السكنية، فانتشارهن في هذه الإحياء ساعد السمسيرات على إقناع بعض النسوة من الجيران إلى ممارسة البغاء وخاصة بعض الأسر التي تعيش حياة غير مستقرة عائلية أو نفسية وقد أقنعت إحدى السمسيرات إحدى المتزوجات حديثا إلى دخول معترك البغاء وتمارسه خلال فترة غياب زوجها لأنها كانت بحاجة ماسة إلى النقود لمساعدة والدتها المريضة وقد امتثلت هذه المرأة لطلب جارتها. وهناك حالات أخرى كانت فيها الفتاة اللعوب ذات السمعة السيئة تخاف من الفضيحة فتقصد بيت جارتها المعروفة بالسمسرة وتمارس فعل البغاء في بيتها .
شهادات حيّة من نساء المهنة
حالة رقم (1)
في شارع من شوارع بغداد المعروفة ينتصب بيت فخم ، تسكنه امرأة عمرها ثلاثون عاما ، تحب المحتاجين وتتصدق على الفقراء ، ولهذا فالناس في محلتها لا ينادونها باسمها بل بأسماء أخرى من قبيل (العلوية) ، ( ام الحسنات)، ولا يعرف أهل المحلة ان لهذه المرأة قصة هي اقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة واليكم قصتها .
كانت (فاطمة ...) شقية .. فتاة تحب معاكسة الآخرين ولم تدخل المدرسة قطعا ، كانت طفلة أو لنقل مراهقة حين تعرفت وهي بعمر (13) سنة على شاب اسمه (سعد ...) استسلمت له فارتكبا الخطيئة .
كانت أمها حذرة جدا .. ففاطمة فتاة (وقحة) ولا تخاف من احد . وكانت تحاول ردعها، وارادت أن تزوجها. ولما شعرت البنت بضغط أمها عليها دبرت لها مكيدة لا تخطر على بال .
كان اخوة فاطمة متزوجين وكل في بيته فذهبت إلى بيت احدهم وأخبرتهم بان أمها تريد أن (تسمسر) عليها فصدقوها.. فاتفق الاخوة على قتل الأم على ان ينفذ الأمر أصغرهم الذي كان عمره اقل من (18) عاما. وقتلها فعلا، وحكم عليه بست سنوات بجريمة غسل العار، متهما أمه بأنها تمارس الزنا، غير أن التشريح اللاحق لجثتها اثبت أنها لم تمارس الجنس لفترة طويلة حتى مع زوجها.
وفي احد الأيام كانت فاطمة في احد الحمامات النسوية فتعرفت على امرأة اسمها ( كاظمية ...) فهربت من أهلها وأخذتها إلى البصرة . كانت فاطمة جميلة، ممتلئة، بيضاء بشعر اسود، صغيرة لا يتجاوز عمرها (14) عاما ، فاشتغلت بغيا في بيت ( ليلى أخت الخوات – يسمونها كذلك لأنهن أربع خوات سمسيرات هن : ليلى ، نوال ، جواهر ، وبدرية . فسكنت عندها وكانت تتقاضى عن الممارسة الجنسية الواحدة ( دينارا ومئة فلس فقط) والزمن عام 1970 وفي إحدى الليالي دخل رجل (ملثم) ومعه عدد من الشرطة إلى بيت (منزل) ليلى اخت الاخوات . كان هذا الرجل هو شقيق فاطمة الذي عرفها في الحال ، ولم تعرفه .
فاقتادتها الشرطة وعندما سألوها عن اسمها قالت أنها ( نهاد محمد ) وإنها فتاة لقيطة. ولما الحّت عليها الشرطة اعترفت لهم باسمها الحقيقي ولكنها قالت في هذه المرة أن اخاها هذا هو الذي يجبرها على ممارسة البغاء، غير أن شقيقها هذا كان لحسن حظه سجينا ، واثبت ذلك بأوراق رسمية .. ولما ضاقت الحيلة عليها طلبت فاطمة حماية الشرطة لها من أخيها الذي سيقتلها حتما .. وطلبت تسليمها إلى أبيها .
كانت فاطمة تقول للشرطة إن والدها يسكن مدينة الحلة .. وما أن تصل الحلة وتبقى فيها أسبوعا أو أسبوعين حتى تقول لهم انه يسكن مدينة بعقوبة.. وهكذا ظلت تنتقل في حماية الشرطة من مدينة إلى أخرى ، واستطاعت أن تتصل بالشخص الذي كان قد أزال بكارتها ، (سعد...) وامرته بأن يتزوجها ليخرجها من السجن وإلا فأنها ستبوح بالأمر إلى إخوتها الذين سيقتلونه بالتأكيد . وقبل (سعد) مرغما .. فتزوجها ثم طلقها. وعادت فاطمة إلى مهنتها (البغاء) ولكن بعد أن تزوجت سمسيرا. وظلت عنده إلى أن تزوج أخرى فطلقها، وكان ذلك في عام 1975 . ثم التجأت الى الغجر ، وتزوجت احدهم وبقيت معه ست سنوات إلى أن قتل هذا الغجري من قبل شخص اسمه ( م ) بسبب أخته المطربة ( س)، وما أن دفن هذا الغجري حتى تزوجت من غجري وسمسير أيضا. وظلت فاطمة مع الغجر.
وفي عام 1982 قصدت فاطمة مدينتها الأصلية لحاجتها إلى جنسية وشهادة جنسية لها ولابنتها . كانت تبحث في الشوارع عن وجه أبيها. وكان هذا جالسا في احد المقاهي وحين لمحته عرفته ولم يعرفها . فانتحت به جانبا وقالت له :
-هل تعرفني؟
-اجاب كلا !
قالت له : إنني ابنتك فاطمة!
اغمى على الرجل العجوز . ثم طمأنته (فاطمة) بأنها بخير وأنها متزوجة (مستورة) وأنها تريد أن تشتري بيتا هنا بالقرب منه وأنها بحاجة إلى الأوراق الأصولية.. وان عليه أن لا يخبر إخوتها بذلك.. (ففاطمة) العائدة بعد (17) عاما لا يمكن أن يعرفها إخوتها .. وتم لها ذلك.. واشترت ذلك البيت الفخم.. وزكّت أموالها.. وأخذت تتصدق على الناس.. تحاول بالدرجة الأولى أن تكفر عن خطيئتها بقتل أمها التي لا يمكن أن تتطهر منها حتى لو اغتسلت بدموعها التي سكبت الكثير منها أمامي ، ندما ليس على ما فعلته بنفسها بل على ما فعلته بأمها .
بقي أن أقول لكم أنها كانت قد علمت بان زوجها الغجري (الأخير) كان قد قدم عليها شكوى في احد مراكز الشرطة ببغداد متهما إياها بأنها خطفت زوجته، وتناهى إليها الخبر وهي في مدينتها البعيدة عن بغداد فتداركت الأمر قبل أن تصل الشكوى إلى مدينتها، وقدمت إلى بغداد لتستبق الإحداث، فتم توقيفها بتهمة السمسرة أو البغاء رغم ادعائها أنها تركت هذه المهنة منذ خمس سنوات .
