زينة برجاوي - قُبلة الفتاة الأولى: كنحلة تحط على زهرة لـ«تمتص شهد الرضاب»

«يا طيب قبلتك الأولى... يرف بها
شذا جبالي... وغاباتي... وأوديتي
ويا نبيذية الثغر الصبي... إذا
ذكرته غرقت بالماء حنجرتي».

تلك أبيات للشاعر نزار قباني من قصيدته «القبلة الأولى». القبلة التي لا غنى عنها. القبلة التي تحلّ مكان الأوكسيجين لإحياء قلب. هي الأولى فتجول في خاطر كل فتاة عاشقة. الأولى، وليست الأخيرة لأن تلك العاشقة قد تطالب بالثانية، وتهوى الثالثة، وتنتظر الرابعة.
الجبل. رأس القمة. شجر أخضر. منظر خلاّب. الطبيعة أمّنت جوّاً رومنسياً مناسباً لنادين (23 عاماً) كي تجد نفسها في أحضان صديقها، وكانت حينها في الثامنة عشرة من عمرها. كانت تتوقع أن يكون هذا الصديق هو الزوج المستقبلي. ظروف عائلية أدّت إلى تأجيل الخطبة لعدة مرات. التأجيل دفع الثنائي إلى الانفراد فوق قمة الجبل. معانقة للإفراج عن الهموم، فابتسامة تفاؤل، فقبلة للتعبير عن الوفاء. أدارت نادين رأسها بخجل. شعور منطقي في المرة الأولى. وعلى الرغم من الحب التي جمعها بخطيبها في تلك الفترة، لم تعد تعني لها هذه القبلة شيئاً بعد انتهاء العلاقة. لقد أحبّت شخصاً حتى الجنون وتجرأت على المبادرة في تقبيله. لكن الأحاسيس الجميلة لم تستمر، بل تحولت إلى خيبة أمل تركت للفتاة «عقدة التقبيل»، بسبب شخص «كرّهني الحب والساعة اللي بستُه فيها».
حصل للارا (24 سنة) شرف التعرّف إلى القبلة في الخامسة عشرة من عمرها. كانــت مراهقة. تسمع عن قصص الحب ولا تدرك معناها. فاجأت صــديقها بزيـارة إلى منزله على طريق عودتها من المدرسة. استقبال فترحيب من الوالدة ـ «الكنّة المستقــبلية». جولـة في أرجاء المنزل خلال تحضير الأم لطعام الغداء. انتظار في غرفة الجلوس تكلل برسم قبلة على شفتــي لارا التي احمرت خجلاً لتصف نفسها اليوم بـ«الهبلة». حينها، كان شعوراً جديداً. فقدت لارا تركيزها لبضــع ساعــات. خرجت لتذيع الخبر «السعيد» وتنشــره بين صديقاتها. القبلة ليست الوحيدة التي سكنت خيالها منذ ثماني سنوات، بل الجملة التي سمعتها من صديقها: «ما ح آكل شي على الغدا تما تروح طعمة البوسة». تعرف لارا أن تقبـيل صديقها قد يخالف تقاليد محيطها وبيئتها، لكن تتساءل: «هل يجوز أن أنتقل إلى بيت زوجي مش بايس تمي غير أمي؟!».
ترفض ياسمين (15 سنة) تصنيف نفسها «صغيرة على الحب». تعترف أنها منذ سنتين كانت تتجنب مشاهدة المنظر الرومنسي الذي تعرضه الأفلام لشعورها بالخجل. اليوم، ترى أنها باتت أكثر نضجاً بعدما قبّلها مجايلها في السنة الماضية. فتحول ارتياد السينما برفقة صديقها إلى مكان مناسب للتعبير عن الحب والشوق. كانت المرة الأولى والوحيدة ـ حتى كتابة هذه السطور ـ التي قبّلت ياسمين فيها أحداً. «أعرف أن التقبيل عيب، لكنني لا أستطيع التحكم بمشاعري. أنا لست راشدة، لكني واعية لتصرفاتي». تشعر بالخوف والانجراف وراء عواطفها غير الناضجة. تتساءل: كيف ستواجه زوجها حين يقبلها للمرة الأولى؟ «بماذا سأجيبه حين يسألني عمن قبّلني قبله؟». رأت أن الحل الوحيد بين ما يجب عليها عدم فعله وبين ما تريده هو ألا ينقلب التقبيل إلى عادة يومية تمارس «عَ الطالعة والنازلة»، لأن ذلك يُفقِد القبلة قيمتها. تفضل عدم التكلم مع صديقاتها بموضوع التقبيل: «لكل واحدة خصوصياتها في حياتها».
لا تذكر ميرا موعد القبلة الأولى. في ذاكرتهــا قبلة لن تنساها في حياتها من شخص أحبته وتعلقــت به. بالنسبة إليها، تلك القبلة هي الأساسية. سينما. فيلم رعب. «بوشار». ميرا تشرح لصديقها مشهداً. لا جواب تتلقاه من الأخير. إعادة تفسير. لا تعليق. فكانت القبلة أمام عشرات الأشخاص.
