قصة ايروتيكية محمد عبدالحليم غنيم - الملعونة.. قصة قصيرة

  • بادئ الموضوع د.محمد عبدالحليم غنيم
  • تاريخ البدء
د

د.محمد عبدالحليم غنيم

(1)
كان علىّ أن أرفض الذهاب إليه من الأول ، خاصة وأنا أعرفه جيداً ، منذ كنت عندهم فى السرايا ، كانت أيام وكان لا يزال طالباً فى مصر ، لا يأتي إلا فى إجازة الصيف .. وهل أنسي ذلك اليوم . إذ دخل عليّ المطبخ وكنت نائمة وكان الجو شديد الحرارة فى شهر يونيه .. لذلك رميت جسدي من شدة التعب فوق البلاط الأملس مرتدية ثوباً واسعاً من أثواب ستى التى كانت تجود علي بها . فى البدء سمعت صوت أقدام تقترب منى ، غير أنني لم أبال ، وأظنه الشقاء ، شقاء العمل الذي جعلني لا أستطيع القيام . وما هي إلا برهة ، وإذا بجثة كبيرة فوق جسدي الملصق بالأرض العارية . كدت أصرخ ، لكنني لم أستطيع إذ كتم بيده فمي فى الحقيقة خفت الفضيحة ، إذ لن يتوقف الأمر علي طردي من السرايا ، بل سأصبح مضغة فى الأفواه ثم فى النهاية أقتل ككلبة مسعورة . أخذ يقبلني وأنا مستسلمة خائفة أردد فى يأس : عيب يا سيدي . عيب ، بينما هو يقول أحبك يا سنية .. أحبك .. ولم أدر بنفسي بعد ذلك إلا أنه قام من فوقي خجلاً ولطمني علي وجهي ففهمت كل شئ . وحمدت الله ، إذ لم يصبني بسوء ، وشعرت بالآسي له وقمت من فوق البلاط رتبت ثوبي ولملمت شعري بينما أخذ المسكين فى البكاء .. وكنت أخاف أن تصحو ستي ، قلت له :
- استرني الله يسترك ولا يفضحك يا سيدي ..
فأعرض عني وسار يجر ذيل خجله ومن يومها وهو كلما رآني فى البيت أعرض عني وشعرت أنه بات يكرهني ولم يخلصني منه إلا زواجي من صالح العسكري الله يرحمه . ولما مات المرحوم عاد من جديد يطلب مني الغواية وها هو يرسل لي العجوز الماكرة .. ألا يستحي الرجل بعد أن كبر وتزوج ! لكن ماذا أقول : يموت الزمار وأصبعه يلعب .
قلت له :
- عيب يا سعادة البيه أنت رجل محترم .
فقال :
- دعيني أجرب يا سنية . لقد شفيت .
- لكن هذا عيب .
فضحك ضحكة خليعة وظن أنني قبلت :
- عيب .. يا بت .
وارتمي علي كصبى مراهق وأنا ثابتة فى مكانى أتلقي قبلاته وعناقه كصنم .. ثم أخيراً دفعته بعيداً عني فوقع وارتمي فوق الكنبة وهو يلهث . وعندما استرد قوته . نظر لي نظرة كلها عتاب وأسي . ذكرني بليلة المطبخ ، فأشفقت عليه ، أشفقت علي شيخوخته وشبابه معاً سحب زجاجة من تحت الكنبة وأخذ يلقي بها فى جوفه ، وكمن تذكر شيئاً ، صب لي كأسا وقال : أشربي وشربت .. ثم صب كأساً أخري ، وتوالت الكؤوس وكان هو قد ثمل فأخذي يهذي ويذكرني بأشياء أعرفها وأشياء أخري غريبة. ثم شعرت برأسي يدور فوق رقبتي فنمت حتى رأيت الصباح لائحا من النافذة التى كانت قد تركت مفتوحة ، ففزعت وكان الرجل نائما هو الآخر ، حاولت أن أوقظه لكن دون جدوي ، قمت علي عجل فتحت الباب وخرجت من السرايا خائقة أخشي أن يراني أحد . هذا ما كان قد حدث طوال ليلة الأمس .