الحالة رقم(2)
ولدت عام (1945) في منطقة (الصابونجية) ( الميدان) ببغداد . كانت فتاة يتيمة . حين أصبح عمرها (11) سنة تزوجت من رجل كبير السن فعاشت معه لثماني سنوات وانجبت منه خمسة أطفال . وتصفه بأنه لم يكن يؤدي واجبه كأب ، فنشبت المشاكل بينهما . وكان هذا الرجل متزوجا فتركها وعاد الى زوجته الاولى، وطلبت منه الطلاق ، ونزلت إلى شارع الرشيد تمارس البغاء في فنادق هذا الشارع. كانت تتقاضى دينارا واحدا عن الممارسة الجنسية الواحدة .
ثم سافرت إلى البصرة ، واستقرت في محلة السيف وكانت هذه المحلة تضم بيوت الدعارة . وأصبح بيت أو (منزول) (سميرة) معروفا حيث كانت تدير أمور البغاء فيه، وكان ( القوادون) يجلبون لها البنات. وتقول سميرة أن الأجرة في ذلك الوقت (نهاية الستينيات) كانت بدينارين ، ترتفع في أيام الخميس والجمعة إلى أربعة أو خمسة دنانير، حيث يأتي (الزبائن) من عدد من أقطار الخليج العربي فضلا على العراقيين . وكانت البغايا يخضعن إلى الفحص الطبي أسبوعيا . وتروي (سميرة) أن ( العصر الذهبي للبغايا) في العراق كان في الخمسينيات إلى أن أمر احد رجال الدين بعزلهن، فأصبح الأمر أن التي لديها (واسطة) تفتح بيتها، ومن تفتقد ذلك تعمل سرا .. بحسب روايتها .
وبقيت سميرة تمارس السمسرة إلى منتصف الخمسينيات . ثم عادت إلى بغداد واستقرت في منطقة (...) وهي تمتلك الآن بيتا وعمارة فيها شقق سكنية . ولما سألنا (سميرة) أن تقول لنا في ضوء (خبرتها) الطويلة عن أسباب التجاء الفتيات لممارسة البغاء من وجهة نظرها ، لخصتها بالاتي :
أما أن الفتاة عاشت يتيمة ولم تجد التربية الصحيحة أو أنها تفر من عائلتها لظلم أهلها، وعندما تفر تخشى الخوف من عودتها إلى أهلها فتلتجئ إلى هذا السبيل ، أو لحاجة اقتصادية .

.
 
– 4
الحالة رقم (3)
ولدت في بغداد وتزوجت وعمرها (17) سنة ، واستمرت حياتها الزوجية لسنة واحدة انتهت بالطلاق . في احد الأيام تعرفت على امرأة سمسيرة في احد الحمامات النسوية العامة، وكانت ( سعاد ..) عندها خالة تسكن في الموصل فرجت أمها أن توافق على سفرها إلى بيت خالتها واتفقت مع السمسيرة وذهبتا إلى الموصل وبالذات إلى محلة ( السحاجي) حيث المنطقة التي يجتمع فيها عدد من الغجر وأخذت تمارس البغاء هناك . كانت تتقاضى في عام (1978) دينارا ونصف الدينار عن الممارسة الجنسية الواحدة، ثم ارتفع السعر إلى دينارين ، وثلاثة إلى أن وصل عام (1987) إلى عشرة دنانير .
ولكي تسوي الأمر مع أهلها اتفقت (سعاد) مع خالتها وصارحتها بالعمل الذي تمارسه ، وأخذت تدفع لها بحدود عشرين إلى خمسين دينارا في الأسبوع ، علما بأنها تكسب في اليوم الواحد بين ثمانين إلى مئة وعشرين دينارا .
ولما سألناها عن أسباب ممارستها لهذا العمل ، أجابت بأنها كانت تغار جدا من أية واحدة تلبس ملابس جيدة وحليا ذهبية وأنها الآن لديها من الذهب والملابس ما يشبع حاجتها، إضافة إلى أنها تميل إلى البذخ في الصرف . وتقول إنها تحب جميع افراد عائلتها باستثناء والدها لأنه كان يضربها ويظلمها .
وترى ( سعاد ) أن الأساليب التي تؤدي إلى وقوع الفتاة في البغاء هي الحمامات وصالونات الحلاقة ، وتجمعات الصديقات .
ملاهي بغداد ...
بالإضافة إلى دور القحاب العلنية والسرية التي انتشرت في بغداد بعد الغاء المبغى العام عام 1956، انتشرت في بغداد الملاهي التي كانت مقرا دائما لطالبي المتعة من البغداديين والمحافظات المجاورة ، وصارت مرتعا للسمسيرات والقوادين. لم تعد صالات للغناء والرقص بل ملتقى لمجموعة كبيرة من طالبي المتعة والجنس من القوادين والشاذين . وقد شيد أول ملهى في بغداد في منطقة الميدان سمي ( مقهى سبع )، وقد شيد فيه مسرح فوق سطح المقهى. وفي هذا الملهى حدثت جريمة قتل مشهورة سميت بفاجعة نعيم حيث قتل الفتى الراقص ( نعيم ) الذي جلب من سوريا ليرقص هناك ويمارس معه الفعل الجنسي من قبل بعض الشواذ وكان قاتله مغرما به ويغار عليه من المترددين عليه لمشاهدته وهو يرقص، وقد رثاه الشاعر معروف الرصافي بقصيدة عنوانها ( اليتيم المخدوع ) ورثاه أهل بغداد بقصائد شعبية .
وقد جلبه إلى بغداد رجل يهودي يدعى سليم من مدينة حلب وكان نعيم غلاما جميلا انعم عليه الله بالحسن والجمال فافتتن به كل من رآه من مرتادي هذه الأمكنة، وقد بدأ يرقص ويغني في الملهى فأحبه الكثير من طالبي المتعة مع الغلمان. أطلق عليه النار احد المترددين على الملهى وكان يحبه ويغريه بالمال ويسترضيه بالكلام ولكنه لم يفلح في النيل منه لكون نعيم أحب شخصا آخر. وقد ضاق ذرعا من تصرفاته معه فجاءه ليلا وهو سكران وأطلق عليه عيارا ناريا فسقط الغلام على الأرض مخضبا بدمائه .
