أسعدني كثيراً وزاد في كبر رأسي اعترافها بالرضوان معي .. وكأنه نوعٌ من العرفان بالجميل .. وأيُّ جميل أقدّمه لها .. كانت صديقة قديمة وتزوّجت لرجلٍ آخر منذ سنين .. وعادت مياهنا إلى مجاريها منذ سنة تقريباً .. إثر مطالبتها ببعض المال يفكُّ ضائقتها .. مع بعض الحب من خلف حدود الزوجية كأي عاشقة تمارس الحب تهريباً من ممرات سرية !
وزاد في غروري تصريحها الصّريح بأنها قد تشتاق لي حيناً .. ومن النادر أنّ هذا التصريح يأتي من امرأةٍ لرجل .. طبعاً إلا إذا كانت تقوله للجميع .. عندها سيكون ذلك التصريح بلا معنى
وأثلج صدري ميلها إليّ .. ومقارنتي بزوجها .. بل وتفضيلي عليه
ماهذه الزوجة التي تذكر زوجها تكراراً وهي في أحضان رجل آخر ؟.. أنا لا أستسيغ الفكرة بحدّ ذاتها .. فالعادة أن تشطب الزوجة الخائنة اسم زوجها وهي في أحضان الغريب .. تمحوه من ذاكرتها لحظاتِ استسلامها للغير .. ترفض صورته إنْ عبرت مخيّلتها عبوراً .. إن تذكّرته فتتذكره كشرطيٍّ يلاحقها ..ليس إلا
الخيانة هي استبدال الزوج جنسياً .. أما أن تستحضره معها روحياً ليجلس على حافة السرير .. فذلك أمر مُستغرَب
وأن تفتتح أحاديثها بذكره كشاهد على فعلتها.. فذلك مُخيف
قد تفعله أرملة كانت تحبُّ زوجها حباً جماً .. وخطفه الموت
وكنت أغيّر دفة الحديث كلما دلَفَتْ إلى ذكره وخصاله المحمودة .. ويخالطني عندها إحساسٌ مخلوطٌ بين الاستهجان والخوف .. فما نفعله بالنهاية سرقة وتهريب ولصوصية وخيانة مهما بيّضْنا صفحاتنا .. وبرّرنا مبرراتنا .. ولونّا لوحاتنا السوداء بألوان الطيف المتنوعة
الكلُّ يشعر بالخوف بعدَ علاقةٍ حميمة .. حتى ولو كانت بين زوجين وفي خلوة شرعية .. وكأنّهما يرتكبان معصية .. وتكون واضحة في بداية الزواج .. ثم تغيب عندما يصبح الأمر بحكم العادة .. وعلم النفس يوافق على ذلك وقد يُفسّر ذلك بفرط الحب عند الزوج الجديد وخوفه على زوجته لذلك تراه رؤوفاً بها أولاً ..
ويفسّرون الخوف التالي للجنس عند الزوجة الجديدة بأنه غريزي متوارث من تبعات الجماع .. الذي قد يتلوه الحمل أولا يتلوه .. والحمل والولادة مرتبطان بالموت والألم التالي عند المرأة وعبر الأجيال..
والخوف يكون أكبر عند من يخون ..لأنه يظنّ أن عيناً خفية وراء الستار ترى وتسجّل .. وأذناً تسمع .. فتراه يتلفّت يمنة ويسرة في لحظة يقظة .. كالسارق .. كاللص يمدّ يده إلى ما ليسَ له .. ويمسك القطعة المنويُّ سرقتها وينظر حوله .. ثم ينظر إلى أعلى لتسجّل كاميرا المراقبة صورة وجهه
والخائن والخائنة يُقسِمان بعد فعلتهما ألا يعيدان الكرّة .. ويحنثان بقسمهما
تلك الزوجة لم تكن كذلك .. كانت كالعاهرة تؤدي عملاً وظيفياً أجره زهيد ظاهرياً لأنّ جهة أخرى تدفع وتدفع كثيراً .. لا تحسب حساباً لهاتفٍ يرنّ .. ولا لبابٍ يُقرَع
لا تخاف من فعلتها
فازداد الخوف عندي .. كأنّ أحداً ما سلّطها عليّ
كأنها مُرسَلة من فرع الآداب وتسجّل شريطاً سرّياً تهدّدني به
لكنني فتشتها مراراً .. وبحثت في حقيبتها وكلِّ خباياها وحتى أزرارها عن آلة تسجيل .. أو شريحة إلكترونية في هاتفها الجوال تبثّ صوراً ومقاطعَ قد أدفع ثمنها لاحقاً .. بدون جدوى
جمالُها ورغبتها الطاغية وأنوثتها الطافحة وعواطفها الجياشة .. كلّ ذلك قد يشفع لها ولي .. كأنك تستلقي في حضنِ حيةٍ لامعة مزركشة طرية أحياناً .. وعضلية أحياناً أخرى .. تلتفُّ عليك حتى تحبسَ أنفاسك .. وتضيع بين العنف واللطف .. كمن يعجنك فوق قالب من الزبدة أو القشطة فتضيع بين القساوة والطراوة ..
