لعلها المرة الأولى التي يستشعر فيها " الكبير " اضطراباً حقيقياً في " البيت " اللحمي شبه المطاطي " الذي يدنوه، حيث يتساكن عاملاه الأبديان " خصيتاه ". سأسميهما تالياً :" كائن اليمين وكائن اليسار من الآن فصاعداً لضرورة المعنى ". ماذا جرى، ليحدث كل هذا الارتباك الصادم في ذات " الكبير "؟
لم يكن في وسع كائن اليمين أن يتحمل تطفل كائن اليسار وهو ينكمش داخلاً تاركاً عبء القيام بالعمل المضني الشاق له، وقد تكررت معه هذه الحالات مراراً وتكراراً، فنبهه أكثر من مرة إلى لزوم القيام بواجبه وألا يتقاعس، وإلا فإنه لن يحصل له خير.
امتعض كائن اليسار من كائن اليمين وهو يرد عليه مستفزاً: ومنذ متى كنتَ بهذا الحماس، وأنت نفسك لطالما توقفت عن التحرك، ليتقلص بيتنا هذا بسببك، وأكون أنا المتحمل لوزرك، وكل الثقل علي، حيث " الكبير " لا يدعنا وشأننا؟ منذ متى كنتَ بهذه الروح الغيرية؟
بدا البيت اللحمي شبه المطاطي ضيقاً عليهما، وهو نفسه تألم لهذا التوتر القائم بين الكائنين خصوصاً وأنهما غير منفصلين، إذ لا حد فاصلاً بينهما، وهو ما كان يزيد في الاحتكاك المؤدي إلى المزيد من التشنجات الداخلية، الأمر الذي يؤدي إلى انكماش البيت اللحمي شبه المطاطي، وهذا بدوره يضيق الخناق أكثر على الكائنين ويجعلهما أكثر استعداداً للتدافع والتصادم والنزف.
" الكبير " الذي تنبَّه إلى هذا الطارىء، وتخوف من نتائجه الكبيرة، ومن ذلك، ماذا يحصل لو أن عطباً أصاب البيت الموسوم، لو أن أحدهما جمد وتوقف عن النشاط، وانعكس ذلك سلباً على الآخر، أي موقف مخز سيكون له إزاء " صاحبه " وهو المشهود له بالعناية والرعاية الدائمتين؟ هذا ما دفعه إلى التداخل، مستخدماً دبلوماسية العمل المشترك.
خاطب الاثنين وهو في " عليائه ":
لا أحد منكما رابحاً، كلاكما خاسر، إن استمريتما هكذا، وأنا بدوري خاسر معكما وبسببكما، فعودا إلى " رشدكما".
أغاظ كلامُ الكبير كائن اليمين، فتشنج واستعر في داخله غضباً:
من حقك أن تخاطبنا بهذه اللهجة المتعالية، وأنت موصول بنا، وأنت تعلم أننا نحن من أوجدناك، نحن من منحناك القيمة، نحن من رفعنا من شأنك لدى " صاحبك "، وهو يدللك ويلاطفك ويعتني بك ليل نهار، ولك المتعة، وعلينا أن نكون خدماً لك ولـ" صاحبك".
انسحب " الكبير " إلى داخله، ملتقطاً تلك العبارات ذات الدلالة، ليرد بعد حين:
أنتما في بيتكما المحصَّن، وأنا المعرَّض وحدي للنائبات، كل الأعين علي، وما أقوم به، ألزَم به، لكنه ينعكس عليكما بالمقابل، ولا بد أن تأخذا علماً بذلك فكونا هادئين أفضل لكما ولي.
لكن استمرار " الكبير " بهذه اللهجة المتغطرسة، لم سعجب كائن اليسار:
من حقك أن تقول ذلك، لأن تتنفس الهواء خارجاً، ونحن في هذا الداخل الخانق، ولا أحد فكَّر بنا، فالفضيلة لك والرذيلة لنا، نحن ننسحق تحت وطأة اندفاعاتك واستمرارك في طلب المتعة، وكل الثقل يقع علينا، حين نسندك، ونحن نتصلب أكثر لكي تعيش أهواءك وأهواء " صاحبك " . ولا أقل من أن يذمنا أحدهم بقولة " المخصي " و" عقدة الخصاء "، فهل هناك ما هو أقبح من هذا الذم؟ تصور من يكون الضحية، ومن يكون صاحب الفضل في كل ما يجري، ومن يعاقب ويكون محل قدح، ونحن محبوسان مذ وجدنا، هلا فكرتنا فينا يوماً؟
لم يكن في وسع " الكبير " أن يساجل أو يجادل هذين الكائنين، لأنه كان يدرك فيقرارة نفسه اللحمية والغضروفية أن ما ليس مسبوقاً يتهدده، وهذا سيغيّر من موقف " صاحبه " منه، وهو المعتنى به من خلال دعمه بكل المغذيات التي تبقيه رماحاً سفاحاً لواحاً بالقوة والإغارة. لم يكن يفكّر قط في وضع كهذا، في واقعة غير مفكَّر فيها، أي فوبيا ما لا يراد توقعه: أن يستمر الكائنان في التحاكك والارتطام الجانبيين، وفي التزام التقاعس من قبل أحدهما، وبقاء الآخر في وضعه المعهود، ثم التخلي عما عرِف به بدوره، وبهذا تكون نهايته.
لقد أصيب " الكبير " بأكثر من نوبة، وتملكته فوبيا الانكماش، وسط ذهول صاحبه، وهو ذاهل بدوره عما يجري، وهو ما لم يعتده فيه، ليبدأ في شتمه:
تُرى، ماذا يحصل لو استمرت المعركة الداخلية المفتوحة إلى نهايتها؟
تساءل " الكبير " بينه وبين نفسه، ولم يشعر بكآبة وانقباض مسبقاً كاللذين عاشهما حينذاك.
