على راشد - "خدش الحياء وازدراء الأديان".. شبحا حرية الرأى

اعتدنا من فترة لأخرى أن نفاجأ بتفجر قضية من قضايا ضحية حرية الرأى والتعبير لتسيطر على الساحة، وتتجه إليها الأنظار، وتقوم الدنيا ولا تقعد من أجل الدفاع عن مبدأ حرية الرأى والتعبير، ثم ما تلبث أن تخفت حدة الأمور تدريجيًّا حتى تُنسَى، لكن سرعان ما تتفجر قضية أخرى مشابهة لتعاد الكَرّة من جديد.. وهكذا، فعلى سبيل المثال كانت الضجة الكبرى فى عام 2010 عندما رفعت دعوى قضائية لمصادرة كتاب «ألف ليلة وليلة» لخدشه الحياء العام! ومن قبل ذلك فى 2007 نشرت قصيدة للشاعر الراحل حلمى سالم بمجلة «إبداع»، وقام رئيس هيئة الكتاب حينها بسحب نسخ المجلة؛ لأنه كان يرى أن القصيدة تتطاول على الذات الإلهية، وإن كانت هذه الواقعة قد جرت بعيدًا عن أروقة المحاكم، لأن وزارة الثقافة نفسها هى التى صادرتها، ولم تكن تلك هى المرة الأولى التى تقوم فيها وزارة الثقافة- التى تعتبر مهمتها الأساسية نشر الفكر والتنوير- بمصادرة أعمال إبداعية، فقد صادرت من قبل كتاب «أبو نواس» الذى كان قد أعدَّه للنشر الراحل جمال الغيطانى فى 2001 عن سلسلة الذخائر بقصور الثقافة.

وفى 2010 أيضًا كانت هناك أزمة كبيرة بعد مصادرة الرواية الأولى للكاتب مجدى الشافعى، وهى رواية مصوَّرة بعنوان «مترو»، ومنذ ذلك الوقت والأزمات تتكرر بنفس الطريقة، لتأتى تجربة المجموعة القصصية «أين الله» لكرم صابر ويُحكَم عليه فيها بخمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان، ومؤخرًا كتبت فاطمة ناعوت مقالا ساخرًا بمناسبة عيد الأضحى وهُوجمت عليه أيضًا ورُفعت ضدها دعاوى ازدراء الأديان، وها نحن اليوم أمام حلقة جديدة من هذا المسلسل الظلامى تتمثل فى الدعوى المرفوعة أمام الجنايات ضد طارق الطاهر رئيس تحرير أخبار الأدب، والكاتب أحمد ناجى، بتهمة نشر فصل من رواية الأخير «استخدام الحياة» بالجريدة.. والتهمة: «خدش الحياء»!.. والسؤال الآن: إلى متى تظل تهمتا خدش الحياء وازدراء الأديان شبحًا يهاجم المبدعين والمثقفين.

الكاتب كرم صابر، الذى كانت له قضية شهيرة فى العام الماضى، وحُكم عليه فى محكمة الدرجة الأولى بخمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان، وذلك عن مجموعته القصصية «أين الله؟»، وطعن صابر على الحكم، وما زالت منظورة حتى اليوم أمام القضاء، ويقول صابر: «الموضوع له أكثر من جانب، فمن الناحية القانونية لا يجب أن تتضمن قوانين، مثل قانون العقوبات أو قانون الإرهاب وغيره، نصوصًا عقابية لمن يعبر عن رأيه، فمن المهم ألا يكون هناك تجريم لحرية الرأى، كما ينبغى النظر إلى تلك القوانين مرة أخرى.

أما الجانب الآخر فيتمثل فى المناخ العام، حيث إن القائمين على محاكمة تلك الأعمال لا علاقة لهم بالأدب والثقافة، فالرواية التى نُشر جزء منها بأخبار الأدب هى فى الأساس منشورة، وقد تم توجيه اتهامات غريبة لمن أعاد نشرها؛ لأن وكيل النيابة غير متخصص فى الأدب، لذلك إذا كانت هناك قضايا من هذه النوعية فيجب أن تكون لها لجان متخصصة لتقييم العمل بعيدًا عن المحاكم، وأن يكون المعيار الأدبى هو الأساس، والحكم النهائى للجمهور.

