منقول - معجم «ألف ليلة وليلة»» للمغربي محمود عبد الغني

يصدر قريباً عن دار «خطوط وظلال» في الأردن كتاب جديد للكاتب المغربي محمود عبد الغني، بعنوان «معجم (ألف ليلة وليلة)».
ويشير عبد الغني، في تقديم كتابه، إلى أن «وضع معجم لـ(ألف ليلة وليلة) يعمق من مفاهيمها ويوسع مصطلحيتها ويضع اليد على تاريخها المركب، وموضوعاتها المهيمنة التي تنفتح، وأحياناً تتكرر دون نهاية، هي قضية هذا المعجم الكُبرى». وهو يرى أن «هذا الكتاب المدهش الذي يرفض مغادرة الذاكرة، والتحليل الأدبي، والترجمات من اللغات، والنقد المقارن والأسلوبي في الجامعات والمدارس عبر العالم»، قد تعددت أسماؤه من طبعة إلى أخرى.
وأشار عبد الغني إلى أن «الناشر في سنة 1835 وضع له عنوان ( كتاب ألف ليلة وليلة)، في حين أن مخطوط سنة 1809 كان يحمل عنوان (ألف ليلة وليلة وحكايات قديمة). وهذه الـ(حكايات القديمة) وحدها كانت موضوع درس تحليلي مقارن، تصنيفي وترتيبي، من طرف مجموعة من الباحثين، في مقدمتهم المؤرخ الفرنسي جان - كلود غارسان، الذي وضع كتاباً مرجعياً أثمر قراءة تاريخية للكتاب. رغم ما يعانيه المؤرخ من صعاب أمام ما ينتجه الخيال الأدبي، لكن هذا العناء يذوب أمام ركام الوثائق الدي يجد نفسه محاطاً بها، وذلك أنتج ما يمكن تسميته (رد فعل المؤرخ)، الذي لا يكاد يختلف عن ردود فعل النقاد والقراء».
ويضيف عبد الغني أن غارسان يفترض أن «أول شخص بادر بجمع هذه الحكايات، في منتصف القرن الثامن عشر، كان قد اقتفى، في مشروعه هذا، نموذجاً قديماً جداً سبقه بـ3 قرون، فعمل على تطويره بالاجتهاد في جمع حكايات أخرى، مع الحفاظ على الوفاء لذهنية نموذجه الأول. وما يعطي قوة لمشروعه، كونه أعطى 3 أبعاد لصنيعه. أولاً، منح لهذه النصوص طابعاً أدبياً، كلاسيكياً، غالباً ما تم رفضه سابقاً، بذريعة أن هذه الحكايات تنتمي، خطاباً وشكلاً، للأدب الشفهي، حُكم عليه بكونه أدباً من درجة ثانوية. ثانياً، إعطاء الحكايات، من جديد، صبغة أخلاقية؛ الحب، بكل أشكاله، يحتل مكانة مركزية. وثالثاً، الإصلاح من حال مجموعة الحكايات وهاجس منحها عناوين النبالة وسط مجموع الآداب العربية، أيام الحكم العثماني القوي، وجعل الليالي عنوان فخر في التراث العربي».
ويرى عبد الغني أننا «حين نريد أن نعطي مثالاً قاطعاً عن الموهبة الأدبية، وعن سحر الحكاية الآسرة لا نجد نموذجاً أكثر قوة من حكايات (ألف ليلة وليلة)»، ولذلك «يبقى أمراً مشروعاً أن يطرح الباحثون في الحكايات مثل هذا السؤال؛ كيف أمكن لحكايات محبوكة، مختلقة وأحياناً عجائبية، أن تثير انتباه القراء على امتداد القرون؟ ألم يجد الإنسان شيئاً يشغله أو يفعله بعالمنا حتى يذهب بإرادته الشخصية لاكتشاف عوالم الحكايات والتخييل الأدبي؟ كيف أمكن لهذه العوالم غير الموجودة، أن تثير اهتمامنا، وقلقنا، حتى إن حراس الخليفة شرعوا في مراقبة رواة الليالي العربية». وهي أسئلة سبق لعدة دراسات أن أجابت عنها، يضيف عبد الغني؛ حيث إن «قضية الفائدة يمكن الرجوع إليها في عدة أعمال حول السرد. والسبب كامن، بالنسبة لعدد كبير من الناس، في كون الجاذبية توجد أولاً في الأحاسيس التي يتضمنها السرد. وعن جواب لماذا أحببت هذا الكتاب، هذه الحكاية، هذه الرواية، يكون في الغالب؛ لأن القصة حركتني، شغلتني، جعلتني أشعر بالاضطراب».
