شيرين إدريس - رؤية جديدة في الخطاب النسوي

يكشف الخطاب الحكائي في ألف ليلة وليلة عن أيديولوجية إصلاحية تتجلي منذ بداية الليلة الأولى وحتى نهاية الليلة الواحدة بعد الألف وهي تهدف إلى إصلاح المجتمع الذكوري الذي يمثله الملك شهريار؛ حيث تنتج البنية الألف ليلية خطابا أنثويا تدافع فيه شهرزاد عن بنات جنسها وحقهن في الحياة بأبعادها المترامية؛ فتدفع عنهن الموت ليلة بعد ليلة متجاوزة حدود قضيتها الصغرى إلى قضيتها الكبرى المتمثلة في أنسنة الفكر الشهرياري. وهذا ما تقدمه الناقدة عواطف سيد أحمد في كتابها الجديد (جرحك يا شهريار) الصادر عن دار روافد للنشر بالقاهرة والذي تقدم فيه إعادة قراءة في الخطاب النسوي في ألف ليلة وليلة ذلك النص التراثي في إطار الرؤى الحديثة التي تستند إلى النقد الثقافي ليكشف عن القيم الكامنة داخل النص ويقع الكتاب في 207 صفحات من القطع الكبير. يتناول الفصل الأول من الكتاب الخطاب الأنثوي عند شهرزاد؛ حيث بدأت شهرزاد مشروعها السردي منذ الليلة الأولى وهو ما تحدد من خلال القصة الإطار ولا تنفصل القصة الإطار والمشروع السردي لشهرزاد عن الرؤية الأنثوية التي تقدمها ألف ليلة وليلة في مجملها. ويتحقق ذلك في الفصل الأول عبر محورين: الأول من خلال الأيديولوجية الإصلاحية لمشروع شهرزاد السردي وذلك من خلال تحليل عدد من الأنماط النسوية في حكايات ألف ليلة وليلة تبين أن تلك الأيديولوجية تستهدف عدة نتائج منها ضبط زاوية الرؤية وتصحيح النموذج الأنثوي المشوه في الوعي الجمعي لدى المتلقي الشهرياري. أما المحور الثاني فقد خصص لإبراز تصارع القيم الذكورية والأنثوية من خلال عرض الأنماط النسوية التي قدمتها شهرزاد في لياليها؛ حيث هدفت شهرزاد إلى أنسنة الفكر الشهرياري والخروج به من دائرة الدموية إلى دائرة الإنسانية المتحضرة فحكايات ألف ليلة وليلة أدب نسائي شعبي يهدف إلى تهذيب الرجل. ويتناول الفصل الثاني من الكتاب خصوصية البنية الحكائية لقصص الحب في محاولة لتمييز البنية الحكائية لقصص الحب بالوصف؛ حيث لوحظ أن بنية هذا النوع من القصص تسير وفقا لهيكل معين يبدأ بفتى يقع في حب فتاة سمع عن أوصافها مصادفة عن طريق مبلغ يحاول الوصول إليها فيواجهه مانع وبظهور الوسيط بين الفتى والفتاة ينتهي المانع ويتزوج الفتى بفتاته. وهناك نوع آخر من قصص الحب وهو الحب من النظرة الأولى فمن خلال دراسة مجموعة من الحكايات التي تمثل نموذجا لهذا النوع من القصص تبين أن بنيتها الحكائية تتميز بما يطلق عليه «الكلمة المفتاح» والجملة المفتاح في هذا النوع من الحكايات هي «نظر إليها نظرة أعقبتها ألف حسرة». ويدور الفصل الثالث من الكتاب حول صورة الرجل في ألف ليلة وليلة وهو أمر لم يتناوله أحد بالدراسة من قبل فمعظم الدراسات السابقة ركزت على صورة المرأة داخل الليالي وأهملت صورة الرجل ومن هذه الصور: الرجل «حاكما» والرجل «زوجا». فصورة الرجل «حاكما» فمن خلال الدراسة التحليلية لبعض حكايات الليالي التي صورت الحكام والملوك تبين أن شهرزاد في رسمها لصورة هؤلاء الحكام لم تبتعد كثيرا عن الواقع فالحكام كثيرا ما يقعون تحت سلطة المال والحكم فيمثل ذلك الملك «شهريار» ذلك الملك الذي يمثل جنون السلطة وجموحها. ونرى في حكايات شهرزاد جلسات للعلاج النفسي تقوم فيه بدور المحلل النفسي لتعالج «شهريار» مع الاختلاف ففي جلسات التحليل النفسي يتحدث المريض ويكون حديثه خطوة على طريق الشفاء وينصت المحلل متخذا دور المستمع، أما في ألف ليلة ينعكس الأمر فتتحدث شهرزاد وينصت شهريار ومع ذلك يتحقق لشهريار الشفاء عندما ينصت إنصاتا صادقا. وتختم المؤلفة كتابها فتقول: «لقد كشف الخطاب النسوي في ألف ليلة وليلة عن حقيقة مفادها أن مجتمع الحكايات وهو مجتمع ألف ليلة وليلة مصاب بالعديد من العلل النفسية التي تحكمه وتوجه سلوكه وهي علل وليدة تلك الموروثات التي شكلت عقله ووجدانه وعقله، ما أفقده الصورة المعتدلة التي ينبغي أن يكون عليها. ;
 
أعلى