مروان محمد - حكايات الليالي المنسية

ملحوظة (1)
كان الملك شهريار مصاب بالبروستاتا ولكن لم يتسرب هذا السر خارج حدود البلاط إلا لأفراد حاشيته المقربين لأنها تعتبر من الأسرار الملكية المحرمة!!
ملحوظة(2)
مسرور أحد أفراد الحاشية المقربين للملك شهريار ومؤخراً أنضمت إلى الطاقم المقرب شهرازد .....
تلك حكاية الليالي التي سبقت الألف ليلة وليلة
(1)
الراوي يقول:
“وكان يا مولاي السعيد ولا أقولك الرشيد أحسن! لا….،ما علينا قام نط الجني الشرير أبو مخ خطير على…على...!!
"اللهم طولك ياروح، يا ولية أحكي، لحد دلوقتي مقولتيش كلمة واحدة"
"مهو أنا يا مولاي مش بعرف أحكي، أنا بعرف أعمل أكلة حلوة، أغسلك هدومك غسلة نضيفة!"
"أدن يا ديك الزفت، خلينا نخلص"
لم يكد ينتهي من كلمته حتى صاح الديك، افتر ثغر شهريار عن ابتسامة عريضة وهو ينادي:
- يا مسرور يا سياف.
دلف مسرور متلهفاً إلى الحجرة الضخمة وعيناه تبرقان بشدة في حين أن شهريار كان يجلس القرفصاء على فراشه الدائري والفتاة الحسناء تجلس علي طرف الفراش ترتجف في رعب، أتجه مسرور يمسكها من ذراعها اليمنى في قوة فصرخت مذعورة تستجدي شهريار الذي ولى وجهه عنها.
كان مسرور قد جذبها عنوة خارج الحجرة مغلقاً بابها في هدوء ليغط شهريار في نوم عميق والديك يعود ليغوص في وسادته الحريرية بشرفة الحجرة.
(2)
مسرور يقول:
شعرت بنشوة بالغة عندما تدحرجت رأس الفتاة على الأرض الحجرية والدماء تسيل في تدفق غزير من عنقها المبتور .
أحياناً يقشعر بدني عندما أستعيد في خلوتي هذه المشاهد ولكنها في ذات الوقت تزول بسرعة عندما تتاح لي الفرصة للإطاحة برأس جديدة.
جميل جداً أن أتأمل سيفي الملوث بدمائها ليس لأن بي حاجة لإشباع شهوة دموية بنفسي ولكن أمراً كهذا يعني علاوة أكيدة لذا لن أنسى وأنا في طريقي إلى البيت هذا اليوم أن أشتري صينية هريسة باللوز والبندق!!
(3)
الراوي يقول:
“أن مكنتش حتجيب لي واحدة مية مية يا مسرور، صدقني حجيب مسرور تاني يطير راسك، سامع يا كلب!"
غادر مسرور حجرة شهريار يتحسس عنقه فداهم كل أطرافه شعور بالبرودة، مجرد تصور أن رأسه يعبث بها مسرور آخر تكفي لأن تجعله يتبول علي نفسه!!
ملحوظة (3)
كاد شهريار أن ينفذ وعيده بمسرور ولكن في اللحظة الأخيرة تناهى إلى مسامع مسرور أن هناك راوية في أحدى القرى التي تقع جنوب المملكة فأسرع إليها لأن مبرر كذلك كفيل بأن يمد في عمره الذي أصبح على كف عفريت.
(4)
الراوي يقول:
ترجل مسرور عن حصانه وقد صاحبه صبي دلال أشار بسبابته إلى باب الدار ثم مد يده إلى مسرور فأسقط الأول في يده ثلاث قطع فضية فغادره الصبي يجري ومسرور يخطو نحو باب البيت وهو يسمع من خلف الباب إمرأة شابة تصرخ في صغير ما، طرق مسرور الباب ففتحت له الشابة باب البيت ملامحها تبدو جميلة ولكن مغطاة بعدوانية غريبة، هكذا بدت لمسرور، هتفت به:
- نعم.
- أسمك إيه يا بت؟
- نعم يا روح أمك .
إندهاشه كان منبعه عدم توافق هيئتها التي تبدو رقيقة مع شراستها التي بدت له مضحكة:
- شكلك بيئة خالص أنما نهايته.
- أنت مالك قليل الأدب كده.
