وفي آخر الموسم تلتقط ما تساقط عند جارها البستاني، ويلحظها حين تميل كنعامة وتجمع على عَجَل، وتتأمل الشمس وهي تخترق السماء خارجة من وراء جبل الطير .. حيث بنتها هناك في انتظار مجيئها السنوي.
والبستاني من خلف جداره الممتد يأكل بعينيه تحركات الجسد الصابر بعد رحيل الزوج، هو يتركها تلملم ما تساقط، ويمتطي حصان خيالٍ يكبح بلا هوادة.
***
نفس الطريق المتعرج والمصرف المحيط، جبل الطير ونهر النيل والمراكب العابرة، على البعد عوّامة تقترب وقلب يدق وفرح يزداد، وبنت هناك تنتظر برتقال العام قادماً من الغروب، حيث الطمي ما زال على بكارته، وظلال أشجار صادقتها وهي صغيرة، حيث كانت تلملم وتجري وتقشر في عتمة الحوش، تأكل وتخرج ضاحكة، يفضحها صدرها المبتل ورائحة البرتقال والعصارة الحمراء المنسابة على الوجه البريء.
أيادٍ تساعد، وسبت ينزل، وماكينة تدور، ومراوح تنثر الرذاذ على حصير الماء..
عيال يقتربون، يتأملون المرأة في فرح، كأنما في انتظارها ككل عام، حيت تأتي هنا لتعبر إلى الشاطئ الآخر، وتزيح البشكير الباهت عن وجه السبت، فتتجلى بهجة الثمار الناضجة أمام عيال أتوا من كل الأماكن ومدوا أيديهم، قالت لهم مرات سابقة انها لا تذهب إلى جبل الطير لزيارة موتى، إنما تذهب إلى ابنتها المتزوجة هناك والتي تنتظر الآن برتقالاً أحمر دموياً تحبه، من عند بحر يوسف، هي تشتاق أن تأكل حتى ترتوي، وتسيل العصارة على صدرها وسط ضحكات الموجودين، وتحتضن برتقالتها بين نهديها، تنيمها كطفل وتحدثها ليلاً، وحين يطرق الصباح واجهة البيوت بكف النور ترفعها هكذا في شفيف الضوء وبهجة العيون، وتنطط قدميها الحافيتين على نعومة التراب، تطلقها عالياً حتى تلامس الغمام، وتنتشي مغمضةً عينيها على لعب طفولي وفرحة تغمر الجسد، باسطة يديها في انتظار مددٍ قادم، ووقت يمر شائقاً، وبرتقالة تعود من حجب الفضاء والفرحة، مغسولة بالنور والمطر ودهشة العيون المحيطة، لتحط ناعمة بين يديها المفرودتين.
هي تحكي بامتداد عام مَر، وبلاد تغيرت، وطرق تشعبت، كانت الأعوام السابقة تعبر في المركب الشراعي فيكبو على زبد الموج بين خوفٍ وفرح، وشوق لبنت واقفة تلوّح بكف النسيم على امتداد الشاطئ الآخر، الآن عوامة ورصيف حجري وسيارات تعبر محملة بأحجار مقطوعة من محاجر سمالوط .
تحكي لهؤلاء الأطفال الذين نبتوا فجأة و ملأوا العوامة، قالوا نعرف، ومدوا أيديهم، وتناولوا البرتقال من يديها، أفواه تلوك وسبت ينفذ، وعصارة تكسو الوجوه الشقية بين تخاطف وضحك ودغدغة وتكالب، وبسمة امرأة تمتد بين الشاطئين، وحضن بنت واقفة هناك من الفجرية تفتح ذراعيها بوسع المدي، وترى العيال يخطفون البرتقال ويقلبون السبت ويرمون القشر على صفحة الماء، صوتها المستجير يتعالى بين الشاطئين والنخيل وضحكات العيال وهدير المحاجر، وأشرعة مراكب تشق زجاج الماء:
ـ خلِ واحدة يا أمي ي ي .....
فتقلب السبت الفارغ في يدها، وتنزل إلى الشاطئ، تودعها أيدي العيال الغارقين في الضحك، تتأمل وجه ابنتها المصفر وسحابة حزن توشك أن تمحو البسمة، فتخرج من بين ثنايا الصدر برتقالة صابحة، وتضحك ملء الكون وتهمس:
ـ شايلاها في قلبي يا نور عيني.
