رحاب الخترشي - الجنس عبادة ! نظرة الاسلام للعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة

لنطرح هذا السؤال: هل يأكل الإنسان كل ما يأتي أمامه من مواد كما يفعل الحيوان بدافع غريزة الجوع المشتركة بينهما أم أنه يتقزز من أشياء معينة و يفضل الجوع على أن يأكلها؟ تظل معضلة الروح و الجسد او الغريزة ، والجنس والعفة من أبرز الاشكاليات القديمة قدم الدهر.

إن كنت فرويديا ستنطلق من فكرة أن الجنس غريزة و طاقة الدافعة للسلوكات الإنسانية، أما اذا كنت افلاطونيا سترمي هذا اللفظ في الدهليز المظلم من النصف السيء في الإنسان، أي الجسد، أما اذا كنت كنت طهوريا فستحدثنا باسهاب عن عدم حاجتك لهذا البعد فيك، فهو يحط من شأنك..

حاجة يسيمها البعض غريزة حيوانية و البعض وسيلة للتكاثر البشري و يوصم المسلمون بأنهم مهوسون بها هوسا لا مثيل له، بالرغم من أننا نجد آيات تربط بينها و بين العبادة فهل الجنس نوع من أنواع العبادة في الإسلام و طريق للوصول إلى الله؟

الجنس عملية روحانية

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

” وَفِي بِضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ” . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ يَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟

بدا غريبا للصحابة ان يقرن الرسول الممارسة الجنسية بالصدقة، فالصدقة عبادة وعندما يؤديها المرء،يستشعر من خلالها روحانية وسكينة لا تقل أثرا عن باقي العبادات من الصلاة والصيام والاستغفار. وفوائدها عديدة على المعطي مثلما هي تسر السائل وتزيح عنه أعباء وأهوالا، كذلك فإنها تدفع الضر والبلاء عن المحسن وتزكي النفس وتطهر المال وتطفئ غضب الرب وتزيد الرزق وتبارك في العمر وتصح البدن.

فكيف يقرن بينها النبي الأعظم وبين الجنس؟!

هذا الجزء التعبدي في الجنس إستغربه أتباع الرسول، فقبل الإسلام تعود العرب على أن ممارسة الجنس لا يمكن أن تكون أبدا مقرونة بالروحانيات و العبادة التي يمكن أن يأجرهم الله عليها كما يأجرهم على الصدقة.


إلا أن رسول الإسلام علم أتباعه أن العملية الجنسية التي يعيشها المرء و شريكه ليست مجرد ممارسة بيولوجية صرفة بل هي ممارسة بين ذاتين متساويتن و هذا ما أكد عليهم القرآن و ما لم يعهده العرب.

فلفظ الوطأ مثلا الذي كان يستعمله العرب للدلالة على عملية الجنسية كان يوحي بأن المرأة مفعول بها فنقول وطَأَ يطَأ طَأْ ، وَطْئًا ، فهو وَاطئ ، والمفعول مَوْطوء

فكأن الرجل هو الفاعل الوحيد في العلاقة، في حين تبدو المرأة كموضوع سلبي صامت لا دور له الا افراغ رغبة الرجل.


إلا أننا نجد في القرآن

[هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ] (البقرة: 187)

فعندما تتأمل “هن لباس لكم” و”أنتم لباس لهن”، تستخلص أن النساء بالنسبة إلى الرجال مثلهن مثل الرجال، أي أن هناك تكافؤا وتساويا في هذه العملية، فهما شريكان في الفعل، ممارسة، ونتيجة، اي الاستمتاع.

هذه النظرة للعملية الجنسية أبعد ما يكون عن المنظور الذكوري الذي يجعل الرجل فوق المرأة دائما، في حين أن الجنس هو تفاعل متبادَل، فالرجل فاعل، بطبيعته الجسدية التي هي اختراق وتدفق و سريان كسريان الروح في الجسم ، والمرأة أيضا فاعلة، بطبيعتها الأنثوية المغناطسية والجاذبة له نحوها. فالسلب و الإيجاب ليس بالضرورة الفعل و تلقي الفعل، ودون السلب ما وجد ايجاب و العكس بالعكس.

وكما يقول إيريك فروم ” مفارقة الحب هي أن يسعى إثنان أن يكونا واحدا مع أن يظل الإثنان إثنان”، فهذه العلاقة لا يجب أن تشيء أحدا من الطرفين في سبيل لذة الآخر، أو أن تغيب ذاتيته وهويته حتى ان كان هدفها الاتحاد.