وفي عام 1933 ارتأت بلدية بغداد أن تشيد مسرحا للرقص والغناء فاقامته في موضع محطة غربي بغداد / محطة كركوك. و كانت تغني وترقص فيه المغنيتان ( بديعة لاطي واختها جنان لاطي). وبعد احتلال بغداد انشئ ملهى باسم ( ماجستك) وسمي بعدها بملهى الهلال في منطقة الميدان، واشتغلت فيه الراقصة التركية ( آلن ) وماريكه دمتري، وبعدها جاءت ترقص فيه ( روزه نومه ) والراقصة هيله . وقد ساعد الاحتلال على انتشار الملاهي في بغداد والموصل والبصرة فانتشرت في بغداد ملاه عديدة روجت لإقبال الراقصات عليها من الموصل والحلة والناصرية والبصرة حيث يتعاقدن على الرقص والغناء ومجالسة الزبائن مع أصحابها، فتزاحمن وازداد عددهن وقدمن لطالبي المتعة ما يحبونه من طرب ورقص وليال جميلة، ومنهن الراقصة جليلة ام سامي التي مارست الغناء والبغاء في اوتيل المنير في عام 1932 وكانت تتردد على المواخير المكتظة باللهو والسمسرة . ومن أشهر الراقصات في الثلاثينيات والأربعينيات التي ذكرها عبد الكريم العلاف في كتابه ( قيان بغداد ) في الملاهي ببغداد والمحافظات :
- بديعة جمال : وهي فتاة من الجنوب وثقت علاقتها مع سمسيرة تدعى ( ام الحليب) وقد جاءت بها إلى بغداد عام 1944 واشتغلت في ملهى الجواهري بعدها رجعت مع قوادتها أم الحليب إلى البصرة حيث استقرت فيها.
- بهيجة منصور : فتاة مسيحية عاشت في بغداد واشتغلت أول أمرها في ملهى الفارابي ثم ذهبت إلى العمارة حيث اشتغلت في ملهى الكحلاء ثم البصرة وبقيت فيها حتى اعتزلت .
- خديجة علي : وهي فتاة من الموصل جاءت إلى بغداد مع أختها حيث فتحت لها ملهى باسم ( نزهت البدور ) في عام 1934 في منطقة الميدان. وقد كثر رواد الونسة عليها لحسنها وجمالها ولتوفر عناصر الترفيه فيها .
- سليمة دجلة : وهي فتاة يهودية جاءت من شمالي العراق إلى بغداد عام 1940 مع أبيها وأمها وكانت تحب الرقص، فاشتغلت في ملهى الفارابي وكانت مثار إعجاب رواد الفن والفرفشة، ثم رحلت إلى اسرائيل بعد أن أسقطت جنسيتها العراقية .
- شكيبة صالح : وهي فتاة يهودية أيضا كانت ترقص وتغني في ملهى الفارابي، وسحرت بصوتها كبار السياسيين آنذاك حيث كانوا يجلسون معها لملاحة حديثها ودلالها وبقيت في الميدان تتعاطى لعب القمار وفتحت ( كلخانة ) للقمار هناك .
انتشار المتاجرة بالقاصرات
اعتاد اغلب السماسرة والسمسيرات في فترة الأربعينيات المتاجرة جنسيا بأعراض الفتيان والفتيات القاصرات خاصة الجميلات منهن. فنرى القوادة تبذل كل ما لديها من طرق الإغراء والتحريض بغية حصولها على فتاة صغيرة جميلة لغرض استخدامها في ممارسة فعل البغاء بكل وسيلة متوفرة لديها، وهي أن حصلت على تلك الفتاة تعمل المستحيل على إبقائها في حوزتها مدة أطول من الزمن مستغلة عواطفها وجموح نزواتها العارمة واندفاعها لإشباع رغباتها الجنسية أو قد تعمد القوادة على تحريض الفتيات القاصرات على البغاء مستغلة حاجتهن إلى المال فتراها تغرقها أول الأمر في فيض من الملابس الفاخرة والحلي الذهبية والنقود الكثيرة لكي تضعف مقاومتها فضلا على التدليل لها بأنها تعيش حياة بذخ من وراء ممارستها لفعل البغاء قد لا تحصل عليه في أي مكان أخر .
الواقع أن هذا البذخ المؤقت لضحيتها الجديدة قد لا يطول أمره حيث أن أي قوادة لا تبذل ما تبذل من مال وحلي ذهبية لأي فتاة ما لم تتوقع مقدما أن هذه الضحية ستدر عليها مالا وفيرا قد تصبح غنية من ورائها ومن وراء أمثالها ، ذلك لان هدفها إشباع رغبة طالبي الجنس واللذة والتمتع بالجديد من الفتيات وبالتالي التكسب من ورائها لذا نجد بيوت الدعارة السرية في بغداد كانت تعج بأمثال أولئك المخدوعات اللائي شاء قدرهن الوقوع بشرك السماسرة وحبائل تجار الرقيق الأبيض. لقد انتشرت الفتيات الصغيرات القاصرات في الفنادق والبيوت الفاخرة، وقد أثيرت قضية في المحاكم العراقية عن سمسيرة أثارت ضجة في حينها لدى المجتمع العراقي في الخمسينيات المعروفة باسم (أمل) وهي سمسيرة مشهورة كانت تجلب الفتيات الصغيرات إلى بيتها بواسطة أعوانها من الفتيات المحترفات للبغاء لغرض استغلالهن في ممارسة فعل اللواطة والبغاء.
وقد هتكت هذه القوادة الكثير من اعراض الفتيات، وكانت تفلت من يد الشرطة والعدالة أكثر من مرة إلا أن شكوى فتاة قاصرة عليها أوقفتها خلف القضبان وتمت محاكمتها في محكمة جزاء بغداد في الشهر السابع من عام 1954. وذكرت الفتاة القاصرة أن السمسيرة (أمل) أكرهتها على ممارسة فعل اللواطة مع رجلين يأتيان إلى بيتها بالاتفاق مع صديقات لها بعد أن استدرجتها صديقة السمسيرة بحيلة مفادها بان (أمل) تعمل خياطة ماهرة فأخذتها إلى بيتها لغرض خياطة فستان جديد لها وهكذا اقتيدت الفتاة إلى بيت السمسيرة لتكره فيه على تعاطي اللواطة لكونها فتاة باكر، وقد أصدرت المحكمة قرارا بحبس السمسيرة وصديقها لمدة سنتين لتحريضهن واغوائهن لفتاة لم تبلغ من العمر 13 سنة على الفجور وارتكاب أفعال مخالفة للآداب .
محلة الذهب بين الماضي والحاضر
في الجانب الآخر من بغداد أي في صوب الكرخ، هناك حي رديف للكلجية في الرصافة يطلق عليه محلة الذهب، لكنه لا يقل شأنا عن الصابونجية وكوك نظر، وكلما يرد اسم هذا الزقاق في الذاكرة البغدادية يقال انه كان للبغاء العلني ، وهذه حقيقة مؤكدة ولا تزال هذه المحلة مرتعا لطالبي المتعة والقحاب. بدأ ظهور ملامح البغاء العلني في هذه المحلة بداية الثلاثينيات من القرن الماضي .
