منقول - أقدم كتاب قصصي عربي تُرجِم أخيرا لأول مرة للإنجليزية.. ت: باسم محمود

السلطان العثماني سليم، بعد أن هزم المماليك في معركتين كبيرتين في سوريا والعراق، دخل القاهرة في عام 1517.
احتفل السلطان بنصره بمشاهدة صلْب آخِر سلطانٍ مملوكيّ على باب زويلة. وتزعّم كتيبة النهب الكبرى التي سطت على كنوز القاهرة الثقافية. من بين تلك النفائس: مقتنيات أعظم مكتبة بالقاهرة.

مخطوطاتٌ عربية تم شحنها إلى إسطنبول، واقتُسِمَت بين مساجد المدينة. هذا قد يفسّر كيف انتهت مخطوطات الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة في مكتبة جامع آياصوفيا العظيم.

هناك حيث ترقد مخطوطاتٌ بالية غير مقروءةٍ، يعلوها غبارٌ ولا أحد يعلم بوجودها، حتى جاء عام 1933، عندما تعثّرت خطى المستشرق الألماني "هالمات رايتر" بها، وترجمها للغته الأم: الألمانية. تم صدور طبعة عربية في عام 1956. في التسعينات، عندما كنتُ أعمل على إنجاز كتابي: The Arabian Nights: A Companion صادف وأن أشرتُ إلى تلك القصص، منذ أن بدت مشابةً تماما لليالي العربية (أو كي نطلق عليها عنوانها الصحيح: ألف ليلة وليلة) اعتقدتُ أنه يجب إلقاء نظرة عليه. القصص في الحكايات العجيبة كانت بالفعل رائعة ومدهشة مثل تلك التي في ليالي ألف ليلة وليلة، وشعرت كما شعر مثقّفون آخرون؛ كما لو أنه قد وقعت أيديهم على جزءٍ ضائع من حكايات كانتربيري أو مسرحية مفقودة لشيكسبير.

القصص قديمة جدًا، عمرها أكثرُ من ألف عام، يبدو معظمها وكأنه جديدٌ بالنسبة إلينا حتى الآن. بعض بضع سنوات، اقترحتُ على مالكوم لايون -مترجِم إصدارٍ سابقٍ من اللّيالي– أنه من الممكن له أن يترجم أيضًا الحكايات العجيبة. بدا غير متحمسٍ ولم أعد أفكّر كثيرا بالأمر. مؤخّرا، في الصيف الماضي، أرسل لي بريدًا إلكترونيًّا ليخبرني بإتمامه الترجمة. تم نشرها حاليًا، ما يعني أن هذه القصص يمكن أن تُقْرأ بالإنجليزيّة لأوّل مرّة.

“وصف: سندباد في الليالي العربية”

على الرُّغم من أن عنوان هذه المجموعة من القصص العربية قد فُقِد، فإن الجملة الافتتاحية في المقدمة توضّح أن: “هذه هي الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة” والتي تحدّثت عن كل الأشياء التي تتحدى إدراك الإنسان مثل: السّحر وعوالم الجنّ، عجائب البحر، غرائب النباتات والحيوانات، الكنوز المدفونة، والأشياء الخارقة للطبيعة. يحثّ القرآن المؤمنين كثيرًا على تأمل روعة خلْق الرّب، لهؤلاء ذوي البصيرة “أولئك هم المبصرون”. وبالطبع القرآن ذاته هو أحد عجائب الخالق. أشياء خارقة للطبيعة كانت إشارات على قدرة الرّب الخالق. أنْ نتعجّب من روعة الخالق هو بالطبع عملٌ تقيّ.

العديد من الحكايات في الحكايات العجيبة يتجلّى فيها التعطّش لسماع ورؤية أشياء عجيبة. قصة سيّد بن حاتم الباهليّ بدأت بأن الخليفةَ الأُمَويّ يخبر وزيره قائلا: “أريدُ منك أن تجلب لي بحّارًا عربيّا كي يقصَّ عليّ من أهوال البحر وأخطاره، وأريده الآن. لَرُبّما يعالج أَرَقِي”.