تمدّ لسانها وتلعقك فقط ولو لدَغتك فلا بأس .. إذ لا يمكنك الفكاك من احتضانها العذب .. فتسترخي وتستمتع وتستسلم لحية ناعمة تجول عليك جولاتٍ وجولات
باردة كبرود الأفعى قبل المداهمة .. ناعسة تظنها نائمة في البدء .. فتنفش أرياشك أمامها كالطاووس وتستعرض ذيلك الذي تعتزُّ به .. وتتبختر أمامها جيئة وذهاباً .. والحية تراقب لأنها لم تُثَر بعد .. متحفّزة متربّصة بك.. وشبقها للافتراس لم يبلغ عتبة الهجوم بعد .. وهجوم الأفعى مباغت ووحيد .. لكنه بالضربة القاضية
ومرة إثر مرة .. لا أنكر أنني صرت أستمتع بانقضاضها الذي يتأخر أحياناً حسب مقدّماتكَ الغزلية ..ولكنه سيأتي أخيراً .. كالأناكوندا تنقضّ على فيل بخرطوم .. فتراه ضائعاً بين التفافاتها العضلية وتعصره .. وتراه يغيب في طاحونتها إلى القاع .. وتدور به فوق فراشٍ ارتجفت قوائمه استغراباً .. فما خبِر امرأة حتى الآن تقود مسرحية للحب بذلك السلطان وتلك القوة
والفيل مستسلمٌ ضائع بين الكتل العضلية واللحمية الأفعوانية .. خرطومه يؤلمه لأنه مثقل بالماء فلا يسفحه .. ولا مجال لابتلاع مياهه فيزداد احتقاناً .. والأمواج العضلية تكتسح كيانه .. تسمح له بالتنفس قليلاً لتستمتع بأنينه..
ما تلك المعركة أيها السرير ؟
العادة أن تمسك المرأة بقائمتك مستنجدة .. دعني – أنا - أتمسّك بإحدى أذيالك لتخفيف دوران تلك الطاحونة
العادة أن المرأة هي من تتشبّث بشراشفك تجذبها وتسحبها .. وتمزّقها .. الآن شراشفك تدور معي في دورة الحب الأفعواني
ثم تتركني وتتراجع .. تلتف على قاعدتها وينتصب رأسها كالكوبرا .. تراقبك بلا خجل .. وشعرها المنفوش وصدرها العريض يعطيانها حجماً أكبر في استعراضٍ للقوة والسلطان
تمتد يدها لتلعب بقلادة ذهبية ثقيلة مدلاة بين نهديها .. وتلك القلادة هي كل ما ترتديه
ماذا تخبئين في تلك القلادة ؟
تزعجني تلك القطعة الذهبية وتلتصق بصدري كآلة جارحة في عمق احتضاناتك .. حاولت نزعها عدة مرات وترفضين
هنا إذن آلة التصوير الخفية ولاقط التسجيل السري .. فلماذا لا تتخلى عن قلادتها ؟.. وهي التي لابد منها على ما يبدو .. ولماذا تتلاعبين بها فوق سريري؟ .. أظنك الآن تكبسين أزراراً صغيرة فيها ..وتوجّهينها نحوي كعدسة التصوير..
