-1-
سيكون للحجر المقام والكلام
سيكون له الظل المعافى والشهادة القادمة والنفس العميق والبصمة الأولى
إذ يتحدث الحجر البهي مستيقظاً من غفوته المدفونة تحت ركام سلالة آدم المهزوم روحاً
عما جرى ويجري في غفلة منه ويتهدَّد في وجوده الكلي
ليس الحجر حجراً كما هو المقرّر بلسان بشر،
حجر هو الحجر كما هو مقرَّر داخل كينونته التليدة
مثلما أن ليس البشر بشراً كما يعرَّف بهم
إنما همو البشر الذين لم يصبحوا بشراً إلى ساعته
لا ينفك ينظر الحجر في ساعته الزمنية يرنو إلى جهاته
يتحسر، يتكدر، يتمرر، يسترجع أصله الأول وكيف أهين من سلالة آدم الميئوس من بني جنسه وهو لما يزل نزيل عائلة فرَّخت عنفاً تكاثر شُعباً، مِللاً، نِحلاً إلى ساعته
يتأوه الحجر وهو يتثاءب متنبهاً إلى الدماء التي أحيط بها:
كيف لهذي الدماء أن تتعدى خاصرتي وهي لم تزل حارة تفوح بصرخات فولكلورية؟
يتشنج الحجر ناظراً في بني جنسه، وكيف أهينوا على مرأى من سمع الله وبصره:
أهذا هو خلقك يا رب الأرباب، أين حكمتك في خلقك وهم ماضون في محوي، كما لو أنهم يدركون أن ديمومتي تعريهم فيما اجترحوه من موبقات وأنت كما لو أنت دونما أنت ؟
يتساءل الحجر الرهيف إحساساً متنهداً ودامع الروح مطعوناً في كلّيته من الجاري
ثم يتناول صفحة جراحه الكبرى، ويُسمِع الكائنات اللامنظورة آخر أوجاعه :
-2-
ما كل هذا الضجيج
ما سر هذا الضجيج
إلام يمضي هذا الضجيج وهو بعنجهيته
تجيب الجهات أن ثمة من خرَّب صمتنا المشكول وأذل نشأتنا الأول: الإنسان
ما كان للحجر أن يلتزم الصمت، وما كان صموتاً وهو الحكيم الرائي للدماء التي تزعق أو تبرق بآلامها، أو تشكو من يمضون في انتحارهم: من أين كل هذي الدماء المزهوقة ؟
يردد الحجر النبيه جرّاء رؤيته الدقيقة والرشيقة لما يجري ويجري
-3 -
ليس ذنبي أن قُتِل هابيل على يد قابيل
أو ربما كان هابيلاً نفسه ساعياً إلى قتله
في جريمة مزدوجة
أن ألطّخ بجريمة سلالة البشر الأولى
أن تنكتم أنفاسي إذ يتلبسني دمهم الأول المراق
من علياء سماء خالقهم إلى أسفل ما أحلّوا عليه
لم يقتل قابيل هابيل بمسدس كاتم للصوت
كنت أداته الأولى
وأنا براء من الاثنين
لو أنهما اهتدا إلى حكمتي في الثبات
لما انجرفوا في جنونهما التليد
-4-
مدن من تراب
بشر من غبار
هل سوى ذلك من كلام؟
جهات بلا عناوين
طرق من ضياع
بشر على غير هدى
هل سوى ذلك من خارطة ؟
حياة من حدود
موت يحتكر الحدود
بشر مستهلَكون
بين بداية لا تغفل عني
ونهاية تشير إلي
ويمضون في غي نسيانه
مأخوذين بالعماء
هل سوى ذلك من قرار ؟
-5-
لست معنياً بفشلهم العميم إذ لم يهتدوا إلى برجهم
خطأهم القاتل
أنهم تعاملوا بمنطق الحساب في الصعود
ونسبوا إلى لحمهم الفاسد شرف الهندسة
وساء ما فعلوا
-6-
يا لحمقهم إذ ينسبون إلي غباءهم وفنون نقائضهم
" قلوب من حجر :لأقساهم"
" قلوب ثابتة كالحجر: لأقواهم "
" حجر على حجر: لأحمقهم "
