نقوس المهدي
كاتب
أصطدم به في كل مرة أريد دخول مدينتي، وبعد طول انتظار أعبر بوابته الضيقة التي تنخر قطعها الحديدية المتراصة جسدي وقلبي، أدخل حقيبتي في ماكنة التفتيش وأنثر بقية أغراضي لأستلمها من الجهة المقابلة. لحسن حظي لم يقرع جرس الإنذار لأخلع حذائي أو قطعة من ملابسي لأثبت براءتي... أمشي قليلاً وقليلاً عبر مساربه الضيقة وأتحمل كمن حولي صخب أصواتهم المزعجة عبر سماعات جنوده، تلك التي لا تعرف السكوت وتفضل الضوضاء باللغة العبرية، أو بالعربية والإنجليزية «المكسرة»، تخطيته كالبقية بعد الانتهاء من المراسم المعتادة، ألا وهو حاجز قلنديا الإحتلالي الفاصل بين القدس المحتلة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة، لننطلق بالحافلة متجهين نحو المدينة المقدسة كل حسب غرضه، حيث يبدأ المشوار برفقة الجدار العازل الذي زينه ونحته الفلسطينيون برسومات الحرية والدولة المنشودة يمتد عالياً ليحرمنا من إطلالة الطبيعة الخلابة.
دقائق ويدق هاتفي المحمول الذي وضعت فيه شريحة «إسرائيلية» كون الفلسطينية لا تعمل داخل مدينة القدس، إنها صديقتي مروة تسكن في وادي الجوز، والتي لم أرها منذ أشهر بسبب تواجدها في الولايات المتحدة تقول لي «اليوم فطورنا مع بعض، وإذا بدك تحكيلي إنك أفطرتي رح أزعل منك». تبسمت شوقاً للقائها وأحاديثها التي لا أمل منها، وإذ بالحافلة تقف لإنزال أحد الركاب أمام مدرسة شعفاط الثانوية، حيث تلقت أمي تعليمها الثانوي، لتعصف عقلي موجة ذكرياتها وصديقاتها التي أخبرتني عنها ذات مرة... وصرت أتخيلها بزيها المدرسي فتاة خجولة تشتري من بائع الخروب وتسرع كي تعود إلى المنزل مع بقية زميلاتها... أعود للواقع من جديد ونصل إلى بلدة بيت حنينا التي يمزقها «القطار الخفيف» من منتصف شارعها الرئيسي، ليصل كافة مستوطنات الاحتلال بمدينة القدس بهدف تطويقها بشكل أساسي، وفصلها عن محيط أحيائها العربية كمن يخرج الروح من الجسد، حتى وصلنا مشارف الشيخ جراح وفي النفس غصة وأمل فالحي يصارع إعصار التهويد والتزييف التاريخي كل دقيقة وثانية، كونه يتمتع بموقع إستراتيجي يحتوي على أبرز المعالم الثقـــافية والدينية التــاريخية على مر الزمن، وكذلك أضخم الفنادق المعمارية وتستقر فيه أبرز القنصليات الأجنبية، نعم هو الحي الذي لا يعرف الراحة ولا الأمان.
تتلألأ بعظمة وكبرياء، ويطل جزء منها لنراه من بعيد، هي قبة الصخرة المشرفة شامخة مكانها لم تبرحه في مدينة فريدة من نوعها بين مدن العالم، كونها محتلة وتعيش آخر احتلال في العالم، يظل مشهدها مسيطراً على العين والقلب، حتى وصلت بنا الحافلة ونزلنا إلى محطة التوقف في باب العمود وهو المدخل الرئيسي لأسواق وحارات وبيوت البلدة القديمة بمدينة القدس، والتي امتلأت بحرس جنود الاحتلال على مداخلها وتخومها، وعجت أسواقها وحاراتها وأزقتها بالمارة والبائعين والسائحين، فرائحة الكعك والحلويات والبهارات والفلافل تشعرك بأنك وصلت إلى المكان حيث تريد، وتتأكد مما قاله أهل الجـــغرافيا أنه «إذا قمنا برسم مثلث رؤوسه الثلاثة بمـــكة المكرمة، القاهرة وبغداد، تكون القدس في قلب هذا المثلث»، تجتمع فيها الأديان السماوية الثلاثة منصهرة في بوتقــة واحدة، وهي قلب التاريخ والحضارة والصراع الإسـرائيلي العربي الذي يسعى لإلصاق نمط وجنسية اليـهود عليها، وخلع صورتها العربية لتغيير تاريخــها وذاكرتها المهددة بالزوال بفعل قبضة الاحــتلال، التي تحاصرها بالجدار، وتخنقها بالمستوطنات، وتعزلها بالحواجز العسكرية، وتـــشن حرباً لامنتهية ضد المقدسيين في كافة المناحي الحياتية اقتصادياً وثقـــافياً واجتماعياً وسياسياً. فأنت في القدس حيــث بين الحب والحرب مرمى وردة، وبين الوردة والتهويد مسافة يدين، وبين القدس والاحتلال إغماضة جفن تحلم بعودتها عربية الضاد كالأيام التي خلت.