ويقول صابر: «فى ظل حالة الخراب السياسى والاجتماعى والثقافى لا نتوقع إلا مثل هذه القضايا، وأتمنى أن يتغير هذا المناخ ويتم دعم الكتاب للوصول إلى القارئ، الذى يعتبر هو الحكم الأول والأخير، بالإضافة إلى أهمية اجتماع كل الجهات المهتمة بقضايا متنوعة فى العمل السياسى والاجتماعى لنخرج من حالة الإحباط التى نعيشها، ونصل إلى مناخ لإتاحة الحريات وحياة كريمة أفضل للمواطنين».

من جهته أكد الفنان محمد عبلة، أحد أعضاء لجنة الخمسين لكتابة الدستور، أنه قرأ النص المتسبب فى تحويل صاحبه إلى النيابة، مؤكدًا أنه ضد مصادرة الإبداع، لكن فى الوقت نفسه يجب أن يكون هناك ذكاء ولياقة من الكاتب والمبدع الذى ينبغى عليه معرفة ما يكتبه، ولمن يوجهه، حتى لا يقع فى خطأ ناجى.

وأضاف عبلة أن «أخبار الأدب» ليست جريدة متخصصة فى الدراسات الأدبية لتنشر هذا النص، بل هى مجلة خفيفة، والنص نفسه لا يجب أن يُنشَر فيها، فهم فى الأساس ليسوا موجهين لشريحة أدبية بحتة، بل هى جريدة شعبية، وهدفهم الأساسى الوصول إلى فئات شعبية، فهى ليست مثلا كمجلة «فصول» الأكثر تخصصًا، لذلك يجب توخى الذكاء فى اختيار ما ينشَر، أما إذا كان هدفه إثارة الرأى العام، فهذا يأخذنا إلى طريق آخر.

ولفت إلى أن الدستور كفَل الحريات، ولا يجب أن تتم محاكمة أى مبدع على ما يقدمه من فن أو ثقافة، فهذا يعتبر كبتًا لحرية الرأى والتعبير التى يتمنى الجميع تفعيلها.

أما الشاعر والمترجم رفعت سلام فقال: «إن ما يحدث ما هو إلا عملية لإرهاب المثقفين والأدباء، وهو ما يقوم به النظام حاليًا لترويض وكبت الأفكار وتهديد كل من تسوِّل له نفسه أن يخرج عن السياق، ليتأكد لنا أنه نظام يوظف قبضته الحديدية ليمارس الإرهاب الفكرى على الأدباء، فقضايا الحسبة مرهونة بالنيابة العامة التى تقرر إقامة الدعوى من عدمها، وقد حفظت النيابة العديد من الدعاوى الخاصة بالحسبة من قبل، كما حدث لقضية مصادرة «ألف ليلة وليلة» قبل الثورة، لكن النيابة هذه المرة حرّكت قضية أحمد ناجى، ولا أدرى ما إذا كانوا يخضعون لابتزاز السلفيين أم يريدون البرهنة للإخوان والإسلاميين على أنهم يحافظون على القيم».

وأكد سلام أن الجنس الذى يعترضون عليه موجود فى الكثير من كتب التراث العربى التى وصلت إلينا منذ قرون مضت، ولو كان المجتمع العربى على مر العصور بمثل هذا التخلف الراهن، لما وصلت إلينا أشعار أبى نواس وأعمال السيوطى المتعددة وغيرها من الأعمال التى نجد فيها مثل هذه الألفاظ.

وللخروج من هذا النفق، يرى سلام أهمية ألا يعتبر المثقفون الأمر قضية شخصية تتعلق بطارق الطاهر وأحمد ناجى، لأنها قضية حرية رأى وتعبير من الطراز الأول، ولا بد أن نتكاتف جميعًا للوقوف إزاء هذه الهجمة الشرسة على حقوقنا، ولإرساء قيم حرية الرأى والتعبير كواقع على الأرض، فى مواجهة نظام قمعى وتيارات ظلامية.

ويشير الناقد الدكتور شريف الجيار إلى أن مصر بعد 25 يناير و30 يونيو وبعد وضع مادة خاصة بالثقافة وحرية التعبير فى الدستور، أصبحت تؤمن بحرية الإبداع وتؤمن بفتح المجال بشكل كبير أمام المبدع المصرى حتى يصل إلى مناحٍ مرموقة للمستويين العربى والعالمى، فالحرية مكفولة لكل مبدع مصرى وعربى، لكن هذه الحرية فى التعبير تعنى المسئولية بشكل كبير؛ لأن المبدع هو الذى يشكل وجدان الأمة المصرية أو العربية بشكل عام.


الخميس 05 نوفمبر 2015
 
أعلى