قلت لها ساخراً:
-عرفت سابقاً امرأة ساقطة مأجورة .. كانت تتعرى ببساطة إلا من مصحفٍ ذهبيّ يتدلى من عنقها ..ولا تتخلى عنه .. كشاهدٍ سماوي على انحرافاتها ..فماذا تخبّئين في تلك القلادة الثقيلة؟
لم تُجِبْ طبعاً ..وهل تجرؤ ؟
اكتفت بأن أخفتها بين نهديها .. ودفنتها بينهما .. وكأني وضعت يدي على جرحها .. فجأة أصبحت خجولة وتغيّرت ملامحها .. وكأني كشفت سراً عسكرياً فائق السرية..
تركتها وجذبتُ غطاءً فوقها .. كرجلٍ يتعفّف أمام بضاعة رخيصة ومعروضة على الرصيف..
خرجْتُ من الغرفة .. وتقمّصتُ شخصية المفتش البوليسي الذي اكتشف الجريمة لتوّه .. ومال لإقفال محضر التحقيق منتصراً..
ما لبثَتْ أن خرجت إليّ بُعيد ذلك مرتدية كاملَ حلّتها .. فالجلسة الآن للاعتراف والنطق بالحكم .. عيناها مغرورقة بالدموع لكنها تأبى أن تسيل .. كانت تحمل قلادتها بيدها .. ناولتني إياها كمجرم وصلوا إلى أداة جريمته وثبُتت التهمة عليه بالدليل القاطع
أمسكتُ القلادة بهدوء المحقق البوليسي الذي لايريد إزالة بصمات المجرم .. تفحّصتها .. قلّبتها .. لها قفل تفتحه فتصبح بين يديك كتاباً بصفحتين فقط .. وتحمل كلُّ صفحة صورةً شخصية .. وتتقابل الصورتان إن أطبقتَ الكتاب..
ماهذا ؟..هكذا قلت والدهشة تعتريني ..
هذه صورتكِ ..فمن صاحب الصورة الأخرى؟
قالت بصوت قوي وأقوى من سؤالي الصارم :
-إنه زوجي الحبيب
رميت بالقلادة أرضاً ..فانفلقت صفحتاها .. وتركتها جاثية تلتقطها وتحاول إصلاحها .. ثم رفعَتْ القلادة وقبّلَتْ صورة زوجها
لم أعد أطيق رؤيتها .. فخرجْتُ وتركتها في بيتي وصفقْتُ الباب خلفي .. الحمد لله أنني غير متزوج ولن أتزوج ولن أمسَّ امرأة بعد تلك الحادثة .. هكذا أقسمت
وبدت لي كل النساء العابرات في الطريق خائنات .. وتحملن صور أزواجهن إلى سرائر الخيانة .. أو تمثلن أفعال الخيانة تمثيلاً في بيوتهن وأمام صورة الزوجين المقدسة والمعلقة على الجدار
لا يناقشني أحد .. لا مبرر لأي خيانة زوجية .. ولا مسوّغات لأي خيانة مهما كان نوعها .. ومهما كانت المقدمات التي نسوّقها ونسوقها أمامنا
بعد اتصالات عديدة من طرفها .. استجبْتُ لطلبها بأن أزورها في بيتها في البلدة المجاورة .. وكنت واثقاً بأنَّ مفاجأة ما تنتظرني .. لست خجلاً من جُرمٍ اقترفته ولكني كنت خائفاً كأنني مطلوبٌ إلى فرع المخابرات للتحقيق ولن أعود إلى بيتي بعدها..
استقبلتني بعينين مفتوحتين ورأس مرفوع .. وأنا الذليل
يدها القوية تعتصر يدي كالعادة فأسحبها .. فأنا الضعيف أمامها
أشارت إلى زوجها المسجّى في السرير .. نعم وتذكرْتُ صورته المعلقة في صدرها .. كان ضعيفاً هزيلاً شاحباً .. إثر الشلل الرباعي والسرطان الدماغي الذي ألمّ به ..