في القصة الثالثة من الأربع المخصصة للحديث عن صيد الكنوز، قائد المجموعة يقول للراوي: “أنا رجلٌ أبحث عن العجائب مثلما تفعل أنت” لاحقًا، عندما يحاول السيد أن يرشو القائد ليس ليرى التاج السحريّ، يكون ردّه: “نريدُ فقط أن نرى الأعاجيب وأن نرى ما لم نره من قبل، وإن حدث ورأينا التاج، فلابد أن نعيده إلى حيث كان”. في قصّة ملك بلاد ما وراء النهرين أحد الأشياء الملاحظة التي زكّت الوصيفة عند الأميرة أن خادمتها كانت مُوْلَعةً بالغرائب.

تتضمن الحكايات العجيبة حكايات عن الخوارق، الرومانسية، كوميدية، وحتى عن البدو، وواحدة من تلك القصص تتحدث عن التنبّؤ بنهاية العالَم. محتويات الصفحة تشي بأن المخطوط الكامل حوى اثنين وأربعين فصلا، نجا منهم فقط ثمانية عشر فصلًا بهم ست وعشرون حكاية. الخط المكتوب به المخطوط يوحي بأن هذه النسخة قد تم إعدادها في القرن الرابع عشر، ولكن محتوياتها تُبيّن أن هذه القصص تم تجميعها – وفي بعض الأحيان اختلاقها – في القرن العاشر الميلادي، إمّا في مصر أو سوريّا. هذا يعني أن هذا النص الذي بين يدينا هو أقدمُ من أقدمِ مخطوطٍ: ليالي ألف ليلة وليلة (أواخر القرن الخامس عشر) حيث اعتمد عليها أنتون جالاند كأساسٍ في ترجمته للّيالي في القرن الثامن عشر. جامعو ومؤلّفو قصص ألف ليلة وليلة والحكايات العجيبة هم مجهولون.

ليس فقط أن مجموعتيْ القصص تشبهان بعضهما البعض في تعدد محتوياتها، لكن بهم عددٌ قليلٌ من القصص بينهم قواسم مشتركة؛ قصّة أبي محمد الخامل، وأعجوبة مصارعته القرد تماما مثل أعجوبة الجزر والبحار. الاعتبارات الزمنية في إصدارات الحكايات العجيبة مهمة، حيث تمدّ الباحثين برؤية للطرق التي عمل بها جامعو ألف ليلة وليلة بمواد أقدم فُصِّلَت على ما كان لديهم منها من قبل.

الحكايات تختلف عن الليالي في جميع أساليبها الشاذة. مؤلّف(مؤلّفو) الحكايات العجيبة كان عندهم حبٌ شديد لابن عمّ النبي: علي بن أبي طالب، وفي نفس الوقت يحترمون خلفاء بني أميّة في القرني السادس والسابع الميلادي. في مرات عديدة في الحكايات العجيبة، الله يتدخّل لينقذ البطل أو البطلة من خطر يحيط به. الرّهبان المسيحيّون يظهرون بصفة دورية في الحكايات العجيبة، محمد بن سليمان يلعب دوراً في ثلاث حكايات! لماذا؟ حتى الآن لا أدري.

بصورة عامة، الفانتازية أكثر حِدّةً و ظهورًا في الحكايات العجيبة مما في الليالي. روعة الابتكار الجنونية في قصّة: محلية ومُهاب والغزال ذو القدم البيضاء، خليطٌ من معتقدات المسلمين والنّصارى والطقوس الوثنية. لدينا هنا أحلام استبصارية، محادثات مع إلهٍ وثني، تحولات سحرية، الغزال المسحور، جنيّ شهوانيّ، مَلِكَة الغربان، أسدٌ يبكي، قلعة محروسة بتعويذات سحرية، تمساحٌ بأذنيه لآلئ، التضحية بالعذارى من أجل النيل وأشياء أخرى. السرد مفرطٌ في الخيال. قصة “عروس العرائس” وخدعتها، فضلا عن عجائب الجزر والبحار، تظهر ميديا عربية تستخدم السم والسحر لتذبح الرجال وكذلك الجني الذي قد نامت معه. (وقد نامت في الجوار كثيرًا) .سعيد بن حاتم الباهليّ قاد رحلة للهند حيث لم يواجه فقط جيوش الهند الوثنية، ولمن واجه راهبًا يُذكّرُ عهده بعهدي النبي دانيال والمسيح، ولكنه تحوّل إلى الإسلام وصار يطلق بعض النبوءات. الغزو الإسلامي يمتد لأبعد من الشرق ليكتشف وادي النمل والقردة.