( 2)
مشت سنية تتلفت حولها خشية أن يراها أحد فى ذلك الصباح الخريفي الرائق وهى فى جلباب خفيف قديم يكاد يتهرأ من فوق الصدر وعند الأكتاف ، إنه فى الواقع رغم قدمه يكشف مفاتن امرأة طاغية الأنوثة ، ابتعدت عن السرايا بمسافة كبيرة وحمدت الله أن أحداً لم يرها ، وكان الوقت لم يزل مبكراً سرت فى داخلها نشوة ظفر وهي تتذكر الرجل العجوز يكاد يبكي : دعيني أجرب .. سوف أتزوجك وأكتب لك البيت .
دعيني فقط .. وعاودتها نوبة الشفقة نحوه .. عدلت من وضع جلبابها فوق صدرها وشدته إلي الأسفل بطريقة آلية وإعجاب خفي بجسدها اللدن وفى غمرة هذه المشاعر المختلطة ظهر فجأة كعفريت أرض " حنفي العبيط " أمامها . ذهلت وكادت أن تسقط مغشياً عليها من هول المفاجأة .. فلما عادت لصوابها وتأكدت أن الماثل فى بلاهة هو ( حنفى العبيط ) ضحكت من نفسها وعلي الفور عادت لها رابطة جأشها ، اقتربت منه وهطبت علي كتفه فى دلال : يخرب عقلك يا حنفي..خضتني يا ولد ثم أطلقت ضحكة أنثوية صاخبة وسط الطريق لكنها سرعان ما تداركت الأمر ، فعلا وجهها مسحة من الحزن العميق بتأثير الأيام والسنين المرة التى عاشتها وسط زمن وأناس لا يرحمون . زاد مظهرها جدية الصمت والجد المرتسمان علي وجه العبيط ، لأول مرة تراه هكذا ، نازعتها المخاوف ، وشعرت بنفسها مقبوضة فقالت : مالك يا حنفى .
لم يرد عليها وعندما استأنفت السير مشى خلفها ، حتى أوصلها إلي المنزل ، ولم يكن بعيداً وعاد أدراجه يسيح فى القرية بجلبابه القديم الممزق يبان من تحته الجلد وغابه من الشعر فوق الصدر تثير حسد النساء وتذكرهن بأشياء خاصة ، أما الشعر فوق الراسي فقصير دائماً بينما الذقن نابت كحلفة صيف برية .
دخلت " سنية " المنزل لتجد الأولاد نائمين . جرت نفسها إلي المطبخ فى تثاقل وأخذت تعد لهم فطور الصباح ، عمل بسيط لن يستغرق دقائق بينما القلب مشغول بهموم الأمس وسنين طويلة مضت . فاجأها صوت إسماعيل الصغير وهو يجري نحوها : كنت فين .. أنا عيطت عليكي . أخذته علي صدرها وقبلته قبلة أمومية وهي تمسح دموعه بيدها وقالت تهدئه :
- أنا كنت نائمة بجوارك يا حبيبي .

ثم تركته ينساب من بين يديها وهي تقول له : روح صح أخوتك .
وبعد ذلك يأتي صوت مصطفى وأحمد : صباح الخير يا ماما.
صباح الخير يا أحمد .. صباح الخير يا مصطفى .
تكاد تكون تلك طقوس الصباح المعتادة ، منذ وفاة زوجها صالح العسكري ، يفطر الأولاد ثم يذهب الكبيران إلي المدرسة .. وعندما يلحان عليها تسمح لهما بأخذ الصغير معهما ، خاصة عندما تكون ذاهبة إلي السوق .