كانت ملكية أرضها تعود إلى عائلة تركية جاءت مع العسكر العثمانيين وتدعى ( عائلة الريزه لي) واستوطنت هذا الزقاق وامتهنت إضافة إلى مناصبها الحكومية مهنة التجارة والزراعة، وكان مقر سكناهم في محلة الحاج فتحي وسوق الصفافير في جانب الرصافة، والبعض منهم اتخذ من الكرخ سكنا له، وسبب تسميتها بمحلة الذهب أن قطعة الأرض بيعت بليرات الذهب لأنه من كان يملك المصوغات الذهبية ( الليرات) يستطع ان يشتري قطعة الأرض ولهذا عرفت باسم محلة الذهب .. ولكونها قريبة من محلات الكرخ القديمة وجسر الشهداء ( الجسر الضيق ) سابقا لهذا فقد فضلوها على الذهب وأخذت تسكنها بعد انحسار الدولة العثمانية ودخول الانكليز بغداد عائلات غريبة عن بغداد والعائلات المهاجرة من المحافظات وبعض الكاوليه ( الغجر) وسكنت فيها أول قوادة معروفة اسمها ( ريمة) ويطلق عليها السماسرة (ريمه أم عظام) التي استولت على اغلب دور المحلة وجاءت بفتيات صغيرات من مختلف مناطق بغداد وخارجها للسمسرة عليهم . وهناك سمسيرة أخرى تدعى (نجية) ويلقبها القوادون بـ( صبحية العربية ) وابنتها ماجدة التي قتلت على أيدي عصابة داهمت بيتها في السيدية .
وبالإضافة إلى القحاب والسمسيرات واللقطاء كان يسكن المحلة شاب مخنث يدعى ( جوهر الشعار) وهو شاب وسيم فارع الطول يضع المساحيق على وجهه والأحمر على شفتيه وينسدل شعره الطويل على ظهره وكان دليل طالبي المتعة للبضاعة الجيدة من بائعات الهوى ، وإذا كان شاذا فيدله على (كلخانه) المحلة ففيها من البضاعة من الغلمان واللقطاء. ومن أشهر قوادي المحلة آنذاك قواد يدعى ( عباس كزه) وهو لقيط عاش فترة طويلة في المحلة وارتكب جريمة قتل اتسمت بالذكاء والحنكة، ولكن خبرة الشرطة في الجعيفر مع الشاذين وطالبي المتعة والقوادين دلتهم على مرتكب الجريمة وهو عباس كزه واليكم قصة جريمته :
أسطورة.. عباس كزِة في محلة الذهب !
كان كل شرطة مركز الجعيفر وضباطه يعرفونه حق المعرفة ، ويبتسمون كلما شاهدوه وربما استدعاه احدهم وتجاذب معه اطراف الحديث ليروح عن نفسه من متاعب العمل .. كان اسمه (عباس كزة) فقد كان بلا عمل، يروح ويغدو طوال اليوم بملابسه الرثة .. ويصيح بألفاظ غير مفهومة.. فتراه يدور في درابين محلة الذهب والشيخ صندل وهو محزم على الدشداشة فيلاحقه الصبيان والأولاد ويرددون (عباس كزة .. بيك اهزة ) فيلاحقهم عباس ويرقص على النغمة وعلى تصفيق الصبية وهز ردفيه .. واصبح عباس حديث المحلات والدرابين في جانب الكرخ.. وغيرها، وإن كان بعضهم يتحدث عنه بكثير من الحسد .. ليس بسبب انه غير مضطر للعمل، حاصلا على قوته وملابسه من احسان الاخرين، وإنما لأن عباس كزة كان قد تزوج بفتاة صغيرة رائعة الحسن ظهرت فجأة في محلة الذهب.
لا يعرف احد من اين أتت هذه الفتاة ولاسيما أنها محلة تضم اعرق القوادات واللقطاء والشاذين وبنات السبيل والكيف ! كانت الناس تتساءل: كيف رضيت فتاة صغيرة وجميلة بعباس زوجاً .. وحدث تغيير في أحوال عباس، فقد دخل مركز الجعيفر ذات صباح وهو يصرخ ويهلل ثائراً ..
- سأله الضابط متندراً: ماذا بك يا عباس!
- صرخ عباس: ضربتني .. وطردتني من المنزل!
- ساله الضابط مندهشاً : من ؟
- قال عباس : زوجتي القحبة!
- سأله الضابط : ولماذا تضربك وتطردك من بيتك؟
- قال عباس : انها تريد ان تنفرد باحد الجيران في بيتنا ولا ترغب في ان أكون بالبيت حتى لا اضايقها.
استغرق الضابط في الضحك من غرابة الموقف ..
- وسأله : وماذا تريد .. هل تريد ان نقبض على جارك وزوجتك؟
ظهرت علامات الذعر على وجه عباس ..
- وصاح :لا.. ستغضب زوجتي إذا حدث ذلك .. وقد تحرمني من دخول المنزل الى الابد ..
- سأله الضابط : اذن ماذا تريد؟
- قال عباس : ان تطلب منها الا تفعل ذلك ..
- قال الضابط : لماذا اذن لا تطلقها يا عباس وتستريح؟
- قال عباس : انا احبها .
- قال له الضابط : اذن صارحها وقل لها ان ما تفعله ليس من الصواب.. اخبرها انك تحبها .. ولا اظن انها ترضى بالاساءة اليك ..
ورغم ان عباس كزة لم يقتنع بهذا الكلام .. الا انه غادر مركز الشرطة وهو يغمغم بكلمات غير مفهومة .. لكنه عاد ليظهر في اليوم التالي .. وهو يصرخ في وجه كل من يقابله ..
قائلاً : ساشتري مسدسا.. وساقتله ..
سألوه : من هو الذي سوف تقتله؟
قال عباس : الرجل الذي يتردد على منزلي .
فانصرفوا عنه غير عابئين بتهديده .. فهو مخبول لا يدري ماذا يقول. لكن سكان المحلة روعوا ذات مساء بصوت طلقة نارية تمزق صمت الليل، وعندما اسرعوا الى مصدرها علموا انها آتية من داخل بيت عباس كزة ، وجدوا رجلاً يرقد على الارض غارقاً بدمائه .. وقد لفظ انفاسه الاخيرة . وعندما حاول بعضهم اسعاف الرجل فوجئوا بصوت في الظلام يقول : لا تتعبوا انفسكم .. فقد مات .. والتفتوا ليجدوا عباس كزة يبرز من الظلام وبيده مسدس. وسرعان ما حضر رجال شرطة الجعيفر والقوا القبض عليه .. وقد اعترف بجريمته ببساطة شديدة .
- وقال : انا الذي قتلته .. لقد سبق ان شكوت من تردد شخص مجهول على بيتي اثناء غيابي .. انه لا يحق له التسلل هكذا في جنح الظلام الى بيتي .. كنت نائماً وشعرت بمن يفتح باب البيت .. فهرعت الى المسدس الذي اشتريته من سوق الشواكة وصحت فيه فلم يرد فاطلقت النار عليه .. لم اكن اقصد قتله بل كنت اريد تخويفه .. لكن الرصاصة اخترقت رأسه فمات .