لم تشعر ميرا بالخجل رغم انتقادها للفتيات اللواتي يقبلن أحباءهن أمام «أنظار الجماهير». تختلف معاني القبلة بالنسبة إليها: «على الجبين احترام. على الخدِّ صداقة ومودَّة. على الأنف تقدير. على الأذن وشوشة حب. على العين حنان. على الفم حب ورغبة. على اليد احترام وولاء. على القدم تذلل وخضوع، ...». هي، تفضّل أن يقبّلها صديقها على أذنها وفمها. «إذا تحركت مشاعري، أتأكد من حبي له فأستمر بالعلاقة. أما إذا لم أسمع دقات قلبي تنبض، فأهجره». لن تشعر بالندم عندما يعرف زوجها في المستقبل إنها بارعة في التقبيل، «أكيد سيكون قد مرّ على زوجي ما هبّ ودبّ!».
ما زالت ساندرين (28 عاماً) تذكّر الشخص الذي قبّلته للمرة الأولى بالقبلة كلما صادفته. لا تشعر بالإحراج أمامه. أحبته من طرف واحد وكان صديق أخيها. وكان عمرها حينها 16 عاماً. في المطبخ، كانا يحضران القهوة، فاقترب الأخير منها وقبّلها. كانت في غاية السعادة، رغم الحب من طرف واحد: «فالشاب لما يصحّلو يبوس ما بيرفض». القبلة بالنسبة إلى ساندرين هي التوقيع على عقد علاقة الحب، «فكيف إذا كانت الاولى؟». ترفض تقبيل شخص لا تحبه. القبلة الأجمل في حياتها هي من «حبي الأصلي»، وتذكر تفاصيل ما جرى بينهما حينها، حتى ألوان الثياب التي كانا يرتديانها.
مفهوم ندى (23 عاماً) للقبلة الأولى هو: «أساسية. ليست عبارة عن مرور الكرام. أمر بسيط يفتح على أمور أكبر وأعمق. لا ينظر إليه من زاوية الأخلاقيات وإنما عزة النفس. من الضروري تشغيل القلب والعقل خلال التقبيل». تعود في الزمن إلى الوراء لتروي استغلال صديقها لغزارة الأمطار عندما كانت معه في السيارة. يأتي الخيار بالوقوف إلى جانب الطريق لانتظار هدوء الطقس الماطر. لن يتوّج الانتظار بالملل، بل بدخول ندى مرحلة جديدة من الأحاسيس والبلوغ. إنه الحب الأول. وهي القبلة الأولى. المشاعر البريئة. فإدمان على التقبيل. انتهت العلاقة. مات الحب. علاقة جديدة. انتعاش للمشاعر. واكتشفت أن القبلة الأولى مماثلة للثانية والثالثة والرابعة. لكن، مَن أدخل الدين في التقبيل؟ ترفض ندى الفكرة: «وقفت على هاي؟ ع منعمل أشياء كتير حرام».
تروي بعض الأساطير أنه حين كانت حواء وآدم في الجنَّة، استلقت تحت شجرة ونامت. فحطّت على شفتيها نحلة مثلما تحط على زهرة لـ«تمتص شهد الرضاب»، بحسب قول الشاعر الفارسي عمر الخيّام. فأفاقت حواء، وابتسمت ابتسامة رقيقة لتتيح للنحلة المزيد من الشهد. وكان آدم يراقبها، فغار من النحلة، وكشَّها، وانحنى على حوّاء، وحطّ شفتيه على شفتيها مثلما فعلت النحلة، فارتاحت حواء لهذه الملامسة الشفاهية. وكانت تلك الملامسة هي القبلة الأولى في تاريخ البشرية. وكانت النحلة دليل آدم إلى الفم الحلو الوحيد قبل سقوط ثمرة نيوتن عليهما.
وكان التقبيل يتمتع بصفة اجتماعية خلال العصور الوسطى في فرنسا. فكان الملك لويس الثالث عشر يقبّل كلّ امرأة في النورماندي بحجة منحها البركة الملكية، وقد اشتهرت «القبلة الفرنسية» (فرانش كيس) بعد ذلك. أما الهنود فهم الذين جعلوا للقبلة معنى رومانسيّاً، من خلال كتاب الحب «كاما سوترا» الذي اعتبر رسالة تتضمّن قواعد الوصول إلى المتعة الروحية والجسدية، والقبلة هي ركن أساسي في بلوغ المتعتين.
وسجّلت أول قبلة سينمائية في فيلم من إنتاج توماس إديسون عام 1896 بين جون رايس ومي إيروين. وتقول خبيرة العلاقات الزوجية الأميركية هيلين رولاند: «القبلة بالنسبة إلى المرأة هي نهاية البداية وبالنسبة إلى الرجل تكون بداية النهاية».

زينة برجاوي

المصدر: السفير
 
أعلى