ولأني قد قرأت هذه القصص وأعدت قراءتها، أصبحت مقتنعًا بأن ذلك الشخص الذي دوّنها في القرن العاشر لم يقم بجمعها فقط من مصادر متعددة، بل هو أو هي قد ألّفها بالفعل. كثيرٌ من القصص تبدو وكأنها مدفوعة بنوعٍ من الإلهام ودوِّنَت على عجل. على سبيل المثال قصة الجبل ذي الطلاسم (أو تعويذة الجبل) وعجائبه، تَذكّرَ الرواي متأخرًا أن يضيف اسمًا لذلك المملوكيّ المتوحّش.

ألف ليلة وليلة يحوي قصة واحدة طويلة عن البحث عن الكنز، مدينة النحاس الأصفر؛ حيث حاكم مصر أرسل جالية ليجدوا له الحاوية النحاسية المغلقة التي تحوي الجنّي الذي حبسه سليمان فيها منذ قرونٍ مضت. على الرغم من ذلك، صيد الكنوز لا يميّز حقيقة الليالي. لكن في الحكايات العجيبة تحتوي على أربع قصص قصيرة مخصّصّة لصيد الكنوز وفي ثلاث من هذه القصص قائدو رحلة البحث هم محترفون.

المعالجة الروائيّة لموضوع صيد الكنوز مُستَنبَطة بشكل مماثل من المعالجات غير الأدبية المكرّسة لنفس الموضوع. في مصرَ القرونِ الوسطي، صائدو الكنوز المحترفون نصّبوا أنفسهم أدلّاء. بعضٌ من صائدي الكنوز “المحترفين” كانوا مخادعين بالفعل وغرروا بالساذجين. إضافة لأن بعضًا من الكتيّبات الإرشادية لصيد الكنوز كانت مليئة بكثرة بروايات عن تعاويذ سحرية، وقَصصٍ عن الباحثين القدامى سيّئي الحظ، التي ينبغي حقيقة أن يتم إعادة تصنيفها ضمن فئة أدب التسلية.

كما هو الحال في الواقع؛ يحتاج الواحد لخريطة جيدة وجاروف كي يستطيع أن يكشف عن كنوز القدماء. من أجل الكنوز، يكون الصّياد على توقع أن يقاتل حارسيها من الوحوش، أو التماثيل القاتلة أو الفخاخ السحرية، وهذا بالفعل ما واجهه المشاركون في رحلات البحث المذكروة في الحكايات العجيبة. تلك الرحلات المحفوفة بالمخاطر يمكن مضاهاتها بإنديانا جونز برغم أن القوى الخارقة للطبيعة أكثر جلاءً في قصص العصور الوسطى.

قصص البحث عن الكنوز تبقى شاهدًا على الرعب الذي عاشه عرب القرون الوسطى عندما تفكّروا مليّا بعجائب العصور القديمة وسألوا أنفسهم ماذا قد حدث لثروات الإغريق والرومان القدامى، وكذلك للفراعنة وأباطرة الفرس.

طبقا لما تقترح آلية الخطر بالقصص؛ توخّى رواة قصص العصور الوسطى استخدام تقنيات متقدّمة ليس كشيء سيتم تحقيقه في المستقبل، ولكن كشيء قد فُقِدَت أسراره في الماضي البعيد. مثل آلية مجابهة الموت من أجل الكنوز المحروسة التي سعى من خلالها أبطال قصص السعي نحو الكنوز في القصص العجيبة.

على غير العادة في قصّة جلّنار، الملكة الساحرة كانت عاشقة لمجموعة غناء. التماثيل كانت خطرة. في حكايات عديدة من الحكايات العجيبة، الشياطين يدخلون التّماثيل ويتحدّثون من خلالها. الرهبان يحرسون الكنز في بدايات الأربع قصص المعنية بصيد الكنوز. تمثال في جبل التعاويذ يملك القدرة على أن يجمّد السّفن. مثل تلك الأشياء سواء عن الممات أو الحياة هي في جوهرها غريبة. قصص صيد الكنوز مليئة بالإثارة والعجائب، لكن كقصّة المدينة النحاسية في الليالي تحمل في طيّاتها الكثير من المواعظ حول زوال الثروات الأرضية وغرور السلطة الدنيويّة. أحدنا قد يستشعر أن صائدي الكنوز لم يكونوا يبحثون كثيرًا عن الكنوز الماديّة بقدر كونهم في بحث عن الغرائبية والمغامرة.

الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة، بتقديم روبرت إرون، وترجمة مالكوم سي ليون أخيرًا قد ظهرت للنور.



* sasapostcom
 
أعلى