في أواخر سبتمبر سنة 1946 كنت في حلب انتظر قطار طوروس، في طريقي إلى الموصل، للقيام بتدريس اللغة العربية وآدابها في كلية الموصل، فكلفني أحد الأصدقاء أن أبحث له عن بعض المخطوطات الواردة في كتاب مخطوطات الموصل للدكتور داود الجلبي، فأصف له بعضها وصفاً علمياً واضحاً، وأبحث عن مؤلفي بعضها مما لا وجود له في كتاب الدكتور الجلبي.
وكان من تلك المخطوطات التي كتبها صديقي في ورقة صغيرة (شرح مشكلات أبي تمام)، وكان المطلوب وصفه والتعريف بمؤلفه، ولما بلغت الموصل، وأستقر بي المقام بها، ذهبت ابحث عن (شرح مشكلات أبي تمام)، فكان مما وقفت عليه:
(كتاب شرح مشكلات ديوان أبي تمام حبيب بن أوس الطائي مخطوط في 132 صفحة، في كل صفحة19 سطراً مكتوب بخط نسخي جميل بقلم محمد صالح الشريف، ضبط الكثير من كلماته الغريبة بالشكل الكامل. كتبت الأبيات المشكلة من شعر أبي تمام بالمداد الأحمر، والشرح بالمداد الأسود، للتفريق بين المتن والشرح، فرغ من كتابة هذه النسخة في 24 من المحرم سنة 1156هـ.
وهذا الكتاب مما اهداه السيد أحمد بك الجليلي إلى النادي العلمي بالموصل في 27 من شهر صفر سنة 1337هت، ولما انحل النادي العلمي ضمت كتبه إلى المدرسة الإسلامية - الفيصلية العلمية الآن - وفي بعض المواضيع تقييدات واستدراكات وتصحيحات لما ورد في الشرح بقلم صادق.
هذا كل ما أمكن الوقوف عليه في وصف كتاب (شرح مشكلات ديوان أبي تمام)، وأما موضوعه فإني أفضل أن أنقل إلى القارئ نص مقدمة المؤلف ليرى بنفسه أي كتاب هو هذا الذي نكتب عنه وهذه هي المقدمة (بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم.
جاريتني - أيدك الله - أمر شعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي، وما فيه من عويص الأبيات، وبديع المعاني والألفاظ إلى غير ذلك مما يستبديه فنه فلا يساهم؛ ويختص به نهجه فلا يقاسم، ثم سألت أن أتتبع مشاهير كلماته، فألتقط من فقرها ما يفتقر إلى تبيين، ومن بيوتها ما يحوج إلى تفسير، ثم أتبع كلا منه ما يحتمل من تلخيص بأوجز ما أمكن من لفظ، وأقرب ما أعرض من يسط. لنجعل ذلك دليلاً إلى الأغمض من باقيه، ومعيناً إلى ألطف ما فيه.
وقد نظرت في عظم ديوانه، وجمعت منه جل ما يلقى في المجالس من أبياته، ثم تحريت في شرحها مسارك، وتوخيت فيما سهل منه أو توعر تحصيل مرادك. غير محتفل بما يلحق من كد، ولا مفكر فيما يعرض من تعب. حتى حصل على حد يملك الناظر فيه - مع أدنى تأمل له - عنان هذا الشعر وزمامه، ويخبر المذاكر - بعد أيسر تمرن به - غرض هذا الشاعر وسهامه. فمتى جارى فيه سبق، وإذا ناضل به قرطس.
والله أسأل التوفيق، وإياه أعبد واستعين، وهو حسبي ونعم الوكيل).
