وليد سليمان - بورخيس وألف ليلة وليلة

تتملكنا رغبة في التيه في ألف ليلة وليلة فنحن نعرف انه بدخولنا في هذا الكتاب يمكننا أن ننسى قدرنا الانساني البائس بورخيس خ. ل. الف ليلة وليلة يكاد لايخلو اي كتاب او حوار للكاتب الارجنتيني بورخيس من احداث الكاتب. فمثله مثل غوته وفولتير مثلت ألف ليلة وليلة بالنسبة الى بورخيس اكتشافا جوهريا ومنهلا لا ينضب. وان كنا نجد تأثير هذا الكتاب الفاتن لدى فولتير في قصصه الفلسفية وخصوصا في قصة "زاديغ"، ولدى غوته في "الديوان الشرقي الغربي" أو "فيلهلم مايستر"، فان تأثيره على بورخيس نكاد نجده مبثوثا في كامل اعماله، سواء تعلق الأمر بقصصه أو شعره أو مقالاته أو محاضراته. لقد اكتشف بورخيس كتاب ألف ليلة وليلة في طفولته المبكرة حيث قاده تسكعه الأدبي في مكتبة أبيه - هذا التسكع الذي يحدوه فضول لا نهاية له- إلى العثور على ترجمة بيرتن بالأنجليزية. وهي ترجمة سوف يقول عنها في ما بعد: " ان ترجمة بيرتن الأنثروبولوجية والبذيئة محررة بلغة انجليزية غريبة يعود قسم منها الى القرن الرابع عشر، وهي انجليزية مليئة بالكلمات المهجورة وبالألفاظ الجديدة، انجليزية لا تخلو من جمال وإن كان يعسر أحيانا فهمها. " وسيصل هوس بورخيس بكتاب ألف ليلة وليلة إلى درجة قراءة كل ترجماته باللغات التي يعرفها: "نكاد نتحدث عن كتب عديدة عنوانها "ألف ليلة وليلة": اثنان بالفرنسية، حررهما غالان وماردروس؛ وثلاثة بالانجليزية بقلم بيرتن ولين وباين؛ وثلاثة بالألمانية بقلم هيننغ وليتمان وفييل؛ وواحدة بالأسبانية لكاسينوس أسينس. وكل واحد من هذه الكتب مختلف عن الكتب الأخرى، اذ أن الألف ليلة وليلة لا تزال متواصلة، أو مازالت تعيد خلق نفسها." ومع ذلك فان بورخيس يفضل ترجمة غالان حيث يقول: "… النص الأول الذي وضعه غالان بسيط نوعا ما، وربما يكون الأكثر سحرا من بين كل النصوص، ذلك الذي لا يتطلب أي مجهود من قبل القارئ؛ فبدون هذا النص الأول، مثلما قال ذلك الكابتن بيرتن بحق، ما كنا لنحصل على النسخ اللاحقة". وصف بورخيس اكتشافه لكتاب ألف ليلة وليلة في عديد الحوارات التي اجريت معه. وفي نصه الذي يحمل عنوان "محاولة في السيرة الذاتية" يقول: "[هذا الكتاب] الممتلئ بما كان يعتبر حينئذ بذاءات كان يمنع علينا قراءته وكان علي أن أقرأه خلسة فوق السطوح". في كتابه "سبع ليال" نجد نصا يحمل عنوان ألف ليلة وليلة هو في الأصل محاضرة ألقاها بورخيس، وأعتبره شخصيا من أجمل ما كتب عن حكايات شهرزاد. وبعد أن يصف بورخيس في هذا النص ترجمة ألف ليلة وليلة الأولى الى اللغة الفرنسية والتي قام بها غالان وصدر جزؤها الأول في سنة 1704 باعتبارها "حدثا جوهريا لكل الآداب الأوروبية" يقول ما يلي:" برزت ألف ليلة وليلة بشكل غامض. انه عمل آلاف الكتاب ولم يفكر أي منهم أنه كان يبتكر كتابا شهيرا، واحدا من أشهر الكتب في كل الآداب، وهو كتاب يثير الإعجاب- مثلما قيل لي- في الغرب أكثر مما في الشرق." ان بورخيس الأرجنتيني المولد بثقافته الموسوعية وقدرته الفائقة على التأثر والتأثير قد غير نظرتنا كعرب لألف ليلة وليلة وأثبت أن الانسان يمكنه أن يقرأ العمل الأدبي قراءة "ابداعية" و"خلاقة" حتى وإن كان يجهل لغته الأصلية. لقد انتظر العرب عدة قرون كي يعيدوا اكتشاف "ألف ليلة وليلة"، وكان عليهم أن ينتظروا قرونا أخرى كي يدركوا ما لهذا الكتاب من قدرة على إعادة خلق ذاته مثلما قال بورخيس نفسه.
 
أعلى