قالت وصوتها ما زال قوياً :
-زوجي مصرٌّ أن يتعرّف عليك
وقال الزوج الذي حاول التحرّك فلم يسعفه جسده:
-أعرف أنك تعرف زوجتي وتساعدها .. تلجأ إليك أحياناً .. شكراً لمساعداتك المالية .. شكراً لكل ما تفعله لأجلنا .. حكت لي عنك قبل زواجنا وكنت أكرهك .. ويتكرر اسمك على لسانها كثيراً في الفترة الأخيرة فطلبتُ لقاءك .. أنا ضيفٌ بينكما وعندكما الآن .. وطلبتُ فقط أن أرى وريثي وأعطيه وصيتي وأهبه تركتي
أربع سنوات قضتها معي مُعيلة وممرّضة .. تحملني بذراعيها القويتين كالطفل .. تغسلني وتنظفني وأنا العاجز المفلوج بلا حراك .. تمارس معي رفع الأثقال والتدليك اليومي وأرى عضلات ساعديها تزداد قوة في تمريضي والعناية بي
زوجتي كالجسر الحديدي عبرت بي من ضفة إلى أخرى .. وهي بحاجة لمن يثبّت دعائمها فلا تنهار وننهار معاً
زوجتي امرأة صالحة يا هذا .. مخلصة لي وتحبني .. وأثق بها
زوجتي مستوظفة عندي في سنوات عجزي .. ولم تقصّر في خدمتي .. لم تُدِر لي ظهرها يوماً في غربتي بين أهلي وقرابتي
أكثير عليها أن تتلقى جرعات من الحب ؟؟
ولو فاجأتُها في حضنِ رجلٍ آخر .. سأعرف أنني سأكون معها حاضراً شاهداً ومبارِكاً .. آخذ بيدها كأبي العروس الذي يسلّمها لعريسها .. وأم العروس التي ترقص بالمنديل المدمّى على الباب كعلامةٍ على شرف ابنتها
زوجتي ليست خائنة .. هي صادقة ولا تعرف غيرك فلا تسقطها من حساباتك المستقبلية .. مخلصة لي وستخلص لك كزوجة من بعدي .. زوجتي هي زوجتك أسْلِمها لك قبل أن أسْلِم الروح .. تلك هي وصيّتي
تلك القصة لا تعليق عليها .. لأن الزوج الفقيد أرادها هكذا بلا تعليق من ضمن وصاياه !
د. جورج سلوم
************************
وزاد في غروري تصريحها الصّريح بأنها قد تشتاق لي حيناً .. ومن النادر أنّ هذا التصريح يأتي من امرأةٍ لرجل .. طبعاً إلا إذا كانت تقوله للجميع .. عندها سيكون ذلك التصريح بلا معنى
وأثلج صدري ميلها إليّ .. ومقارنتي بزوجها .. بل وتفضيلي عليه
ماهذه الزوجة التي تذكر زوجها تكراراً وهي في أحضان رجل آخر ؟.. أنا لا أستسيغ الفكرة بحدّ ذاتها .. فالعادة أن تشطب الزوجة الخائنة اسم زوجها وهي في أحضان الغريب .. تمحوه من ذاكرتها لحظاتِ استسلامها للغير .. ترفض صورته إنْ عبرت مخيّلتها عبوراً .. إن تذكّرته فتتذكره كشرطيٍّ يلاحقها ..ليس إلا
الخيانة هي استبدال الزوج جنسياً .. أما أن تستحضره معها روحياً ليجلس على حافة السرير .. فذلك أمر مُستغرَب
وأن تفتتح أحاديثها بذكره كشاهد على فعلتها.. فذلك مُخيف
قد تفعله أرملة كانت تحبُّ زوجها حباً جماً .. وخطفه الموت
وكنت أغيّر دفة الحديث كلما دلَفَتْ إلى ذكره وخصاله المحمودة .. ويخالطني عندها إحساسٌ مخلوطٌ بين الاستهجان والخوف .. فما نفعله بالنهاية سرقة وتهريب ولصوصية وخيانة مهما بيّضْنا صفحاتنا .. وبرّرنا مبرراتنا .. ولونّا لوحاتنا السوداء بألوان الطيف المتنوعة
الكلُّ يشعر بالخوف بعدَ علاقةٍ حميمة .. حتى ولو كانت بين زوجين وفي خلوة شرعية .. وكأنّهما يرتكبان معصية .. وتكون واضحة في بداية الزواج .. ثم تغيب عندما يصبح الأمر بحكم العادة .. وعلم النفس يوافق على ذلك وقد يُفسّر ذلك بفرط الحب عند الزوج الجديد وخوفه على زوجته لذلك تراه رؤوفاً بها أولاً ..