" لو ينطق الحجر: لأحكمهم "
كيف لهم أن يتجاهلوا كل هذي النّعم:
أنا بدايتهم البليغة
أنا نهايتهم الماثلة للعيان
كل هذا الذي شيدوه لم يعرّفهم بي
كل هذا انهار عليهم لم يعزّزهم بي
يريدون خلوداً في المكان فيلوذون بي:
تكلمي يا أهرامات
يريدون تحدياً للفناء باحتمائهم بي
انطقي يا منحوتاتهم
كل ما يبقيهم مسنود إلي
أفبعد هذا ماالذي يبقيهم متجاهلين لما هم عليه؟
حتى لوح الإله المحفوظ نفسه ماالذي يبقيه محفوظاً دوني
جتى تابوت عهدهم
حتى حدائقهم المعلقة
حتى ركنهم الأول
حتى مشخص يقينهم الإيماني الأول
أسوارهم التي تقطع الجغرافيا
قلاعهم التي تضمهم إليها
سدودهم التي تعرَّف بي
أبعد هذا أكافأ بكل هذا الغل؟
-7-
ما ذنبي إذ يتراشقون بي
ما جريرتي إذ يتراجمون بي
ما سهوي إذ يتشبثون بي وتخطئهم أبصارهم وأيديهم ؟
ما عقابي إذ أهمَل إلى أجل غير مسمّى ؟
-8-
الجبال ترجماني الأول
أنا القمة التي يتباهون بها
البنيان المرصوص شاهدي الأول
أنا النقطة التي يؤرَّخون بي
الحجر الذي يُتمسَك به
في فضيلة علمهم
إذ يودعونه جرائمهم المتتالية
أبعد هذا ينكَّل بي ؟
-9-
الذاكرة أنا
النسيان هم
هويتي التحول
تلك حالات
ماذا لديهم سوى بضع أثير من غباء في التصفيات
ويرتمون عليهم لأكون حاضنهم الأول إذ ينتهون ؟
10-
تلك مسئوليتك الأولى يا رب الأرباب
أنت الخالق والخليقة والخلق
في بناك ما ليس يضاء
معجزة تُسمّيك وباسمك
ومنها أسماؤك
أن أكون خارج حسابك
أو حسابك المغفل من الاسم
إذ أقصيتهم عني
أو أقصيتني عنهم
ليسكبوا علي لؤمهم
ويسفكون خبائثهم ورعوناتهم
وتترك لملائكتك أمر تسجيل وقائعهم
وأنا خارج حسابهم محصّن
أي حيث أكون بجوارك
كيف هي جنتك إن كنتٌ غير مسطور فيها
كيف هو جحيمك إن كنت غير مسور لها ؟
كيف لحضورك الاستمرار إذ لا يشار إلى ثباتي ؟
فكيف يُمثّل بي هكذا؟
-11-
لي لغتي لم يستوعبها أمهر البشر: أولو أمر بشرك يا الله
لي مشاعر لم يهتد إليها أشعر البشر: شعراء بشرك يا الله
لي أنفاس لا تنقطع لم يبصرها أحكم البشر: بلغاء بشرك يا الله
هلا ساءلت حكمة هذه المفارقات؟
أن أكون منطلق الأسماء الأولى
أن أكون المقصي عن اللغات
والأشياء أناها وليس سواي
أي خلطة جنون وغباء وعي وغي وبطش ؟
-12-
لو أنك منحتني يا رب الأرباب الزهيد الأزهد من حساباتك
لو أن بشرك اهتدوا بك إلي ولو بالزهيد الأزهد
لتبصروا حجم عاطفتي
حرارتي الوهابة
بصيرتي الطليقة
رشدي الذي لا يحاط به
-13-
ملتبس علي سر وجودك يا رب الأرباب
وكل هذي الدماء المراقة أمام أبصارك الألف والألف ألف
ملتبس علي سر خلقك
وكل هذي الميتات المركَّبة وهي تفت في عضدي
كل هذا الدمار الذي ألجم لساني من بدء خلقك الأول
أطلقني قليلاً يا مطلق الحركة
لتهدأ قليلاً
عل كونك يستعيد بعض توازنه
وأنا ماثل أمام عيونك البليغة النظرات
قبل أن يحكم العماء مجدداً
وتكون الخاسر الأول والأخير
إبراهيم محمود
