حمد ولد محمد سالم - خلال محاضرة حول تأثير «ألف ليلة وليلة» محسن الموسوي: الذاكرة الشعبية تعبير صادق

نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة محاضرة أدبية للدكتور محسن جاسم الموسوي بعنوان «الذاكرة الشعبية لمجتمعات ألف ليلة وليلة»، تتبع فيها فاعلية الحكي في ألف ليلة وليلة في ترجمة واقع المجتمعات العربية الإسلامية التي أنتجته، وإعطاء صورة عنها، والقيمة الإنسانية لتلك القصص، وهو الموضوع الذي درسه باستفاضة في كتابه الصادر حديثاً بالعنوان نفسه «الذاكرة الشعبية لمجتمعات ألف ليلة وليلة»، وحضر الأمسية الدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي، وقدم لها الكاتب شاكر نوري الذي أشار إلى أن محسن الموسوي يرأس تحرير مجلة الأدب العربي الصادرة بالإنجليزية، وله عشرات الكتب باللغة الإنجليزية والعربية، وقد خصص معظمها للدراسات حول ألف ليلة وليلة.

استهل الموسوي حديثه بالقول إن اهتمامه بدراسة قصص ألف ليلة وليلة، جاء من منطلق بحثه عن مشترك ثقافي يمكن أن يكون نقطة اهتمام بين الثقافة العربية والثقافة الغربية، وفي ذلك الوقت في السبعينات، كان الغرب لا يزال يحمل النظرة الاستعمارية التقليدية المتعالية لكل ما ليس غربياً، ولكل ما هو شرقي، وعربي إسلامي بشكل خاص، فلم يكن الأدب العربي يلقى أي نوع من الاهتمام، وكانت الكتابة عنه في المجتمعات الغربية عبثاً لا طائل من ورائه، لكنني بالتنقيب وجدت أن هذه القصص قد حازت اهتماماً غربياً منذ مطلع القرن الثامن عشر، عندما ترجمها المستشرق الفرنسي أنطوان غالان، وانتشرت في سائر أوربا، وتأثر بها أدباؤها ومثقفوها، وكتبوا عنها، ودخلت نسيج الحكايات الشعبية الغربية في ذلك الوقت الذي لم يكن فيه الغرب يملك رواية، ولا قصصاً، ومن هنا رأيت أنها تصلح أساساً لدراسات مشتركة تلقى الاهتمام من الجانبين.
وقال الموسوي إن هذه القصص تعكس التداخل الثقافي بين مجتمعات العالم الإسلامي الذي كان يخضع للإمبراطوريات المسلمة المتعاقبة، وهي في هيكلها الأصلي حكايات هندية فارسية، لكنّ مضامينها أصبحت مع الوقت مضامين عربية إسلامية، نظراً لأنها كانت لقرون عديدة تروى في أسواق بغداد والبصرة والكوفة ودمشق والقاهرة، فدخلتها شخصيات ورموز عربية إسلامية معروفة، وهي تنضح بالتقاليد والممارسات الإسلامية في كل صفحاتها، كما أن الحواضر التي تدور فيها أحداث تلك القصص هي الحواضر الإسلامية المعروفة في العصور الماضية، وهذا يؤكد أن هذه القصص شهدت تحولات عميقة على يد الحكّائين في الحواضر العربية، الذين كانوا ينطلقون من ذاكرة شعبية إسلامية طاغية، وقد أزاحت تلك التحولات الكثير من القصص الأصلية التي لا تصلح لمجتمعاتهم لصالح قصص تتماشى وطبيعة مجتمعاتهم.
وأضاف الموسوي أن ما تنتجه الذاكرة الشعبية من قصص وحكايات هو استدراك على ما جرى إهماله من طرف المثقفين وكتبة التاريخ الرسمي، الذين نظروا إلى تلك القصص على أنها شيء ثانوي وشعبي غير جدير بالتدوين، وهي في كثير من الأحيان أكثر توسعاًَ من الرواية التاريخية الرسمية، ويمكن أن يستفاد منها في كتابة تاريخ مجتمعاتها، خاصة إذا ما استطعنا تمييز الجزء الواقعي فيها عن المتخيل، لأن الحكاية في ألف ليلة وليلة مؤلفة من امتزاج أحداث الواقع التي حدثت فعلاً مع أحداث هي من صنع خيال الحكواتي الذي يعمل على عناصر التشويق والإثارة بكل ما يدهش أذهان مستمعيه من البسطاء الذين يتحلقون حوله.
وعن اهتمام الكتاب العرب المعاصرين بها، قال الموسوي إن هذه القصص بقيت على الهامش، ولم تلق اهتماماً عربياً كبيراً إلا بعد أن شاع الاهتمام بها في الغرب.
 
أعلى