(3)
كان الأولاد فى ذلك الصباح من شهر أبريل فى مدرستهم ، وكان النهار لم يزل في أوله عندما دخل حنفي العبيط من الباب الموارب علي الشارع – دون استئذان كما هو المعتاد – وجلس فوق الكنبة الوحيدة فى مدخل البيت بينما كانت سنية تجلس علي الأرض فى جلبابها الخفيف الذي جاءت به من السرايا ، تعبث فوق الأرض المتربة بعود جاف من أعواد القطن ، فى البدء لم تنتبه لوجوده ، يبدو أنها لما فوجئت به لم تغير من جلستها كان الجالس فوق الكنبة فى صمت يستطيع أن يري فى وضوح تفاصيل جسدها تحت الثوب الخفيف ، الصدر المكتنز يمتد فوقه جيد مرمري عاطل إلا من الليونة وبعض حبات العرق الخفيفة كحبات لؤلؤ نادرة . والعود ممشوق ينتهي بأرداف ممتلئة ، بيمنا يقبل الأرض فخذان مشرب بياضهما بالحمرة ، كشفت عن جزء منها دون قصد ، إنها الأنوثة الطاغية للمرأة التى خلبت لب الكهل العاجز ، إنها الأنوثة الطاغية النهمة التى أثارت حسد النساء فى القرية فلاكت ألسنتهن الحكايات والأساطير حولها إنها الأنوثة الظالمة المظلومة التى جعلت من سنية امرأة العسكري سنية الملعونة .
هل كانت هذه الأنوثة تعني عند العبيط شيئا ؟ هذا ما تساءلت به سنية نفسها ، وعند ذلك تحركت بحركة لا إرادية كشفت عن جزء أكبر من فخذها ، ثم قامت وجلست بجوار العبيط وكالعادة سألته : تأكل ؟ فهز رأسه بأن : لا ..
- تشرب شايا ؟
وكان منه نفس الجواب . واستمر مد الصمت بينما لم تتعود منه ذلك ، فوق ذلك كان حنفي واجما ، أيكون العبيط لاحظ شيئا؟ أيشك العبيط فى مثل الأخرين ؟ وتقاطر عليها مد من الأسئلة . حتى كادت تصيح فى العبيط تكلم ماذا تقصد بصمتك ؟ غير أن العبيط عاجلها وقذفها بالذي أثار جنونها :
- لا تذهبي إلي هناك مرة أخري .
فذهلت المرأة ، أن العبيط يتكلم فى جدية ، إذن هو ليس عبيطاً ، إنه يردد كلام الناس ، نفس الذي يقولنه ، امرأة العسكري لن تتوب ، امرأة العسكري لم تزل تحن إلي السرايا . امرأة العسكري ملعونة سنية ملعونة ، لم تعد تدري بنفسها . دفعت حنفي العبيط فأوقعته من فوق الكنبة وأخذت تضرب فيه بالحذاء وتصيح كالمجنونة ، وتهذي بكلام غريب لم تع منه شيئاً، فبكي حنفي وانزوي تحت الكنبة وكان الجيران والمارون فىالشارع قد سمعوا صراخها فأتوا يهرولون حتى ملأوا البيت ، والكل يتساءل ماذا حدث ؟ إلا أن الإجابة كانت واضحة لدي الجميع ، لقد كان منظر سنية بشعرها المنكوش وصدرها النافر والذي اندلق منه نهداها خارج الثوب الذي تمزق من فوق أجزاء كبيرة علي جسدها .
وانزواء حنفى وبكائه وترديده :
منك لله .
كان هذا الرد كفيل لإقناع كل متسائل بالإجابة ، وأن المعلونة لم تزل ملعونة .

(4)
أضحي الشك يقيناً خالصاً فى قلوب الناس امرأة العسكري ملعونة وتستحق الرجم لولا وجود أولادها الثلاثة . لم تجد الملعونة غير حنفي ولي الله . لكن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وها هو قد فضحها .

(5)
فى صباح اليوم التالي تناقل الناس فيما بينهم خبرين : اختفاء حنفى العبيط وموت عجوز السرايا الباشا السابق ، سليل الحسب والنسب ، رغم أنهم نظروا إلي موت العجوز كحادث عادي ، إلا أنهم كانوا يتحدثون عن اختفاء العبيط علي أنه اختفاء إلي الأبد . ثم اختلفوا فى تفسير هذا الاختفاء .
كان الشئ المؤكد لهم أن سنية ملعونة ، لذا سوف يستدعونها علي الفور – رضيت أم لم ترضي – إذا ما مرض مريض لتتخطاه سبع مرات فيبرأ بأذن الله .


د.محمد عبدالحليم غنيم
الملعونة
قصة قصيرة
.

1007299.jpg
 
أعلى