لم يكن للشارع غير اسم واحد : شارع الحرية , إلا أن المرويات عنه تعددت إلى حد يصعب حصرها :
هنا ألقيت قنابل يدوية الصنع على موكب المارشال الفرنسي إبان الاحتلال .
وعلى الرصيف المحاذي للميناء رست سفن أجنبية عملاقة , وتخلص الأهالي من عباءة الفقر بفضل السجائر المهربة و المصنوعات الجلدية الرديئة .
أما...
تناهى إلى سمعه وقع أقدام تعتلي الدرج بعسكرية واضحة !..ألم يسأموا بعد ؟.. طرقاتهم كادت تخلع الباب .. هب من سريره ليفتح.. لم يمهلوه حتى يستفهم .. ألقوه على الارض منبطحا .. قيدوه ثم شرع كبيرهم يردد نفس الاسئلة الرتيبة .. قرر ألا يجاريهم هذه المرة وينفي ما يلصقونه به من تهم .. بل يلوذ بجدار الصمت و...
جال ببصره في أطراف الحديقة قبل أن يسترسل قائلا : لو علمت سلفا أن مآل هذه البلدة سيكون إلى خراب لوافقت "مسيو جون" على الهجرة إلى فرنسا قبل أربعين سنة .. كانت هذه الحديقة فردوسا يشتهي الوافد إليها أن يُدفن فيها.. أجل ! جداول الماء تنساب في صمت وتؤدة لتروي كل نبتة وشجيرة .. والحشيش الأخضر الزاهي...
كتامة الاسطورة ..مرفأ الهذيان !
نشاز حاد بين خضرة كالحة.. وحصى عالق في الريح !
استلقى على سريره منهكا.. كانت الرحلة من فاس الى كتامة قطعة من العذاب.. ثرثرة سائق التاكسي اتلفت اعصابه.. لم يكف طوال ساعتين عن سرد ملاحم المافيات.. ونوادر المهربين.. لم تكن كتامة يوما مجرد حقول للاخضر الموبوء ..انها...
لم تكن "هنية" على علم بما يجري ..
بدا الزفاف عاديا ، ونزولا طيعا عند رغبة أب عاشت هنية دوما طوع بنانه . أما الأب الذي لازمه لقب "البيدق" حتى خفي عن القرية اسمه الحقيقي ، فكانت تعلو محياه ابتسامات ذابلة.. يوزعها يمنة و يسرة على حضور تنضح أساريرهم بعطر الشماتة !
لم يجرؤ أحد من الأهالي أن يحتال...