مروة التجاني

نموذج من كتاباتك
كتب اوسكار وايلد رسالة إلى صديقه روبرت روس من داخل سجن ريدنج المعروف بقسوته ، تعتبر الرسالة أروع ما كتب في أدب السجون وأورد في هذا المقال مقتطفات منها :

يوجد بالخطاب تناول تقدمي عقلياً في السجن ، وما كان لابد من حدوثه معي من تطور في الطبع والوضع الذهني تجاه الحياة . وإني اريد منك وممن لايزالون يقفون بجانبي ويشعروا بالعطف على أن تدركوا جيداً في أي حالة وبأي اسلوب أرجو أن أواجه العالم . إنني بالطبع أعلم ، من إحدى وجهات النظر ، إنني في اليوم الذي أترك فيه السجن لن أكون فعلت أكثر من الخروج من سجن للدخول في آخر . وإنه سيكون هناك أوقات يبدو لي فيها العالم كله وأنما هو لايزيد سعة عن زنزانتي . ولن يكون جوه أقل رعباً . ومع ذلك فأنني اعتقد أن الله في البدء جعل لكل منا عالمه الخاص . وأن المرء يجب أن يبحث عن الحياة في هذا العالم الذي هو في داخل نفسه . على كل حال ، ستقرأ تلك الأجزاء من خطابي في ألم أقل من ألم الآخرين .

الواقع يا روبي أن حياة السجن تجعل المرء يرى الناس والأشياء على حقيقتها . وهذا هو السبب في إنها تحيل الشخص إلى حجر . فأولئك الذين يعيشون خارج السجن يخدعون بوهم من الحياة في حركتها الدائبة ، وهم يدورون مع الحياة ويساهمون في باطلها . أما نحن الذين لا نتحرك فإننا نرى ونعلم . وسواء كان الخطاب نافعاً لطبيعته الضيقة ومخه المريض أو لم يكن فإنه أفادني كثيراً ، إذ إنني به " طهرت صدري من كثير من الحشو الخطير " . وإني هنا استعير عبارة من ذلك الشاعر الذي فكرت يوماً في العمل على تخليصه من الماديين . لست في حاجة لأن أذكرك بأن مجرد التعبير هو بالنسبة إلى الفنان أرفع اساليب الحياة ، بل إنه اسلوب الحياة الوحيد في نظر الفنان . فبالنطق نحن نعيش . ومن بين الأشياء الكثيرة ، والكثيرة جداً ، التي يجب أن اشكر عليها محافظ السجن فلا يوجد أعظم منة من سماحة لي بأن أكتب إلى الفرد دوجلاس في حرية تامة . وبالقدر الذي ابتغيته من الاستفاضة . لقد كنت طوال عامين أحمل في نفسي عبأً متزايداً من المرارة ، أما الآن فقد تخلصت من أكثره . يوجد على الجانب الآخر من سور السجن بعض أشجار حقيرة سوداء لطخها السخام ، وهي الآن تتفتح عن براعم فاقعة الخضرة . وإنني أعلم تماماً ماذا تفعل هذه الأشجار ، فهي تجد طريقها إلى التعبير .

كنت في السجن ، معدوم الوسيلة ، ولم يكن أمامي الا أن اعتمد عليك فإذا بك ترى إن الشئ لا يكون صحيحاً إلا إذا دل على المهارة ، وعلى الحذق ، وعلى البراعة . وكنت في هذا مخطئاً كل الخطأ . فالحياة ليست معقدة ، وإنما نحن الذين نعقدها بما فينا من تعقد . الحياة بسيطة ، والشئ البسيط هو الصحيح ، وانظر إلى النتيجة ! فهل أنت مرتاح إليها . لم أكن في السجن كرجل برئ ، بل العكس إن سجل شهواتي المنحرفة وتصوراتي الملتوية يملأ عدة مجلدات حمراء ، أعتقد أن من الصواب ذكر هذا مهما كان وقعه على كثيرين ، فهو بلا شك سيكون مدهشاً ، بل ومفجعاً .

_ كتاب : من الأعماق / اوسكار وايلد .
البلد
السودان
أعلى