فوزية خليفي

الميلاد
Apr 22, 1976 (العمر: 48)
نموذج من كتاباتك
غرفة النوم المضاءة..


عادت مسرعة إلى مرآة الردهة، تعيد ترتيب خصلات ليست بحاجة لترتيب. ابتسمت للوجه الجميل، وأضافت بعض بريق الحمرة، ورشة أخرى من عطر فرنسي فاخر، وبكامل أناقة سنواتها الشابة، أسرعت خارجة من باب الإقامة.
صادفها بعض المرضى:
-"مرحبا يا دكتورة، إلى أين العزم؟"
فردت عليهم التحية بحب معتاد:
-" يومي هذا مميز..!"
وركبت سيارتها وانطلقت تطوي طريقا من أحلام:"سأصل البيت باكرا لأجهز العشاء"، فكرت، "لا بد أنه طلب عشاء ملوكيا جاهزا..لا يمكن أن يترك هذا للصدفة."
وضحك قلبها بفرح، كم تشتاق إليه..!
مرت أيام فوق الشهرين؛ منذ آخر مرة كانا معا، وذكرت كلماته المتقنة على الهاتف هذا الصباح، تعمد أن يخفي تذكّره للمناسبة، وهي أيضا فعلت؛ ستكون مفاجأة أجمل من مثيلتها العام الماضي.
...وأثناء الطريق الطويل نسبيا إلى بيتهما في مدينة أخرى، راحت- كأسعد امرأة في العالم- تسترجع مشاهد اللقاء الأول، كما أحبت دائما أن تفعل...
كانت تتمرن كطبيبة مقيمة في المشفى، وهو يأتي ليسأل عن مسؤوله في الجيش؛ القائد المريض الذي يحظى بغرفة خاصة فيه. دخل مكتبها...وتسمر عند الباب، يحمل قبعته الخضراء بيده، وأوسمة عديدة راحت تلمع في صدر البذلة الأنيقة..شاب جميل بلباس جميل وبابتسامة أسرت قلبها:
-"أنت الطبيبة؟!"
-"نعم، تفضل."
-"أنا هنا لأسأل عن حالة مسؤولي وأستلم نتيجة التحاليل، لكن يبدو أن حالتي هي ما يحتاج للعلاج!
ابتسمت الدكتورة الشابة للعبارة، وبسرعة سجل حضوره الجميل في روحها.
-" حب من أول كشف طبي!، كما كان يحلو له أن يقول.
هذا الصباح، وهو يهاتفها، بدا صوته أكثر هدوءا، وتنبهت هي للخدعة!
يريد إيهامها بأنه نسي ذكرى زواجهما الثانية؛ يعلم يقينا أنها ستسرق يوما من العمل، وتحضر هدية - مع أن لقاءه أحلى هدية - وتأتي، وراحت تنسى المسافة البعيدة بتخيل شكل اللقاء.
لقد أكدت عليه بالهاتف، هذا الصباح، استحالة حصولها على إجازة إلى غاية نهاية الشهر، ثم وهي تنظر إلى لعبة الدبدوب الصغير المعلق على مرآة سيارتها، تذكرت موضوع الأطفال.. كانا قد اتفقا سلفا على تأجيل الإنجاب حتى تكمل تخصصها وتستقر إلى جانبه وتصبح مهمة رعاية الأطفال أسهل..
كان في نيّتها أن تسمي أول طفل على اسم أبيها، وإن كانت بنتا، على اسم أمها، ولم يعترض زوجها..ثم رحل الفكر إلى والديها؛ آه من شوقها لهما..
كالجرح المتجدد النزف، تستحضر غضب والدها الشديد وهو يرفض زواجها من هذا الغريب؛ كان العرف السائد في قريتها الجبلية أن " تسمى" البنت على ابن عمها الأقرب إليها سنا؛ وهو بمثابة عقد زواج مسبق غير موثق، لكنه مؤكد ! وسارت الأجيال على ذلك التقليد بلا استثناء؛ حتى حان دورها.
-" ابنتي أنا..تكسر كلمتي وتتزوج من هذا الغريب الذي لا نعرف له أصلا أو فصلا؟! ماذا يقول عني الناس؟ لم أحسن تربيتها كما يجب؟!"
-" ولكنه ابن ناس، يا حاج و...يحبها"! ، قالت الأم الضعيفة بخوف..
-" يحبها ؟؟ تبا لهذا.. أتعتقد أن شهاداتها وسماحي لها بالدراسة إلى أن وصلت لأعلى المراتب، يجعلانها تتجرأ وتخالف إرادتي؟؟ والله لا يكون، أبدا؛ موتها أهون عندي من ذلك! "
وفشلت- بعد عدة محاولات منها ومن حبيبها في إرسال من يقنعه بالعدول عن رأيه- في جعله يقتنع..
فما كان منها إلا أن تفر، ذات فجر..بحبها، وتختار طريقا لا احتمال للرجوع فيها.
ورغم شوقها لحضن الأسرة، إلا أن الندم لم يعرف لقلبها طريقا.
وزادها يقينا بحسن الاختيار، أن زوجها- وطوال فترة وجودهما معا - لم يدع يوما واحدا لم يحاول فيه تعويضها عن خسارة أهلها لأجله.
...مع نهاية الطريق، كان الظلام قد خيم على المدينة.
وصلت أخيرا للبيت..بفرح كبير، ركنت سيارتها بهدوء وحملت الهدية الفاخرة دون أن تنسى تسوية ما تضرر من أناقتها بسبب الطريق، وسارت إليه.
كانت غرفة النوم مضاءة، وصوت موسيقى حالمة خافت يصدر من الداخل.. لقد حضَّر كل شيء، حتى أصغر التفاصيل.
وفتحت الباب؛ عطره الجميل يعبّق الجو.. وبهدوء صعدت للغرفة وفتحتها.. كان هناك، حبيبها، على سريرهما، نصف ممدد، نصف عار.. متأهبا لليلة من أشواق.
لم يخطئ ظنها أبدا..هاهو ذا لم ينس ذكراهما الثانية، وبهدوء الانقضاض على الفريسة، تقدمت نحوه..
حين فتح باب حمامها، وأطلت " أخرى"!! بلا شيء من الملابس تقريبا..!
وتجمد الثلاثة في أماكنهم، لزمن طويل!
البلد
الجزائر
أعلى