أسامة محمود اليوسف

الميلاد
Apr 17, 1980 (العمر: 44)
نموذج من كتاباتك
هنا تتوافد الناس من كل حدب وصوب، حيث أجراس كنيسة القيامة وصوت مآذن الأقصى، ضجيج خفي يملأ كيانك كيفما التفت، يتعالى هرمون السعادة بأفتتان الأوابد العتيقة، تتحرر الكلمات عبر جدار القلب، ويتلاقى الدفء حول الأشجار القديمة العالية ستائر للروح الباقية في تلك البقعة، وخدر خفيف يلازمني كلما تذكرت توقيت المشهد.
بعد انتهاء صلاة الصبح في السابع من حزيران 1967، هجمت عصابة أشرار متكونة من عدة لصوص متطرفين على القدس القديمة حاولوا اجبار القاطنين على توقيع أوراق يتنازلوا فيها عن ممتلكاتهم ، ثم بدأوا بأخافتهم وتهديدهم ، لم يرضخ والدي لأوامرهم فاردوه قتيلا وسط السوق، قتل أبي مع أناس أبرياء، كل ماتمنوه هو العيش بسلام مع عائلاتهم في بيوتهم التي يملكونها،كان أبي يمتلك دكانا صغير للتوابل والمخلات في المنطقة المجاورة للمسجد، وكان يكره عملية البيع والشراء مع البعض منهم لأنهم حاقدون ، فمنذ سنوات وهم يحاولون قضم البساتين والأراضي بادعاءات مزيفة وكاذبة.
كنا نعشق ذلك المكان كنت أنا وجورج ونوعام نركض في ساحة دير الراهبات وبين البيوتات المصطفة بأصيص الورود وعبر الأزقة المبلطة بالحجارة السوداء فنشرب العرقسوس ليمضي الوقت بلا ملل ، لقد أثارت حفيظة اليهود المسالمين في الحي عبارة القدس عربية ..القدس لنا ، والتي دونها أحد الأطفال على جدار المدرسة المحاذية للمسجد، إلا أن بعض الشباب قاموا بمسحها فورا ليحافظوا على العيش المشترك.
صورة جدي ووالدي بالكوفية وإلى جانبهم العلم الفلسطيني معلقة وسط الغرفة ، وعبر موجات المذياع القديم يصدح صوت الآذان الشجي، بينما أمي تتهيأ للوضوء التفتت صوبي وسألتني :
لماذا أزحت الصندوق من مكانه ؟
عللت تصرفي : أنني أرتب الغرفة .
لايزال لغز الصندوق المدهش الذي يعلو الخزانة والذي رسمت عليه صورة البطل العربي صلاح الدين يحملني إلى تكهنات عجيبة، والفرصة المواتية لفتحه مازالت صعبة، فمفتاح الغرفة دائما مع أمي وهي تأبى الحديث عما يحمله في داخله من كنز وأسرار .
إلا أن الأسئلة الملحة والمكررة عن سر الصندوق جعلها توافق بشريطة عدم التفوه بالحديث لأحد عن الموضوع ، فلقد احتوى الصندوق على وثائق ومذكرات مهمة لجدي مع البطل عبد القادر الحسيني وصورهم حول الأقصى وصور آخرى ملتقطة بالأسود والأبيض توثق اعتداءات المتطرفين على عائلة والدي لأجبارهم على ترك منازلهم .
الصورة معلقة وسط الغرفة وهي مائلة بفعل التشققات التي أحدثتها الحفريات تحت المسجد الأقصى، صورة جدي ووالدي معلقة وسط الغرفة ، وعبر موجات المذياع القديم يصدح صوت الآذان الشجي كالمعتاد، بينما أمي تتهيأ للوضوء، التفتت صوب الصندوق أزاحته من مكانه، أغرورقت عينيها بالدموع وقد أضافت صورتي وإلى جانبها المقلاع وبعض حجارة الصوان .
البلد
سوريا
أعلى