هذا هو وصف كتاب شرح مشكلات شعر أبي تمام من حيث شكله، وهذه هي مقدمته التي تبين عن موضوعه وتشرحه، ولكن بقي شيء آخر لم نعرفه إلى الآن وهو من هو مؤلف هذا الكتاب؟
الواقع أن هذا السؤال لا يزال بلا جاوب إلى الآن. فأني قرأت الكتاب وفحصت كل جوانبه وحواشيه، فلم أجد أي إشارة إلى اسم مؤلفه، فأخذت أسأل كل أصدقائي معارفي، فلما أعيتني الحيلة كتبت كتاباً إلى الأستاذ كوركيس عواد الموظف بمكتبة المتحف العراقي ببغداد، أشرح له خبر العثور على هذه التحفة الفنية، وسأله إن كان يعرف شيئاً عن مؤلف هذا الكتاب، فكتب إلي كتاباً مؤرخاً في 22 - 1 - 1946 يقول فيه:. . . أما شرح مشكلات أبي تمام، فقد تملكني الفرح لوقوفكم على نسخة منه. بحثت كثيراً عن هذا الكتاب، وراجعت فهارس المخطوطات العربية لخزائن الكتب المختلفة في بلدان الشرق والغرب! غير أنني لم أجد ذكراً لكتاب بهذا العنوان، فضلاً عن معرفة مؤلفه! الخ والأستاذ كوركيس عواد رجل عرف بالدقة والأمانة فيما يتناول من عمل، فهو عندما يقول: إنه لم يجد ذكراً لكتاب بهذا العنوان، يقول ذلك بعدما استفرغ الجهد في البحث والدرس، ولكن هل يكون هذا مثبطاً لعزمي، واقطع الأمل في معرفة المؤلف؟ وذات يوم كنا نتجاذب الحديث على شاطئ دجلة مع نفر من كرام رجال التعليم في الموصل، فاخبرني الأستاذ الصديق السيد عبد النافع حكيم أنه قرأ - فيما قرأ - أن كتاب شرح مشكلات أبي تمام هو للمرزوقي، ويغلب على الظن أنه قرأ هذا في مقدمة أخبار أبي تمام للصولى الذي نشرته لجنة التأليف والترجمة والنشر في القاهرة.
ولما رجعت إلى مقدمة أخبار أبي تمام للصولى، وجدت أن الناشرين ذكروا فيها أن للمرزوقي كتاباً باسم شرح المشكل من شعر أبي تمام، وأن في مكتبة الجامعة المصرية صورة شمسية من هذا الكتاب مأخوذة عن أصل محفوظ في الأستانة.
والى هنا استطعت أن أمسك بأول الخيط في سبيل معرفة مؤلف هذا الكتاب، ولكن لا سبيل إلى المضي في البحث أو الجزم بنسبة كتابنا الذي بين أيدينا إلى المرزوقي حتى نرى نسخة الجامعة المصرية، ونقارن بينها وبين نسختنا لنعرف هل هما كتاب واحد أم لا؟ فلنترك هذا الآن لنبحث عن المرزوقي هذا من هو؟
يقول ياقوت الحموي في إرشاد الأريب - ج5 ص34 - 35 - : أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي، أبو علي بن أصبهان كان غاية في الذكاء والفطنة وحسن التصنيف وإقامة الحجج وحسن الاختيار. وتصانيفه لا مزيد عليها في الجودة، وكان قد قرأ كتاب سيبويه على أبي علي الفارسي، وتتلمذ له بعد أن كان رأساً بنفسه، وله من الكتب: كتاب شرح الفصيح، كتاب شرح أشعار هذيل، كتاب الأزمنة، كتاب شرح الموجز، كتاب شرح النحو؛ ثم ينقل ياقوت عن الأبيوردي أن المرزوقي كان يتفاصح في تصانيفه كابن جني، وأنه كان معلم أولاد بني بويه باصبهان، ودخل عليه الصاحب بن عباد، فما قام له، فلما أفضت الوزارة إلى الصاحب جفاه.
ثم نقل عن ابن مندة أن المرزوقي توفي في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. هذه خلاصة وافية من ترجمة المرزوقي التي ذكرها ياقوت، ونقل السيوطي في بغية الوعاة بعض ما ذكره ياقوت من غير أن يزيد عليه شيئاً.
وقد لاحظت أن كتاب شرح مشكلات ديوان أبي تمام لم يذكر في كتبه التي أوردها ياقوت في إرشاد الأريب والسيوطي في بغية الوعاة.