وتتلاقى الأحضان، وترتفع البرتقالة عالياً تصافح لبد الغمام.
والبستاني من خلف جداره الممتد يأكل بعينيه تحركات الجسد الصابر بعد رحيل الزوج، هو يتركها تلملم ما تساقط، ويمتطي حصان خيالٍ يكبح بلا هوادة.
***
نفس الطريق المتعرج والمصرف المحيط، جبل الطير ونهر النيل والمراكب العابرة، على البعد عوّامة تقترب وقلب يدق وفرح يزداد، وبنت هناك تنتظر برتقال العام قادماً من الغروب، حيث الطمي ما زال على بكارته، وظلال أشجار صادقتها وهي صغيرة، حيث كانت تلملم وتجري وتقشر في عتمة الحوش، تأكل وتخرج ضاحكة، يفضحها صدرها المبتل ورائحة البرتقال والعصارة الحمراء المنسابة على الوجه البريء.
أيادٍ تساعد، وسبت ينزل، وماكينة تدور، ومراوح تنثر الرذاذ على حصير الماء..
عيال يقتربون، يتأملون المرأة في فرح، كأنما في انتظارها ككل عام، حيت تأتي هنا لتعبر إلى الشاطئ الآخر، وتزيح البشكير الباهت عن وجه السبت، فتتجلى بهجة الثمار الناضجة أمام عيال أتوا من كل الأماكن ومدوا أيديهم، قالت لهم مرات سابقة انها لا تذهب إلى جبل الطير لزيارة موتى، إنما تذهب إلى ابنتها المتزوجة هناك والتي تنتظر الآن برتقالاً أحمر دموياً تحبه، من عند بحر يوسف، هي تشتاق أن تأكل حتى ترتوي، وتسيل العصارة على صدرها وسط ضحكات الموجودين، وتحتضن برتقالتها بين نهديها، تنيمها كطفل وتحدثها ليلاً، وحين يطرق الصباح واجهة البيوت بكف النور ترفعها هكذا في شفيف الضوء وبهجة العيون، وتنطط قدميها الحافيتين على نعومة التراب، تطلقها عالياً حتى تلامس الغمام، وتنتشي مغمضةً عينيها على لعب طفولي وفرحة تغمر الجسد، باسطة يديها في انتظار مددٍ قادم، ووقت يمر شائقاً، وبرتقالة تعود من حجب الفضاء والفرحة، مغسولة بالنور والمطر ودهشة العيون المحيطة، لتحط ناعمة بين يديها المفرودتين.
هي تحكي بامتداد عام مَر، وبلاد تغيرت، وطرق تشعبت، كانت الأعوام السابقة تعبر في المركب الشراعي فيكبو على زبد الموج بين خوفٍ وفرح، وشوق لبنت واقفة تلوّح بكف النسيم على امتداد الشاطئ الآخر، الآن عوامة ورصيف حجري وسيارات تعبر محملة بأحجار مقطوعة من محاجر سمالوط .
تحكي لهؤلاء الأطفال الذين نبتوا فجأة و ملأوا العوامة، قالوا نعرف، ومدوا أيديهم، وتناولوا البرتقال من يديها، أفواه تلوك وسبت ينفذ، وعصارة تكسو الوجوه الشقية بين تخاطف وضحك ودغدغة وتكالب، وبسمة امرأة تمتد بين الشاطئين، وحضن بنت واقفة هناك من الفجرية تفتح ذراعيها بوسع المدي، وترى العيال يخطفون البرتقال ويقلبون السبت ويرمون القشر على صفحة الماء، صوتها المستجير يتعالى بين الشاطئين والنخيل وضحكات العيال وهدير المحاجر، وأشرعة مراكب تشق زجاج الماء:
ـ خلِ واحدة يا أمي ي ي .....
فتقلب السبت الفارغ في يدها، وتنزل إلى الشاطئ، تودعها أيدي العيال الغارقين في الضحك، تتأمل وجه ابنتها المصفر وسحابة حزن توشك أن تمحو البسمة، فتخرج من بين ثنايا الصدر برتقالة صابحة، وتضحك ملء الكون وتهمس:
ـ شايلاها في قلبي يا نور عيني.
وتتلاقى الأحضان، وترتفع البرتقالة عالياً تصافح لبد الغمام.