حيطان مسيلة للدموع
أتقدم خطوة أخرى فألمح رؤوسا تتراقص وكان في الأفق ضباب يتجه نحوي ..
أتفرس ، لم استطع معرفة أحد ..
أنصت ، فتتهادى الي أصوات خافتة ..
أدنو ، فتبتعد الرؤوس وتدخل في لجة الضباب الآتي ، تدخل في هديره ،
أحاول اللحاق بها ، لكني أتعثر بغشاوة عيني واستفيق على مشهد لم ألفه من قبل ...
امهلت نفسي ثلاث دقائق للوصول .. نظرت الى السماء الصاخبة ، المطر المروع غزير حد الرهبة .. كل المسافات تلاشت وانا اقترب من الوادي العميق .. هكذا حدثوني ، الوادي الذي تتقافز في بطنه الضفادع ويتعالى الصرير .. انا لم اسمع شيئا .. لم تتوقف السماء ولن اصل بعد .. الوادي تحف به التلول الترابية ، يخترقها...
جَفلتُ لَحظةً، هي ذاتُها الأرض التي تَركتُها. البيوت متلاصقة كأن خوفا وشى بها.. أطاردُ لعنةَ حطت بين ساعات اجتررتها من سنوات غيبتي. وقفت انظر الى حطام قديم، بيت من أكوام القصب المخلوط بطين حري كان أبي يصنعه كما يصنع طاقيته من خيوط البريسم.. نهاري ليس كما نهار الآخرين حين اتخذت قراري المروع قبل...
يبدو كأنها غرفة شبه مظلمة ، ينيرها مصباح صغير يتدلى من سقف غرفة الصفيح .. اوراق مبعثرة ومجلات أغلفتها ملونة لفتيات في ابهى حلة .. صورة معلقة على جدار اصفر بزي الجنود ، مبتسمة بسعادة طافية على وجهها .. كلب يقعى على مؤخرته ينظر الى صاحبته الجالسة تكتب شيئا بتوتر ملحوظ تنتابها لحظات بكاء خافت ...
ارض شاسعة تمتد أمام البصر لا يحدها شئ أبدا .. لا غيري هنا ، لم يمر أحد منذ ساعات .. تعطلت سيارتي في طريق ترابي مقطوع .. خمنت ان الآخرين سلكوا طريقا آخر ربما يعرفونه جيدا يقيهم هذا التيه الصحراوي الممل .. أو انهم قد مروا من هذا الطريق ولم ارهم ، ربما ..
تندفع حوصلتي كما الطير ، ابلل رأسي بأخر...
ولد 1960 ناصرية جنوبي العراق
بكالوريوس لغة عربية ـ جامعة البصرة
نشر اولى قصصه عام 1983 في الصحف المحلية
نشر العديد من الدراسات والمقالات القصصية متناولا اشكالية الزمن وصياغة الشكل والتجريب .
نشر قصصه في المجلات الادبية والمتخصصة في الثقافة مثل الاقلام والرافد والموقف الادبي .
نشر في معظم الصحف...
" أحسست أنني وقعت في شرك، وأردت أن أهرب وبذلت جهداً كبيراً في ذلك، لكن الوقت كان قد فات ولم يطاوعني جسدي واستسلمت لرؤية ما سيحدث كما إنه حدث لا يتعلق بي شخصياً " أرنستو ساباتو
في الساعة المضيئة الوحيدة من ذلك النهار الداكن، مات الحارس الراقد على لوح خشبي في عرض النهر من الجانب الأيمن المقابل...
المرأة ماتت بعد ولادته.. هذا ما قاله الرقيم الطيني الذي عثرت عليه مجموعة التنقيب، وهو مربع كبير الحجم دونت فيه بعض الأحاجي والتعاويذ وحكايات صغيرة متفرقة..
المرأة تموت وتترك الطفل وحده في الإعصار، وحده في الخرائب والأماكن الموحشة المهجورة.. هذا ما قاله الرقيم.. الطفل الذي كان طفلاً يلتحف السماء...
بلدته التي بدت بيوتها كحبات متناثرة تخترقها سكة الحديد من وسطها، في مخيلته تعاقبت صور شتى تدفعه ليلملم شتاته قبل الوصول اليها.. كانت رغباته تهتاج في كل خطوة على الأرض التي تتماوج أمامه وسط السراب المتراقص الواصل حد الأفق.. خطواته يجرها بعناء، وجهه يتفصد بحبات العرق وعيناه مدفونتان في تجاويف...