ولما عدت إلى القاهرة في أواخر سبتمبر سنة 1947 سارعت بالذهاب إلى مكتبة الجامعة المصرية، فوجدت الصورة الشمسية لكتاب شرح مشكل ديوان أبي تمام - وهو برقم (48 - 24) أدب معارة للأستاذ عبده عزام أحد مدرسي كلية الآداب في الجامعة المصرية لأن الأستاذ عبده عزام يشتغل من أمد بعيد في إخراج شرح التبريزي لديوان أبي تمام إخراجاً علمياً.
فبعثت بقطعة من نسخة الموصل لمقارنتها بالصورة الشمسية التي لدى الأستاذ عزام بواسطة الصديق الكريم الأستاذ محمد رشاد عبد المطلب الموظف بالقسم الثقافي بالجامعة العربية، وظهر من المقارنة أن النسختين لكتاب واحد هو شرح مشكل ديوان أبي تمام كما ظهر أنه لا دليل على أن الكتاب للمرزوقي إلا ما كتب على ظهر نسخة الآستانة.
ولكن هل تكفي هذه الكتابة التي على ظهر النسخة الآستانة لإثبات أن الكتاب للمرزوقي، مع أن مترجمي المرزوقي لم يذكروا في كتبه اسم هذا الكتاب؟ ومما قوى هذا الشك في نسبة هذا الكتاب إلى المرزوقي أن صاحب كشف الظنون أيضاً لم يعرض لذكر هذا الكتاب مع أنه ذكر كتاباً آخر للمرزوقي لم يذكره مترجموه. وهو كتاب (الانتصار لأبي تمام من ظلمته) وهو - كما ورد في دائرة المعارف الإسلامية ج5 ص321 - كتاب ألفه المرزوقي في الرد على كتاب لأحمد ابن عبيد الله القطربلي المعروف بالفريد أظهر فيه أخطاء أبي تمام في الأسلوب وغيره.
أليس من الممكن أن يكون كتاب (شرح مشكلات ديوان أبي تمام) الذي بين أيدينا هو كتاب (الانتصار لأبي تمام من ظلمته؟) وهذا شك جديد يلقي ظله على اسم الكتاب الذي نحن بصدده غير أني اطلعت أخيراً في دار الكتب المصرية على كتاب (النظام في شرح شعر المتنبي وأبي تمام) لأبي البركات المبارك بن أحمد بن المستوفي الأربلي المتوفى سنة 637هـ فوجدت أنه يذكر في المقدمة الكتب التي أعتمد عليها في شرح ديوان أبي تمام إلى أن يقول: (وعلى كتابي أبي تمام على أحمد بن محمد ابن الحسن المرزوقي، أحدهما في شرح مشكل أبياته المفردة، والآخر في الانتصار لأبي تمام من ظلمته) فكان هذا نصاً صريحاً من ابن المستوفي الأربلي المتوفى بعد المرزوقي بنحو مائتي سنة باب للمرزوقي كتابين - غير الكتب التي ذكرها ياقوت والسيوطي هما: (شرح المشكل) و (الانتصار).
ويذكر ابن المستوفي في مقدمة كتابه أنه ينقل في كتابه نصوص الكتب التي اعتمد عليها فراجعت إلى كتاب (النظام) وقابلت ما نقله بن المستوفي عن المرزوقي بالنسخة الخطية التي استنسختها عن نسخة الموصل لشرح مشكل ديوان أبي تمام، فوجدت النصوص متحدة لا تزيد حرفاً ولا تنقص حرفاً.
وبعد فإني - الآن - أستطيع الجزم - وأنا مطمئن القلب - بأن كتاب (شرح المشكل من شعر ابي تمام) (المحفوظ في خزانة المدرسة الفيصلية العلمية بالموصل هو لأبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي المتوفى سنة 421هـ، وأن لهذا الكتاب نسخة في إحدى مكاتب الآستانة وصورة شمسية في مكتبة الجامعة المصرية، ونسخة أخرى مدرجة في كتاب (النظام في شرح شعر المتنبي وأبي تمام) لابن المستوفي الأربلي.