أمال مرار
دقائق ويدق هاتفي المحمول الذي وضعت فيه شريحة «إسرائيلية» كون الفلسطينية لا تعمل داخل مدينة القدس، إنها صديقتي مروة تسكن في وادي الجوز، والتي لم أرها منذ أشهر بسبب تواجدها في الولايات المتحدة تقول لي «اليوم فطورنا مع بعض، وإذا بدك تحكيلي إنك أفطرتي رح أزعل منك». تبسمت شوقاً للقائها وأحاديثها التي لا أمل منها، وإذ بالحافلة تقف لإنزال أحد الركاب أمام مدرسة شعفاط الثانوية، حيث تلقت أمي تعليمها الثانوي، لتعصف عقلي موجة ذكرياتها وصديقاتها التي أخبرتني عنها ذات مرة... وصرت أتخيلها بزيها المدرسي فتاة خجولة تشتري من بائع الخروب وتسرع كي تعود إلى المنزل مع بقية زميلاتها... أعود للواقع من جديد ونصل إلى بلدة بيت حنينا التي يمزقها «القطار الخفيف» من منتصف شارعها الرئيسي، ليصل كافة مستوطنات الاحتلال بمدينة القدس بهدف تطويقها بشكل أساسي، وفصلها عن محيط أحيائها العربية كمن يخرج الروح من الجسد، حتى وصلنا مشارف الشيخ جراح وفي النفس غصة وأمل فالحي يصارع إعصار التهويد والتزييف التاريخي كل دقيقة وثانية، كونه يتمتع بموقع إستراتيجي يحتوي على أبرز المعالم الثقـــافية والدينية التــاريخية على مر الزمن، وكذلك أضخم الفنادق المعمارية وتستقر فيه أبرز القنصليات الأجنبية، نعم هو الحي الذي لا يعرف الراحة ولا الأمان.
تتلألأ بعظمة وكبرياء، ويطل جزء منها لنراه من بعيد، هي قبة الصخرة المشرفة شامخة مكانها لم تبرحه في مدينة فريدة من نوعها بين مدن العالم، كونها محتلة وتعيش آخر احتلال في العالم، يظل مشهدها مسيطراً على العين والقلب، حتى وصلت بنا الحافلة ونزلنا إلى محطة التوقف في باب العمود وهو المدخل الرئيسي لأسواق وحارات وبيوت البلدة القديمة بمدينة القدس، والتي امتلأت بحرس جنود الاحتلال على مداخلها وتخومها، وعجت أسواقها وحاراتها وأزقتها بالمارة والبائعين والسائحين، فرائحة الكعك والحلويات والبهارات والفلافل تشعرك بأنك وصلت إلى المكان حيث تريد، وتتأكد مما قاله أهل الجـــغرافيا أنه «إذا قمنا برسم مثلث رؤوسه الثلاثة بمـــكة المكرمة، القاهرة وبغداد، تكون القدس في قلب هذا المثلث»، تجتمع فيها الأديان السماوية الثلاثة منصهرة في بوتقــة واحدة، وهي قلب التاريخ والحضارة والصراع الإسـرائيلي العربي الذي يسعى لإلصاق نمط وجنسية اليـهود عليها، وخلع صورتها العربية لتغيير تاريخــها وذاكرتها المهددة بالزوال بفعل قبضة الاحــتلال، التي تحاصرها بالجدار، وتخنقها بالمستوطنات، وتعزلها بالحواجز العسكرية، وتـــشن حرباً لامنتهية ضد المقدسيين في كافة المناحي الحياتية اقتصادياً وثقـــافياً واجتماعياً وسياسياً. فأنت في القدس حيــث بين الحب والحرب مرمى وردة، وبين الوردة والتهويد مسافة يدين، وبين القدس والاحتلال إغماضة جفن تحلم بعودتها عربية الضاد كالأيام التي خلت.
أمال مرار