بالنسبة لعبد الغني فمشروع كتابه «لا يروم إعطاء أجوبة نهائية عن التاريخ الطويل والمعقد، شبه غير النهائي، لليالي العربية، أو الإحاطة بكل موضوعاتها وأساليبها ومصادر سحرها وصور منفعتها وتعدد ترجماتها وأوجه تأثيرها في الناس»، بل أن «يضع أمام أعين القراء أضواء خاطفة، شبيهة بالأشعة السريعة، لأهم القضايا التي شغلت كل فئات الباحثين والفنانين والأدباء الذين اهتموا بكتاب - حكايات (ألف ليلة وليلة) عبر القرون والجغرافيات».
ومن نماذج مصطلحات المعجم التي تناولها كتاب عبد الغني، لفظة «خرافة» التي تحيلنا، من حيث الاشتقاق، إلى «كلّ حديث شفهي أو مكتوب وإلى كلّ حكاية خيالية». فيما «التخريف هو فنّ اختراع الحكايات». ولهذا السبب، فإن «هذه الكلمة تعني في ناحية منها الموروث الضخم من الحكايات التي أنتجها الفن الشفهي القديم»، وتشمل «حكايات الحيوانات والكائنات الجامدة، أو حكايات عن البشر، وغالباً ما تحتوي على مغزى أخلاقي، وتسمّى أيضاً خرافة حكمية أو مثلاً». فيما «نظر كُتّاب وقُرّاء العصر الوسيط إلى الحكايات الخرافية كآلة إنتاج للرمزية والتفكير في العالم وفهمه، وذلك ما ساعد المخرّفين على تجديد الموضوعات التقليدية واختراع معانٍ جديدة للتعبير عن الأفكار»، فغدت الخرافة فلسفية، سياسية وتربوية، ليبدأ هذا النوع الأدبي يؤدّي «وظيفة إبستمولوجية وتثقيفية». أيضاً، لفظة «كاتب» التي نشأت لتدل في البداية على «كل شخص يكتب»؛ وأطلقت بالمعنى الواسع على «كل من يقوم بفعل الكتابة»، بما في ذلك «الناسخ»، النظير المعجمي للـ«كاتب»، والكاتب العمومي. وبدءاً من القرن السابع عشر، بدأت تتّخذ «معنى معيّناً لا يتجاوز دلالة (منشئ أثر أدبي معروف)»، وبذلك «اكتسب مكانة رمزية خاصة». وهي تختلف عن «مؤلف»، من منطلق أن صفة «كاتب» اختصّت بـ«من يكتب بفن»، في حين استمرت الثانية في «دلالتها العمومية».
أيضاً صفة «أدب هامشي»، التي أصبحت تدلّ على «كل أدب يتوخّى التسلية ولا يحظى بتقدير المؤسّسة الأدبية». وفي نفس الإطار «يمكن استعمال تعابير، مثل أدب شعبي، أدب الجمهور، أدب تجاري، أدب استهلاكي»؛ في وقت ظلت تعتبر فيه هذه الأنواع «أدباً (نقيضاً للأدب)»، ضمّ أنواعاً كثيرة في الآداب والفنون، تقف في مقدمتها الحكايات والأدب البوليسي والحكايات المصوّرة وأدب الأطفال. ومن هذا المنظور: «كانت (ألف ليلة وليلة) تدخل في تصنيف الأدب الهامشي».


ـــــــــــــــ
* الشرق الأوسط 8 فبراير 2021 م
 
أعلى