كان مضطراً أن يكظم غيظه مكرراً سؤاله:
- أسمك إيه يا زفتة، خلصيني.
- عيشة.
- طيب، على العموم، لمي هلاهيلك وتعالي معايا.
- لو عايز واحده من إياهم بيت منصور آخر الشارع.
ابتسم لسذاجتها البالغة قائلاً في ثقة:
- مولاي شهريار طلبك في قصره شخصياً وأنا جاي عشان أنفذ الأمر.
التقط من نطاقه قطعه جلدية ملفوفة فضها أمامها قائلاً:
- وده مرسوم ملكي فيه أمر باحضارك.
طوي القطعة الجلدية متجاهلاً محاولتها لمد عنقها الطويل لرؤية القطعة الجلدية مستطرداً:
- باين عليكِ جاهلة، علي العموم لمي هلاهيلك وتعالي!
ملحوظه (4)
قام حكيم فارسي يخدم في بلاط الملك شهريار بتأهيل الفتاة بما يتلاءم مع مواصفات جواري القصر الملكي ووهبها أسم والدته المتوفية….
شهرزاد!!
ملحوظه(5)
لحسن حظ مسرور أن في خلال الشهر الذي استغرقته شهرزاد في تأهيلها علي النحو الجديد، كان شهريار يعاني فيه من مشاكل حادة في البروستاتا حتى أنه مرت عليه أياماً عديدة لم يتبول فيها ألا بصعوبة إلى أن مرت الأزمة بسلام إلى حد ما!
(5)
الراوي يقول:
استرق مسرور السمع من خلف باب حجرة شهريار ولكنه لم يسمع أي شيء ولا حتى التذمرات الخافتة التي كان شهريار يبعثرها يميناً ويساراً طوال الليل.
رفع حاجبيه وخفضهما في دهشة، تسلل مسرور إلى شرفة حجرة شهريار يحاول أن يختلس الأنظار إلى الداخل، فهاله أن شهريار يغط في نوم عميق وأنامل شهرزاد تداعب خصلات شعره تهمس إليه في صوت رقيق حالم:
- وقام البطل المغوار برفع سيفه الجبار ونزل بيه علي رقبه الجني المكار…..
لقد بدأت تباشير الفجر تلون قبة السماء السوداء وتمحو كل حين نجمة آخرى من نجوم السماء.
نهض الديك في تثاقل يطلق صياحه ثم يعود ليغوص في وسادته وشخير شهريار يتعالى وإبتسامة واسعة ترسم نفسها على شفتي شهرزاد.!
(6)
مسرور يقول:
"ده اليوم التالت ولا نادى ولا قال يا مسرور، وبكده مفيش لا علاوات ولا مكافاءات وشكلها كمان مفيش مرتب آخر الشهر وحطلع معاش بدري!"
تلفت برأسي يميناً ويساراً أتأكد من أنه لا يراني أحد وأنا أهذي فيظن أن بي جِنة!
فألسنة الخدم القذرة لا تنفك عن تكرار أن شهرزاد تحرض مولاي علي طردي بل وإلى حد إعدامي والحكيم الفارسي يذكرني باستمرار أن شهرزاد على وشك السيطرة على عقل مولاي.
لا أصدق أنني الذي أحضرت هذة المصيبة إلى هنا!
أكاد أجزم أن حكاياتها بها سحراً شيطانياً على عقل شهريار، لابد أنه كذلك.
(7)
الراوي يقول:
ذرع مسرور مكانه جيئة وذهابا ثم توقف ينظر إلى الباب في غيظ، غادر بعد وهلة مكانه في خطوات سريعة وقد راودت ذهنه فكرة خبيثة .
اقترب مسرور من وسادة الديك في خطوات مكتومة ثم وثبت أصابع يده اليمنى تنتزع أحد ريش الديك الذي وثب من مكانه فزعاً يطلق صيحات الألم الشديد.
انتفضت شهرزاد في مكانها علي الفراش واعتدل شهريار من استلقاءه يجلس القرفصاء وفي عينيه الغاضبتين علامات استفهام كثيرة.
- إيه الديك ابن العبيطه ده، هو بيأدن دلوقتي ليه ؟!
- مش عارفه يا مولاي .
- هو أحنا بسرعة كده بقينا في آخر الليل.
- لا، يا مولاي هو أنا لحقت أحكي حاجة.
- دي مصيبة تانية.