وبدأ التحقيق مع عباس كزة .. ساله ضابط التحقيق : هل كانت لزوجتك علاقة باشخاص اخرين؟
- قال بأسى: نعم!
- ولماذا لم تحاول الانتقام منهم جميعاً؟
- لم اكن استطيع التصدي للجميع .. وعندما حصلت على المسدس تشجعت.. وحدث ما حدث ..
- هل تريد اتخاذ الاجراءات القانونية ضد زوجتك .
- لا..
- لماذا ؟
- لاني احبها!
وقام قاضي التحقيق باستدعاء زوجة عباس، فجاءت.. صبية في العشرين، باهرة الحسن.. تبدو من عينيها نظرات حادة اخاذة تنم عن ذكاء شديد .
- سألها القاضي : ما هي معلوماتك عن الحادث .
- قالت : لا اعرف شيئاً .. فقد كنت نائمة واستيقظت على صوت رصاصة. اعتقدت ان لصاً تسلل الى البيت .. فصرخت وهرعت لاجد زوجي واقفاً ممسكاً بالمسدس وعلى الارض كان يرقد القتيل .
- الا تعرفين شخصية القتيل ؟
- ابداً ..
- زوجك يقول إن القتيل كان قادماً اليك في جنح الظلام وانه كان على علاقة غير مشروعة بك؟
- زوجي مخبول.. يقول ما لا يعني او يفهم .
- لقد سبق ان اتهمك بانك على علاقة باخرين؟
- ألم اقل لك يا سيدي انه مخبول.. ولا يعرف ماذا يقول!
كانت كل الظواهر تشير إلى إن جريمة عباس لا تعدو أن تكون حادث دفاع عن الشرف .. لكن ضابط الشرطة كان يخامره إحساس غامض بان في الأمر شيئاً غير منطقي .. ومضى ضابط التحقيق المكلف بالقضية بالبحث عن شخصية القتيل بواسطة بصماته .. لأنه لم يعثر معه على ما يفيد شخصيته الحقيقية .. ولم يتعرف عليه احد من سكان المحلة .. وكان قاضي التحقيق قد قرر حبس عباس عدة أيام .. ثم قرر بعدها إرساله إلى مستشفى الشماعية للتأكد من سلامة قواه العقلية لحين تقديمه إلى المحاكمة بتهمة القتل للدفاع عن الشرف .. وترك غياب عباس عن المحلة فراغاً، فلم يشاهد يتجول في الشوارع وخلفه الأطفال في مظاهرة كبيرة. حتى حدثت مفاجأة لم تكن في الحسبان إذ تمكن ضابط التحقيق اخيرا من تحديد شخصية القتيل وكانت المفاجأة انه ابن عم زوجة عباس، وهو مزارع ثري ويملك أراضي زراعية في الحبانية وأكدت المعلومات أن القتيل أعزب ليس من ذلك النوع من الرجال الذي يقيم علاقات غرامية محرمة ..
ومضى ضابط التحقيق الى قضاء الحبانية ليجمع خيوط القصة.. وفي النهاية تمكن من الحصول على الحقيقة المثيرة، وكشف غموض الجريمة، واكتشف ضابط التحقيق ان الجريمة لم ترتكب بسبب مغامرة غرامية للقتيل او علاقة غير مشروعة كانت بينه وبين ابنة عمه زوجة عباس، وانما هي جريمة قتل مدبرة بعناية وسبق اصرار وترصد.
اكتشف الضابط ان الوريث الوحيد للقتيل هي ابنة عمه زوجة عباس كزة وان ذهنها الشيطاني تفتق عن التخطيط لارتكاب الجريمة البشعة كي ترث ثروة واراضي ابن عمها .. ووضعت خطتها مع زوجها المجنون! فاتفقت معه على ان يختلق روايات كاذبة عن علاقات مشبوهة بينها وبين بعض الرجال. وعن عزمه على الانتقام دفاعاً عن شرفه .. ثم أرسلت زوجها الى ابن عمها ليزعم له ان خلافاً حدث بينهما ..ويرجوه الحضور للإصلاح والتوفيق بينهما .. واقتنع المسكين بالقصة الوهمية وسافر ليصلح بين ابنة عمه وزوجها وسقط في الفخ الشيطاني .. وبدلاً من أن يستقبلاه بالترحيب وجد رصاصة الغدر تنتظره فسقط قتيلاً..
تم جلب عباس من مستشفى الشماعية مع تقرير اللجنة الطبية المختصة فتبين انه سالم في قواه العقلية.. وانه ممثل بارع وأدى دوره كرجل مجنون باتقان! وأحيل الاثنان إلى محكمة جنايات الكرخ وقضت المحكمة بالإشغال الشاقة المؤبدة على الزوجة وعلى عباس كزة .. وهكذا انتهت أسطورة عباس كزة من محلة الذهب...

.
 
– 5
بيوت البغاء والمستوى الاجتماعي
كانت بغداد تضم مجموعة كبيرة من دور البغاء السري بعد الغاء البغاء العلني وتهديم اكثر بيوته، فانتقلت السمسيرات والعاهرات الى اماكن مختلفة ضمن الشوارع الرئيسة والفرعية ومنها الازقة الضيقة والطرقات العامة ، ويمكن تقسيم اهم هذه البيوت وحسب مستواها الاجتماعي الى خمسة اقسام :
1- القسم الأول : وتكون هذه الدور محاطة بسياج من السرية خوفا من الشرطة ومراقبتها، واهلها في الحقيقة لا يمتهنون البغاء اما لكونهم غير محتاجين الى المال او انهم يحرصون على سمعتهم وتقاليدهم العائلية والعشائرية ، ولكن بعض الظروف الملحة تحملهم على اتخاذ دارهم للونسة لوقت قصير او طويل. فقد يضطر السكن في هذه الدور لوجود مشكلة من مشاكلهم التي لا تنتهي او خوفا من الفضيحة من مسكنهم الاصلي او تمشية معاملة من المعاملات الخاصة او ارشاء رجال الشرطة المعنيين بهذا التعامل من الرشاوى مع العاهرات.
وتسكن هذه الدور ويمارس فيها البغاء بطرق يمكن ان توصف بانها (مغامرات بغائية) لان اهل هذه البيوت من الحذق ودقة التصرف بحيث يستطيعون اصطياد الاشخاص الذين تدل ملامحهم على اقتدار مالي او اصحاب نفوذ حيث يمكن استدراجهم الى بيوتهم. وبعض السمسيرات الساكنات في هذه البيوت يعملن بالبغاء لا بدافع المقامرة ولكن بدافع الحاجة الملحة وهذه الحاجة الملحة بنظرهن هي الحاجة الى البذخ والرفاهية والثراء، والاشخاص الذين يصطادون لهذا الغرض لابد ان يكونوا ممن يثق بهم اهل الدار ثقة تامة امعانا في التحفظ ودرءا لتفشي الاسرار .
