نقد صفاء ذياب - بدعة القص

"لم يكن ابن المسيب يجلس مع القاص ولا يسجد معه إذا سجد، وقد حدَّث مالك، إن عبد الرحمن بن القاسم كان ألزم شيء [كذا] لأبيه، ففقده ذات ليلة ثم جاء فقال: أين كنت فقال عند قاص، قال: خير إن شاء الله يا بني ولا تعود مرة أخرى، عن أزهر بن سعيد قال: سمعت ذا الكلاع يقول: كان كعب يقص في إمارة معاوية فقال لي عوف بن مالك يا أبا شرحبيل أرأيت ابن عمك هذا بأمر الأمير يقص؟ قال لا ادري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول القصاص، فإنه أمير أو مأمور أو مختال، عن كامل بن نفير إن أم الدرداء بعثته إلى نوف البكالي وإلى رجل آخر يقصان فقلت: قل لهما ليكن موعظكما الناس لأنفسكما، عن علي بن أبي طالب انه قال: من لا يعلم منسوخ القرآن فلا يقص على الناس"...
يورد ابن وهب في كتابه (الجامع في الحديث) أحاديث وروايات كثيرة من الصعب إحصاؤها عن تحريم القص في الإسلام إلا ما كان سرداً لآيات القرآن الكريم، حتى وصل الأمر بالمرتضى الزبيد أن يرد من مقولات بعض الصحابة قولهم "لم يقص في زمن رسول الله ولا أبي بكر ولا عمر حتى ظهرت الفتنة فلما وقعت الفتنة ظهر القصاص"، هذه الرواية تعيدنا إلى المراحل الأولى من القصة وفن الحكي عموماً، ففي كتابه (كعب الأحبار.. مَسلمة اليهود في الإسلام) يتحدث إسرائيل ولفنسون عن بدايات هذا الفن، مشيراً إلى أن منشأ القصة (الإسلامية) يرجع إلى عهد الخلفاء الراشدين، فقد كانت الجماهير الإسلامية منذ ذلك الحين، في حاجة شديدة إلى من يفصّل الكلام ويوسع المجال للخيال، في أثناء شرح الآيات القصصية من الكتاب الكريم.
ويورد ولفنسون رأياً عن أول جامع للقصة، وهو عبيد بن شرية، الذي نسب إليه (كتاب الملوك وأخبار الماضين)، لكن ليس هناك ما يدل على ما إذا كان عبيد نفسه، هو الذي كتب مصنفه بيده، أم أن تلاميذه هم الذين صنفوه ثم نشروه باسم أستاذهم. غير أن ولفنسون يضيف قائلاً إن المستشرقين يشكون في صحة وجود كتاب في القصص منسوب لعبيد بن شرية، وقد ذهب العالم ليدسبرسكي في شكه إلى إنكار وجود عبيد نفسه، وإنما في نظره شخصية خيالية، لا أصل لها في الوجود، إذ لم يكن هناك صحابي بهذا الاسم.
الآراء التي قيلت في بدايات القصة والحكاية الشعبية اختلفت في أحاديثها، غير أنها جميعاً أكدت أن بدايات القصة كانت على يد وهب بن منبه في كتابه (التيجان في ملوك حمير)، وهو موجود بين أيدينا بطبعات عدَّة، ومن ثم جاء بعده قصاصون ورواة بدؤوا يؤسسون لفن الحكي حتى انتشر بشكل لافت في العصر العباسي عموماً، والدولة الفاطمية بمصر على وجه الخصوص، لينتشر بعد ذلك في بلاد الشام.
وفي البحث عن هؤلاء الرواة عراقياً، يلاحظ أن الأحاديث الأولى عن بدعة القص كانت حاضرة في أذهان العراقيين، منذ انتقال الإمام علي (ع) إلى الكوفة وصولاً إلى مقتل الإمام الحسين (ع)، وحتى الوقت الحاضر. وإذا كان وجود لهؤلاء، فطبيعتهم اقتصرت على رواية مقتل الإمام الحسين ولم تمتد للحكي الشعبي، لهذا بقيت الحكاية الشعبية العراقية مقيدة إما بروايات الأئمة (ع)، أو بحكايات بسيطة يروينها الأمهات لأطفالهن خصوصاً في فصل الشتاء حينما تتجمع العائلة حول موقد النار. هذه الحكايات؛ في أغلبها، لم تخرج عن هدف التعليم والنصح والحكمة، مبتعدة بذلك عن متعة الحكي ذاته، وفن القص الذي يعتمد على الابتكار والخلق والإضافة، وهذا ما يلاحظ على أغلب القصص والحكايات الشعبية العراقية المدونة، بل وحتى الشفاهية منها!
 
أعلى