دراسة زهور كرام - قلادة قرنفل، رواية ضد النسيان

عن «دار الثقافة» تصدر لي في الاسابيع القليلة القادمة رواية جديدة تحمل عنوان «قلادة قرنفل» في ما يناهز 180 صفحة. «قلادة قرنفل» أعتبرها تجربة جديدة ومتميزة في عالم إنتاجي الروائي، نظرا لطبيعة الامكانيات الفنية والجمالية التي تمكنت من احتواء أسئلة واقع اجتماعي يغلي بالازدواجية والتناقضات والموت البطيء.

تحاول الرواية إثارة الانتباه الى محاولات قتل الذاكرة، وقبرها من خلال التعرض إلى مرحلتين تاريخيتين اجتماعيتين تعيشهما الساردة بوعي يقظ، من جهة مرحلة المقاومة التي تستحضرها كأغنية الطفولة لتذكرها بأبيها الذي أخرج المستعمر، ولم يطلب بطاقة للاعلان عن عشق الوطن، ومن جهة أخرى مرحلة تحياها الساردة في بيت العائلة الذي تتحكم فيه العمة، والتي شطبت على اسم الأب المقاوم، وحكمت البيت بيد من حديد. وعبر واجهة شخصية العمة تطلعنا الرواية على زمن كله مفارقات، من استغلال النفوذ الى السطو على أراضي الفلاحين الى اقتحام عالم الثقافة..

حتى لا تموت الذاكرة.. وتصبح الأشياء عادية.. وتموت أسماء قاومت المحتل، تلجأ الساردة ـ الصحافية إلى فكرة حفر الذاكرة في الصخر لعل أطفال أطفالنا يمرون من هنا.. ويتذكرون.

تنجز الساردة هذا الفعل عبر لغة العشق والحب.

ولهذا تتأسس الرواية من هذا التواصل الرومانسي الشاعري بين الساردة والحبيب الذي يعيش بدوره عملية التشطيب على ذاكرته.. يحدث ذلك عندما يطلب منه التخلي عن سؤال العودة. بين الهنا والهناك يحلم الاثنان بنفض الغبار عن الذاكرة.. ويغنيان أغنية الصحو، يحفران التذكر وشما في الصخر حتى إذا مر أطفال أطفالنا من هنا... يتذكرون.

«قلادة قرنفل» رواية ضد النسيان.. ضد موت الذاكرة أو قتلها.

وما يجعل الرواية تتميز بالصحو السردي، وجود عطر القرنفل الذي يرافق الصحافية الساردة في نومها وخطوها.. في تذكرها ويقظتها.. وعبره ترتقي بالواقع المتخاذل المهزوم إلى لحظة اغتسال وتطهر.

بالقرنفل والحب تنتصر الساردة على الجبن والتسلط والقهر، وتنجو من عملية قتل الذاكرة.

«قلادة القرنفل» لا تدعو فقط الى قراءة حكايتها والإصغاء إلى لغتها وإنما أيضا الى الاحساس بالحالات الاجتماعية التي تزخر بها والى شم عطر قرنفلها.

* كاتبة وناقدة من المغرب صدرت لها مجموعة من الأعمال منها: رواية «جسد ومدينة» عن «دار وليلي» بمراكش عام 1996، ونصوص «سفر في النسيان» عن «دار البوكيلي للنشر» بالقنيطرة عام 1997، و«في ضيافة الرقابة» عن منشورات الزمن بالرباط عام 2001. وسيصدر لها قريبا كتاب حول «السرد النسائي العربي» عن «دار المدارس للنشر» بالدارالبيضاء (2004).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان الأصلي لمقال الكاتبة كما نشر بالشرق الأوسط: رواية ضد النسيان
 
أعلى