آصف فيصل

الميلاد
Aug 23, 1997 (العمر: 26)
نموذج من كتاباتك
( رَّكِيَّة مُتْرَعةٌ بالحُزْن )
في جَوْف مَغَارَةُ المَنْفِيّين أَوْقَدَتُ نار قَلَقي مُنْزَوياً ، لم اخَشَى أُوَارها بُغْيَة الدفْء ، فإن زَمْهَرِير البَرْد كبَاحُورَاء الحَرّ كِلاهما لا يُطاق!
و في طَوِيَّة قَضَاء ليلتي مُنْعَزِلاً ، آلِفَاً بالسَكِينة و الحُرْقَة ،لم أَحِسّ أنني قد فَغَرتُ ثُلْمَةً لجميع المُرْتَابين و المُضْطَرِبين ، فأَمْضَيتُ أهَوِّن عن كل ذو غُرْبَةٍ حُزْنه ، فالحُزْن مُتْعِب تحَدّيدَاً للذي أُبْتُلَيَ بكل أنَوْاعه .
أقَدِرَ على إِيجَاز القِصّة في عِبَارَةٍ فقط ، كما أقَدِرَ أن أُحَرِّرَ منها رِّوَايَة ، لم يُضْنَني حِيناً الإِسْتَرْسَال ، لكن كان ما يُقْلَقني أن أقَدِرَ على كتابة هذة العِبَارَة بلا تضْييع جُزْء من زُخْرُفها ، و حِين أَدْرَكتُ أنني أقَدِرَ على الكتابة ، أَضْرَمَتُ ناري لكل من إِبْتَغَى الوَجْد .
لا أذَكُر حُزْناً بِعَيْنِهِ بل أذَكُرهم جميعاً مَرَّة واحدة
مع كل ثَلاث صَدْمات تصير معك ، واحدة بَدَنية و الأخريات نفسيَّة و عاطِفَية ، تبقى العاطِفَة أشدّ أَلِيماً و هي التي تقَلِب حياتك رَأْساً على عَقِب .
إن الحُزْن يكفي لإِدْرَاك أننا خُلْقنا لكي نتهَيَّأ فقط للموت ، و نتَمْرّن على مُلاَقَاته بالوضع المَقْبُول رغم إِرْتِيَاعنا الوُجُودي من سِيرته!!
هذة هي سِمَة التَبَايُن، رُوح طَلِيقه مُقَيَّدٌة ضِمْن بَدَن رَهين لقواعِد الطبيعة، هذا الإِقْتَضَابَ الذي يُوجِز الحياة، هذا التَضَارُب الذي تشعُر به و تُدْرَكه، ماهو إلا رَائِحَة النِزَال الذي يسَتعِر في بَاطِنك دوماً ، و لَوْلاَ إِرْهَاقَه لك لما غَفوت كل يوم مُقدماً لروحك عُطْلَةً للفرار عنك و لو قليلاً لترْتاحَ منك و تطمئن و هي مُقبِلة إليك في الغُدْوَة ؛ ثم تَتَوَهَّم أيها المُغَفَّل أن خلاياك هي المُدِبِّر لكل هذا .
إن نَفْسك المُطَّلِعة المُتَنَاقِضة و المُستشعِرة عن بعد ليست هي نَفْسك المَلْمُوسة التي تسْتَنْزِف حواسها الخمس مُنَقِّباً عن إِجابَة للوجود عبر العلم التجريبي . إنك فقط تسْتَنْفِد قُدْرَتك و تسْتَهْلِك بَصِيرَتك و تضَرِب بطيش نَابِشَاً عن إجابات للمَسْائِل الكبرى في الجَانِب الخَطَأٌ .
إن نَفْسك لا تملك مَنْظَراً و مَظْهَراً لهذا لا تُدْرِكها و تَعِيها و بالكاد تعْتَقِد بوجودها، و هي مُعْظَم الوقت غَاطّة بعُمْق ، و مُهِمّتك أن تُيَقِّظَها بِتَأَنٍّ و ترْتَقِبَها دهراً و تُمرِنها على الإِسْتِفاقة و ترضى بوضعك الرَاهِن بفَرض أن الموت سَيُخْلَي سَبِيلها . ثم بعد صَحْوِها يجب أن تُلاقِيها بِبَدنك الهَالِك و أن تجعلهما يُقَدِّرَان بعضهما و يَكِفّا عن الإِقْتِتَال .
الحُجَّة الدَامِغة على أن بَدَنك ليس الذَّات و الْهُوِيَّة، هو أن بَدَنك بعينه يتَحَوَّلَ من وقت لآخر، خلاياك تُستحدث، و سَحْنَتك تَتغَيَّر كلما إِزْدَادَ عُمْرك، ورغم هذا ما انْفَكّيت تتذكر أَسَاك و حُبُورك، تَعَاسَك و جَذَلك ، تَوَجُّسك و طُّمَأنينَتك، هذة الأحاسيس ليس لها مَلْمَح أو بِنْيَة بل لها سِمَة تشعر بها فتظن انها هي المسببه . وجب عليك حَلَّ و مناهضة و التمرُّن على وجود هذا المشاعر التي تصَفَّدك ، فإن لكل منا روحاً يُمْرِنها و تُمْرِنه طيلة حياته .
حديثي هذا سيتلقاه الأحياء بتَغَايُر، فالمتذكر للموت يدرك أن فيه سِمَة من الحقيقة و إن لم يُشَكَّلَ بالطريقة المثلى بسبب اللغة، و التَائِه عنه سيظن انه مُجَرّد مُفردات مُخْتارة بعِناية فائقة ، و المُبْتَهِل سيجد فيه روحاً ما، و المرتاب المادي المُتَحَجِّر سوف يعتاذ من شرّ الهُذَاء و الهُرَاء، و هذا في حد ذاته مُدْهِش جداً، كيف أنك لا تقدر بالتَبْشِير بهذا الوعي مهما إِبْتَغَيت و بَدَّدَت حياتك فيه .
معرفةً كهذه تُشغِلك عن الشَهْوَة ، و تُغْفِلك عن الحُدُود و المَفْاهيم، تجعلك مُتَمَسِّك بأن لا تُعَرِّف الأشياء كما يُعَرِّفها الآخرون على وجه التحديد تلك المَفْاهيم المُختارة بدقة و التي يُكَرِّرَونها دائماً . إياك أن تقرأ و تنصهر في شخص الكاتب ، عليك أن تحظى بتَجْرِبَتك تامّة ، عليك صكّ مَفْاهيم مُتَفَرِّدة و مُنْقَطِعُة النَّظِير تَمْلِّكَها وحدك، إياك أن تُلْخِصها على شكل مفردات، دعها تأتي كما هي، على أي قَالِب من قَوالِب التَعْبِير، المهم أنت تكون أنت بتَمَامِ فِهْرِسك الخاص
إن المَعْرِفَة شَهيّة جداً للمدًى الذي يجعلك تكَفّ عن الحَيَاة! و لكن الحَيَاة مُسْتَمِرّة ، و في ظِلّ هذا الإِسْتِمْرارِيَّة قد يَتَغَيُّر قُبُولك لها و لرُبَّمَا تَتَغَاضَى عَمَّ عَرَفَته ،هنا سَتُحْرِضُك مُتْعَة المَعْرِفَة للإِسْتَقْصَاء من جَدِيد .
البلد
السودان
أعلى