2- القسم الثاني : تتميز هذه البيوت السرية عن سواها بممارسة القمار حيث اصبحت (تلخانات) بالمفهوم البغدادي الصريح، بالاضافة الى توفر القحاب والخمرة وحسب الطلب. وتستمر السهرات في هذه البيوت الى ساعات متأخرة من الليل، ويؤمها بعض التجار والسياسيين وبعض الاجانب الذين ينشدون الونسة على الطراز الانكليزي.
واغلب القحاب في هذه البيوت من صغيرات السن وذوات الجمال والقوام الفتان وبينهن بعض البغايا من الدول المجاورة، من اصول تركية على سبيل المثال. يشرف على البيوت سمسيرات يتبعن اساليب خداع ماكرة للحصول على القحبة الصغيرة واصطياد الزبائن لهن والمتاجرة باعراضهن اذ توجد بينهن فتيات عذراوات هربن من اهلهن او سرقن وهن صغار عن طريق (الكاولية- الغجر) ويتم بيعهن الى السمسيرات لقاء مبالغ ضخمة. وتقوم السمسيرة بتعليم الفتاة كيف تكسب ود الزبائن واسلوب الدلع والهمز واللمز وابراز المفاتن عن طريق ارتدائهن ملابس شفافة تزيد في غواية رواد هذه البيوت .
3- القسم الثالث : هناك بعض الفتيات في هذه الدور لا يسلمن انفسهن بسهولة الى الزبائن إلا لغرض اللواطة فقط. وسماسرة هذه البيوت لهن قدرة فائقة بتمثيل الادوار، فهن يرتدين اجمل الثياب ويسرن في الشوارع او يقفون في محطات الباص، وإن تكلمن فالمخاطب يلمس الرقة والكلام الجميل . بهذه الطريقة تتم عملية صيد الزبون واستدراجه الى تلك الدور العابثة.. ولا تستمر (القحبة) في هذه البيوت مدة طويلة، فهي إما ان تهجر هذه المهنة بعد أن تجمع مبلغا معينا يساعدها على تكملة حياتها القادمة، أو أنها تنزل الى ( صفة) القحاب كسائر القحاب الموجودات في الدار. واغلب هذه البيوت تقع في الازقة.. وفي اغلب الاحيان تكون القوادة قريبة من الفتاة. وقد انحسرت هذه البيوت وقل عددها منذ اواخر عام 1949 .
4- القسم الرابع : ربما كانت منطقة البتاوين والباب الشرقي اغزر من سواها بهذا النوع من البيوت، فهي تستقبل كل من هب ودب من الزبائن.. والبعض منهن يستقبلن شخصا واحدا يحظى بمكانة خاصة عندها ويسمى بالعامية (رفيج) وهي لا تقبل ان يضاجعها احد غيره. ولكن عند الحاجة والطلب المستمر والاغراءات المادية قد تستقبل في غياب (الرفيج) ومن دون علمه بعض الزبائن ولكن بواسطة سماسرة مختصين لهذا الغرض. وربما تعمل ليلة او ليلتين في بعض البيوت السرية وتذهب ( تبياته بلغة القوادات) عند الزبون.
ومن الزبائن الخاصين من يرضى بخيانة البعض مع غيره ولا يرى حرجا في ان تستقبل غيره، ومنهم من يقاسمها في ما تحصل عليه من ارباح، والبعض الاخر يستعمل الشدة والضرب مع القحبة اذا علم من طرف آخر بأنها خرجت من دون علمه! وكان يقوم على ادارة اعمال هذه الدور السرية عدد من القوادات ووكلاء المهنة يساعدونهم في ذلك! واما صغار السماسرة فكان يناط بهم واجب استدراج الزبائن من الشوارع والاماكن العامة كما كان عليه واجب آخر هو الوقوف خلف الابواب.. وابنية هذه الدور فخمة بالغالب ويتخيل للمار العادي انها بيوت لعوائل غنية او مترفة. وفي اغلب هذه البيوت غرف غير مسكونة، وبعضها مؤثث باثاث فاخر والآخر اعتيادي وهذه الغرف معدة للاستئجار الوقتي، بحسب الدقائق والساعات.. حيث يتردد عليها طالبو الونسة مع فتياتهم الخاصة بهم، ومن تدخل هذه الغرف لاول مرة مع صديقها قلما تنجو من القوادة، وإن افلتت من شراكها او اساليبها مرة فانها في المرة الثانية تقع تحت قبضتها القاسية وتستخدمها لأغراضها الخاصة كيفما تشاء .
5- القسم الخامس : هنالك العديد من الراقصات اللائي يعملن في الملاهي لا يستطعن ان يكن قحبة مكشوفة. فتقوم باتخاذ مسكنها سواء أكان في فندق ام في دار ماخورا تتعاطى فيه الفحشاء كأي قحبة محترفة، وهي لا تحتاج في الغالب الى سمسيرة او سمسير لانها تكتفي بما تعلنه عن نفسها في المراقص اثناء الرقص واثناء الجلوس مع الزبائن في صالات الملاهي وغرفها الخفية. ومعظم زبائن هذه البغايا– اذا لم اقل كلهن – يكونن عادة من رواد المراقص والملاهي والكابريهات، ولا يشترط فيهم الغنى ما دام في وسعه ان يدفع نفقات تلك السهرة . وعلى ان هناك انواعا من الاشخاص يفضلون على غيرهم بسبب وضعهم المالي وما يصرفون على الموائد. ولكل راقصة خادمة خاصة بها تقوم على خدمتها وتقوم احيانا بالسمسرة عليها وتنال الاجور من الطرفين .
قحاب الأوتيلات ( البارات )
كانت في بغداد مجموعة كبيرة من الاوتيلات تمتد في شوارع الرشيد والنهر والسعدون معدة لتعاطي الخمر والونسة الخفية، وهي كذلك منتشرة في اغلب المحافظات ، وخصصت بعض غرفها لتعاطي الفاحشة بالاضافة الى بيع الخمور بانواعها. يرتاد هذه الاوتيلات اصناف شتى من الناس منهم من يكتفي بشرب قنينة (بيبسي) او قدحا من الشاي ويدفع اثمانا مضاعفة من اجور خدمة (البويات) - وهو الشخص الذي يعمل لخدمة الزبائن. وهذا النوع من الرواد يكتفون بمجرد النظر الى القحاب الموجودات هناك وما يتمتعن به من سحر وجمال وغنج وميوعة . وعادة يكون هذا الصنف من الشباب ، وهم يترددون على هذه الاوتيلات في اواخر النهار او اوائل الليل.