وأرجو أن أكون وفقت بعض التوفيق في وصف كتاب المشكل من شعر أبي تمام والتعريف بمؤلفه.
برهان الدين الداغستاني
مجلة الرسالة - العدد 767
بتاريخ: 15 - 03 - 1948
وكان من تلك المخطوطات التي كتبها صديقي في ورقة صغيرة (شرح مشكلات أبي تمام)، وكان المطلوب وصفه والتعريف بمؤلفه، ولما بلغت الموصل، وأستقر بي المقام بها، ذهبت ابحث عن (شرح مشكلات أبي تمام)، فكان مما وقفت عليه:
(كتاب شرح مشكلات ديوان أبي تمام حبيب بن أوس الطائي مخطوط في 132 صفحة، في كل صفحة19 سطراً مكتوب بخط نسخي جميل بقلم محمد صالح الشريف، ضبط الكثير من كلماته الغريبة بالشكل الكامل. كتبت الأبيات المشكلة من شعر أبي تمام بالمداد الأحمر، والشرح بالمداد الأسود، للتفريق بين المتن والشرح، فرغ من كتابة هذه النسخة في 24 من المحرم سنة 1156هـ.
وهذا الكتاب مما اهداه السيد أحمد بك الجليلي إلى النادي العلمي بالموصل في 27 من شهر صفر سنة 1337هت، ولما انحل النادي العلمي ضمت كتبه إلى المدرسة الإسلامية - الفيصلية العلمية الآن - وفي بعض المواضيع تقييدات واستدراكات وتصحيحات لما ورد في الشرح بقلم صادق.
هذا كل ما أمكن الوقوف عليه في وصف كتاب (شرح مشكلات ديوان أبي تمام)، وأما موضوعه فإني أفضل أن أنقل إلى القارئ نص مقدمة المؤلف ليرى بنفسه أي كتاب هو هذا الذي نكتب عنه وهذه هي المقدمة (بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم.
جاريتني - أيدك الله - أمر شعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي، وما فيه من عويص الأبيات، وبديع المعاني والألفاظ إلى غير ذلك مما يستبديه فنه فلا يساهم؛ ويختص به نهجه فلا يقاسم، ثم سألت أن أتتبع مشاهير كلماته، فألتقط من فقرها ما يفتقر إلى تبيين، ومن بيوتها ما يحوج إلى تفسير، ثم أتبع كلا منه ما يحتمل من تلخيص بأوجز ما أمكن من لفظ، وأقرب ما أعرض من يسط. لنجعل ذلك دليلاً إلى الأغمض من باقيه، ومعيناً إلى ألطف ما فيه.
وقد نظرت في عظم ديوانه، وجمعت منه جل ما يلقى في المجالس من أبياته، ثم تحريت في شرحها مسارك، وتوخيت فيما سهل منه أو توعر تحصيل مرادك. غير محتفل بما يلحق من كد، ولا مفكر فيما يعرض من تعب. حتى حصل على حد يملك الناظر فيه - مع أدنى تأمل له - عنان هذا الشعر وزمامه، ويخبر المذاكر - بعد أيسر تمرن به - غرض هذا الشاعر وسهامه. فمتى جارى فيه سبق، وإذا ناضل به قرطس.
والله أسأل التوفيق، وإياه أعبد واستعين، وهو حسبي ونعم الوكيل).