ثم صاح:
- يا مسرور .
توقع شهريار أن يأتيه مسرور من باب حجرته ولكنه بدلاً من ذلك وجد مسرور يثب إليه من الشرفة يهتف في صوته القوي:
- أأمرني يا مولاي.
- أنت بتعمل إيه عندك في البلكونة يا مسرور، مش واقف ليه عند الباب؟
- لازم أغير أماكن الحراسة يا مولاي عشان سلامتك.
ابتسم شهريار معجباً به وهو يرمي شهرزاد بنظرة فخر، فهتفت به شهرزاد:
- والديك ده بيدن ليه في غير ميعاده؟
- الديك مضبوط علي الساعة يا مولاتي ولكن دماغك هي اللي مبقاش فيها حكايات .
لم يمهلها أي فرصة للكلام وأدار رأسه لشهريار يقول:
- تحب أطير راسها يا مولاي؟
ارتجف جسد شهرزاد في عنف وهمست إلى شهريار في دلال خاص:
- مولاي، أهون عليك، دنا لسه عندي حكاوي تانية.
داعب شهريار ذقنه ثم قال:
- يظهر أن الديك بتاعك يا مسرور عجز وبقي يخرف، روح طير راسه.
رمى مسرور شهرزاد بنظرة جانبية تحمل كل الكراهية التي تضجر بها الأرض أن تحملها ثم مضي مكرهاً إلى الشرفة يقبض علي عنق الديك الذي أطلق صيحات ألم متعاقبة ثم غادر به مسرور الحجرة في خطوات سريعة.
(8)
الراوي يقول:
- مسرور.
انحني مسرور بشدة أمام عرش شهريار ثم انتصب واقفاً في أعتداد يتطلع إلى مولاه الذي قال:
- خد مكافأة نهاية الخدمة وأبقى تعالي كل شهر خد معاش نهاية الخدمة ومش عايز أشوف وشك تاني، أنت طول عمرك عارف أني مش بحب البطالة المقنعة!
تسائل مسرور مصعوقاً:
- ومين اللي حيطير روؤس الحريم يا مولاي .
- أنت حمار يا مسرور، ما خلاص يا بني.
حمل مسرور بين ضلوعه كافة المشاعر الإنسانية السوداء حتى ظن أن رائحتها الكريهة تتسرب رغماً عنه من مسام جلده، استدار يغادر قاعة البلاط الملكي منكس الرأس وقد تأكد تماماً أن الإشاعات التي سمعها قد تحولت إلى حقيقة مفزعة وليحمد الله أنها سارت على هذا النحو ولم يأمر شهريار بضرب عنقه.
- متنساش تسلم سيفك قبل ما تمشي يا مسرور.
عض مسرور علي شفتيه في حسرة والدموع تكاد تفر من عينيه الصفروتين.
(9)
مسرور يقول:
- بابا…جبت لي إيه النهاردة معاك؟
- أخرس يا ولد، خلاص أتفقرت.
ألقيت بجسدي المكدود علي المساند الأرضية في ركني المفضل ودلفت إلى صالة البيت زوجتي السمينة ترمقني بنظرة متحفزة وهي تقول:
- خير
- طلعت علي المعاش.
- يا نهار أسود، نيلت إيه؟
- ملحقتش أنيل حاجة.
- أنا مش فاهمة حاجة.
تجاهلتها لأني أعرف سذاجتها البالغة وأخفيت رأسي بين ذراعيا وبكيت بصوت مسموع وكلي أمل أن ينتزع هذا البكاء ما يجيش به صدري من مرارة بالغة وغضب هائل.
نظر الولد نحوي وهو يجذب أمه من جلبابها ويسألها في بلاهة الأطفال:
- هو بابا بيعيط ليه يا ماما؟
ملحوظة (6)
1- شهرزاد تصفي جميع حاشية شهريار الواحد تلو الآخر في صور تتنوع بين حوادث اغتيال ومؤامرات ودسائس.
2- هذه هي الليلة التسعمائة والتسعة والتسعون التي لا يبرح فيها شهريار حجرته إلا عند الضرورة القصوي
3- يجزم الأطباء بأن الملك قد شُفي تقريباً من مرض البروستاتا الذي لازمه لسنوات عديدة!
4- حاشية شهريار المتشردون يتكاتفون في محاولة للقضاء على شهرزاد ولكن حتى الآن باءت جميع مؤامراتهم بالفشل وأصبحوا من المطاريد المطلوبين أحياء أو أموات!