سيكون للحجر المقام والكلام
سيكون له الظل المعافى والشهادة القادمة والنفس العميق والبصمة الأولى
إذ يتحدث الحجر البهي مستيقظاً من غفوته المدفونة تحت ركام سلالة آدم المهزوم روحاً
عما جرى ويجري في غفلة منه ويتهدَّد في وجوده الكلي
ليس الحجر حجراً كما هو المقرّر بلسان بشر،
حجر هو الحجر كما هو مقرَّر داخل كينونته التليدة
مثلما أن ليس البشر بشراً كما يعرَّف بهم
إنما همو البشر الذين لم يصبحوا بشراً إلى ساعته
لا ينفك ينظر الحجر في ساعته الزمنية يرنو إلى جهاته
يتحسر، يتكدر، يتمرر، يسترجع أصله الأول وكيف أهين من سلالة آدم الميئوس من بني جنسه وهو لما يزل نزيل عائلة فرَّخت عنفاً تكاثر شُعباً، مِللاً، نِحلاً إلى ساعته
يتأوه الحجر وهو يتثاءب متنبهاً إلى الدماء التي أحيط بها:
كيف لهذي الدماء أن تتعدى خاصرتي وهي لم تزل حارة تفوح بصرخات فولكلورية؟
يتشنج الحجر ناظراً في بني جنسه، وكيف أهينوا على مرأى من سمع الله وبصره:
أهذا هو خلقك يا رب الأرباب، أين حكمتك في خلقك وهم ماضون في محوي، كما لو أنهم يدركون أن ديمومتي تعريهم فيما اجترحوه من موبقات وأنت كما لو أنت دونما أنت ؟
يتساءل الحجر الرهيف إحساساً متنهداً ودامع الروح مطعوناً في كلّيته من الجاري
ثم يتناول صفحة جراحه الكبرى، ويُسمِع الكائنات اللامنظورة آخر أوجاعه :
-2-
ما كل هذا الضجيج
ما سر هذا الضجيج
إلام يمضي هذا الضجيج وهو بعنجهيته
تجيب الجهات أن ثمة من خرَّب صمتنا المشكول وأذل نشأتنا الأول: الإنسان
ما كان للحجر أن يلتزم الصمت، وما كان صموتاً وهو الحكيم الرائي للدماء التي تزعق أو تبرق بآلامها، أو تشكو من يمضون في انتحارهم: من أين كل هذي الدماء المزهوقة ؟
يردد الحجر النبيه جرّاء رؤيته الدقيقة والرشيقة لما يجري ويجري
-3 -
ليس ذنبي أن قُتِل هابيل على يد قابيل
أو ربما كان هابيلاً نفسه ساعياً إلى قتله
في جريمة مزدوجة
أن ألطّخ بجريمة سلالة البشر الأولى
أن تنكتم أنفاسي إذ يتلبسني دمهم الأول المراق
من علياء سماء خالقهم إلى أسفل ما أحلّوا عليه
لم يقتل قابيل هابيل بمسدس كاتم للصوت
كنت أداته الأولى
وأنا براء من الاثنين
لو أنهما اهتدا إلى حكمتي في الثبات
لما انجرفوا في جنونهما التليد
-4-
مدن من تراب
بشر من غبار
هل سوى ذلك من كلام؟
جهات بلا عناوين
طرق من ضياع
بشر على غير هدى
هل سوى ذلك من خارطة ؟
حياة من حدود
موت يحتكر الحدود
بشر مستهلَكون
بين بداية لا تغفل عني
ونهاية تشير إلي
ويمضون في غي نسيانه
مأخوذين بالعماء
هل سوى ذلك من قرار ؟
-5-
لست معنياً بفشلهم العميم إذ لم يهتدوا إلى برجهم
خطأهم القاتل
أنهم تعاملوا بمنطق الحساب في الصعود
ونسبوا إلى لحمهم الفاسد شرف الهندسة
وساء ما فعلوا
-6-
يا لحمقهم إذ ينسبون إلي غباءهم وفنون نقائضهم
" قلوب من حجر :لأقساهم"
" قلوب ثابتة كالحجر: لأقواهم "
" حجر على حجر: لأحمقهم "