هذا هو وصف كتاب شرح مشكلات شعر أبي تمام من حيث شكله، وهذه هي مقدمته التي تبين عن موضوعه وتشرحه، ولكن بقي شيء آخر لم نعرفه إلى الآن وهو من هو مؤلف هذا الكتاب؟
الواقع أن هذا السؤال لا يزال بلا جاوب إلى الآن. فأني قرأت الكتاب وفحصت كل جوانبه وحواشيه، فلم أجد أي إشارة إلى اسم مؤلفه، فأخذت أسأل كل أصدقائي معارفي، فلما أعيتني الحيلة كتبت كتاباً إلى الأستاذ كوركيس عواد الموظف بمكتبة المتحف العراقي ببغداد، أشرح له خبر العثور على هذه التحفة الفنية، وسأله إن كان يعرف شيئاً عن مؤلف هذا الكتاب، فكتب إلي كتاباً مؤرخاً في 22 - 1 - 1946 يقول فيه:. . . أما شرح مشكلات أبي تمام، فقد تملكني الفرح لوقوفكم على نسخة منه. بحثت كثيراً عن هذا الكتاب، وراجعت فهارس المخطوطات العربية لخزائن الكتب المختلفة في بلدان الشرق والغرب! غير أنني لم أجد ذكراً لكتاب بهذا العنوان، فضلاً عن معرفة مؤلفه! الخ والأستاذ كوركيس عواد رجل عرف بالدقة والأمانة فيما يتناول من عمل، فهو عندما يقول: إنه لم يجد ذكراً لكتاب بهذا العنوان، يقول ذلك بعدما استفرغ الجهد في البحث والدرس، ولكن هل يكون هذا مثبطاً لعزمي، واقطع الأمل في معرفة المؤلف؟ وذات يوم كنا نتجاذب الحديث على شاطئ دجلة مع نفر من كرام رجال التعليم في الموصل، فاخبرني الأستاذ الصديق السيد عبد النافع حكيم أنه قرأ - فيما قرأ - أن كتاب شرح مشكلات أبي تمام هو للمرزوقي، ويغلب على الظن أنه قرأ هذا في مقدمة أخبار أبي تمام للصولى الذي نشرته لجنة التأليف والترجمة والنشر في القاهرة.
ولما رجعت إلى مقدمة أخبار أبي تمام للصولى، وجدت أن الناشرين ذكروا فيها أن للمرزوقي كتاباً باسم شرح المشكل من شعر أبي تمام، وأن في مكتبة الجامعة المصرية صورة شمسية من هذا الكتاب مأخوذة عن أصل محفوظ في الأستانة.
والى هنا استطعت أن أمسك بأول الخيط في سبيل معرفة مؤلف هذا الكتاب، ولكن لا سبيل إلى المضي في البحث أو الجزم بنسبة كتابنا الذي بين أيدينا إلى المرزوقي حتى نرى نسخة الجامعة المصرية، ونقارن بينها وبين نسختنا لنعرف هل هما كتاب واحد أم لا؟ فلنترك هذا الآن لنبحث عن المرزوقي هذا من هو؟
يقول ياقوت الحموي في إرشاد الأريب - ج5 ص34 - 35 - : أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي، أبو علي بن أصبهان كان غاية في الذكاء والفطنة وحسن التصنيف وإقامة الحجج وحسن الاختيار. وتصانيفه لا مزيد عليها في الجودة، وكان قد قرأ كتاب سيبويه على أبي علي الفارسي، وتتلمذ له بعد أن كان رأساً بنفسه، وله من الكتب: كتاب شرح الفصيح، كتاب شرح أشعار هذيل، كتاب الأزمنة، كتاب شرح الموجز، كتاب شرح النحو؛ ثم ينقل ياقوت عن الأبيوردي أن المرزوقي كان يتفاصح في تصانيفه كابن جني، وأنه كان معلم أولاد بني بويه باصبهان، ودخل عليه الصاحب بن عباد، فما قام له، فلما أفضت الوزارة إلى الصاحب جفاه.
ثم نقل عن ابن مندة أن المرزوقي توفي في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. هذه خلاصة وافية من ترجمة المرزوقي التي ذكرها ياقوت، ونقل السيوطي في بغية الوعاة بعض ما ذكره ياقوت من غير أن يزيد عليه شيئاً.
وقد لاحظت أن كتاب شرح مشكلات ديوان أبي تمام لم يذكر في كتبه التي أوردها ياقوت في إرشاد الأريب والسيوطي في بغية الوعاة.
ولما عدت إلى القاهرة في أواخر سبتمبر سنة 1947 سارعت بالذهاب إلى مكتبة الجامعة المصرية، فوجدت الصورة الشمسية لكتاب شرح مشكل ديوان أبي تمام - وهو برقم (48 - 24) أدب معارة للأستاذ عبده عزام أحد مدرسي كلية الآداب في الجامعة المصرية لأن الأستاذ عبده عزام يشتغل من أمد بعيد في إخراج شرح التبريزي لديوان أبي تمام إخراجاً علمياً.
