ياسين سليمان

الميلاد
Nov 11, 1985 (العمر: 38)
نموذج من كتاباتك
وأيّ ذنبٍ جنت لتحطّ هذه القرية الكبيرة رحالها هنا؟. من كان صاحب الفكرة التي تبدو على حماقتها، سخيفةً؟. هبْ أنَّ تلك القرية لم تسمع أنَّ لله أراضٍ أرحب وأرحم وأطيب قلباً. هبْ أنّها لمْ تَرَ الأنهار المتمدّدة هنا وهناك، الأشجار التي تعانق أغصانها وتلثم خدود السماء، الدُوح والجنّات، الهناءة وطيب العيش ويُسر الحال. لنْ ترى كل ذلك وهي تحبو مسلوخة الجلد، على رمال هذا الوادي. كان وادياً غير ذي زرع. هل نجد لها العذر حتى بعد أنْ صارت إلى نصف مدينةٍ ومهبط رسالة التوحيد؟. أنظر إليها من أعلى جبالها وتلالها المتناثرة وكأنّها أوتاد الأرض. كنت لتظنّ أنّها ألْقِيتْ في هذا الوادي مخصوصاً، لكي تضع هذه القرية الكبيرة، قيد الإقامة الجبريّة. في وادٍ لا يرحم، لا يعطف، لا تبرد أحشاؤوه، ولا يتعب من نفث حِمَمِه وسمُومه، ولا غضب رماله العارم. وهاد ورمال وتلال، تنافق أعرابها، تسومهم سوء العذاب تارةً، وتغريهم بفُسحة الأمل، فلا يأتي. قست قلوب ناسها، فالناس تلين قلوبهم وِفقاً ليُسْر عيشهم. يكتبون الشِّعْرَ في الحسان، فيمدحون السّيف أولاً. يفطر فؤادهم العشق، فينزفون قصائدهم تقريظاً في فرسٍ سابحٍ، أو ناقةٍ ذلول، ولهاً وعشقا وبعض جنون. يخاطبون الغربان، تؤنس كلماتهم ليالي الكلاب التي لا تستنبح الأضياف، يتودّدون إلى جلاميدِ الصخور، يهمسون إلى سباعِ الخلاء، ويفخرون بالفناء. لمْ يروا ما يسرّهم، فما منحوا المسرّة لأحد. فهم في عزلةٍ تامّةٍ عن الجمال. وهذه القطيعة إلا عن صنوفِ قبحِ الحال، لمْ تزرع في قلوبِ النساءِ عشقاً، إلا للمقاتلين الذين جعل الله لهم أفئدة من الحجارةِ. النساء لا يتعشّقن إلا شاعرٍ مقاتلٍ، يظلُّ منشغلٌ عنهن، في قصائده، بالسّيوف والدماء وجزّ الرقاب. تنفطر قلوبهن، ويسقين الليل بكاءً ونزفاً من أجلِ نزّاف الدّمِ وجالبِ الهم والغم وسوء السبيل. هو نفسه الحبّ الذي وصفته إعرابيّة قائلة: ليس الهوى إلى الرأي فيملكه، ولا إلى العقل فيدركه. هو الحبُّ الذي ألهم الشّاعر الوأواءُ الدمشقيّ لينظم قوله العجيب.
أُنْسيّةٌ لو رأتها الشمسُ ما طلعتْ
للناظرينَ ولم تغرُبْ على أحدِ
قالت وقد فتكت فينا لواحظُها
ما إن أردتُ لنبْلِ الحبِّ من قوَدِ
فأمطرت لُؤلؤاً من نرْجِسٍ وَسَقتْ ورْداً
وعضّت على العُنّابِ بالبردِ
ثُمّ استمرّتْ وقالت وهي ضاحكةً
قُوموا انظروا كيف فعلَ الظّبي بالأسدِ
البلد
السودان
أعلى