وهناك نوع آخر من الرواد يترددون على هذه الاوتيلات لغرض الونسة مع القحاب فقط دون تعاطي الخمرة.. ويكون مجيئهم دائما عصرا على الارجح، حيث تكون القحاب خلال هذا الوقت من النهار متفرغات للعمل.. بينما بعد الغروب يرتاد هذه الاوتيلات مختلف انواع الناس بقصد تعاطي الخمور ومجالسة الغانيات في بعض الاحيان . واغلب هؤلاء من فئة الكسبة الذين يحاولون ان يزيحوا عن انفسهم متاعب النهار فلا يجدون الا ان ينفقوا آخر فلس مما حصلوا عليه من عرق الجبين على موائد العرق وفي احضان القحاب. والقسم الذي ينفق ببذخ طائل في هذه الاوتيلات هم اولئك الذين يترددون عليها يوميا بقصد شرب الخمر ومعاشرة البغايا .
أساليب السمسرة في الأوتيلات
كان لاصحاب الاوتيلات والصناع ( البويات ) الذين يعملون فيها خبرة واسعة وفراسة لصيد الزبون وسرقة جيوبه وابتزاز الاموال منه خاصة اذا كان من اصحاب النزوات الموسمية والمترددين على بغداد بقصد الونسة. فكانت ( القحبة ) تجلس مع هؤلاء مبدئيا بطلب منهم وحسب التقاليد المتبعة في الاوتيلات يبتغي صاحب ( الميز) ان يطلب لهذه الفتاة بطل عرق او ويسكي وما ترغب فيه من الخمور. وهنا تبرز مهارة وحيل اصحاب الاوتيلات ، فهم لا يقدمون المشروبات الاصلية لهذه الفتاة وانما يقدمون اليهن ماءً ملونا يشبه الشاي وكأنه شراب الويسكي، ويسجل في القائمة على الزبون بسعر الشراب الاصلي.
وكانت تتفق دائما الفتاة مع صاحب الاوتيل على ذلك وتتقاضى نسبة من المبلغ. وحين يفعل المشروب فعله في هذا الزبون فانه لا يوجد ما يحول دون تلبية رغباتهم في الاختلاء مع الفتاة او اخرى يشتهيها اثناء الجلسة في غرف معدة لمثل هذه الاعمال الجنسية. ويعتمد بقاء الفتاة البغي اكثر مدة على جمالها وعلى أجرتها التي تتفق فيها مع صاحب الاوتيل. ولكن لأصحاب الاوتيلات فنون واساليب لانتقاء الفتاة البغايا فهم يتخيرون الفتيات ذوات الجمال والجاذبية والفن في الاغراء. وكانت بعض الفتيات الموجودات في الاوتيلات يعكفن في غرفهن الخاصة دون مجالسة رواد الاوتيل بانتظار الزبون الذي يدل عليه (البوي) بعد ان يأخذ اجورا معينة من الطرفين.
اما الجرائم التي كانت تقع في هذه الاوتيلات فكانت محدودة واصحابها معروفين بكثرة مداراتهم لرجال الشرطة وضباطها وكذلك ما يقع به من حدس وفراسة للداخل والخارج. ولهذا كان من النادر جدا مثول قحاب هذه الاوتيلات امام الشرطة او المحاكم . رغم ان معدل عدد البغايا في هذه الاوتيلات يتراوح ما بين الخمسة والسبعة في كل اوتيل باستثناء عدد يسير جدا من الغواني اللائي تقتصر مهنتهن على مجالسة الرواد عند تناوله المشروب لاغرائه بالمزيد من البذخ في نفقات (الميز) .. وعلى الاكثر تكون هذه الغانيات حديثات العهد بالعمل في المهنة !
أساليب السمسيرات في جلب الفتيات للمهنة
ربما يستغرب القارئ اذا قلنا ان هناك سمسيرات امتلكن عددا من بيوت الدعارة يعمل فيها ما يناهز 300 ( قحبة) او اكثر، وكلهن ( يكدحن) ليل نهار في بيوت ومواخير الدعارة من اجل ان يضعن نقودا في يد هذا الاخطبوط الذي عبر عنه خير تعبير الفنان الكاريكاتيري (غازي) .. ترى كيف جمعت هذا العدد الكبير من البنات تحت قيادة القوادة ؟ وكيف استطاعت هذه السمسيرة ان تأسرهن وتستخدمهن في هذه التجارة المربحة.. فتصير هذه الفتاة المسكينة سلعة معروضة على قارعة طريق الرذيلة في كل لحظة من لحظات الليل . وفي كل ساعة من ساعات النهار؟
إن لكل واحدة من هذه التعيسات قصة خاصة تشير الى الطريقة التي سيقت بها الى هذه البيوت النتنة..وأن كل واحدة منهن كانت عرضة لكماشة السمسيرة بطريقة خاصة تختلف كثيرا او قليلا عن الطريقة التي استدرجت بها الاخرى.. اذن كانت هناك وسائل واغراءات عديدة تمكن السمسيرة من اصطياد بنات الناس، لأن لأغلب السمسيرات أعوانا منتشرين في اماكن كثيرة يصطادون فريساتهم بأساليب لا تخطر على بال- أعوان واصدقاء من الرجال والنساء منتشرون يتعقبون الطائشات والساذجات، اعوان يطاردون فرائسهم في الاسواق المكتظة بالنساء وفي محطات القطارات والكراجات الرئيسة للسيارات وباصات المصلحة وعلى ابواب السجون في ايام زيارة المساجين، وفي المحاكم الشرعية، وفي الطريق الى المدرسة، ودور السينما والحدائق العامة، وعلى الاخص في ايام الجمع والاعياد.. يأتون بهذه الضحية مستغلين ضعفها او ظروفها ويدخلونها في بودقة السمسرة لتصهر وتصنع منها ( قحبة).
ولدى السمسيرات امكانات مادية هائلة وتملك رصيدا من الاصدقاء وتتمتع بالجاه الذي لها عند اولئك الذين اعتادوا سد شهواتهم في بيوتها الداعرة.. اولئك الذين اعتادوا الاستدانة منها كلما داهم الافلاس جيوبهم! كذلك تمتلك تلك السمسيرة مواصفات الدهاء والمكر والحيل في ارتكاب مثل هذه الجرائم ( جرائم صيد البنات من داخل العراق وخارجه)، وقوة لادارة مافيات من شبكات الصيد السرية التي بواسطتها تصطاد البنات الغافلات – فكم من قروية حسناء كانت تعيش مع اهلها في القرية الهادئة عيشة راضية – فقدم عليهم احدهم من هؤلاء الاعوان وادعى انه من ارباب المصالح في بغداد وانه جاء الى هذه القرية المعروفة بالشرف والحسب والنسب واختار من هذه العائلة بالذات احدى بناتها الطاهرات فيعيش معها عيشة زوجية هانئة .. ثم يبذل المال بين ايديهم باسراف فتصدق الفتاة ذلك ويصدق اهلها وتزف اليه مصحوبة بالدعاء والبخور، واذا بها بعد حين تصبح بغيا في بيوت الدعارة الفاحشة! وكم من فتاة ركبت سيارة اجرة لتصل الى مكان عملها بعد ان لاحظت وجود سيدة محترمة فيها ظنتها امرأة شريفة مثلها واذا بها تصبح في احدى دورها بطريقة من الطرق الاخطبوطية المجرمة ، ثم لا تقوى على المقاومة بعد ذلك فتسلم نفسها لما دبرته لها تلك السمسيرة من حيل ، وصار لزاما عليها التردد على ذلك البيت كلما طلبت السمسيرة اليها المجيء.