فبعثت بقطعة من نسخة الموصل لمقارنتها بالصورة الشمسية التي لدى الأستاذ عزام بواسطة الصديق الكريم الأستاذ محمد رشاد عبد المطلب الموظف بالقسم الثقافي بالجامعة العربية، وظهر من المقارنة أن النسختين لكتاب واحد هو شرح مشكل ديوان أبي تمام كما ظهر أنه لا دليل على أن الكتاب للمرزوقي إلا ما كتب على ظهر نسخة الآستانة.
ولكن هل تكفي هذه الكتابة التي على ظهر النسخة الآستانة لإثبات أن الكتاب للمرزوقي، مع أن مترجمي المرزوقي لم يذكروا في كتبه اسم هذا الكتاب؟ ومما قوى هذا الشك في نسبة هذا الكتاب إلى المرزوقي أن صاحب كشف الظنون أيضاً لم يعرض لذكر هذا الكتاب مع أنه ذكر كتاباً آخر للمرزوقي لم يذكره مترجموه. وهو كتاب (الانتصار لأبي تمام من ظلمته) وهو - كما ورد في دائرة المعارف الإسلامية ج5 ص321 - كتاب ألفه المرزوقي في الرد على كتاب لأحمد ابن عبيد الله القطربلي المعروف بالفريد أظهر فيه أخطاء أبي تمام في الأسلوب وغيره.
أليس من الممكن أن يكون كتاب (شرح مشكلات ديوان أبي تمام) الذي بين أيدينا هو كتاب (الانتصار لأبي تمام من ظلمته؟) وهذا شك جديد يلقي ظله على اسم الكتاب الذي نحن بصدده غير أني اطلعت أخيراً في دار الكتب المصرية على كتاب (النظام في شرح شعر المتنبي وأبي تمام) لأبي البركات المبارك بن أحمد بن المستوفي الأربلي المتوفى سنة 637هـ فوجدت أنه يذكر في المقدمة الكتب التي أعتمد عليها في شرح ديوان أبي تمام إلى أن يقول: (وعلى كتابي أبي تمام على أحمد بن محمد ابن الحسن المرزوقي، أحدهما في شرح مشكل أبياته المفردة، والآخر في الانتصار لأبي تمام من ظلمته) فكان هذا نصاً صريحاً من ابن المستوفي الأربلي المتوفى بعد المرزوقي بنحو مائتي سنة باب للمرزوقي كتابين - غير الكتب التي ذكرها ياقوت والسيوطي هما: (شرح المشكل) و (الانتصار).
ويذكر ابن المستوفي في مقدمة كتابه أنه ينقل في كتابه نصوص الكتب التي اعتمد عليها فراجعت إلى كتاب (النظام) وقابلت ما نقله بن المستوفي عن المرزوقي بالنسخة الخطية التي استنسختها عن نسخة الموصل لشرح مشكل ديوان أبي تمام، فوجدت النصوص متحدة لا تزيد حرفاً ولا تنقص حرفاً.
وبعد فإني - الآن - أستطيع الجزم - وأنا مطمئن القلب - بأن كتاب (شرح المشكل من شعر ابي تمام) (المحفوظ في خزانة المدرسة الفيصلية العلمية بالموصل هو لأبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي المتوفى سنة 421هـ، وأن لهذا الكتاب نسخة في إحدى مكاتب الآستانة وصورة شمسية في مكتبة الجامعة المصرية، ونسخة أخرى مدرجة في كتاب (النظام في شرح شعر المتنبي وأبي تمام) لابن المستوفي الأربلي.
وأرجو أن أكون وفقت بعض التوفيق في وصف كتاب المشكل من شعر أبي تمام والتعريف بمؤلفه.
برهان الدين الداغستاني
مجلة الرسالة - العدد 767
بتاريخ: 15 - 03 - 1948