ويفسّرون الخوف التالي للجنس عند الزوجة الجديدة بأنه غريزي متوارث من تبعات الجماع .. الذي قد يتلوه الحمل أولا يتلوه .. والحمل والولادة مرتبطان بالموت والألم التالي عند المرأة وعبر الأجيال..
والخوف يكون أكبر عند من يخون ..لأنه يظنّ أن عيناً خفية وراء الستار ترى وتسجّل .. وأذناً تسمع .. فتراه يتلفّت يمنة ويسرة في لحظة يقظة .. كالسارق .. كاللص يمدّ يده إلى ما ليسَ له .. ويمسك القطعة المنويُّ سرقتها وينظر حوله .. ثم ينظر إلى أعلى لتسجّل كاميرا المراقبة صورة وجهه
والخائن والخائنة يُقسِمان بعد فعلتهما ألا يعيدان الكرّة .. ويحنثان بقسمهما
تلك الزوجة لم تكن كذلك .. كانت كالعاهرة تؤدي عملاً وظيفياً أجره زهيد ظاهرياً لأنّ جهة أخرى تدفع وتدفع كثيراً .. لا تحسب حساباً لهاتفٍ يرنّ .. ولا لبابٍ يُقرَع
لا تخاف من فعلتها
فازداد الخوف عندي .. كأنّ أحداً ما سلّطها عليّ
كأنها مُرسَلة من فرع الآداب وتسجّل شريطاً سرّياً تهدّدني به
لكنني فتشتها مراراً .. وبحثت في حقيبتها وكلِّ خباياها وحتى أزرارها عن آلة تسجيل .. أو شريحة إلكترونية في هاتفها الجوال تبثّ صوراً ومقاطعَ قد أدفع ثمنها لاحقاً .. بدون جدوى
جمالُها ورغبتها الطاغية وأنوثتها الطافحة وعواطفها الجياشة .. كلّ ذلك قد يشفع لها ولي .. كأنك تستلقي في حضنِ حيةٍ لامعة مزركشة طرية أحياناً .. وعضلية أحياناً أخرى .. تلتفُّ عليك حتى تحبسَ أنفاسك .. وتضيع بين العنف واللطف .. كمن يعجنك فوق قالب من الزبدة أو القشطة فتضيع بين القساوة والطراوة ..
تمدّ لسانها وتلعقك فقط ولو لدَغتك فلا بأس .. إذ لا يمكنك الفكاك من احتضانها العذب .. فتسترخي وتستمتع وتستسلم لحية ناعمة تجول عليك جولاتٍ وجولات
باردة كبرود الأفعى قبل المداهمة .. ناعسة تظنها نائمة في البدء .. فتنفش أرياشك أمامها كالطاووس وتستعرض ذيلك الذي تعتزُّ به .. وتتبختر أمامها جيئة وذهاباً .. والحية تراقب لأنها لم تُثَر بعد .. متحفّزة متربّصة بك.. وشبقها للافتراس لم يبلغ عتبة الهجوم بعد .. وهجوم الأفعى مباغت ووحيد .. لكنه بالضربة القاضية
ومرة إثر مرة .. لا أنكر أنني صرت أستمتع بانقضاضها الذي يتأخر أحياناً حسب مقدّماتكَ الغزلية ..ولكنه سيأتي أخيراً .. كالأناكوندا تنقضّ على فيل بخرطوم .. فتراه ضائعاً بين التفافاتها العضلية وتعصره .. وتراه يغيب في طاحونتها إلى القاع .. وتدور به فوق فراشٍ ارتجفت قوائمه استغراباً .. فما خبِر امرأة حتى الآن تقود مسرحية للحب بذلك السلطان وتلك القوة
والفيل مستسلمٌ ضائع بين الكتل العضلية واللحمية الأفعوانية .. خرطومه يؤلمه لأنه مثقل بالماء فلا يسفحه .. ولا مجال لابتلاع مياهه فيزداد احتقاناً .. والأمواج العضلية تكتسح كيانه .. تسمح له بالتنفس قليلاً لتستمتع بأنينه..