وهل تستطيع الفتاة الامتناع ؟ لقد هددتها السمسيرة بفضح امرها امام اهلها إن عصت الاوامر وخالفت لها الكلام وسوف يكون مصيرها الموت او التشويه ! وكم من تلميذة صحبتها زميلتها الى احد البيوت المثبت على بابها لوحة كتب عليها ( دار خياطة نسائية ) او ( دار لتعلم التطريز ) .. واذا بها امام وحوش بشرية كاسرة تلتهمها على الفور.. وكم من امرأة استجابت الى طلب صديقتها التي تعرفت عليها في الحمام النسائي فذهبت الى منزلها العامر لتناول الملح والزاد واذا بها تتناول السم الزعاف توكيدا لسذاجتها وطيبة قلبها؟
وكثيرا ما كان الضرب بالسياط والحجز في السرداب المظلم وفي احدى الغرف الخالية من كل اثاث مدعاة لاذعانها الى ممارسة البغاء بالقوة والاقتناع بواقع الحال.. وكم من زوجة اساء معاملتها زوجها فرأتها عجوز وقورة في باب المحاكم الشرعية تقيم الدعوى عليه.. وما هي الا دقائق حتى تكون معها في طريقها الى الدار التي قالت العجوز الشمطاء انها سترى الكرم والجود وستتعلم الخياطة وفنون التطريز لوجه الله..واذا بالكرم والجود ينقلب بعد حين الى قتل للفضيلة وذبح للشرف وهدر للكرامة وسوق للاتجار باعراض الناس. وكم من يتيمة فقدت اهلها فتشردت في الشوارع والطرقات تستجدي الناس ، وما هي الا بعض ايام حتى شاهدها احد المحسنين وعرض عليها الخدمة في بيته بدلا من التشرد والكدية فذهبت معه لخدمة اهله في داره واذا بتلك الدار موبوءة بالدعارة وهتك الاعراض، وإذا بخدمة الاطفال تتحول الى خدمة الزبائن وطالبي المتعة والحرام. تلك ابواب وطرق السمسيرات في جذب البنات الى دور الدعارة وسوقها الرائج .
بعض قضايا القحاب في مراكز الشرطة
تتهرب ( القحبة ) من التفكير بمصيرها اذ تعلم مقدما انه اسود قاتم ، فهي إذا ما كبرت ولم يكن لها مال يعاونها على السمسرة، ولم تكن لها القابلية للقيام بمهمة وكيلة سمسيرة فانها تشتغل خدامة عند القحاب او تستجدي في الطرقات.. وهذا امرها إذا ما تشوهت بعد حادث انتقامي وهي ما زالت صغيرة. وإذا ماتت القحبة فان البلدية في احيان كثيرة هي التي تقوم بدفنها حتى وان كانت تشتغل لدى سمسيرة . ومن البديهي انه حيثما يكون البغاء تكون معه الجريمة ، ففي ملفات الحوادث في مراكز شرطة (دكان شناوة) والميدان الكثير من القصص والعبر واليكم جزء منها :
- بينما كانت المومس ( شنينه عبود ) واقفة بباب دارها تنتظر الزبائن من السكارى والمغفلين من مرتادي منطقة (دكان شناوه) حضر احد ارباب السوابق المدعو ( محمود عقرب) فطمع في ذهبها التي كانت ترتديه فبادر الى ضربها ( بكلة) على رأسها ثم اردفها ببوكس من يديه، ولما اصبحت الفريسة في حالة اغماء بادر الى قطع سوارها فاصبح نصفه بيده ونصفه الاخر على الارض ثم خطف الوردة التي تزين انفها ثم ( ترجيتها) وولى هاربا، والشرطة في اثره الا انه كان اسرع منهم فلاذ بالفرار تاركا الضحية تولول وتبكي طارقة باب المركز وامام المحقق العدلي لمنطقة دكان شناوه. صدر امر بالقبض عليه.
- قدمت المومس ( فاطمة علي) شكوى امام حاكم التحقيق على الشخص المدعو ( لطيف ) التي تجهل اسم ابيه، فقد اعتدى عليها بالضرب والسب وسبب لها كدوما في رأسها وفوق عينيها فحصلت على تداو لمدة سبعة ايام والتحقيقات جارية للقبض عليه .
- في ساعة مبكرة من صباح أحد الأيام توجه (ح) من اهالي الكاظمية الى الدور المشبوهة في (كوك نظر) لكنه لم يلبث ان عاد ادراجه مسرعا الى مركز شرطة ( دكان شناوه ) والدم يسيل من رأسه، فوقف امام المحقق العدلي يشكو حاله ويقول ان المدعوة ( زينب لفتة ) قد اعتدت عليه ضربا بالقبقاب فسببت له جرحا بليغا برأسه. فارسل المصاب الى المستشفى الملكي لاجراء الاسعافات الاولية ونال تقريرا طبيا لمدة خمسة ايام. ولدى استدعاء المعتدية وسؤالها عن اسباب ضربها قالت : انه كان وقحا معها اذ طلب منها ( .. من وره) فامتنعت عن ذلك وضربته بالقبقاب !
ومما يجدر ذكره بهذه المناسبة ان حوادث المشاجرات بين البغايا ومرتادي محلات القحاب تكثر ولا توجد احصائية لها حيث يستغل بعض طالبي المتعة كثرة الازدحام فيهرب من البيت دون ان يعطي اجرة ( الخشه ) للسمسيرة، وحينئذ يشتد الصراخ والسب والشتم وتركض القحبة وراء الشاب ومن ورائها مجموعة من السمسيرات وفي ايديهم قباقيب مختلفة.. ويتعب المطارد ويُمسك به وينال مجموعة من الضربات على رأسه فيرجع الى داره له (مفشوخ ومضبر!).
وهناك عدة اغراض للمترددين على هذا الازقة وغيرها، فمنهم من كان يطلب الونسة، والاخر
يكتفي بمجرد التجوال قتلا للوقت، والبعض منهم يبحث عن اصدقاء غائبين، وربما ارتبط هذا الغائب بموعد مع احدى البغايا فيشاهد هناك . كذلك يتردد بعض النشالة من اجل السرقة واخذ (الخاوة) من البغايا والسمسيرات وهناك بعض الشباب والقليلي الخبرة من المقبلين على الزواج من الشباب المعروفين بالحياء يغريهم اصدقاؤهم بدخول دور القحاب قبل الزفاف لأخذ التجربة وممارسة الجنس !
 
أعلى