في لفظ اللباس

القرب والحميمية والخصوصية

إن الرجل والمرأة كلاهما لباس للآخر، ومن أهم خصائص اللباس، حين تختاره بنفسك وترتديه، أن يكون على مقاسك، كي ترتاح داخله، واللباس معناه أيضا الحماية والدفء والأمن، وكلها معانٍ تجدها في العلاقة الزوجية.

ومن الناحية الجنسية، فكلمة “اللباس” تحيلنا إلى ما يميز العلاقة الحميمية، ففي اشتقاقات اللباس نجد تلّبس و التبس و في هذا إحالة على التداخل، فاللباس ملتصق بالجسم والجلد مغط له دون فاصل ولا وسيط ولاحدود.

وتشبه العلاقة الجنسية إحاطة اللباس للجسد فهي كإحاطة الذكر للأنثى و العكس بالعكس فكما يلامس القماش الجسد لا بد أن تمر موجة الحب في الجسم كلِّه، عبر مسام الجلد، عن طريق المداعبة والالتحام الكلي…. لذلك فالعلاقة الجنسية بين الزوجين لا بد أن تتميز بالسرية والخصوصية، كعلاقة اللباس بالجسد وقد نهى الإسلام أن يأتي الرجل زوجته ثم يصبح بعد ذلك ويجعل من هذا الأمر حديثه مع أصدقائه.

الإلاهي في الجنس

آية من آيات الله

علاقة الذكر و الأثنى الجسدية و الروحية و ما يقدمانه لبعضهما يعبر عنها القرآن بهذه الآية :

“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ومعنى “من آياته” ما يدل عليه و ما يقربنا اليه حتى نعلم وجوده و نتيقنه فعندما نقول آية نعني : العلاَمَةُ والأمَارة . و الآيةُ العِبْرةُ أيضا

سكن الزوج للزوجة بكل ما يحمله هذا اللفظ من معنى يشمل الجوانب النفسية المتداخلة مع الفيزيائية، فالسكن مادي، الا أنه يوفر انا الدفء والأمن والاستقرار، وذذلك العلاقة الجنسية بين الزوجين، فهي آية من آية الله بالمعنى الاعجازي و الدال على عظمته .

تقول سيمون دي بوفوار بالرغم من إلحادها و عدم اعترافها بالميتافزقيا، او عالم الماورائيات “إن المرأة تجد هدفها رسالتها و دعوتها الأسمى في أن تهب نفسها للرجل الذي تبحث فيه عن الإلاه” أي عن التجذر والانتماء والعودة الى الأصل.

و تجيب “سيمون دي بوفوار” “فرويد” الذي يرى أنن الشعور الديني هو إعلاء للنزوع الجنسي قائلة “ليس النزوع الجنسي مجرد آلية إستعلاء سيكولوجي للحب البشري، بل الإلاهي يستقطب فينا النزوع الجنسي و يحرك فينا هذا الجزء الدفين نحو معانقة المطلق”

و من المؤسف حقا أن يجهل المسلمون هذا الجانب الإلاهي التي يقوم عليه الخلق و البشرية في هذه الممارسة السامية التي رغعها الرسول الى منزلة العبادة وجعل فيها الخالق السكن والسكينة واللباس وجعلها آية من آياته، فتراهم يستمدون رؤاهم للمرأة والزوج والشريك وتصرفاتهم تجاهها من منظور أبوي لا يراها الا متاعا وموضوعا للذة والامتاع.
حياة ماجنة يتبعبها أرق الإله

يقول أحد الكتاب الأدب الروسي على لسان أبطاله ” ليس المهم في الجنس الشهوة إنما الإله ” و يقول برتراند راسل بعد حياة مليئة بالمغامرات العاطفية ” أني أعلم بأني أقر في أعماق نفسي بأن طلبي لهذا الحب الأنثوي إنما هو بديل عن سعيي غير المجدي نحو الله ”

و لعل في أقوال هؤلاء إعترافا لاواع بأن هذه الطاقة التي وضعها الله فينا هي أسمى من أن تكون مجرد غريزة حيوانية، بل هي على إرتباط وثيق بالالاه، غير أنهم فشلوا في تحقيق هذا السمو و الإعلاء، وفخلف لديهم الاحباط و الاكتئاب. يقول شارل بودلير :”أجدني باستمرار ملاحقا لتلك الرغبة المسعورة التي وعدت بالارتواء و لكنها لم تروني..”

رحاب الخترشي
عن مجلة ميم

-turkish-art-saudi.jpg
 
أعلى