(10)
الراوي يقول:
جلس مسرور إلى جوار نافذة بيته الصغير مبتسم الثغر، له ذقن نامية، أشعث الشعر، يغمغم إلى نفسه في صوت يحمل نبرة متشفية:
- أيامك الأخيرة خلاص قربت يا شهرزاد الكلب.
نظرت إليه زوجته السمينة في حسرة ومصمصت شفتيها تقول:
-جري لعقلك حاجة.
"كوباية شاي ياولية وكفاية برطمة، خليني أفكر كويس"
شده أبنه الصغير من كم جلبابه فنظر إليه مسرور شارداً فسأله أبنه في براءة:
- أنت بتعيط ليه يا بابا؟!
و كانت تلك الليلة الأخيرة التي تلت الألف ليلة وليلة
(11)
الراوي يقول:
“وبلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد والعمر المديد…."
"كفاية مقدمات يا شهرزاد وخشي في الحكاية علي طول"
دفعت نحوه كأس نحاسي مطعم بالأحجار الكريمة ترسم إبتسامة مهزوزة تحاول أن تصبغها بالدلال والرقة وهي تقول:
- طب خدلك شفطة أو أتنين وأنا ححكي علي طول.
داعب ذقنه ثم قال في ارتياب:
- أنا كل ما أشرب من كاس المانجا ده أحس أني عايز أنام.
- مولاي ده عصير والعصير مش بينيم.
ران الصمت للحظات، تفرس في ملامحها بارتياب مضاعف وأشار للكأس في يدها يقول:
- طب أشربي أنتِ الأول.
تحول وجهها للأحمرار الشديد وقالت:
- هو ده يصح برضو يا مولاي.
نام علي الوسادة المبطنة بريش النعام يضع ساقاً فوق الآخرى يقول:
- أحكي لي حكاية جديدة طيب وسيبك من العصير ده.
أثرت الصمت لثوان ثم قالت :
- أحكي لك حكاية الشاطر حسن والأميرة…..
- عارفها , شوفي غيرها.
- أحكي لك حكايه علاء الدين وال…..
- برضو قديمة، عشان تعرفي كل حكاية قولتيها لسة محفورة طازة في راسي، أنا عايز واحدة جديدة لانج !
ساد الصمت للحظات قطعه ناهضاً من فراشه ينتعل خفيه ووقف مستديراً لها يردف :
- أنا كنت حاسس من زمان أن حكاياتك خلصت عشان كده بتديني مانجا ورا مانجا عشان شخيري يعلي لكن أنا صاحي.
أجهشت بالبكاء فجأة في حين لوح بذراعه اليمنى في الهواء هاتفاً في استهتار :
- علي العموم أنا مليت منك وبصراحة عايز واحدة تخلي لياليا كلها حمرا، أصل أنا زهقت من الحكايات !!
أدار رأسه اتجاه الباب صائحاً:
- يامسرور.
ولكن لم يكن هناك مسرور ليلبي النداء فضرب جبينه بكفه الأيمن قائلاً في حزم:
- مسرور لازم يرجع لشغله من تاني، أنا كان عقلي فين لما طردته، أهو حضطر أسمع عياطك لحد ما أبعت حد يجيبه، يادي القرف.
نهاية أولي تقليدية
يقال أن مسرور شعر بسعادة طاغية عندما وصله أمر الملك وأسرع إلى التلبية وعلق رأس شهرزاد علي باب بيته والملامح الأخيرة التي حفرت على وجهها كانت تعبر عن الألم والفزع والمرارة!
نهايه ثانية تقليدية
يقال أن شهرزاد استطاعت أن تهرب قبل أن يصل مسرور بمساعدة أحد ضباط الملك خارج المملكة وروي في رواية أخري أنهما هربا إلي أمريكا وتزوجا هناك ورزقت بثلاثة صبية وأربع بنات!
نهاية ثالثة تقليدية وأخيرة
يقال أن مسرور طلب من شهريار أن يبقي على حياتها فوافق شهريار بعد أن استطاع أن يحضر له مومس لبناني فايف أستار وأرسل شهرزاد إلى بيته وهناك طلب منها أن تعيد علي مسامعه الألف حكاية وحكاية التي قصتهم علي أذن شهريار!

20-2-2002
الإسكندرية
 
أعلى