ما تلك المعركة أيها السرير ؟
العادة أن تمسك المرأة بقائمتك مستنجدة .. دعني – أنا - أتمسّك بإحدى أذيالك لتخفيف دوران تلك الطاحونة
العادة أن المرأة هي من تتشبّث بشراشفك تجذبها وتسحبها .. وتمزّقها .. الآن شراشفك تدور معي في دورة الحب الأفعواني
ثم تتركني وتتراجع .. تلتف على قاعدتها وينتصب رأسها كالكوبرا .. تراقبك بلا خجل .. وشعرها المنفوش وصدرها العريض يعطيانها حجماً أكبر في استعراضٍ للقوة والسلطان
تمتد يدها لتلعب بقلادة ذهبية ثقيلة مدلاة بين نهديها .. وتلك القلادة هي كل ما ترتديه
ماذا تخبئين في تلك القلادة ؟
تزعجني تلك القطعة الذهبية وتلتصق بصدري كآلة جارحة في عمق احتضاناتك .. حاولت نزعها عدة مرات وترفضين
هنا إذن آلة التصوير الخفية ولاقط التسجيل السري .. فلماذا لا تتخلى عن قلادتها ؟.. وهي التي لابد منها على ما يبدو .. ولماذا تتلاعبين بها فوق سريري؟ .. أظنك الآن تكبسين أزراراً صغيرة فيها ..وتوجّهينها نحوي كعدسة التصوير..
قلت لها ساخراً:
-عرفت سابقاً امرأة ساقطة مأجورة .. كانت تتعرى ببساطة إلا من مصحفٍ ذهبيّ يتدلى من عنقها ..ولا تتخلى عنه .. كشاهدٍ سماوي على انحرافاتها ..فماذا تخبّئين في تلك القلادة الثقيلة؟
لم تُجِبْ طبعاً ..وهل تجرؤ ؟
اكتفت بأن أخفتها بين نهديها .. ودفنتها بينهما .. وكأني وضعت يدي على جرحها .. فجأة أصبحت خجولة وتغيّرت ملامحها .. وكأني كشفت سراً عسكرياً فائق السرية..
تركتها وجذبتُ غطاءً فوقها .. كرجلٍ يتعفّف أمام بضاعة رخيصة ومعروضة على الرصيف..
خرجْتُ من الغرفة .. وتقمّصتُ شخصية المفتش البوليسي الذي اكتشف الجريمة لتوّه .. ومال لإقفال محضر التحقيق منتصراً..
ما لبثَتْ أن خرجت إليّ بُعيد ذلك مرتدية كاملَ حلّتها .. فالجلسة الآن للاعتراف والنطق بالحكم .. عيناها مغرورقة بالدموع لكنها تأبى أن تسيل .. كانت تحمل قلادتها بيدها .. ناولتني إياها كمجرم وصلوا إلى أداة جريمته وثبُتت التهمة عليه بالدليل القاطع
أمسكتُ القلادة بهدوء المحقق البوليسي الذي لايريد إزالة بصمات المجرم .. تفحّصتها .. قلّبتها .. لها قفل تفتحه فتصبح بين يديك كتاباً بصفحتين فقط .. وتحمل كلُّ صفحة صورةً شخصية .. وتتقابل الصورتان إن أطبقتَ الكتاب..
ماهذا ؟..هكذا قلت والدهشة تعتريني ..