" لو ينطق الحجر: لأحكمهم "
كيف لهم أن يتجاهلوا كل هذي النّعم:
أنا بدايتهم البليغة
أنا نهايتهم الماثلة للعيان
كل هذا الذي شيدوه لم يعرّفهم بي
كل هذا انهار عليهم لم يعزّزهم بي
يريدون خلوداً في المكان فيلوذون بي:
تكلمي يا أهرامات
يريدون تحدياً للفناء باحتمائهم بي
انطقي يا منحوتاتهم
كل ما يبقيهم مسنود إلي
أفبعد هذا ماالذي يبقيهم متجاهلين لما هم عليه؟
حتى لوح الإله المحفوظ نفسه ماالذي يبقيه محفوظاً دوني
جتى تابوت عهدهم
حتى حدائقهم المعلقة
حتى ركنهم الأول
حتى مشخص يقينهم الإيماني الأول
أسوارهم التي تقطع الجغرافيا
قلاعهم التي تضمهم إليها
سدودهم التي تعرَّف بي
أبعد هذا أكافأ بكل هذا الغل؟
-7-
ما ذنبي إذ يتراشقون بي
ما جريرتي إذ يتراجمون بي
ما سهوي إذ يتشبثون بي وتخطئهم أبصارهم وأيديهم ؟
ما عقابي إذ أهمَل إلى أجل غير مسمّى ؟
-8-
الجبال ترجماني الأول
أنا القمة التي يتباهون بها
البنيان المرصوص شاهدي الأول
أنا النقطة التي يؤرَّخون بي
الحجر الذي يُتمسَك به
في فضيلة علمهم
إذ يودعونه جرائمهم المتتالية
أبعد هذا ينكَّل بي ؟
-9-
الذاكرة أنا
النسيان هم
هويتي التحول
تلك حالات
ماذا لديهم سوى بضع أثير من غباء في التصفيات
ويرتمون عليهم لأكون حاضنهم الأول إذ ينتهون ؟
10-
تلك مسئوليتك الأولى يا رب الأرباب
أنت الخالق والخليقة والخلق
في بناك ما ليس يضاء
معجزة تُسمّيك وباسمك
ومنها أسماؤك
أن أكون خارج حسابك
أو حسابك المغفل من الاسم
إذ أقصيتهم عني
أو أقصيتني عنهم
ليسكبوا علي لؤمهم
ويسفكون خبائثهم ورعوناتهم
وتترك لملائكتك أمر تسجيل وقائعهم
وأنا خارج حسابهم محصّن
أي حيث أكون بجوارك
كيف هي جنتك إن كنتٌ غير مسطور فيها
كيف هو جحيمك إن كنت غير مسور لها ؟
كيف لحضورك الاستمرار إذ لا يشار إلى ثباتي ؟
فكيف يُمثّل بي هكذا؟
-11-
لي لغتي لم يستوعبها أمهر البشر: أولو أمر بشرك يا الله
لي مشاعر لم يهتد إليها أشعر البشر: شعراء بشرك يا الله
لي أنفاس لا تنقطع لم يبصرها أحكم البشر: بلغاء بشرك يا الله
هلا ساءلت حكمة هذه المفارقات؟
أن أكون منطلق الأسماء الأولى
أن أكون المقصي عن اللغات
والأشياء أناها وليس سواي
أي خلطة جنون وغباء وعي وغي وبطش ؟
-12-
لو أنك منحتني يا رب الأرباب الزهيد الأزهد من حساباتك
لو أن بشرك اهتدوا بك إلي ولو بالزهيد الأزهد
لتبصروا حجم عاطفتي
حرارتي الوهابة
بصيرتي الطليقة
رشدي الذي لا يحاط به
-13-
ملتبس علي سر وجودك يا رب الأرباب
وكل هذي الدماء المراقة أمام أبصارك الألف والألف ألف
ملتبس علي سر خلقك
وكل هذي الميتات المركَّبة وهي تفت في عضدي
كل هذا الدمار الذي ألجم لساني من بدء خلقك الأول
أطلقني قليلاً يا مطلق الحركة
لتهدأ قليلاً
عل كونك يستعيد بعض توازنه
وأنا ماثل أمام عيونك البليغة النظرات
قبل أن يحكم العماء مجدداً
وتكون الخاسر الأول والأخير
إبراهيم محمود