إبراهيم محمود
لم يكن في وسع كائن اليمين أن يتحمل تطفل كائن اليسار وهو ينكمش داخلاً تاركاً عبء القيام بالعمل المضني الشاق له، وقد تكررت معه هذه الحالات مراراً وتكراراً، فنبهه أكثر من مرة إلى لزوم القيام بواجبه وألا يتقاعس، وإلا فإنه لن يحصل له خير.
امتعض كائن اليسار من كائن اليمين وهو يرد عليه مستفزاً: ومنذ متى كنتَ بهذا الحماس، وأنت نفسك لطالما توقفت عن التحرك، ليتقلص بيتنا هذا بسببك، وأكون أنا المتحمل لوزرك، وكل الثقل علي، حيث " الكبير " لا يدعنا وشأننا؟ منذ متى كنتَ بهذه الروح الغيرية؟
بدا البيت اللحمي شبه المطاطي ضيقاً عليهما، وهو نفسه تألم لهذا التوتر القائم بين الكائنين خصوصاً وأنهما غير منفصلين، إذ لا حد فاصلاً بينهما، وهو ما كان يزيد في الاحتكاك المؤدي إلى المزيد من التشنجات الداخلية، الأمر الذي يؤدي إلى انكماش البيت اللحمي شبه المطاطي، وهذا بدوره يضيق الخناق أكثر على الكائنين ويجعلهما أكثر استعداداً للتدافع والتصادم والنزف.
" الكبير " الذي تنبَّه إلى هذا الطارىء، وتخوف من نتائجه الكبيرة، ومن ذلك، ماذا يحصل لو أن عطباً أصاب البيت الموسوم، لو أن أحدهما جمد وتوقف عن النشاط، وانعكس ذلك سلباً على الآخر، أي موقف مخز سيكون له إزاء " صاحبه " وهو المشهود له بالعناية والرعاية الدائمتين؟ هذا ما دفعه إلى التداخل، مستخدماً دبلوماسية العمل المشترك.
خاطب الاثنين وهو في " عليائه ":
لا أحد منكما رابحاً، كلاكما خاسر، إن استمريتما هكذا، وأنا بدوري خاسر معكما وبسببكما، فعودا إلى " رشدكما".
أغاظ كلامُ الكبير كائن اليمين، فتشنج واستعر في داخله غضباً:
من حقك أن تخاطبنا بهذه اللهجة المتعالية، وأنت موصول بنا، وأنت تعلم أننا نحن من أوجدناك، نحن من منحناك القيمة، نحن من رفعنا من شأنك لدى " صاحبك "، وهو يدللك ويلاطفك ويعتني بك ليل نهار، ولك المتعة، وعلينا أن نكون خدماً لك ولـ" صاحبك".
انسحب " الكبير " إلى داخله، ملتقطاً تلك العبارات ذات الدلالة، ليرد بعد حين:
أنتما في بيتكما المحصَّن، وأنا المعرَّض وحدي للنائبات، كل الأعين علي، وما أقوم به، ألزَم به، لكنه ينعكس عليكما بالمقابل، ولا بد أن تأخذا علماً بذلك فكونا هادئين أفضل لكما ولي.
لكن استمرار " الكبير " بهذه اللهجة المتغطرسة، لم سعجب كائن اليسار:
من حقك أن تقول ذلك، لأن تتنفس الهواء خارجاً، ونحن في هذا الداخل الخانق، ولا أحد فكَّر بنا، فالفضيلة لك والرذيلة لنا، نحن ننسحق تحت وطأة اندفاعاتك واستمرارك في طلب المتعة، وكل الثقل يقع علينا، حين نسندك، ونحن نتصلب أكثر لكي تعيش أهواءك وأهواء " صاحبك " . ولا أقل من أن يذمنا أحدهم بقولة " المخصي " و" عقدة الخصاء "، فهل هناك ما هو أقبح من هذا الذم؟ تصور من يكون الضحية، ومن يكون صاحب الفضل في كل ما يجري، ومن يعاقب ويكون محل قدح، ونحن محبوسان مذ وجدنا، هلا فكرتنا فينا يوماً؟
لم يكن في وسع " الكبير " أن يساجل أو يجادل هذين الكائنين، لأنه كان يدرك فيقرارة نفسه اللحمية والغضروفية أن ما ليس مسبوقاً يتهدده، وهذا سيغيّر من موقف " صاحبه " منه، وهو المعتنى به من خلال دعمه بكل المغذيات التي تبقيه رماحاً سفاحاً لواحاً بالقوة والإغارة. لم يكن يفكّر قط في وضع كهذا، في واقعة غير مفكَّر فيها، أي فوبيا ما لا يراد توقعه: أن يستمر الكائنان في التحاكك والارتطام الجانبيين، وفي التزام التقاعس من قبل أحدهما، وبقاء الآخر في وضعه المعهود، ثم التخلي عما عرِف به بدوره، وبهذا تكون نهايته.
لقد أصيب " الكبير " بأكثر من نوبة، وتملكته فوبيا الانكماش، وسط ذهول صاحبه، وهو ذاهل بدوره عما يجري، وهو ما لم يعتده فيه، ليبدأ في شتمه:
تُرى، ماذا يحصل لو استمرت المعركة الداخلية المفتوحة إلى نهايتها؟
تساءل " الكبير " بينه وبين نفسه، ولم يشعر بكآبة وانقباض مسبقاً كاللذين عاشهما حينذاك.
إبراهيم محمود