هذه صورتكِ ..فمن صاحب الصورة الأخرى؟
قالت بصوت قوي وأقوى من سؤالي الصارم :
-إنه زوجي الحبيب
رميت بالقلادة أرضاً ..فانفلقت صفحتاها .. وتركتها جاثية تلتقطها وتحاول إصلاحها .. ثم رفعَتْ القلادة وقبّلَتْ صورة زوجها
لم أعد أطيق رؤيتها .. فخرجْتُ وتركتها في بيتي وصفقْتُ الباب خلفي .. الحمد لله أنني غير متزوج ولن أتزوج ولن أمسَّ امرأة بعد تلك الحادثة .. هكذا أقسمت
وبدت لي كل النساء العابرات في الطريق خائنات .. وتحملن صور أزواجهن إلى سرائر الخيانة .. أو تمثلن أفعال الخيانة تمثيلاً في بيوتهن وأمام صورة الزوجين المقدسة والمعلقة على الجدار
لا يناقشني أحد .. لا مبرر لأي خيانة زوجية .. ولا مسوّغات لأي خيانة مهما كان نوعها .. ومهما كانت المقدمات التي نسوّقها ونسوقها أمامنا
بعد اتصالات عديدة من طرفها .. استجبْتُ لطلبها بأن أزورها في بيتها في البلدة المجاورة .. وكنت واثقاً بأنَّ مفاجأة ما تنتظرني .. لست خجلاً من جُرمٍ اقترفته ولكني كنت خائفاً كأنني مطلوبٌ إلى فرع المخابرات للتحقيق ولن أعود إلى بيتي بعدها..
استقبلتني بعينين مفتوحتين ورأس مرفوع .. وأنا الذليل
يدها القوية تعتصر يدي كالعادة فأسحبها .. فأنا الضعيف أمامها
أشارت إلى زوجها المسجّى في السرير .. نعم وتذكرْتُ صورته المعلقة في صدرها .. كان ضعيفاً هزيلاً شاحباً .. إثر الشلل الرباعي والسرطان الدماغي الذي ألمّ به ..
قالت وصوتها ما زال قوياً :
-زوجي مصرٌّ أن يتعرّف عليك
وقال الزوج الذي حاول التحرّك فلم يسعفه جسده:
-أعرف أنك تعرف زوجتي وتساعدها .. تلجأ إليك أحياناً .. شكراً لمساعداتك المالية .. شكراً لكل ما تفعله لأجلنا .. حكت لي عنك قبل زواجنا وكنت أكرهك .. ويتكرر اسمك على لسانها كثيراً في الفترة الأخيرة فطلبتُ لقاءك .. أنا ضيفٌ بينكما وعندكما الآن .. وطلبتُ فقط أن أرى وريثي وأعطيه وصيتي وأهبه تركتي
أربع سنوات قضتها معي مُعيلة وممرّضة .. تحملني بذراعيها القويتين كالطفل .. تغسلني وتنظفني وأنا العاجز المفلوج بلا حراك .. تمارس معي رفع الأثقال والتدليك اليومي وأرى عضلات ساعديها تزداد قوة في تمريضي والعناية بي
زوجتي كالجسر الحديدي عبرت بي من ضفة إلى أخرى .. وهي بحاجة لمن يثبّت دعائمها فلا تنهار وننهار معاً
زوجتي امرأة صالحة يا هذا .. مخلصة لي وتحبني .. وأثق بها
زوجتي مستوظفة عندي في سنوات عجزي .. ولم تقصّر في خدمتي .. لم تُدِر لي ظهرها يوماً في غربتي بين أهلي وقرابتي
أكثير عليها أن تتلقى جرعات من الحب ؟؟
ولو فاجأتُها في حضنِ رجلٍ آخر .. سأعرف أنني سأكون معها حاضراً شاهداً ومبارِكاً .. آخذ بيدها كأبي العروس الذي يسلّمها لعريسها .. وأم العروس التي ترقص بالمنديل المدمّى على الباب كعلامةٍ على شرف ابنتها
زوجتي ليست خائنة .. هي صادقة ولا تعرف غيرك فلا تسقطها من حساباتك المستقبلية .. مخلصة لي وستخلص لك كزوجة من بعدي .. زوجتي هي زوجتك أسْلِمها لك قبل أن أسْلِم الروح .. تلك هي وصيّتي
تلك القصة لا تعليق عليها .. لأن الزوج الفقيد أرادها هكذا بلا تعليق من ضمن وصاياه !
د. جورج سلوم
************************